ليس من شك في أن الرئيس أنور السادات على سبيل المثال كان مؤسسا مشاركا لأكثر من تنظيم من تنظيمات الضباط السرية.. لا نستطيع أن نقول إنه كان المؤسس لتنظيم الضباط الأحرار بالتحديد.. لأن هذا التنظيم أو هذا المصطلح ينصرف ـ تاريخيا وقانونيا ـ إلى التنظيم الذي قام بالثورة.. وقد كان جمال عبد الناصر هو قائد هذا التنظيم الذي قام بالثورة أو الذي نجحت ثورته أو الذي نجحت محاولته الانقلابية.. كما كان للرئيس أنور السادات دور كبير فيه.. لكن هذا التنظيم على نحو ما نما ونضج وارتقى لم يكن من تأسيس الرئيس أنور السادات مباشرة.. مع أن دور الرئيس أنور السادات في العمل الوطني سابق على دور كثير جدًّا من زملائه من أعضاء قيادة الثورة الذين أسسوا هذا التنظيم.. كما أن دوره سابق على دور غيره من الذين لم يقدر لمحاولاتهم الانقلابية أن تنجح.. لكننا في الوقت نفسه نعرف من روايات أعضاء ذلك التنظيم أنه تم ضمه إلى تنظيم الضباط الأحرار بعدما اكتمل لهذا التنظيم هيكله الرئيسي.
عبد الناصر شكل تنظيمه تحت مظلة الإخوان
ذلك أن تنظيم الضباط الأحرار، حسب المصادر التاريخية المتاحة أمامنا، بدأ من خلال التنظيم الذي نشأ من أجل التعاون مع الإخوان المسلمين وتبلور هذا التنظيم من خلال الخلية الأولى التي أتمت البيعة التي شهدها ستة هم: الرئيس جمال عبد الناصر، وكمال الدين حسين، وخالد محيي الدين، وعبد المنعم عبد الرؤوف، وصلاح خليفة، وحسين حمودة.. ثم وجد الرئيس جمال عبد الناصر أن تنمية أو نمو هذا التنظيم على هذا المستوى من الالتزام بالإطار الخلقي والإطار التنظيمي والالتزام الديني والترتيبات التي تمت في الخلية الأولى.. تتطلب وقتا طويلا ربما لا يتاح لهذا التنظيم أن ينمو فيه إلى المرحلة التي يكون قادرا فيها على إحداث الانقلاب أو الثورة.
وقد كان الرئيس عبد الناصر من الذكاء السياسي بحيث إنه أدرك أن عليه أن يتنازل بسرعة عن كثير من المقومات الأساسية في شخصيات أعضاء التنظيم.. وذلك من أجل أن يلتفت إلى سرعة تحقيق الهدف الوطني العاجل والأهم بإحداث التغيير وإنهاء عهد وبداية عهد جديد. وربما كانت كل الأخطاء التي حدثت فيما بعد يمكن نسبتها إلى هذا الإسراع أو هذا التعجل.. لكننا لا نستطيع أن ننفي أن المكسب الأكبر كان قد تحقق.
لماذا كان السادات عاملا مشتركا في التنظيمات
ومن الواضح (والثابت أيضًا) أن الرئيس أنور السادات كان أول من فكر الرئيس عبد الناصر في ضمه إلى تنظيم الضباط الأحرار.. وذلك طبعًا بحكم تجارب الرئيس أنور السادات العميقة.. وبحكم علاقات الرئيس أنور السادات الواسعة.. وبحكم خبرات الرئيس أنور السادات المتعددة.. وبحكم أنه في البداية والنهاية كان قريبًا جدًا من جمال عبد الناصر في التكوين الفكري والتكوين المهني.
صحيح أن الرئيس أنور السادات يتقدم على الرئيس جمال عبد الناصر كما ذكرنا بدفعة في التخرج من الكلية الحربية.. حيث تخرج الرئيس أنور السادات في فبراير 1938 وتخرج الرئيس عبد الناصر في الدفعة التالية في أغسطس 1938.. لكننا لا ننسى أن الرئيس عبد الناصر كان أكبر في السن من الرئيس أنور السادات بما يقترب من عام كامل.. والسبب في هذا أن الرئيس عبد الناصر لم يدخل الكلية الحربية مباشرة من أول محاولة.. وإنما دخل كلية الحقوق ثم بعد أكثر من محاولة نجح في دخول الكلية الحربية.. على حين أن الرئيس أنور السادات كان أكثر حظا في القبول المبكر في الكلية الحربية. وليس من شك في أن علاقة الرئيس جمال عبد الناصر بالرئيس أنور السادات كانت في أساسها أو بدايتها أو جذورها تستند إلى تقدير حقيقي من الرئيس جمال عبد الناصر لقدرات الرئيس أنور السادات.. وفي المرحلة التالية من هذه العلاقة نجد التقدير لقدرات الرئيس عبد الناصر أخذ يتعمق عند الرئيس أنور السادات.
مزايا عبد الناصر التي قدرها السادات
كان الرئيس أنور السادات يقدر في عبد الناصر التفوق في التنظيم وفي التخطيط وفي المفاجأة وفي الخطابة وفي القدرة على السيطرة.. هذه القدرات التي نمت في شخصية الرئيس جمال عبد الناصر.. وجعلت هذه الشخصية تتفوق وتتعمق وتتألق طيلة ممارستها للقيادة في أثناء الحكم في عهد الثورة.. كانت محل إعجاب وتقدير مبكر من الرئيس أنور السادات.. لكن هذا لا ينفي الجزء الآخر من الحقيقة وهو أنه في الوقت نفسه كان الرئيس أنور السادات ينظر بقلق إلى بعض العيوب القاتلة في شخصية الرئيس عبد الناصر.. وبالطبع كان الرئيس عبد الناصر ينظر بقلق أيضًا إلى بعض العيوب الجوهرية في أداء الرئيس أنور السادات. ولعلي أوجه النظر إلى أني استخدمت وصفي «القاتلة» و«الجوهرية» في الجملتين السابقتين عن قصد.
وفي النهاية فإن هذه كلها مراحل من مراحل تكوين الرئيس أنور السادات صبت في النهاية في تكوين رجل عظيم يوصف بصدق بأنه رجل دولة من طراز رفيع.. وبأنه بطل للحرب.. وبأنه بطل للسلام.. وبأنه بطل للإنجاز.. كما سنرى بعد ذلك حين نناقش فيها دور الرئيس أنور السادات في عهد الثورة.. ثم دوره في عهده هو نفسه.. ثم دوره في الحرب.. ثم دوره في السلام.. ثم دوره في قضية الديمقراطية.
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا