الرئيسية / المكتبة الصحفية / مقالات الجزيرة / الجزيرة مباشر / نيريري: الذي ابتلع دولة عربية مسلمة لكنه ازداد فقرا

نيريري: الذي ابتلع دولة عربية مسلمة لكنه ازداد فقرا

فيما بين الرؤساء الأفارقة الذين تولوا الرئاسة بعد الحرب العالمية الثانية والإنهاء الشكلي للوجود الاستعماري في إفريقيا يأتي الرئيس جوليوس نيريري (1922 ــ 1999) ليُمثل أبرز نموذج للطاغية السفّاح الذي مارس كلّ صنوف الطغيان والوحشية ضد المسلمين من أجل إرضاء نزعته المتعصّبة دون أن يكون له هدف آخر أو أن يحقق هدفاً آخر في ميادين التنمية أو التربية فكأنه صعد للرئاسة ليذبح المسلمين وليقضي على الوجود الإسلامي فحسب.
ومن العجيب أنه نال الرئاسة من دون كفاح مسلح أو حرب تحرير وكأنه قدر له أن يدخر قوته للاعتداء على جارته العربية المسلمة والاستيلاء عليها وعلى خيراتها. بذل الرئيس جوليوس نيريري جهوداً فائقة في هذا الطريق وأباد من المسلمين أعداداً كبيرة من دون أن يتحقّق له أيّ مجد، فقد كان يتمتع بالغباء العقلي والغباء القلبي معاً، ولم يستطع أن يُقدم لمواطنيه أيّ أمل في أيّ مستقبل مكتفياً بما وجده من التقبل الناصري لسلوكه ، و التغاضي الغربي عن جرائمه، والتشجيع المتعصب لهذه الجرائم، وسعادته حين شعر بأنه انتصر على مواطنين عُزّل وأنه حقّق ما لم يُحققه غيره من إنهاء سلطة الوجود العربي في إفريقيا الذي كان يتمثل في زنجبار التي ضمّها نيريري لتنجانيقا على مرحلتين متعاقبتين كانت الأولى تدليسا بمسمى انقلاب ، و الثانية عنوة بمسمى وحدة ، في إطار ما عرفه العالم منذ ذلك الحين باسم تنزانيا.
منارة افريقيا

كانت زنجبار جزءا لا يتجزأ من سلطنة عمان منذ القرن السابع عشر الميلادي وكانت منارة وجود عربي وإسلامي في إفريقيا وامتد تأثيرها ولا يزال مُمتداً في قلب إفريقيا و الكونغو ومنطقة البحيرات الاستوائية. لكن زنجبار التي استقلت في 1963 لم تتمتع باستقلالها الذي حصلت عليه إلا لفترة قصيرة جداً حيث استولى عليها نيريري من خلال الخطوتين اللتين أشرنا إليهما بدءا بانقلاب عسكري دموي موالٍ له على نمط ما كانت سياسة الاستحواذ على الدول المجاورة قد رُسمت في معامل المخابرات الامريكية. وهو نموذج لم ينجح منذ تمت هندسته على الورق إلا في زنجبار حيث قام الانقلاب العسكري ليُمهد لانضمام زنجبار تحت جناح تنجانيقا في دولة واحدة يرأسها نيريري.
وقد واكب هذا أكبر مذبحة بشرية عرفها التاريخ حتى ذلك الحين ، حيث أبيد ما يقرب من مائة ألف مسلم في خلال أقصر فترة ممكنة، وسرعان ما اذاب الانقلاب العسكري الزنجباري (الذي كان وراءه الرئيس جوليوس نيريري ) بلاد زنجبار نفسها في دولة تنجانيقا ،على طريقة أقرب ما تكون إلى ما نعرفه في الاقتصاد المعاصر باسم “الاستحواذ” مع إعطاء مسحة إرضاء شكلية للمسلمين بتغيير الاسم إلى تنزانيا، وقد بلغ الخبث بنيريري أنه لما أعلنت الوحدة بين تنجانيقا وزنجبار في 1964 سميت الدولة أولاً باسم جمهورية تنجانيقا و زنجبار الاتحادية ثم سرعان ما تم تغيير الاسم في وقت لاحق من العام نفسه إلى”الجمهورية التنزانية المتحدة” في تقليد ممسوخ لتجربة الرئيس جمال عبد الناصر في الجمهورية العربية المتحدة (مع أن الانفصال السوري كان قد حدث لكن الرئيس عبد الناصر ظل كما نعرف متمسكا بالاسم حتى مماته) وكان يهدف من هذا بالطبع لإخفاء كلمة زنجبار من اسم الدولة المتحدة بكل ما يوحي به الإخفاء لكن كلمة زنجبار لم تختف لحسن الحظ و ظلت موجودة بكل ما تمثله من ماضيها العريق .
تأييد عبد الناصر له

ومن المؤسف أن هذا الانقلاب العسكري الذي لم يكن يهدف إلا إلى إنهاء الوجود العربي ، غلّف نفسه بالغلاف الشيوعي التقدمي في حقبة انتشار الشيوعية في بلدان العالم الثالث ، وبهذا الغلاف تطوع زعيم علربي كبير هو الرئيس جمال عبد الناصر بتأييده ليُسجّل بهذا التأييد المعنوي والمادي نقطة من أكثر النقاط اسوِداداً في تاريخه الذي لم يخْلُ من وقائع مُشابهة وقف فيها ضد الإسلام ومع كلّ من هم ضد الإسلام.
لكن موقف الرئيس جمال عبد الناصر في زنجبار كان أكثر سواداً من كلّ مواقفه الأخرى في عداء المسلمين
لأنه كان يتعارض أيضا مع ما كان ينادي به ويستظل به من دعوته للقومية العربية ، وها هو يقتل القومية العربية قتلا غير رحيم بموقفه المتخاذل و المتواطئ في زنجبار التي كانت تمثل له هو نفسه عُمقاً استراتيجياً ضحى به بسهولة من أجل الرضا الغربي في الوقت الذي كانت الجماهير حتى في أمريكا اللاتينية ترفع صورته وتماثيله باعتباره نموذجاً للتمرّد على الهيمنة الأمريكية والغربية.
وهكذا خان الرئيس جمال عبد الناصر بهذا الموقف نفسه ومبادئه ودعوته بل وخان مجده الذي كان حتى ذلك الحين لا يزال يتراكم مع الزمن بسهولة رغم كثرة العداوات
وإذا بالرئيس عبد الناصر نفسه يبدأ من دون انتباه في هدم هذا المجد وينتقص منه بمثل هذا الموقف الذي لا يصدُر عن أيّ سياسي تسنده دراسات استراتيجية عاقلة او متعقّلة ، ومنذ ذلك الحين بدأت السياسة الغربية تتعامل مع المد الناصري على أنه قد سقط بدون صوت .
وإذا قيل إن مدرسة الدبلوماسية المصرية ( والمخابرات المصرية ) كانت ذات شأن كبير في إفريقيا فإن موقف الرئيس جمال عبد الناصر من زنجبار كان كفيلاً ببداية النجاح في القضاء على أي شأن أو أيّ فخر للدبلوماسية المصرية في إفريقيا وبخاصة إذا علمنا أن مصر نفسها كانت قد سمت سفيراً مصريا في زنجبار، وكان من المفترض أنه في طريقه لتولي منصبه.
ومن الغريب أنه لما بدأ الرئيس نيريري يواجه الانتقاد و الهجوم على مشاركته في مذبحة الإبادة الجماعية التي ارتكبها حلفاؤه في حق المسلمين الزنجباريين فإنه وجد العون من قوى لم يكن العرب المسلمون ينتبهون بالقدر الكافي إلى عمق عدواتها للإسلام فقد وجد العون من المنظرين الأفارقة المزورين الذين صوّروا الأمر على أنه يتعلق بالقومية الإفريقية وأن إفريقيا للإفريقيين ومن ثم فلا محل للعرب فيها، باعتبارهم غزاة .
ومع هذا التدليس المعروف عند بعض اليساريين فقد ظلت مذبحة زنجبار أصعب تحد ينتقص من فكرة بناء الدولة الوطنية في أفريقيا على حساب المواطنة العربية في القارة السوداء، واعتبارهم مستوطنين.
ومع أن مثل هذا القول كان في غاية الإحراج لأكبر أنصار الرئيس نيؤيؤي وهو الرئيس جمال عبد الناصر المنادي بالقومية العربية فإن مما يؤسف له أن تحالفات عبد الناصر قصيرة النظر و الحافلة بالأحقاد غير المبررة كانت أهم عنده بكثير من استنقاذ أرواح نساء و أطفال شعب عربي من الإبادة ، بل إن عبد الناصر رحب بهذه المذبحة لسبب شاذ وهو أنها كانت تضمن له سقوط دولة سلطان عربي، في ظل سعيه المريض إلى التخلص من سلاطين عرب رجعيين آخرين ، وهكذا تحققت المفارقة المأساوية بأن يهلك شعب عربي بتأييد من صاحب الدعوة إلى القومية العربية. وأن يصور الأمر زورا على أن عبد الناصر كان داعماً لثورات التحرر الوطني في أفريقيا.
وهكذا جاء اعتراف عبد الناصر السريع بالانقلاب العسكري في زنجبار و اعترافه بالنظام الجديد، مفاجئا للعالم الغربي في الوقت الذي كانت بعض الدول الأوروبية والأسيوية ودول قارة أمريكا الجنوبية ترفض شرعية هذه الحكومة القاتلة
وقد بادر الرئيس جمال عبد الناصر بتقديم التهنئة لعبيد كرومي المجرم القاتل على تسلمه السلطة في زنجبار ، وكان هذا متفقا في الظاهر مع ديدنه في الفرحة بأي انقلاب عسكري جديد حتى لو كان الانقلاب على عسكر متحالفين معه وحتى قيل إنه مستعد لأن يؤيد أي انقلاب عسكري في مصر قبل أن يتعامل معه بالإبادة !. واعترف الرئيس جمال عبد الناصر بما قدم للناس على أنه اتحاد زنجبار مع تنجانيقا ، وكرس هذا الاعتراف السريع غير المطلوب و غير المشروط في القمة الإفريقية التي عقدت في القاهرة في 1964، ورحب عبد الناصر بالرئيس جوليوس نيريري رئيس تنزانيا في القاهرة، بل إنه قام بإغلاق بيت الزنجباريين الذي كان قائما في منشية البكري بالقرب من بيت الرئيس عبد الناصر نفسه .
من ناحية ثالثة فقد تولى الفكر الماركسي الزنجباري الذي مثله عبد الرحمن بابو زعيم حزب الأمة، وعضو مجلس قيادة ثورة 1964 ما يتولاه العملاء السذج قصير النظر في مثل هذه الكوارث. وروج عبد الرحمن بابو لفكرة أن من قام بالثورة الزنجبارية المزعومة وما ترتب علىها هم البروليتاريا الرثة التي سرعان ما جري استبعادها من دفة الأحداث لتتولي قيادتها قوي ثورية اجتماعية مسؤولة. وظل بابو يقدم هذه التفسيرات المزورة ليغطي بها على مذبحة العرب المسلمين من حيث هي قتل على الهوية وتطهير عرقي وإبادة (جنوسيد) بنسبة ١٠٠ ٪.
ومن ناحية رابعة فقد تمت مذبحة إبادة العرب المسلمين في حقبة الحرب الباردة التي كان تستهدف كسب رجال السياسة الأفريقيين لسياسات القوتين العظميين، ومع ان المعسكر الاشتراكي استبشر في البداية بثورة زنجبار الموصوفة في أدبيات تلك الفترة بـأنها “كوبا أفريقيا”، فإن الغرب كان يعرف أن هذه الثورة لا تعدو أن تكون حربا على الإسلام وهكذا رحب الغرب سريعا بما انتهى إليه الانقلاب العسكري من التخلص من زنجبار نفسها وكلها بضمها على طريقة الاستحواذ لتنجانيقا المتخلفة عنها.
على صعيد خامس فإن مناخ التعتيم الإعلامي وغياب الرأي والرأي الآخر تكفّل ببقاء الجريمة مستورة إلى حد ما، لكن التاريخ كفيل بفضح من يتسترون على الجرائم.
و إذا كان الشئ بالشئ يذكر فإن الرئيس جوليوس نيريري لم يكتف في عدائه للإسلام بالمذابح والتعسف و الإقصاء وتغيير الواجهات والتوجهات بل إنه في 1973 قرر نقل العاصمة من دار السلام التي هي درة إفريقيا على المحيط الهندي في منطقتها وهي مدينة عربية إسلامية منذ العصر الأموي (٥مليون نسمة) إلى عاصمة جديدة هي دودوما (ربع مليون نسمة).

كيف فضح التاريخ جريمته

أسدل المتنفذون في السلطات سترا كثيفة على فضيحة موقفهم مما حدث في زنجبار لكن جاذبية الحدث وقسوته دفعت الكاميرا التي لا تعرف مثل هذه الحسابات إلى تصوير بعض المشاهد الحية بواسطة التليفزيون الإيطإلى في الفيلم الوثائقي «وداعا أفريقيا» عام 1966، وعَرَض الفيلم مذبحة زنجبار ضمن فظاعات أفريقية وقعت بعد استقلال بلدان القارة السمراء. وفي ذلك الفيلم يري المشاهد -على الطبيعة- كيف كان العرب يُساقون للقتل على الهوية، والمقابر الجماعية التي ضمت رفاتهم، وقد احتج سفراء في أفريقيا في إيطاليا على الفيلم الذي صدمهم عنفه، حيث كان استقلال القارة لايزال يعيش البهجة.
وينسب إلى دبلوماسيين أميركيين القول المشهور: “لو كنا نتكلم في 1964 بلغة اليوم لوصفنا محنة العرب في الجزيرة في تلك السنة بـالجنوسايد [أي الإبادة الجماعية] لا مواربة”.
وفيما بعد أعوام عندما بدأ الغرب سياسته الرامية إلى التخلص من الجنرال عيدي أمين رئيس أوغندا بعدما أعلن إسلامه ، فقد أوتي هذا الرئيس الأوغندي من مكمنه حين طرد الهنود الذي كانوا يسيطرون على اقتصاد أوغندا منذ زمن الاحتلال البريطاني و طالب بأفرقة الوظائف ورفع شعار أن إفريقيا للإفريقيين . وعندئذ روج الغربيون حملة إعلامية لتصوير عيدي أمين رئيس أوغندا متهما بالعنصرية لقيامه بطرد العناصر الآسيوية في أوغندا، وفي مقابل هذا فقد صوروا الرئيس جوليوس نيريري صاحب الماضي العنصري الفظيع والفادح وكأنه أصبح رجل سلام ومكافحا للعنصرية ، و روجوا لهذه الفكرة الزائفة بمشاركة نيريري المظهرية في صياغة بيان لوساكا الداعي إلى تعاون العرقين الأبيض والأسود من أجل مصلحة إفريقيا، وسرعان ما تطور الاختلاف بين هذين الرئيسين إلى قيام الجيش الأوغندي بغزو تنزانيا 1978، ورد الرئيس جوليوس نيريري بغزو أوغندا سنة 1979 والإطاحة بالرئيس عيدي أمين، بمساعدة الغرب، وبزعم وجود مساعدة من المعارضة الداخلية، وبهذا تمكن نيريري من إعادة زميله ملتون أوبوتي إلى حكم أوغندا.
وهكذا فان هذا الطاغية الذي هو الرئيس جوليوس نيريري الذي قتل العرب والمسلمين تحت دعوى أن إفريقيا للإفريقيين هو نفسه الذي صورته الأدبيات الغربية على أنه تصدى لعيدي أمين متبنيا عكس ما كان يدعو إليه ، و لم يتصد له بالحملات الدعائية أو المواقف السياسية فحسب وإنما تصدى له بالحرب، بسبب هذا الموقف السياسي الذي يُمكن تصنيفه بلغة الغرب المزدوجة على أنه موقف فكري، لكن هذا الموقف الفكري كان تبريراً غربيا منافقا لأن يقوم نيريري ممثلاً للغرب وبدعمٍ منه بغزو أوغندا وإسقاط حكومة عيدي أمين وتسليم السلطة لعدو عيدي أمين.
ومع أن نيريري بدا وكأنه انتصر وحقق نجاحا آخر، فإن النفقات المالية لإطاحته بالرئيس الأوغندي أسهمت في تدهور نظام نيريري نفسه بأكثر مما كان متدهورا.
وقد أدى الرئيس جوليوس نيريري هذا الدور الإمبريالي الاستعماري بأريحية عالية ومن دون أن ينال عليه أيّ مقابل اكتفاء بتحقيقه لحقده على الإسلام وعنصريته، وكانت النتيجة أن ازدادت بلاده فقراً ومعاناة، وأثبتت سياساته فشلها في وقت لم يكن المعادون للإسلام قد بدأوا يحصلون على الدعم الوفير من الإمارات العربية المتحدة المعادية للإسلام.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن كثيرين من الأوغنديين الذين شهدوا تلك الفترة وعانوا بطش نظام عيدي أمين، لا يطيقون حتى الآن سماع اسم الرئيس جوليوس نيريري، لأنه أتي بملتون للسلطة في أوغندا وكان الرئيس ملتون أكثر قمعا وديكتاتورية من الرئيس عيدي أمين.
وهكذا سقط الرئيس جوليوس نيريري بحكم المنطق والواقع ، فأعلن عن تنحيه عن الرئاسة ، وأعلن عن تفرغه للحزب، ثم إنه أعلن بعد ذلك في فلسفة فارغة أنه لم يستقل وإنما غيّر موضع قدمه وكان نيريري موهوبا في اللعب بالألفاظ على قدر فشله في التنمية، كما كان موهوبا في التآمر من أجل نفسه على قدر فشله في الحكم الرشيد.
ومع كل هذا التآمر من الرئيس جوليوس نيريري ضد شعبي زنجبار وأوغندا وضد شعب تنجانيقا نفسه فقد روج إلىساريون لنيريري على أنه من رموز الوحدة الافريقية ودعاتها مع نكروما في غانا، وسنجور في السنغال، وكينيث كاوندا في زامبيا، وبالطبع فإنهم صوروه من أبرز نشطاء حركة عدم الانحياز.
نشأة نيريري وتكوينه

على سبيل الإجمال و التلخيص فقد كان الرئيس جوليوس نيريري سياسيا تقليديا بسيطا ، ولد عام 1922 وأُتيحت له فرصة التعلم في بريطانيا فدرس في إدنبره ما بين 1949 و1952 وعاد فأصبح مدرساً في بلاده ولما تأسس الاتحاد الوطني الافريقي في تنجانيقا أصبح هو رئيس هذا الاتحاد الذي سلم له الاحتلال البريطاني السلطة بيسر وسلاسة .
ولد الرئيس جوليوس نيريري في منطقة بوتياما في إقليم بحيرة فكتوريا كان والده أحد رؤساء قبيلة زاناكي المحلية. تلقي تعلىمه الأول في إرساليات المدارس الكاثوليكية فبدأ تعلىمه الأولي في بلدة «موسوما» ثم انتقل إلى مدرسة «تابورا» الثانوية التابعة للكنيسة الكاثوليكية، مما أدي إلى إعلانه تمذهبه بالمذهب الكاثوليكي في العشرين من عمره.
تابع الرئيس جوليوس نيريري دراسته في كلية «ماكيريري» بأوغندا ليصبح معلماً، وعمل في سلك التدريس في أكثر من مدرسة حتى سنة 1949، عندما التحق بجامعة أدنبره البريطانية، على نفقة الحكومة المحلية وحصل على درجة الماجستير في التاريخ والاقتصاد السياسي سنة 1952،
وعقب عودة الرئيس جوليوس نيريري من بريطانيا عمل بالتدريس في كلية «سان فرانسيس» بمدينة «يوكو» وتتحدث الأدبيات الممجدة له عن أنه تفاني في محو الأمية المنتشرة بين مواطنيه،
كانت والدته موجايا هي الزوجة الثامنة عشرة لأبيه، لكن نيريري لم يتبع تقإلىد الأسرة القبلية في الزواج، فاقترن بامرأة واحدة هي السيدة ماريا وتزوج ١٩٥٣.

تفرغه المبكر للعمل السياسي

تفرغ الرئيس جوليوس نيريري للعمل السياسي بهدف تحقيق استقلال بلاده أمام الهيئة الدولية سنتي 1955-1956، وأصبح على نحو تلقائي ممثل بلاده الدائم في المحافل الدولية. قررت الإدارة البريطانية تعيينه عضواً في المجلس التشريعي، لكنه استقال منه سنة 1957 احتجاجاً على التباطؤ في إصدار قرار الاستقلال.
يصور أنصار الرئيس جوليوس نيريري المروجون له أن السياسة البريطانية كانت تكرس القبلية وتشجع الزعامات التقليدية في إفريقيا، لكنه أصر على مقاومة هذا التوجه ودفع الشعب إلى التخلي عن تلك العادات القبلية السلبية، ونجح في توسيع أنشطة حزبه لتشمل المناطق والشرائح الريفية والعمإلىة، بعدما كانت قاعدة الحزب تعتمد على أبناء المدن، كما اكتسب ثقة النقابات العمإلىة التي كان ظهورها قد تبلور منذ عام 1947 عقب عودة الجنود من الحرب العالمية الثانية.
وبالتدريج، ومع زيادة عدد الأعضاء الأفارقة في الجمعية التشريعية أخذ نيريري في الدعوة إلى الاعتراف بحق تنجانيقا في الحكم الذاتي، وطالب بريطانيا بالالتزام بميعاد محدد للاستقلال، مما دفع سلطات الاحتلال البريطاني للقبض عليه وسجنه، فزادت شعبيته وصار أيقونة للنضال لدي مواطنيه.
اقترح الرئيس جوليوس نيريري أن تحصل بلاده على الاستقلال عام 1959، فلما رفض طلبه استقال من المجلس التشريعي الذي كان قد انضم إليه عام 1957، وبعد مقاومة سلبية للاحتلال – تضمنت الامتناع عن دفع الضرائب، أعيد تعيينه في المجلس التشريعي سنة 1960
وحين أجريت الانتخابات حصل حزب نيريري (الاتحاد الوطني) على أغلبية تشبه الإجماع إذ حصل على 70 مقعداً من أصل 71 مقعدا. وأصبح رئيساً للوزراء في 1960 تمهيداً ليتسلّم السلطة مع إعلان الاستقلال الذي كان تقرّر أن يكون في 1961. وفي 1962 ترك رئاسة الوزارة ليتولى رئاسة الجمهورية عندما أعلنت الجمهورية.
وشهد عام 1964 إعلان الاتحاد بين تنجانيقا وجارتها «زنجبار» التي كانت قد حصلت على استقلالها عام 1963، فتوحد البلدان في دولة واحدة سميت كما أشرنا باسم “الجمهورية التنزانية المتحدة”، واختصارا “تنزانيا» وانتخب الرئيس جوليوس نيريري رئيساً لهذه الدولة الجديدة سنة 1965كما أنتخب السياسي الزنجباري الشيوعي عبيد كرومي رئيس زنجبار نائبا للرئيس.
أعيد انتخاب الرئيس جوليوس نيريري رئيسا لتنزانيا في أعوام 1970، 1975، 1980 وهكذا ظل الرئيس جوليوس نيريري رئيساً لبلاده حتى 1985 حين أزاحه الشعب.
ظلّ الرئيس جوليوس نيريري يمارس التسلط والديكتاتورية في رئاسته البطريركية من دون أي نجاح اقتصادي أو تنموي مُكتفيا بعلاقته بزعماء من طراز الرئيس عبد الناصر والاتحاد السوفييتي وعدم الانحياز وما إلى هذا من الكائنات السياسية التي كان أمثاله من زعماء العالم الثالث يدورون ويعاودون الدوران في فلكها.
وطبقا للنظام الدوري في رئاسة منظمة الوحدة الإفريقية فإنه في العام الأخير من رئاسته كان يتولى رئاسة منظمة الوحدة الإفريقية خلفا للرئيس الإثيوبي منغستو مريام، وقد خلفه في رئاسة هذه المنظمة الرئيس السنغإلى عبده ضيوف.
استقال الرئيس جوليوس نيريري سنة 1985 من رئاسة جمهورية تنزانيا، وخلفه الرئيس على حسن المولود (1925) وكان رئيسا لزنجبار ما بين يناير 1984 واكتوبر 1985 ونائبا لرئيس تنزانيا، وقد رأس تنزانيا ما بين 1985 و1995
وعندما تقاعد نيريري عام 1985 فإنه ابتكر كلمة سواحيلية جديدة هي «كونجا توجا» بمعنى «التقاعد عن العمل»، وهكذا برر تركه العمل السياسي الرسمي، لكنه تدارك هذه العبارة بعدما هدأت الثورة ضده فاستبدل بالمصطلح القديم قوله: «أنا لم أتقاعد، بل غيرت موقع قدمي»، وقد ظل يتزعم الحزب السياسي الوحيد أو ما سماه هو ب الحزب الثوري الذي أسسه سنة 1977 بعد دمجه بحزبه القديم وحزب أفرو شيرازي في زنجبار. وظل رئيسا له حتى العام 1990، كما ظل صاحب نفوذ كبير في تنزانيا طيلة حياته.

نجاحاته اللغوية

على الرغم من كل ما نأخذه على الرئيس جوليوس نيريري من طغيان وضيق في الأفق وتسلط فإننا بحكم حبنا للغة والتوحيد اللغوي نذكر له نجاحه البارز في توحيد لغة بلاده ، والتزام هذه البلاد رغم تعدد قبائلها وبيئاتها باللغة السواحلية، وقد استطاع بهذا التوحيد اللغوي إذابة الفوارق بين أكثر من مائة قبيلة وإثنية جمعتهم تلك اللغة الواحدة التي كانت منتشرة على ساحل المحيط الهندي بمساعدة العرب والمسلمين ، كما انتشرت في شرق القارة ووسطها.ولولا أنه كان متعصبا دينيا لكان في وسعه أن يلجأ بخطوة جرئية إلى اللغة العربية التي تشترك معها اللغة السواحلية في كثير من مفرداتها ومقوماتها ، ويكسب بها بعداً استراتيجيا هائلاً لبلاده التي كانت تعرف العربية وتستعملها في كير من مناطقها ، لكنه التعصب الأعمى والانبهار بالسلوك العنصري الذي مثله زعماء ثلاث جبهات قريبة منه رفعت شعار القومية رغم الفارق بين سياساتها وهي : العرب و إسرائيل وهيلاسيلاسي مع اختلاف نزعات هذه الجبهات الثلاث.
وقد بذل الرئيس جوليوس نيريري نفسه جهداً في إحياء هذه اللغة وتغذيتها وهو الذي ترجم إليها عملين من أعمال شكسبير.

حفاظه على النسل و الأسرة

يُذكر للرئيس جوليوس نيريري على صعيد ثان أنه في ظل تنامي دعوات تنظيم الأسرة التي كانت تمولها الولايات المتحدة الأمريكية وتلح على الدول الفقيرة في الأخذ بها فإنه التزم بعقيدته الكاثوليكية وكان له سبعة من الأولاد خمسة أبناء وبنتين، ويُذكر له انه لم يُرحب بمثل هذا النشاط الهدام على نحو ما انخدع زعيم اندونيسيا الجنرال المسلم محمد سوهارتو أو زعماء الصين الشيوعيين، وهنا لا بد لنا أن نُثني على جانب من الجوانب الإيجابية للتعصب الديني بكل مرارته و هو الجانب الذي يكفل حماية الملتزمين من كثير من النزعات الإمبريالية للغرب..
يجدر بالذكر أن تنزانيا من حيث الموقع دولة محورية وفاصلة ورغم استمتاعها بالوقوع على المحيط الهندي بشاطئ كبير فإنها ترتبط أيضا بحدود سياسية مع ثماني دول إفريقية بينما تطل من الشرق على المحيط الهندي أما في الشمال فإنها تشترك في الحدود مع كينيا وأوغندا وفي الجنوب مع موزمبيق وزامبيا وملاوي وفي الغرب مع الكونجو الديموقراطية وبوروندي ورواندا.

توجهاته الاقتصادية الكارثية

كان الرئيس جوليوس نيريري طاغية صريحا بلا مواربة، وكان يعلن أنه يرفض ديمقراطية الانتخابات في صراحة بالغة، متعللا بأن دول إفريقيا الناشئة لا يمكنها تحمل تهديد وجودها بالنزاعات الانتخابية، ولذلك حكم عن طريق الحزب الواحد، وكان قاسياً في إدارته على كل من ينادي بغير هذه الأفكار حتى على أقرب أصدقائه.
أما في الاقتصاد فقد كرر الرئيس جوليوس نيريري مراهقات الرئيس عبد الناصر الفكرية من دون أي خجل، فدعا إلى اشتراكية من نوع جديد ترتكز على التكافل العائلي، وعرضها على مواطنيه والعالم سنة ١٩٦٧في وثيقة إعلان أروشا وهي وثيقة شبيهة بالمنفستو والميثاق (والكتاب الأخضر فيما بعد).
لم يصبح الرئيس جوليوس نيريري شيوعيا، وان غازل المعسكر الشرقي واقترب من المعسكر الرأسمالي، كذلك فإنه لم يتحول نحو الرأسمالية، وقد أقنع الرئيس جوليوس نيريري نفسه بالوهم بأنه ابتدع «الاشتراكية الإفريقية» أو «الإفريقانية» والاعتماد على الذات الإفريقية كنظام سياسي واقتصادي، نجح الرئيس جوليوس نيريري في تدمير البنية الاقتصادية لتنزانيا التي صارت إحدى أفقر دول العالم في عهده، وانتهي نظام «الاشتراكية الإفريقية» في تنزانيا عام 1985 بتنحيه طوعا عن الحكم، و اكتفي بلقب «المعلم» و «أبو الأمة» التنزانية رغم سياساته الفاشلة الفقيرة على حد وصف خصومه السياسيين.

مؤلفاته

نشر الرئيس جوليوس نيريري في حياته عدداً من الكتب أشهرها «الحرية والوحدة» سنة 1967 و«الحرية والاشتراكية» سنة 1968 و«الحرية والتطور» سنة 1973، كما ترجم رائعتي شكسبير «تاجر البندقية» و«جوليوس قيصر» إلى اللغة السواحلية.
وفاته
توفي الرئيس جوليوس نيريري في أكتوبر 1999عن عمر يناهز 77 عاما بمستشفى «سان توماس» في لندن، حيث كان يعالج من مرض سرطان الدم «لوكيميا»، وكان الأطباء شخصوا مرضه منذ مطلع عام 1998 وقد توفي في العناية الحرجة عقب تدهور حاله الصحية، بعد أن تعرض أيضا لسكتة دماغية.

 

 

 

 

 

تم النشر نقلا عن موقع الجزيرة مباشر

لقراءة المقال من موقع الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

 

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com