الرئيسية / المكتبة الصحفية / مقالات الجزيرة / الجزيرة مباشر / صلاح سالم الذي ذبحوه كبشا للفداء مع التضحية بالسودان

صلاح سالم الذي ذبحوه كبشا للفداء مع التضحية بالسودان

 

منذ خمسينيات القرن العشرين وحتى الآن فإن أدبيات الثورة وأجهزتها المخابراتية وأذرعها الإعلامية استقرت على الابتعاد بالمسئولية عن انفصال السودان عن أصحابها الحقيقيين أو عن صاحبها الحقيقي و الإلقاء بهذه المسئولية على عاتق صلاح سالم الذي انشغل بتبرئة نفسه من أخطاء لم يكن لها شأن كبير في إتمام ولا صنع و لا ترتيب القرار السياسي والاتفاق الضمني الذي تم انفصال السودان بمقتضاه قبل أن يسمح للزعيم جمال عبد الناصر أن يصبح في يونيو ١٩٥٦ رئيسا للجمهورية [بمفرده] وأن ينهي وجود مجلس قيادة الثورة  بعد أن كان هذا المجلس يمارس نوعا ما من القيادة الجماعية منذ الإطاحة الثانية بالرئيس محمد نجيب في نوفمبر ١٩٥٤.

ومع هذا فإننا نستطيع أن نجد محاولة مجهضة لإثبات هذا المعنى في روايات صلاح نصر عن انفصال السودان:

“كانت الصحافة المصرية واجهزة الاعلام كعادتها تبالغ في حقائق الاشياء، وتعطي صورة غير حقيقية عن الاشياء، فكانت صورة احداث السودان في عقول المصريين تبشر بأمل الوحدة نتيجة عملية غسيل المخ التي قامت بها الصحافة المصرية واجهزة الاعلام، في الوقت الذي كانت كراهية السودانيين للمصريين قد سادت في الشمال السوداني، وأصبح كل سوداني يدعو الي الوحدة مع مصر مشبوها، فهو اما عميل لمصر وانا مرتش من حكامها.

” لم يكن أحد من رجال الثورة المصرية يجرؤ في بداية الثورة على المجاهرة بالتصريح باستقلال السودان وانفصاله. فقد عاش الشعب المصري يتوق الي يوم الوحدة مع السودان، وان كانت هناك بعض الآراء داخل المجلس بدأت تحس، بعد تطور الامور في السودان نحو الاستقلال، بان من الخطورة فرض الاتحاد.

” واخفقت السياسة المصرية في عهد الثورة في تحقيق وحدة مصر مع السودان نتيجة الظروف التي شرحتها بالتفصيل، فكان لابد ان يكون هناك كبش فداء.. وكان كبش الفداء صلاح سالم.

صلاح سالم لم يدرك أن عبد الناصر كان يجتهد من أجل الإسراع بالانفصال

إذا كان هناك دليل واضح على قدرة الرئيس جمال عبد الناصر على إنجاز خُططه على مراحل فإن أول دليل على هذا المعنى هو عمله على فصل السودان من خلال إغراق زميله صلاح سالم فيه ليكون بمثابة كبش الفداء بينما يتحقّق الهدف الذي أدرك الرئيس جمال عبد الناصر أنه لن يتحقق له وهو رئاسة مصر إلا إذا ترك السودان نهائياً.

وحين كانت المظاهرات تندلع في السودان ضد عبد الناصر وزملائه من الضباط الذين أساءوا معاملة الرئيس محمد نجيب في أزمة فبراير 1952 فإن عبد الناصر لم يكن يُبدي أي اهتمام بهذه المظاهرات ولا بما تعنيه على مستوى الوطن، ذلك أنه كان يجد في نفسه بطريقته المعهودة أنها تساعده على أن يتملّص من المسئولية عن انفصال السودان وتصبح المسئولية هي مسئولية السودانيين أنفسهم الذين كانوا يهتفون بسقوطه ، وهنا فقد كان التفكير العقلي المجرد يفرض على الصلاحين صلاح سالم وصلاح نصر أن يتأمّلا هذا الموقف الدال، لكن ذكاءهما لم يُسعفهما بالطبع في فهم الحقيقة التي لم تكن بعيدة عن تناول عقليهما ولهذا فإننا نستطيع من خلال قراءة ما يرويه صلاح نصر أن نفهم حقيقة ما لم يقم صلاح سالم بروايته، وهو أن كلا الرجلين لم يفهم أن ترك الأمور دون تدخل جاد من رجل التكتيكات الذي هو جمال عبد الناصر لم يكن يعني إلا أنه قد اتفق على انفصال السودان من دون ان يُنهي إلى زملائه الخبر بما اتفق عليه.

صلاح نصر يرى أن صلاح سالم كان كبش الفداء للإخفاق المصري

ونحن نرى في رواية صلاح نصر لأحداث انفصال السودان إدراكاً منه لخيط من خيوط الحقيقة دون أن يتصوّر الحقيقة كلها، وشأنه شان كل من ينشغل بتفصيلات لحظية كثيرة، واختلاف الرؤى بين زميلين أو أكثر فإن صلاح نصر يُنحي ما كان ظاهراً أمام عينيه من حرص الأمريكيين الرسميين والمخابراتيين على إتمام هذا الانفصال بأيّ ثمن، ويشغل نفسه او ينشغل بالخلاف بين صلاح سالم وأقرانه فيروي ما قاله هذا وما قاله ذاك.

ومن العجيب أن يظل رجل وصل إلى ما وصل إليه صلاح نصر مُصدقاً لما كان قد انخدع فيه وصدّقه في تلك المرحلة المبكرة من ممارسته للسياسة أو العمل العام،  بينما التاريخ يقول إنه تراكمت أمام عينيه الأدلة على المدى الذي بلغ فيه الشبق الأمريكي ( وليس هناك لفظ أقل تعبيرا من الشبق في وصف السلوك الأمريكي ) حدوداً قُصوى بعدم تمكين مجموعة ضباط مصر الذين أتموا ما حدث في ٢٣ يوليو (أيا ما ما كان اسمه) من هذه الدولة الكبيرة التي ورثوها بمساعدة الأمريكيين أنفسهم من الأسرة العلوية التي حافظت بطرق كثيرة ومتعددة على حدود الأمن القومي اللازمة لهذه الدولة والتي لا تستقيم أوضاعها بالدرجة نفسها إذا ما تمت تجزئتها على نحو ما حدث على يد ضباط 1952 ومن تبعهم من ضباط 1989 في السودان.

رأي الأستاذ أحمد حمروش في نجاح رحلة صلاح سالم لجنوب السودان

” كانت رحلة صلاح سالم إلي الجنوب ناجحة تماما… فقد زار المديرية الاستوائية ولبي دعوة المحافظ البريطاني إلى العشاء حيث كانت (قامت) زوجة المحافظ علي خدمتهم بنفسها….. ولكن هذا لم يمنع لاحقا اجراء مناقشة حادة مع المحافظ حول اسلوبه في معاملة الناس…. وكان لهذه المناقشة تأثير سحري على الجماهير التي كانت تنظر للمحافظ كمعبود لا يجرؤ أحد على معارضته حيث كانت له سلطة العقاب وطرد المفتشين البريطانيين أنفسهم”.

” وهكذا اهتزت صورة المعبود وتدفقت العرائض علي صلاح سالم تحمل شكاوى وآلام الناس هناك…. وازدادت الزيارة نجاحا عندما زار صلاح سالم منطقة قبائل الدنكا واستقبلوه برقصة الحرب شاركهم فيها عاريا نشرت الصحف البريطانية صورته مطلقة عليه اسم لصاغ الراقص “

لجوء صلاح سالم الي الاستعانة بالشيوعيين في حدتو لا فناع حستو

بالطبع فإن الأستاذ أحمد حمروش كان من انفرد لاحقا بهذه الرواية حيث يقول:

” وعندما علم صلاح سالم ان الحزب الشيوعي السوداني هو نواة انفلقت من الحركة الديموقراطية للتحرر الوطني حدتو عملت لفترة تحت اسم الحركة السودانية للتحرر الوطني (حستو) قرر أن يتصل بالشيوعيين المصريين ليساعدوا في اقناع زملائهم في السودان وكان ذلك يوم أول سبتمبر 1955.

” ولكن الشيوعيين المصريين كانوا معتقلين والبعض منهم قدم إلى المحاكمة وصدرت ضده احكام بالسجن… ومع ذلك لم يتردد صلاح سالم في استدعاء الدكتور يوسف ادريس وكان معتقلا في سجن القناطر والكاتب إبراهيم عبد الحليم والكاتب فتحي خليل والفنان زهدي وكانوا معتقلين في سجن ابي زعبل.

” وصل الاربعة إلى قصر عابدين حيث كانت مكاتب وزارة الارشاد في ذلك الوقت ثياب ممزقة واجسام هزيلة بعد معاملة بوليسية قاسية اعقبت اضرابا عن الطعام استمر 18 يوما من اجل مطالب انسانية خالصة.

” دخل الاربعة علي صلاح سالم في مكتبه استقبلهم استقبالا حارا وأبدي استنكاره لمظهرهم اتصل تليفونيا حسب رواية فتحي خليل بزكريا محي الدين وزير الداخلية طالبا منه وقف المعاملة الشاذة للمعتقلين في سجن ابو زعبل قدم لهم صلاح سالم تحليلا سياسيا استمر ثلاث ساعات……”

صلاح سالم يفشل في إدخال الاتحاد السوفييتي في المعادلة

روى صلاح نصر وغيره ممن أجملوا الحديث عن تطورات تلك المرحلة من تاريخ مصر أن صلاح سالم كان قد صرح بضرورة اشتراك موسكو في لجنة تقرير المصير ، وزادوا على ذلك  ما كان معهودا في مثل هذه المواقف من القول مثلا بأن صلاح سالم كان يرتبط مع السفير الروسي في القاهرة بروابط ودية ، ولذلك اعتقد صلاح سالم ان زكريا محيي الدين وعلي صبري عملا علي الاجهاز عليه لاعتقاده بان ميولهما امريكية ، وان هناك مؤامرة كبري مخططة في واشنطن للتخلص منه .بل نُسب إلى صلاح سالم أنه كان في هذه المرحلة البكرة يتهم انور السادات وزكريا محيي الدين بانهما ينفذان سياسة امريكا وبريطانيا في هدمه  بسبب تعاطفه مع موسكو

تطلع صلاح سالم لرئاسة الاتحاد المصري السوداني

كذلك فقد انفرد الأستاذ أحمد حمروش بالإشارة الي تطلع صلاح سالم لرئاسة الاتحاد المصري السوداني وتوجسه من منافسة نجيب

” وكان صلاح سالم في وقت من الاوقات وبقوة اندفاعه وحيويته بموقفه كوزير للإرشاد بقدرته على تلوين الحديث تطلع إلى رئاسة جمهورية الاتحاد… ولم يكن ينظر إلي جمال عبد الناصر كمنافس له وانما كان يخشى منافسة نجيب في الاستفتاء.

هل رحب صلاح سالم بدور كبش الفداء

ومع هذا فإن صلاح سالم نفسه فيما يبدو استعذب أن يقوم بمثل هذا الدور على نحو ما يفعل الهواة من الممثلين في المسرح المدرسي، ونحن على سبيل المثال نرى صلاح نصر يثبت رأي صلاح سالم القائل بضرورة الإخراج المسرحي للاستقلال:

” كان من رأي صلاح سالم بعد تطور احداث اغسطس سنة 1955، ان تبادر مصر بإعلان استقلال السودان، وان يقوم بذلك عبد الناصر شخصيا حتى يبدو انه بطل استقلال السودان.

كان صلاح سالم مخلصا في هذه النصيحة، وقد اقتنع عبد الناصر في بادئ الامر بهذا الرأي، ولكنه تراجع عنه فورا، فقد بدا امام عينيه انه سيصبح في التاريخ الزعيم الذي سلم بانفصال السودان.

ومن ناحية اخري تبادر الي ذهن عبد الناصر صورة ما.. كيف سيواجه الشعب المصري بهذا القرار؟ وكيف يقنع المصريين بان امل وحدة وادي النيل الذي عاشوا فيه قد أخفق في تحقيقه لأسباب خارجة عن ارادته وعن قدراته؟ لقد تبين له كيف سيستغل خصومه هذا الموقف ضده.

ومن ثم عدل عبد الناصر عن اقتراح صلاح سالم بإعلان عبد الناصر استقلال السودان، وكان عبد الحكيم عامر قد اقترح عليه ان يؤجل هذا الاعلان حتى يمهد الرأي العام المصري لهذا القرار، بشرح تطور الظروف السائدة في السودان.

صلاح نصر يورد شروط صلاح سالم للاستقالة

من الطريف أننا نرى صلاح سالم حريصاً على ان يرتب الأمور بنفسه فيما بعد ابتعاده عن ملف السودان وكأنه لا يزال مسؤولا، وهو لا يعرف أن الرئيس جمال عبد الناصر كتب له نهايته السياسية وان كل ما يُطالب به صلاح سالم ليس حلاوة روح وإنما هو رقصة المذبوح نتيجة لاندفاع الدم من جسده بسبب الذبح.

نقرأ النصوص وأمثال هذا النص مما يصور مشاعر صلاح سالم بعد أن ظهر له أن السودان قد ضاع فنعجب من أن عبد الحكيم عامر لم يستوعب هذا الدرس بعد ذلك بأحد عشر عاماً حين كان الرئيس جمال عبد الناصر قد أمسك بالسكين التي بدأ يذبحه به على نحو ما ذبح صلاح سالم من قبل. ولهذا فقد دفع عبد الحكيم عامر الثمن مضاعفاً، فلم تنته حياته السياسية فحسب وإنما انتهت معها حياتان أخريان هما حياته البيولوجية حيث ذبحه عبد الناصر من الوريد للوريد، وعلق المسئولية عن هذا الذبح في رقبة الذبيح، وحياته التاريخية حيث ألقى على جسده المادي والمعنوي بكلّ خطايا الثورة من هزيمة وانفصال وفشل ونزاعات.

ولنقرأ رواية صلاح نصر:

” بعد مشاورات بين جمال عبد الناصر وصلاح سالم، تم الاتفاق على ان يقدم صلاح سالم استقالته لمجلس قيادة الثورة من جميع مناصبه التنفيذية للإيحاء للرأي العام بأن هناك تغييرا في سياسة مصر ازاء السودان، على ان يستمر صلاح سالم عضوا في مجلس الثورة حفاظا على تماسك المجلس.

واشترط صلاح سالم لقبول استقالته شروطا ثلاثة:

أولا: ان يعلن مجلس الثورة الموافقة على استقلال السودان بعد تطورات اغسطس، التي جعلت فكرة الوحدة مع السودان خيالا أكثر من واقع.

ثانيا: ان يتوجه عبد الناصر الي الخرطوم فورا ليعلن في البرلمان السوداني الذي كان منعقدا حينئذ استقلال السودان، وبهذا يرد على الغايات المغرضة التي سادت في السودان تندد بمصر وتتهمها بانها تريد استعمار السودان والسيطرة عليه.

ثالثا: مساءلة جميع المصريين الذين عملوا على عرقلة جهود الوحدة، والذين اتهمهم صلاح سالم صراحة بأنهم يعملون لمصلحة بريطانيا والامبريالية الامريكية.

صلاح نصر يؤكد إحساس صلاح سالم بالمؤامرة عليه 

ونحن نستطيع ان نرى في كل ما هو متاح أمامنا من روايات منضبطة لصلاح نصر أن صلاح سالم كان أبعد ما يكون عن الحقيقة، وكان أقرب ما يكون لطبيب العظام الشاب الذي استُدعي لإجراء عملية تثبيت خلع من الكتف على حين كان رئيس مباشر له متآمر عليه (وعلى المريض بحكم اللزوم) يقوم بتحريك الخلع كلما ثبته.. ومع ان إعادة إحداث الخلع كانت تتم بفعل فاعل هو ذلك الزميل فإن الطبيب الشاب لم يُدرك هذه الحقيقة إلا متأخراً ، وحين أدركها فإنه بدأ يرمي بالتهمة على طبيب الامتياز الذي ساعده وعلى طبيب التخدير وعلى الممرضة وعلى العامل في حجرة العمليات وعلى المُسعف الذي كان يساعد في نقل المريض في كل مرة إلى مسرح العمليات ، ولم يدر بخاطر طبيب العظام الشاب أن رئيسه المباشر هو الذي يُحدث الخلع في كل مرة بطريقة يصعب عليه هو اكتشافها، وأن مصلحة هذا الرئيس المباشر الذي لم يكن يزيد عنه في السن كثيراً ألا تنجح العملية وألا ينجح الجراح، فهو لا يريد للخلع أن يعود إلى وضعه الطبيعي ولا أن يلتئم ولا أن يرتد كما أنه لا يريد لصلاح سالم أن ينجح في جراحته بأية درجة.

ومع هذا كله فإن الرئيس جمال عبد الناصر استطاع أيضاً أن يستثمر الموقف في إفساد علاقة صلاح سالم بكل زملائه وفي إفساد علاقتهم به وعلى نحو ما استطاع أن يستثمر الموقف في القضاء نهائيا على المستقبل السياسي لصلاح سالم الذي لم ينل لا هو ولا أخوه جمال (ولا خالد محيي الدين) مثل زملائهم السبعة درجة نائب رئيس الجمهورية التي نالها السبعة الباقون من مجلس قيادة الثورة الذي كان يُصدر القرارات الرئاسية منذ تم ابعاد الرئيس محمد نجيب في 1954.

ولو أن عبد الحكيم عامر قرأ ما رواه صلاح سالم لصلاح نصر بعين فاحصة ما استمر يوماً واحداً بعد صلاح سالم لكنه الغرور والغفلة حين يجتمعان على شخص واحد يظن نفسه مثاليا مصافا لمثاليين. “وأحس صلاح سالم بان ثمة مؤامرة تحاك من حوله، وظن ان عبد الناصر كان يعمل في اتجاه استقلال السودان، بينما هو تاركه يعمل في اتجاه آخر لا جدوى منه.

كما ظن صلاح سالم ان عبد الناصر يحرك من طرف خفي بعض اجهزة الدولة وافرادها لتحقق هدف القضاء عليه. من ثم عملت عدة اجهزة متنافرة في مصر في المسألة السودانية، وبالطبع حينما يتشابك عمل مثل هذه الاجهزة في مسألة سياسة دون تنسيق او تخطيط، لابد ان يكتب لجهودها الاخفاق.

فالتنافس المدمر الذي ينشأ في مثل هذه الاجواء لا مناص من ان يدمر ما يريده اصحاب القرار.

وكان صلاح سالم قد عبر في مرات عديدة عن تحمله مسئولية السودان، وذكر انه لا يريد ان يتدخل أحد في مسؤولياته، والا لن يصبح مسئولا عن عمل كبير سيتوقف عليه مصير العلاقة بيم مصر والسودان.

وكم من مرات عديدة تذمر صلاح سالم لعبد الناصر من ان هناك من يعملون ضد المخطط الذي ينفذه، وهو مخطط الثورة المتفق عليه.. وحدة مصر والسودان.

اندفاع صلاح سالم الى الوقوع في مصيدة اتهام الزملاء

 وتتضمن مذكرات صلاح نصر تفصيلات معقولة عن اتهامات صلاح سالم للسادات وزكريا محيي الدين وغيرهم وهو على سبيل المثال يقول: 

“كان صلاح سالم يتهم زكريا محيي الدين بانه يحرك مندوبيه وعملاءه في المخابرات العامة التي كان يرأسها حينئذ للاتصال بالسياسيين في السودان، ليعرقلوا الخط الذي يتبناه صلاح سالم، كما كان يتهم عبد القادر حاتم المسئول عن ركن السودان حينئذ بأنه ينفذ سياسة زكريا محيي الدين وان عبد الناصر راض عن هذا المسلك، لأنه لا يحاسب حاتم علي مسلكه.. وكان صلاح سالم كثيرا ما يسب حاتم وينعته بالانتهازية، وبأنه عميل لإمبريالية الامريكية، وان زكريا محيي الدين يسانده ويزكيه عند عبد الناصر.

“وزادت من ظنون صلاح سالم ازاء المؤامرة المحاكة ضده، وان تصادف ان قام انور السادات بإيفاد الصحفي احمد قاسم جودة – وكان من حزب الكتلة المنحل – الي السودان، بناء على توصية من عبد الناصر ليتعرف على ما يجري في السودان، فقام قاسم جودة بالاتصال ببعض السياسيين في السودان وعاد ليشرح لمجلس الثورة سوء الموقف وتدهور الاحوال، مما لا يوحي بأي امل نحو الوحدة.

“وثار صلاح سالم واتهم انور السادات بانه ضالع في المؤامرة التي حاكها عبد الناصر ضده للتخلص منه، وأعلن ان هؤلاء جميعا يعملن ما يحقق سياسة الانجليز والاستعمار الامريكي.

“ومن ناحية اخري وجه صلاح سالم الاتهام الي كل من حسين ذو الفقار صبري عضو لجنة الحاكم العام بالسودان والي عبد الفتاح حسن نائب وزير الدولة لشئون السودان، وحمدي عبيد من الضباط الاحرار ورئيس اركان حرب القوات العسكرية في السودان.

” وطالب صلاح سالم عبد الناصر بمساءلة اولئك الذين عملوا ضد سياسة الثورة، ليتضح هذا المخطط الذي ادي الي اخفاق سياسة مصر في السودان.

” ولقد ثار عبد الناصر وغضب من اتهام صلاح سالم لعلي صبري مدير مكتبة بانه ينفذ سياسة امريكا بالتعاون مع شقيقه حسين ذو الفقار صبري.. وقد اعتبر عبد الناصر هذا الاتهام اهانة شخصية له، فعبد الناصر لم يكن يسمح لاحد بنقده او مهاجمة أحد من الذين يعملون معه، بل كان لا يغفر لاحد أن ينقد اي تصرف له.

” واستطاع عبد الناصر ان يقنع اغلب اعضاء مجلس الثورة على قبول استقالة صلاح سالم، منتهزا فرصة الخلاف القائم في المجلس نتيجة اتهام صلاح سالم لبعض اعضائه بالتآمر عليه، واستمراره في التهكم علي اغلب اعضائه، فكانت فرصة مواتية لتأليب اعضاء مجلس الثورة عليه، اذ كانت نفوسهم مشحونة ضده، فقرر المجلس بالإجماع منح صلاح سالم اجازة اي تنحيته عن مسئولياته.

” ولكن صلاح سالم ثار على القرار ولم يقبل هذا الوضع، وطالب بحسم الامر، وتحديد مدي مسئوليته عن مسألة السودان، وبخاصة ان الامور كانت تتطور هناك بسرعة كبيرة، وفي اتجاه خطير ازاء العلاقات السودانية..

حمروش ينفي مسئولية صلاح سالم عن تدهور العلاقة بين مصر والسودان

ومع هذا كله فإن الأستاذ أحمد حمروش ينفي مسئولية صلاح سالم عن تدهور العلاقة بين مصر والسودان ويقول إنه حدث نوع من التحقيق مع صلاح سالم في تدهور العلاقة بين مصر والسودان في مارس 1955 لكن صلاح سالم كان عنيفا في مناقشاته وسفه اراء بعض الذين اشتركوا في المناقشة من غير علم كاف انهي حديثه بتقديم استقالته… ولكن المجلس لم يقبل الاستقالة.

لكن الأستاذ حمروش يكاد ينفي صواب ما وصل إليه أو ما كان يريد أن يروج له بقوله إن صلاح سالم سافر ضمن الوفد المصري إلي باندونج والخلاف يثقل صدره ومعاملة جمال عبد الناصر له يتسرب اليها البرود…

ما رواه صلاح سالم عن تطور علاقته بالسودان

في كتاب الدكتور محمد المعتصم الذي صدر تخليدا لذكرى صلاح سالم   يقول صلاح سالم نفسه على ما رواه عنه الكتاب:

 ” لم أقرأ في حياتي قبل 23 يوليو عن السودان سوي القدر اليسير… لم أقرأ سوي كتابين أحدهما استخفني عنوانه عن الصيد والمغامرات في غابات جنوب السودان لعطا اثناسيوس أحد المؤرخين المصريين والآخر لتشرشل بعنوان رب النهر… ولم يكن لي صديق سوداني واحد يحدثني واتحدث معه في شئون بلاده واهله..

” لم اسمع شيئا عن السودان الا من والدي الذي امضي زهرة شبابه وحياته في ربوع هذا القطر”

صلاح سالم يصرف مكافأة للجنود المسرحين

ثم يقدم ذلك الكتاب لقطة مهمة عن وقوع صلاح سالم هو وزملائه أو وقوفهم فيما يتعلق برد الفعل في دائرة رد الفعل ليس إلا:

“فرضت قضية السودان نفسها على مجلس القيادة بأسرع ما توقعوا…. ففي الايام الاولي للحركة كانت مسئولية الجيش موزعة على ثلاثة هم عبد الحكيم عامر وكمال الدين حسين وصلاح سالم…. وتلقي الاخير مكالمة تليفونية من البكباشي عبد الفتاح حسن الياور المصري للحاكم العام في الخرطوم يبلغه فيه ان بعض الجنود السودانيين الذين جندوا بعد حريق القاهرة ثم سرحوا وأرسلوا للسودان قد تظاهروا ضد مصر لأنهم لم يحصلوا على مكافأة ترك خدمة”

” ورغم ان القانون لا يسمح بصرف هذه المكافأة فان صلاح سالم أصدر قراره بصرفها باعتباره قد كلف بمسئولية قوات الجيش في السودان.

دور صلاح سالم في الصحافة

 كان صلاح سالم اول الذين عهد إليهم بعمل صحفي قيادي حيث أسندت إليه رئاسة مجلس ادارة جريدة الشعب وهي لمن لا يعرف الجريدة الثانية للثورة بعد جريدة الجمهورية لتي رأسها الرئيس انور السادات، وبالطبع فان الجريدتين تمثلان الصحافة اليومية ويتميز وضعهما الصحفي والسلطوي عن وضع مجلة التحرير لتي اصدرها ورأس تحريرها الأستاذ أحمد حمروش في 16 سبتمبر 1952.

لكن صلاح سالم طويلا لم يبق في منصبه فقد اقبل بعد موقفه اثناء فترة العدوان الثلاثي بخطاب من الرئيس عبد الناصر جاء فيه أنه تطرق إلى مواضيع ليس من المصلحة ان تخوض فيها الآن مما يدعو إلى الاستغناء عن خدماتك….”

 وظل صلاح سالم بلا عمل حتى اعيد لميدان الصحافة مرة اخري رئيسا لمجلس ادارة دار التحرير للطبع والنشر في مارس 1959.

صلاح سالم هو صاحب الطفرة في صوت العرب

 نعرف أن إذاعة صوت العرب نشأت تابعة للمخابرات العامة عام 1953 ثم تحول في عهد ولاية صلاح سالم لوزارة الارشاد إلى التبعية البيروقراطية الطبيعية وبتعيين احمد سعيد مديرا للبرنامج تحولت الإذاعة إلى كيان مؤثر وارتفعت ساعات ارسالها في العام الاول إلي ثمانية ساعات ثم وصلت في عهد صلاح سالم ايضا إلى 22 ساعة.

هل اعتنق صلاح سالم الافكار الاشتراكية قبل وفاته 

انفرد الأستاذ أحمد حمروش بالإشارة إلى ان صلاح سالم اعتنق الافكار الاشتراكية على يديه وهو رئيس لمجلس ادارة دار التحرير وتأكدت هذه الأفكار بعد زيارته للاتحاد السوفييتي ومقابلته لخروشوف في نوفمبر 1959 وهي الزيارة التي صحبه الاستاذ حمروش فيها ونشر بعدها حديثه الشهير مع خروشوف والذي يروي الصحفيون قصته على أنه حمل عنوان: ” خروشوف قال لي “

 

 

 

 

 

تم النشر نقلا عن موقع الجزيرة مباشر

لقراءة المقال من موقع الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com