الرئيسية / المكتبة الصحفية / الشيخ يوسف الدجوي خليفة الإمام الغزالي في العصر الحديث

الشيخ يوسف الدجوي خليفة الإمام الغزالي في العصر الحديث

الأستاذ الشيخ يوسف الدجوي (1870 ـ 1946) هو أكبر فقهاء المالكية في عصره، وهو أستاذ أزهري جليل واسع الطيف في علاقاته ونشاطه وثقافته كما كان كثير المحبين والمريدين، مارس الأستاذية صباح مساء. كان في مرحلة مبكرة من تاريخ المجتمع المدني مؤسسا مبكرا لجمعية إسلامية ذات هدف وشأن، وكانت له ندوته، وكان له جمهوره، وكانت له طريقته، وكان له رأيه.

   

عني الشيخ يوسف الدجوي بالعلم والتأليف والمحاضرة والاتصال بالحياة العامة والرد على استفسارات الجماهير، لكنه لم يتمكن من بذل ما يوازي هذا في العناية بجمع ما كتب وأملي، فقد كف بصر الشيخ يوسف الدجوي في طفولته نتيجة إصابته بمرض الجديري، آثاره كثيرة لكن المطبوع منها قليل. كان قادرا على الإفتاء ملتزما فيه إلي حدود قصوي، حتى إنه في كثير من فتاويه يعد إلي اليمين من المفتي الشيخ محمد نجيب المطيعي الذي يعتبره بعض مؤرخي الفقه نموذجا للتحفظ المطلق في الفتوي ومع هذا فإنه كان هو الذي أباح تشريح الجثث فيما يعرف بالطب الشرعي على حين لم ير الشيخ المطيعي وجها لإباحتها، هو واحد من أبرز علماء جيله، الجيل الوسيط في النهضة الأزهرية الحديثة، وهو الجيل التالي لجيل الشيخ محمد عبده وزملائه، والسابق على جيل المراغي وزملائه، وهو واحد من أطولهم عمرا.

   

اسمه بالكامل يوسف الدجوي ابن الشيخ أحمد بن نصر بن سويلم، ينتهي نسبه إلي حبيب من بني سعد، إحدى قبائل العرب الحجازية، المالكي الضرير، ولد الشيخ يوسف الدجوي سنة 1870 في قرية دجوة من أعمال مديرية القليوبية، ونشأ بها نشأة ريفية كريمة، وكان والده هو الرجل الأول في قريته دجوة، وكان على عادة الموسرين في زمنه مهتما بالثقافة لذاتها، فكان يمتلك مكتبة عظيمة نشأ الشيخ يوسف الدجوي في رجابها، وفي سنة 1885 التحق الشيخ يوسف الدجوي بالأزهر بعد أن حفظ القرآن الكريم، وفي الأزهر تلقي العلم على كبار علماء عصره، ومنهم المشايخ سليم البشري شيخ الأزهر، وهارون عبد الرازق، ورزق صقر، ومحمد البحيري، وعطية العدوي، وحسن الجريسي الكبير.

وفي الفترة التي كان فيها الشيخ الدجوي لايزال طالبا في الأزهر، عرف بأستاذيته المبكرة لزملائه، أي أنه كان يمارس الأستاذية من قبل أن يتخرج، وكان يجلس مجلس الأساتذة وهو طالب، وقد أجازته في الشهادة العالمية لجنة رأسها الشيخ سليم البشري، وقد نال العالمية من الدرجة الممتازة سنة 1898، ويروي أنه عقب تخرجه مباشرة عهدت إليه مشيخة الأزهر بتدريس كتب أصول الفقه وما شابهها من العلوم التي ينظر اليها الطلاب على انها من المناهج الصعبة، كان الشيخ يوسف الدجوي أستاذا لكثير من العلماء المشتغلين بالقضاء والدعوة كالشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف، والشيخ محمد أحمد عليوة، والشيخ السعيد الطيب الجزائري وغيرهم من الأساتذة ورؤساء المحاكم الشرعية والمحامين.

 

تأسيسه جمعية النهضة الإسلامية

أسهم الشيخ يوسف الدجوي الإسهام الأكبر في تأسيس «جمعية النهضة الإسلامية»، وسارت هذه الجمعية مسيرة سابقتها «جمعية مكارم الأخلاق» التي أنشأها الأستاذ زكي سند. وكان هدف الشيخ الدجوي المعلن من هذه الجمعية هو مقاومة الإلحاد في شتى مظاهره، واختار لها ذوي الغيرة الدينية من وجوه الحياة العامة، وقد بذلت هاتان الجمعيتان جهدًا ضخما في مقاومة الجمعيات التبشيرية. ونجحتا نجاحا بارزا في مقاومة جهود الجمعيات التبشيرية.

 

ريادته لجيل ثورة ١٩١٩

أثَّر الشيخ الدجوي في جيلٍ من الشباب الذين تربوا على فكره وتوجيهاته، وكان من تلاميذه عدد من أبرز قادة ثورة 1919 كان منهم المشايخ محمود أبو العيون، ومصطفي القاياتي، والزنكلوني، وعبد الباقي سرور نعيم، وعبد الله عفيفي، ومن هنا نشأ القول بأنه كان أبو الثوار، ويذكر للشيخ يوسف الدجوي أنه كان أبرز المدافعين عمن اعتقلوا من الشباب في ثورة ١٩١٩ وانتفاضات الحرية التي أعقبتها، كذلك يذكر للشيخ يوسف الدجوي أنه وجه خطابا إلي الملك جورج الخامس ملك إنجلترا، حين حكم الإنجليز بالإعدام على الشيخ الأزهري محمد الشافعي البنا، مطالبا بإنقاذ الطالب المجاهد، وكان لخطاب الدجوي إلي الملك جورج الخامس تأثيره فخفف الحكم.

 

خليفة الإمام الغزالي

وقد ذهب الدكتور زكي مبارك إلي القول الذكي بأن الشيخ الدجوي يعد خليفة للغزالي في هذا العصر وهو ما نوافق عليه ونعترف به لنفس الأسباب التي وفق الدكتور زكي مبارك في ذكرها حيث قال: ” الأستاذ يوسف الدجوي عالم من هيئة كبار العلماء وهو ذو نفوذ كبير في الأزهر والمعاهد الدينية وأكثر العلماء الممتازين اليوم من تلاميذه، ويكاد يعدُّ الشيخ الدجوي خليفةً للغزالي في هذا العصر، ففيه تقريبًا كل خصائصه من القدرة والاستخلاص وقوة النفوذ وبغض الفلسفة والحذر من أن يتجاوز العقل ما له من حدود”.

إجازته تشريح الموتى على حين كان الشيخ المطيعي لا يجيزه

عرف الشيخ يوسف الدجوي بفتواه بجواز تشريح الميت عند الضرورة، وهي الفتوى التي نعمل بها في الطب منذ ذلك الحين ذلك أن المفتي الأكبر الأستاذ الشيخ محمد بخيت المطيعي كان قد أصدر فتواه بعدم الجواز، ولكن الشيخ الدجوي أباحه قائلا: «… إن نصوص الفقهاء في التراث القديم لم تتعرض له، لكن العارف بروح الشريعة وما تتوخاه من المصالح، وترمي إليه من الغايات، يعلم أنها توازن بين المصلحة والمفسدة، فتجعل الحكم لأرجحهما على ما تقتضيه الحكمة، ويوجبه النظر الصحيح، ومَنْ نظر إلي ضرورة التشريح في بعض المواقف، كما إذا اتهم شخص بجناية على الآخر، وقد يبرأ من التهمة عندما يظهر التشريح، أنه غير جان، يجد أنه لا مفر منه». «وقد قرر الفقهاء أن الميت إذا ابتلع مالا جاز شق بطنه لإخراجه، ولو كان مالا قليلا، ويقدره بعضهم بنصاب السرقة، فإذا قسنا ذلك المال الضئيل على ما نجنيه من فائدة التشريح، وجدنا وجه الجواز واضحا، على أن الواجب أن نقتصر فيه على قدر الضرورة فحسب».

   

وفي مقابل هذا الرأي فإن العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي، ذكر نصوصا لابن قدامة والشيرازي والرافعي والنووي، وأسهب في التحليل لينتهي إلي قوله: «ومن هذا يعلم أن التشريح الذي من لوازمه شق البطن لا يجوز، نعم إن فتح البطن لأجل العلاج الطبي يجوز لأنه محافظة على الحياة فلا إهانة فيه».

    

وفاته

تُوفي الشيخ يوسف الدجوي بعد حياة حافلة بالعلم والعطاء في شهر صفر 1365هـ يناير 1946م، وصلى عليه شيخ الجامع الأزهر في مسجد الأميرة فريال في عزبة النخل، ودفن في مقبرة عين شمس في ضاحية عزبة النخل.

 

 

 

 

 

 

 
 

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة

 
 

لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا

 
 

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

 
 
 
شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com