لم يتح لي أن أرى سمت العلماء الزاهدين الواثقين الصالحين في وجه أستاذ من أساتذتي كما رأيته في وجه أستاذنا الدكتور أمين علي السيد (1920 – 2008) الذي كان يعيش بيننا وكأنه ضيف مشرق قادم من عالم ملائكي لا يعرف ما نعرفه في الحياة الدنيا من خطايا وذنوب وغيبة وانفعال وحرص واقتناص. كان الدكتور أمين علي السيد عالمًا جليلًا هادئ الطبع خفيض الصوت مطمئن الروع مستقيم القصد، ومن العجيب أنه نال عمادة دار العلوم في التسعينيات، حيث كانت الأكتاف تتدافع إليها، لكنه نال العمادة وأعطاها حقها، وانتهى منها دون أن ينشئ عداوة أو يخلق صراعًا أو يخلف نزاعا.
كان علم الدكتور أمين علي السيد صورة صادقة من نفسه الهادئة الواثقة المتصالحة، وكان أداؤه الإداري والتنفيذي والمجمعي صورة من هذه النفس المؤمنة بأن ما أصابها لم يكن ليخطئها وأن ما أخطأها لم يكن ليصيبها، وهكذا عاش هذا الرجل حياته في سلام نفسي نادر قلّ أن يتاح للأساتذة الجامعيين الذي يحرصون على التأجج، لكنه بطبيعته الهادئة كان قد أحب النحو علمًا مستقرًا، وتطبع بطباع وخصال العلم المستقر، فلم يغر نفسه ولا غرّها بالتجديد ولا بالثورة وإنما شغلها بالتجويد والإتقان.
ولد الدكتور أمين علي السيد بقرية صافور بمركز ديرب نجم محافظة الشرقية. وتلقى تعليمًا دينيًا تقليديًا بدأ بكتاب القرية، وفيه حفظ القرآن وجوَّده. وفي معهد الزقازيق الديني الأزهري قضى سنوات دراسته الابتدائية والثانوية تسع سنوات، ثم التحق بكلية دار العلوم؛ حيث تلقى علومها، وكان من أساتذته: حامد عبد القادر، وإبراهيم أنيس، وعلي النجدي ناصف.. وتخرج منها عام 1946 في الدفعة التي ضمت زملاءه الأساتذة الدكاترة كمال بشر وعبد الرحمن السيد ومحمد بدوي المختون. وعلى عادة خريجي دار العلوم في ذلك العهد، فقد استكمل مقومات العلم التربوي بأن التحق بمعهد التربية لمدة سنتين وتخرج فيه، وعينته وزارة المعارف مدرسًا بإحدى مدارسها النموذجية، ثم أعير للعمل في السودان لمدة ثلاث سنوات.
وواصل الدكتور أمين السيد دراساته العليا أثناء عمله بالتدريس حتى نال درجة الماجستير من كلية دار العلوم 1962 برسالة عن كتاب «المقتضب في النحو» للمبرد. ثم نال درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى من الكلية نفسها، برسالة عن: «الاتجاهات النحوية في الأندلس وأثرها في تطوير النحو» عام 1964، وكان بحثه هذا امتداد بفلسفة النحو إلى حيث تأثرت بالبيئة الحضارية في الأندلس، فطورت من مفاهيم المدرستين التقليديتين في الكوفة والبصرة.
بعد حصوله على الدكتوراه، عين الدكتور أمين على السيد مدرسًا للنحو والصرف والعروض بكلية دار العلوم وتدرج في وظائف التدريس أستاذًا مساعدًا فأستاذًا. وفي أثناء ذلك أعير لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لمدة أربع سنوات، وظل طوال عمله بها أستاذًا ورئيسًا لقسم النحو والصرف وفقه اللغة. وأسس في تلك الجامعة مدرسة علمية في النحو والصرف والعروض وأشرف بنفسه على طائفة من رسائل الماجستير والدكتوراه.
شارك الدكتور أمين على السيد في إعداد المناهج لفرع كلية اللغة العربية بالأحساء، وفي وضع لائحة المعهد الإسلامي بمقديشو بدعوة من المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم.. واتصل نشاطه بالمحيط الثقافي لجامعة الإمام، فشارك في ندوة الأدب الإسلامي التي أقامتها تلك الجامعة سنة 1981. بعد انتهاء مدة إعارته عاد الدكتور أمين السيد ليستأنف عمله بكليته أستاذًا للنحو والصرف والعروض. وفي عام 1983 عين وكيلًا للكلية لشؤون الدراسات العليا والبحوث، وكان العميد هو الدكتور أحمد هيكل، ثم خلف هو نفسه الدكتور هيكل عميدًا للكلية من 1984 وحتى 1986.
انتخب الدكتور أمين على السيد عضوًا عاملًا بالمجمع عام 1987، وشغل الكرسي الخامس عشر في المكان الذي كان قد خلا باستقالة الأستاذ توفيق الحكيم. وهكذا كان ثالث من شغل كرسيا لا يزال صاحبه على قيد الحياة، وقد سبقه في ذلك الأستاذ حسن القاياتي الذي شغل الكرسي التاسع عشر الذي استقال منه الشيخ محمد مصطفى المراغي، والأستاذ حامد عبد القادر الذي شغل كرسي الأستاذ عيسى إسكندر المعلوف الذي استعفي من العضوية بناء على طلبه، ولحق به رابع من شغل كرسيا في حياة صاحبه السابق وهو الأستاذ إبراهيم البسيوني الذي شغل كرسي الأستاذ تمام حسان (وهو الكرسي السابع والعشرون) عند استقالته. وكان للدكتور أمين على السيد نشاط مجمعي واضح، فكان عضوًا في لجنة المعجم الكبير، وعضوًا في لجنة الأصول.
وصف الدكتور شوقي ضيف أسلوب الدكتور أمين علي السيد في التأليف النحوي فقال إنه: «آثر أن يعرض الكتاب على طلابه في صورة ميسرة تخلو من عقده الكثيرة». كما وصف الدكتور شوقي ضيف كتابه في علم النحو بأنه اتبع نسق ابن مالك في ترتيب أبواب النحو في ألفيته المشهورة، مع محاولة اليسر في العبارة والإجمال في التفسير والاقتصار على الرأي السديد، وأكثَرَ فيه من الأمثلة والشواهد التي تعين على استيعاب القواعد وتمثلها تمثلًا دقيقًا». وللدكتور أمين علي السيد من المؤلفات النحوية:
– دراسات في علم النحو، في ثلاثة أجزاء، وهو كتاب جامعي نموذجي، نشرته دار المعارف بمصر في عدة طبعات، جعل الجزء الأول وجيزًا، وجعل الجزء الثاني مبسوطًا وكذلك الثالث.
– دراسات في علم الصرف، نشرته دار المعارف بمصر عدة طبعات، وصفه أنداده أنه صنو كتابه في علم النحو في يسر العبارة، ودقة التقسيم وكثرة الأمثلة والاقتصار على الرأي الراجح.
– دراسات في علمي العروض والقافية، نشرته دار المعارف بمصر.
– العامي الفصيح في المعجم الوسيط 2006م.
تحقيقه لكتاب محمد بن الحسن الزبيدي الأندلسي «الواضح في علم العربية»، وقد عني بتحقيقه ونشره، ووضع له مقدمة تحدث فيها عن عصر الزبيدي ونشأته وسيرته وثقافته ومؤلفاته وكتابه الواضح ومخطوطاته مقارنًا بينها في دقة، وألحق بالكتاب قائمة تفصيلية بمراجع تحقيقه.
ـ مقالة عن شرح كتاب سيبويه، لأبي الفتح القاسم بن علي البطليوسي الصفار، نشرها في مجلة كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
– مقالة عن المقدمة الجزولية في النحو لعيسى الجزولي المغربي، وهي الحواشي التي أفادها الجزولي من أستاذه ابن بري النحوي اللغوي المصري، نشرها في مجلة كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
– حول حذف ألف كلمة (ابن) بين الأعلام، الجزء 62 من مجلة المجمع.
– العامي الفصيح: شذور من وحي هذا العنوان، وهو بحث يحصي العامي الفصيح في المعجم الوسيط في حروف الهمزة والباء والتاء والثاء، مجلة مجمع اللغة العربية الجزء 66، والأجزاء 76، 85، 88، 92، 99 من مجلة المجمع.
– نماذج من تعارض الصيغ في مضعف الثلاثي ومضعف الرباعي الجزء 79 من مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا