الرئيسية / المكتبة الصحفية / مقالات الجزيرة / الجزيرة مباشر / لولا الانفصال لكان الرئيس جعفر نميري رئيسا لمصر

لولا الانفصال لكان الرئيس جعفر نميري رئيسا لمصر

أبدأ فأقول إن الانفصال المقصود في العنوان هو ما عُرف باسم استقلال السودان الذي تم في 1 يناير 1956 على يد الرئيس جمال عبد الناصر نفسه..
هكذا يُمكن للقارئ أن يفهم أن العنوان يتحدث عن المعنى اللغوي الذي تقوم به أداة الشرط “لولا” وهو امتناع الحدث الثاني لوجود الحدث الأول، وهو ما يفتح الباب أمام كل ما يريده القارئ من الفهم السياسي لمعنى العنوان، والحق أن الرئيس جعفر نميري كان مع عسكرته ورغم عسكرته ومع ديكتاتوريته ورغم ديكتاتوريته يتميز بصفات نادرة تجعله يقف ندا للرؤساء المصريين المتعاقبين، بل إنه كان يتفوق عليهم في كثير من الصفات الرئاسية والسياسية على حد سواء.
روح المبادرة

كان الرئيس جعفر نميري (1930-2009) يتمتع بروح المبادرة بدرجة عالية وعلى نطاق غير مسبوق، وإذا قيل إن الرئيس السادات (ومعه الرئيس عبد الناصر سرا) اشتركا في كل حركة سرية أو انقلاب قبل قيام 1952 فإن الرئيس جعفر نميري كان أسبق منهما وأقوى وأشد بأسا و نفيرا في هذا السبيل ، وكانت مشاركاته الانقلابية المتكررة واضحة وضوح الشمس ، على الرغم مما هو معروف من أن الإرادة الإلهية نجته من الأثر القانوني لهذه المشاركات.
وإذا قيل أي مبادرة للرئيس جعفر نميري لم تصل إلى روح المبادرة عند الرئيس السادات في قرارات من قبيل حرب أكتوبر وطرد الخبراء السوفييت ومبادرة القدس ، فإننا نقول إن الرئيس السادات كان يتفوق على الرئيس جعفر نميري في الخيال، ولو أن الرئيس جعفر نميري رُزق خيال الرئيس السادات لقام بأكثر من هذه المبادرات التي تعتمد على خيال مُحلق، بينما كان الرئيس جعفر نميري يعتمد على حسابات شبه دقيقة.
كان الرئيس جعفر نميري يقوم بالدور الذي وجد غيره يتهرب منه ، وقد كررت كثيرا الإشادة بموقفه من مصر عقب وفاة الرئيس عبد الناصر ، ذلك أنه لما جاء لحضور العزاء ووجد التيارات السرية تذكي أفكارا حمقاء من قبيل فكرة رئاسة جماعية وفكرة رئاسة مؤقتة وما إلى هذه التوجهات من محصلة السفسطة السياسية والتربص الجماعي و التحرش الجمعي فإنه تبرع وأعلن بكل وضوح أنه باق في مصر إلى أن تنتخب مصر رئيسا دائما.. وقد فعل هذا … بل إنه و هذا وجه من العظمة ، لم يلتف إليه المصريون بحكم شوفونيتهم المفرطة ، كرره أيضا عند وفاة الرئيس السادات .
أيلول الأسود

وربما أنك لا تجد الآن زعيما أو رئيسا يفعل مثل هذا الدور لكنك لا تتعجب من أن يقوم الرئيس جعفر نميري بمثل هذا الدور الشجاع .
وهو قبل هذا و ذاك الذي تولى ، دون غيره ، رئاسة لجنة القمة العربية التي ذهبت إلى عمان عاصمة الأردن لإخراج ياسر عرفات زعيم منظمة التحرير الفلسطيني بصحبتها في ذروة أحداث أيلول الأسود 1970 ، وهو الذي اصطحب الزعيم ياسر عرفات في طائرته إلى القاهرة ، وقد تصدى الرئيس جعفر نميري لهذا الدور، بينما لم يكن عهده بالرئاسة السودانية قد وصل إلى أكثر من سنة وأربعة أشهر بينما كان هناك رؤساء أقدم منه وأكثر صلة بالعسكرية وبمنابع القوة (من طراز الرئيس هواري بومدين على سبيل المثال) لكن روح المبادرة والمسئولية عند الرئيس جعفر نميري كانت تُمكنه كما قلنا لا من رئاسة السودان فحسب ولكن من رئاسة وادي النيل كله لو ظلت مصر والسودان كما كانتا كيانا واحدا.
وقد تشكل وفد القمة العربية إلى الأردن برئاسته وعضوية الباهي الأدغم رئيس وزراء تونس والشيخ سعد العبد الله الصباح وزير الدفاع الكويتي والفريق محمد أحمد صادق رئيس الأركان المصري.
السياسة و الميكيافيلية

كان الرئيس جعفر نميري بكل تأكيد أقل معرفة بالسياسة وبعلم السياسة وبفن السياسة من زعماء كمحمد أحمد المحجوب وإسماعيل الأزهري والصادق المهدي وغيرهم من زعماء السودان لكنه كان أكثر منهم اقتناعا وتطبيقا للنظريات الميكيافيلية وللنظريات غير الميكيافيلية، ولهذا فإنه استطاع أن يحكم بما يقترب من السلاسة طيلة المدة التي حكم فيها السودان (1969ـ 1985).
من زاوية أخرى فقد كان الرئيس جعفر نميري بكل تأكيد يُجيد اختيار الأشخاص وليس أدل على هذا من أنه هو الذي اختار سوار الذهب الذي قاد الانقلاب عليه! نعم أنا أعني ما أقول، فاصبر لتسمع أو لتقرأ بقية الجملة وهي أن أفضل معاملة لقيها رئيس عربي تعرض للانقلاب كانت هي المعاملة التي لقيها الرئيس جعفر نميري الذي لم يحبس ولم يُعدم ولم يُعذب ولم يُهن وإنما عاش معززا مكرما في مصر في قصر منيف، وهو ما لم يُتح لأي رئيس عربي أو ملك عربي قام ضده انقلاب..
السبب في هذا هو نُبل هذا الرجل المسمى سوار الذهب والموصوف بأنه سوار الذهب! فإذا كان الذي اختار سوار الذهب لهذا المنصب الذي يتوقع من شاغله (على الدوام) أن يكون هو قائد الانقلاب على من يختاره فإنك لا تستطيع إلا أن تثني على ذكاء الرئيس جعفر نميري ودقة اختياره لهذا الرجل. أقول هذا الذي لا يتعارض مع ما رددته في حكاوي الجوادي في الجزيرة مباشر من رواية طريفة تقول إن الرئيس جعفر نميري استبطأ زوجته وهما يتجهزان للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكانت السيدة زوجته قلقة بعد أن وصلا إلى الطائرة فسألها يبدو أننا نسينا شيئا أقلقك نسيانه فقالت: نعم سوار الذهب فقال: لا تقلقي فلن يستولي عليه أحد و سيكون في الحفظ والصون عندما نعود.
تقاعده في مصر

لم يعد الرئيس جعفر نميري إلى السودان لأن سوار الذهب قام بالانقلاب وتم ترتيب إقامة الرئيس جعفر نميري في مصر في نفس القصر الذي كان قد أقام فيه عبد الله السلال وهو قصر مملوك للملك فيصل خصصه الرئيس عبد الناصر لإقامة المشير السلال نكاية في الملك فيصل وفي حليفه الرئيس السلال أيضا بعدما تخلى عنه في اليمن.
نشأة ونشاط انقلابي
ولد الرئيس جعفر نميري 1930 وبعد تعليم مدني عادي في مدارس أم درمان وواد مدني وحنتوب تقدم للكلية الحربية، فيما أعلن هو عن سببه فيما بعد بأنه كان سببا ماديا محضا ، ودرس في الكلية الحربية ما بين 1950 و1952 و بعد أن تقدم في الرتب والقيادة أتيحت له دراسة عسكرية في الولايات المتحدة الأمريكية 1966 في أركنساس وهي الولاية التي كان الرئيس كلنتون حاكما لها قبل انتخابه للرئاسة.
بعد ثلاث سنوات من تخرجه اشترك الرئيس جعفر نميري في محاولة انقلابية 1955 ونجا من الاتهام وسجل المحققون أنهم اكتشفوا أن الأمر لم يكن إلا وشاية، ثم اشترك في محاولة انقلاب أخرى قادها خالد الكد، ولم يثبت عليه ما يحرجه. بالطبع فإن الذي يُعلن عن اكتشاف اسمه في انقلابين يكون قد اشترك في أضعافها مما لم يعلن عنه أو مما لم يصل إلى مراحله النهائية.
لما قام الرئيس جعفر نميري بانقلابه كانت صورة الدولة الجديدة مرسومة في ذهنه باقتدار فقد رقى نفسه من عقيد إلى لواء وترأس مجلس قيادة الثورة، واختار لرياسة الوزارة أبوبكر عوض الله رئيس القضاء السابق الذي كان قد استقال من منصبه في عام 1964 احتجاجا على قرار حل الحزب الشيوعي السوداني.
نميري و اليسار

وهكذا كان إعلان الرئيس جعفر نميري عن يساريته واضحا وإن كان الخبراء بالسلوك العسكري يعرفون ما لا يعرفه الساسة من أن الأمر لا يعدو ستارا لعلاقة أخرى أوثق بالقوة العالمية الأولى وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما ظهر بوضوح حين حاول الشيوعيون الانقلاب على الرئيس جعفر نميري بعد فترة بمعونة من موسكو وهو ما لم يكن ليحدث إلا باكتشافهم أن نوايا غدرهم ظهرت و أنهم قد يفقدون السلطة عن قريب ، مهما كانت سلطة نميري قد حفلت في بدايتها بصورته اليسارية و باليساريين والشيوعيين والقوميين العرب.. والواقع الذي تعلمناه من التاريخ أن الشيوعيين جبلوا على أنهم لا يحبذون الاستمرار في منح الثقة لغيرهم إذا ما استطاعوا الاستحواذ لأنفسهم عليها، وهكذا فإنهم بعد مرور عامين على حكم الرئيس جعفر نميري قاموا بالانقلاب الشيوعي الذي كانت نتيجته أن تثبت الرئيس جعفر نميري وترسخت قدماه بدلا من أن يطير. يُعرف هذا الانقلاب في التاريخ باسم قائده فيقال عنه إنه انقلاب هاشم العطا (1936 ـ 1971) الذي كان عضوا في مجلس قيادة الثورة منذ 25 مايو 1969 وحتى 16 نوفمبر 1970 وكان برتبة رائد حين قام الرئيس جعفر نميري بانقلابه، وقد نفذ انقلابه في 19 يوليو ونجح في البداية لكن هذا الانقلاب انتهى في 23 يوليو وكان الفضل في إنهائه للعقيد معمر القذافي وقد عقد الرئيس جعفر نميري للمتورطين في هذا الانقلاب محاكمة رأسها بنفسه وسُميت بمحاكمة الشجرة وحُكم بالإعدام رميا بالرصاص على جميع قادة الانقلاب ، وممن أُعدموا في هذا الانقلاب زعيم الحزب الشيوعي عبد الخالق المحجوب (1927 ـ 1971) والشفيع أحمد الشيخ، وجوزيف قرنق، والمقدم بابكر النور والرائد فاروق حمد الله.
نميري و المهدية

فيما قبل هذا كانت للرئيس جعفر نميري ثقة بالغة في قدرته على الحسم جعلته لا يؤجل مواجهة زعيم الأنصار (أي طائفة المهدية) وهو الإمام الهادي، وكان قد تحصن في معقله في جزيرة أبا جنوب الخرطوم، لكن الرئيس جعفر نميري شأنه شأن العسكريين العرب لم يجد حرجا في أن يقتحم الجزيرة، وأن يقوم بمجزرة طالت المئات ومنهم الإمام الهادي نفسه الذي لاحقه الجنود وقتلوه على الحدود مع إثيوبيا، وقد تكرر كثيرا القول بأن مصر قدمت للرئيس جعفر نميري مساعدات عسكرية في اقتحام الجزيرة شملت فيما قيل استخدام الطيران المصري في الهجوم على الجزيرة (1970) وهو ما نفته رموز مصر الرسمية أكثر من مرة لكن الطريف في أمر ما يتردد عن هذه الواقعة من أقاويل أنها تمثل الواقعة الوحيدة في التاريخ المصري التي اجتمع في مسرحها وعلى مسرحها الرؤساء الثلاثة عبد الناصر والسادات و مبارك .
واجه الرئيس جعفر نميري انقلابات صغيرة أخرى مثل انقلاب حسن حسين في 1975، وما سماه هو ومشايعوه هجوم المرتزقة في 1976 والذي جاء بقوات تم تدريبها في ليبيا و قادها العقيد محمد نور سعد وكاد ينجح لكن الرئيس جعفر نميري أبادهم ، على أن المعارضة السودانية تسمي هذا الهجوم بعزوة يوليو المباركة ، إذ إن فصائل المعارضة حصلت بعدها على كثير من المكاسب من الرئيس جعفر نميري منها إنهاء الفُرقة و التمييز بين أبناء الوطن في دخول الكليات الحربية وهو التمييز الذي تكرس منذ اختراع العسكريين العرب لتفعيل مبدأ الولاء المسبق والخلو من أي لمحة من لمحات التدين ضمن مسوغات القبول في الكليات الحربية.
نميري و قوانين الشريعة

قُرب نهاية عهد الرئيس جعفر نميري اجتمع الجمهوريون بقيادة محمود طه على مهاجمته واستخدموا الكتّابة أداة لهجومهم، فأصدروا كتابا عن “الهوس الديني” وما كان من الرئيس جعفر نميري إلا أن رد عليهم بأن جاهر بما أسماه ” قوانين الشريعة الإسلامية ” المعروفة بقوانين سبتمبر 1983، واعتقل الرئيس جعفر نميري محمود طه وقدمه للمحاكمة في 7 يناير 1985 فأعلن عدم تعاونه مع المحكمة في كلمة مشهورة و صدر الحكم بإعدامهم بتهمة إثارة الكراهية ضد الدولة ، ثم حولت محكمة أخرى التهمة إلى تهمة ردة وأيد الرئيس الحكم ونُفذ في يناير 1985.
وبعد شهرين وفي الأسبوع الأخير من مارس 1985 سافر الرئيس جعفر نميري في رحلة علاج إلى واشنطن، فتكاثرت الجماهير المعارضة في الشوارع و حظيت بدعم من النقابات والأحزاب والاتحادات فأعلن الفريق سوار الذهب وزير الدفاع انحياز القوات المسلحة للشعب ، ونصح الرئيس جعفر نميري بتغيير وجهته في العودة لتكون إلى القاهرة فأقام فيها 15 عاما من 1985 حتى 2000 حيث عاد إلى السودان وأعلن عن تشكيل حزب سياسي جديد باسم تحالف قوى الشعب العاملة ، لكن هذا الحزب لم يُحقق شيئا ذا بال في السياسة لا داخليا ولا خارجيا.
مكانته بين العسكريين السياسيين

كان الرئيس جعفر نميري ثاني الرؤساء العسكريين الأربعة للسودان بعد الفريق عبود والأزهري وقبل المشيرين سوار الذهب وعمر البشير ، وهو بين هؤلاء العسكريين الأربعة الذين وصلوا للرئاسة يُعتبر ثانيهم شراسة بعد المشير البشير، كما أنه ثانيهم طول بقاء في المنصب بعد البشير أيضا.
أما علاقة الرئيس جعفر نميري بالطوائف السياسية المختلفة فكانت نموذجا للدينامية المطلقة، ولم تكن كما يقول أعداؤه نموذجا لحب التثعلب ، ذلك أن الرئيس جعفر نميري لم يرفض يدا مدت له من دون مصافحة ، كما أنه لم يترك يدا مُدت عليه من دون عقاب، كان يبدو في بعض الأحيان ناصري السلوك لكنه كان ذا قدرة أكبر على استيعاب التفصيلات والإحاطة بالتكتيك وممارسته، ولا شك في أن قُدراته على معالجة الصعوبات الجمة التي وجدها أو أوجدها هو نفسه تفوق أي قدرة أخرى. ويكفي على سبيل المثال أن نُشير إلى أنه واجه تمردا قضائيا عنيفا لم تشهده أي دولة أخرى (فبراير 1980) ثم صيف 1983، ولم يكن الرئيس جعفر نميري ليسلم بسهولة.
مشكلة الجنوب

ومن الإنصاف (والحق أيضا) أن نذكر أن الرئيس جعفر نميري جرب كل الوسائل لحل مشكلة الجنوب دون أن يمضي في أي وسيلة منها إلى الحد الكفيل بالنجاح وهو معذور في هذا فإن الأمريكيين لم يكفوا لحظة واحدة عن العبث الدؤوب بمستقبل جنوب السودان لا حبا في الجنوبيين ولا في المسيحية وإنما في محاولة لإثبات قدرتهم الإعجازية على التبشير والتنصير، ومع أن هذا الهدف يتفق بقدر ضئيل مع الإمبريالية الأمريكية فإنه لا يتسق مع روح العصر الذي تعيشه أمريكا ، وهكذا فإنه يمكن لنا أن نقرر بلا مبالغة أن التمزق الذي يُعاني منه جنوب السودان أمريكيُ المنشأ وأمريكي الهدف وأمريكي الهوى دون أن يُفيد أمريكا بأي شيء إلا في التحريض على الحكومات العربية في شمال السودان ثم على الحكومات الجنوبية في جوبا نفسها. ومن طرائف اختيارات الرئيس جعفر نميري أنه هو الذي اختار جون قرنق (1945 ـ 2005) ليذهب إلى جنوب السودان ليكف الفرقة المتمردة عن تمردها، فلما وصل قرنق إلى جنوب السودان ذهب إلي الجنود في الغابة وانضم لهم وأنشأ الجيش الشعبي لتحرير السودان وأنشأ له جناحا مدنيا هو الحركة الشعبية لتحرير السودان.
محاسنه

أما إيجابيات الرئيس جعفر نميري المهمة في السياسة الداخلية فتتمثل في ثلاثة أمور:
1 ـ فقد كان مع الصحوة الفكرية قلبا وقالبا، بما في ذلك الصحوة الإسلامية والاقتصادية والعلمية على حد سواء ، وكان بحكم حبه للثقافة الذي أوصله إلى التردد على صالون الأستاذ العقاد يُعلي من قيمة الثقافة وفائدتها لنظام مثل نظامه ، ولم يكن كبقية العسكريين الذين يتحسسون مسدساتهم حين يسمعون كلمة الثقافة.
2 ـ كان مع النهضة التعليمية بلا حدود وقد أنجز فيها معدلات عُليا من الجامعات والمعاهد والمدارس.
3 ـ كان مع نشاط المجتمع المدني الإسلامي (دون تمذهب ) بكل أطيافه من الصوفية إلى الإخوان المسلمين إلى الجماعات القديمة والجديدة، وكان يحترم علماء الدين ويُقدرهم ، ويحترم الدين والمتدينين ويُعول على القيم الأخلاقية في المجتمع، ومع ما قد يؤخذ عليه من ممارسات شخصية توقف عنها مع الزمن فإنه كان ملتزما بالرقي الروحي كما كان مستقيم الوجدان بلا جدال.
علاقاته الخارجية

وعلى مستوى السياسة الخارجية كانت علاقاته الأفريقية متزنة خالية من المشكلات حتى مع إثيوبيا التي كانت تشجع التمرد في جنوب السودان وربما كانت أكثر معاناته من تقلبات القذافي. أما علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية فقد مضت طوال سنوات حكمه بلا استفزاز من أي من الطرفين، وحين أرادت أمريكا أن تنقل يهود الفلاشا من إثيوبيا إلى إسرائيل فقد جاءه جورج بوش نائب الرئيس الأمريكي بنفسه، واحتفظ الرئيس جعفر نميري بكل الشكليات التي لا تُظهره متورطا مع أنه متورط بالطبع في الموافقة على تهجير هؤلاء إلى إسرائيل ، وهي خطة أمريكية تستهدف معاونة إسرائيل لتزداد بهم عددا ومنعة في مواجهة العرب ، وقد كان في هذا التصرف تكرارا طبق الأصل لكل العسكريين العرب الذين كانوا يُجاهرون لشعوبهم فقط بما لم يكونوا قادرين عليه في ظل حرصهم على استرضاء أمريكا أو عدم إغضابها. ومع هذا فإن الرئيس جعفر نميري لم يسلم من شرور أمريكا بسبب بعض توجهاته الإسلامية وبسبب قوة أدائه في عصر لم يكن الأمريكيون يرحبون فيه بشخصيات من طرازه وإنما كانوا يُشجعون طرازا أقل قُدرة وأكثر طاعة.
دوره في وقف التمدد السوفييتي

أما علاقته بالاتحاد السوفييتي فكانت مرتبطة بما ألمحنا إليه من أن اليسار الشيوعي العربي لا يُخلص إلا لنفسه ، ولا يرى في التآمر عيبا حتى إن كان التآمر مكشوفا، وربما أن انقلاب هاشم العطا كان أكبر فضيحة لقيها اليسار العربي قبل أن يتضاءل دور السوفييت في منطقة العرب على نحو ما حدث طيلة السبعينيات ، أما فيما قبل فشل انقلاب هاشم العطا فقد كانت المظلة السوفييتية قد سيطرت تماما على اليمن الجنوبي ، وسيطرت جزئيا على السودان وكانت متجهة باقتدار للسيطرة على القرن الأفريقي، ولو أن انقلاب هاشم العطا نجح ما كان من الممكن أن تبقى مصر بعيدة عن الشيوعية لا هي ولا الجمهورية العربية الليبية كما كانت تُسمى في ذلك الوقت، لكن القذافي كان قد حسب الأمور حسب المعطيات التي لم يكن أحد يتصور أنه يعرفها، وهكذا أفشل القذافي الانتشار السوفييتي في أحرج لحظة من لحظات الصعود السوفييتي ، وإن بدا أنه فعل ذلك لمصلحة الرئيس النميري، نعم.. كان هذا التوجه القذافي والفعل القذافي غير المسبوق يستهدف مصلحة الرئيس جعفر النميري جزئيا لكنه كان في جانبه الأهم والأعمق لصالح الأخ الأكبر الذي في البيت الأبيض.
المقارنة بينه وبين الرئيس الأسد

توفي الرئيس النميري 2009 بعد خمسة أيام من مرور أربعين عاما بالتمام والكمال على انقلابه 1969 وتسلمه الرياسة وهو في التاسعة والثلاثين ، ومن الطريف أنه ولد مع الرئيس السوري حافظ الأسد في نفس العام 1930 لكنه عاش بعده تسعة أعوام كانت ضمن أربعة وعشرين عاما قضاها رئيسا سابقا بينما عاش الرئيس الأسد العقود الثلاثة الأخيرة من عمره رئيسا بعدما وصل للرياسة في الأربعين .
أما الذي أنشأ هذا الفارق بين هذين الرئيسين القويين فهو مدى المسافة من قاعدة أمريكية ثابتة عرفت باسم إسرائيل .

 

 

 

 

تم النشر نقلا عن موقع الجزيرة مباشر

لقراءة المقال من موقع الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

 

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com