الرئيسية / المكتبة الصحفية / مقالات الجزيرة / الجزيرة مباشر / “صلاح سالم” النمط المشتعل من القيادة

“صلاح سالم” النمط المشتعل من القيادة

 

من بين مجموعة ضباط ٢٣ يوليو الذين يتمثلون أساسا في الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات و زملائهما ، فإن صلاح سالم كان صاحب الحظ الأكبر في الخلود الناشئ عن ترديد اسمه في كل ساعة، وذلك بسبب أن هذا الاسم القصير المختصر أطلق على أهم محور مروري في القاهرة ، و بالتالي في المنطقة العربية ، وسواء تواتر هذا الاسم مصحوبا باللعنات أو من دون هذه اللعنات فإن تواتره يخلد صاحبه من حيث لم يتوقع و لم يتصور ، فقد كان صلاح سالم في حياته السياسية أقرب ما يكون إلى الوجوديين من دون أن يدري ما هي الوجودية ، وها هو التاريخ ينصفه من حيث لم يكن هو يتوقع الإنصاف .
في حياة صلاح سالم كثير من العظات والعبر كما أن في حياته كثير من تصاريف القدر ، لكن للطرافة بابا آخر في هذه الحياة ، فقد كان من الطبيعي للضابط حين يترقى أن يترقى من نقيب إلى رائد لكن صلاح سالم في واقع الأمر ترقى من نقيب إلى نقيب للصحفيين على نحو ما سنرى ، وإذا وجدت واحدا من كبار الصحفيين الأساتذة أو الباشوات أو البكوات أو النرجسيين يتحدث عن أمجاده بقدر من الاستعلاء المبرر فمن الأولى أن تتذكر وتذكر نفسك بأنه كان عضوا في نقابة يرأسها صلاح سالم ، بل إن عصر الثورة الذي كان يطالب المواطن بأن يرفع رأسه اضطر فيه الدكتور طه حسين أن يعمل بصفة يومية تحت الرئاسة المباشرة لصلاح سالم ، وهو أي الدكتور طه حسين الباشا الذي كان قد شغل مناصب العمادة و رئاسة الجامعة قبل أن يتولى الوزارة .
النموذج الثالث للقيادة
بعد هذه الافتتاحية أبدأ حديثي عن صلاح سالم بمقدمة لاهي قصيرة ولا هي طويلة لكنها مهمة و جوهرية في وصف ظاهرة سياسية نادرة بعض الشيء، و تحاول هذه المقدمة أن تصف سلوكه و مسيرته السياسية من الخارج قبل أن تستعرضها من الداخل ، وأتولى في هذه المقدمة التفريق بين الأنماط الثلاثة الأكثر شيوعا (من الأنماط المتعددة واللانهائية) للقيادة في المجتمعات التي نعيشها ، وسأجعل الحديث عن نمط صلاح سالم هو آخر الأحاديث الثلاثة من أجل أن تتّضح حقيقته و طبيعته على نحو ساطع.
نحن نعرف أن عميد الكلية هو أحد أساتذتها وليس أقدم الأساتذة ولا أعلمهم ولا أنشطهم ، و صحيح أن بعض التقاليد تُرجح الأقدم للعمادة من أجل راحة البال ومعرفة من سيتولى هذه الرئاسة بطريقة أوتوماتيكية على نحو ما هو الحال في مناصب رجال القضاء المصري الذين يعرفون من هو رئيس المحكمة القادم ومن يليه من خلال كشوف الهيئات القضائية وأقدمياتهم وتواريخ ميلادهم، وصحيح أن بعض التقاليد تستدعي اختيار الأستاذ الأنشط ، وصحيح أن أغلب الانتخابات لمنصب العمادة ترجح الأقدر على إقناع أصحاب الأصوات باستحقاقه للمنصب … كل هذا صحيح في مجمله ، لكن العميد في النهاية هو أستاذ مُقدم بين متساوين ، أي أنه لا يفوق زملاءه بشيء، و لا يفوقهم في شيء ، وإن قدّموه فيما بينهم لسبب مما ذكرناه أو لغير هذا من الأسباب، هذا النمط من أنماط القيادة لا يتطلّب كثيراً من الحماس ولا الصياح ، وليس بحاجة ماسة إلى ديماجوجية ولا إلى كاريزما وليس في حاجة أيضاً إلى صفات ترتبط بالصوت والجسم والقوة والعافية والمظهر والبنية وإنما هو في حاجة إلى مزايا أخرى ترتبط بالعقل والحكمة والاقناع والتخطيط والقدرة على اختيار البدائل وطرح الحلول واستشراف المستقبل وتقنين القواعد وإعادة الترتيب.. الخ، كما و أن هذا النمط من القيادة لا يتطلب من صاحبه الحضور المتصل (او البقاء في حلبة الكراسي الموسيقية) ذلك أن بوسع العميد القديم الذي ترك المنصب من عشر سنوات أن يعود إليه أو إلى ما يوازيه في الأهمية من رئاسة لجنة قطاع، أو رئاسة لجنة دائمة لترقيات أعضاء هيئة التدريس ، أو رئاسة لجنة البعثات ، أو رئاسة لجنة البحوث ، أو لجنة الجوائز.. الخ.
قل مثل هذا عن كثير من أنماط القيادة في الشركات المساهمة والمؤسسات العامة و الهيئات العلمية و القضائية و التحكيمية التي تشبه القيادة فيها نمط القيادة في الجامعات إلى حد كبير ، وقد اخترت الجامعات نظرا لأن أغلبية القراء يتذكرون بسهولة الصورة المنطبعة عنها في أذهانهم من مرحلة الشباب حين كانوا يتلقون العلم .
و من أنواع القيادة نوع ثان يرتبط بقيادة التنظيمات السرية و هيئات مكاتب التنظيمات السياسية والمجالس العليا للمجتمعات السياسية والحزبية والجماعات أو الجمعيات الاجتماعية ، أو ما نسميه الآن بمؤسسات التعليم المدني وهو نوع من القيادة ذي طبيعة مختلفة عن القيادة بمعناها العام الذي يدرس في مناهج الإدارة ، ذلك أن قيادة العمل السري أو شبه السري تتطلب خصائص ترتبط في جوهرها بمدى القدرة على إقناع من نوع خاص : كبير ،أو واسع ، أو مكثف ، أوعالٍ ، يتوجه هذا الإقناع لجماعة صغيرة العدد في الغالب ، ويرتبط هذا الاقناع بأن يواظب صاحب الرغبة بدأب على أن يُقنع زملاءه أو أنداده بأنه هو الأصلح على الإطلاق، وأن غيره لا يستطيع أن يحل محله ، ولا أن ينافسه ، ويستدعي هذا النمط من الراغب فيه والساعي إليه مزيداً من الحرص على العلاقات الثنائية والمحاور ، كما أنه بقدر ما هو مطلوب منه أن يجعل علاقاته الثنائية أقوى ما يكون بالآخرين ، فإن عليه بالتلازم مع هذا أن يرحب بكل ما من شأنه أن يُفسد علاقة الآخرين ببعضهم ، أو يوهنها على أقصى تقدير، والنموذج البارز لهذا هو الديكتاتور الذي يقود جماعة حزبية أو ذات طبيعة “عشيرية” تتولى قيادة مجتمع من المجتمعات ، وتستطيع أن تجد في جمال عبد الناصر النموذج الأكثر شهرة لهذا النمط ، وبالطيع فإن الرؤساء حافظ الأسد ومعمر القذافي وعلي عبد الله صالح يشاركونه هذه الصفة.
النمط الثالث وهو النمط الذي يمثله صلاح سالم خير تمثيل ، يستطيع فيه القائد أن يقود جماعات كبيرة معتمدا في الأساس على درجات معقولة (وليست بالضرورة درجات قصوى) من قدرات القيادة المعروفة من قبيل الحيوية وسرعة البداهة، والخطابة، والمبادرة، والموهبة ووضوح الفكرة، والتعصب الإيجابي، وإجادة الفرز والحكم على الأمور، والقدرة على تسفيه الخصم ونسف حججه، والقدرة على التقرب من الجماهير وعقائدها وطباعها.. لكنه مع هذه الصفات جميعاً لم يمارس قيادة الجماعات الصغيرة التي ينتمي إلى مستواها ، وإنما مارس القيادة التي تمنح القائد مزايا طبقية من قبيل قيادة الضابط للجنود فهو بالنسبة لهم سيد مطاع (أو نصف إله ) فهو يأمر وينهى ويُقرر ويقدر ويثبت وينفي ويُدافع ويُهاجم من دون أي حاجة إلى أن يقدم أيّ تبرير أو تسويغ) وهنا أعود فأكرر أنه في ذات الوقت ( وهذا هو بيت القصيد في الفارق بين النموذجين الثاني والثالث من نماذج القيادة المعاصرة المتاحة ) لم يتمرّس بقيادة مجموعة من أنداده على نحو ما تمرّس نموذج جمال عبد الناصر، كما أنه هو وهم بحكم تكوينهم (هو وزملاؤه) لم يصلوا إلى مستوى النمط الأول الذي يعرفه الناس في أساتذة الجامعات الذين يتمتعون بعقليات وخبرات قادرة على الحكم على الأمور لا تخضع لمنطق المحاور والثنائيات والترتيبات المسبقة ، وإنما تستعين مباشرة و بصورة تلقائية و ربما أوتوماتية بالذخيرة المعرفية المتاحة لها في حكمها على الأمور وتقديرها ، والاختيار بين البدائل بل وعلى استيعاب أي تصرّف غير متوقع من العميد تأسيسا على فهم خاص بتوقُّعات الضغوط الخارجية أو الاجتماعية التي قد تطرأ دون ترتيب.
كانت هذه هي مشكلة صلاح سالم على نحو ما سنرى .
تألقه المبكر بين أنداده
من كشوف القوات المسلحة نرى أن صلاح سالم كان من دفعة كمال الدين حسين عند التخرج في الكلية الحربية وهي الدفعة التالية لدفعة المشير عبد الحكيم عامر لكنه تخرج في الدفعة التاسعة من دفعات كلية أركان الحرب وكان هو أول هذه الدفعة بينما كان عبد الحكيم عامر الثاني وقد ضمت هذه الدفعة من هم سابقين عليهما من دفعات قديمة مثل الفريق أول عبد المحسن كامل مرتجي (1937) وزكريا محيي الدين (فبراير 1938) وجمال عبد الناصر (أغسطس 1938) وعبد الحكيم عامر (إبريل ١٩٣٩) وهو ما يعطينا فكرة عن تألق صلاح سالم المبكر.. كما ضمت من المهندسين ثلاثة من الوزراء المهندسين العسكريين المشهورين هم المهندسون محمد صدقي سليمان، وسمير حلمي، وأمين حلمي كامل.
تركيز صلاح سالم لنشاطه في مجالي الإعلام والسودان
على الرغم من التوهج الذي حقّقه صلاح سالم فإنه آثر لنشاطه التنفيذي مجالين لا ثالث لهما الأول هو الإرشاد القومي وما يتصل به من الصحافة والإعلام، والثاني هو شؤون السودان باعتبارها جزءاً من مصر وليس باعتبارها وزارة للخارجية أو للدولة للشؤون الخارجية.
وهكذا كان صلاح سالم ينظر إلى نفسه نظرة عبد الحكيم عامر الذي لم يتولّ إلا الحربية ، ونظرة جمال عبد الناصر وزكريا محيي الدين اللذين لم يُبارحا وزارة الداخلية فيما تولّياه من الوزارات، ولم يستطع صلاح سالم أن يصل مضطرا إلى مستوى عبد اللطيف البغدادي الذي دخل معه الوزارة في نفس اليوم والذي أثبت نجاحه في خمس وزارات (الحربية والشئون البلدية والقروية ، والتخطيط ، والخزانة وشؤون بور سعيد) أو مستوى زميله كمال الدين حسين (الشئون الاجتماعية والتربية والتعليم والإدارة المحلية والإسكان) ولا حتى إلى مستوى زميله حسين الشافعي (الحربية والشئون الاجتماعية والبلدية والتخطيط والأوقاف والدولة لشؤون الأزهر)
أما في مجال الإرشاد القومي فإن صلاح سالم وجد نفسه بين من ظنهم أندادا من غير العسكريين لم يُعاملوه بنفس المعاملة ، فقد كانت وزارة الإرشاد القومي أول وزارة أنشأتها الثورة، وفي 17 نوفمبر 1952 عُيّن وزير الدولة فتحي رضوان وزيراً لها بعد إنشائها مباشرة، وهي الوزارة الوحيدة في تاريخ مصر التي صدر قرار إنشائها من الوصي [الوحيد] على العرش ، لا من هيئة وصاية ، ولا من ملك ، ولا من رئيس ، وعندما أُجريَ تعديل وزاري موسع بعد أقل من عشرين يوما (في 9 ديسمبر) أسندت الإرشاد القومي إلى وزير الشئون الاجتماعية محمد فؤاد جلال وبذا عاد فتحي رضوان وزيراً للدولة فحسب فلما شكل الرئيس محمد نجيب وزارته الأولى مع إعلان الجمهورية في يونيو 1953 دخل صلاح سالم الوزارة (مع زميليه الرئيس عبد الناصر والبغدادي) وزيراً للإرشاد القومي وشئون السودان وظل محتفظاً بها مع تعاقب الوزارات التي شكلت حتى استقال منها في نوفمبر 1955 فخلفه فتحي رضوان.
هل كان هناك صراع بين صلاح سالم ومحمد فؤاد جلال بالطبع لم يكن هناك صراع ولا فرصة لأي صراع إلا في أدنى الحدود.
هل كان هناك صراع بين صلاح سالم وفتحي رضوان، لم يخلُ الأمر من اختلاف في وجهات النظر لكن الأمور لم تتطور أبدا إلى صراع.
هل كان هناك صراع بين صلاح سالم والأستاذ محمد حسنين هيكل؟ من السهل على الذين لا يحبون الأستاذ هيكل أن يذهبوا إلى القول بأنه هو الذي حفر لصلاح سالم نهاية عهده في الإرشاد القومي، لكن في مثل هذا الادعاء كثير من التجاوز للحقيقة، وإن كان الأستاذ هيكل نفسه كان يرحب به و يوحي به.
صراعه الحقيقي كان مع الرئيس عبد الناصر
أما الصراع الحقيقي على الإرشاد القومي الذي لم ينتبه إليه أحد فقد كان بين الرئيس جمال عبد الناصر وبين صلاح سالم، ولهذا فإن كل متاعب صلاح سالم في الإرشاد القومي والعلاقة مع الصحافة ووسائل الإعلام جاءت متلازمة مع ما كان الرئيس عبد الناصر يتيحه لغيره من ظلال الحقيقة ، أي مع ما كان يملكه جمال عبد الناصر ويُسر به إلى (أو يُغذي به) من يشاء من الصحفيين بدءاً بالأستاذ مصطفى أمين وانتهاء بأي مندوب صحفي ملازم لمجلس قيادة الثورة ومروراً بالأستاذ التابعي والأستاذ إحسان عبد القدوس والأستاذ هيكل وغيرهم من رؤساء التحرير.
ولهذا السبب الجوهري فإننا نرى رواية الأستاذ لطفي عبد القادر عما حدث حين أعلن عن استقالة صلاح سالم وسؤال الصحفيين للرئيس جمال عبد الناصر عمن سيكون المسؤول عن الإرشاد القومي وإجابته لهم بأنه هو المسؤول وكأنه كان هو المسؤول. وفي مقابل هذا فإن الأستاذ لطفي عبد القادر نفسه يروي أيضا أن الصحفيين سألوا جمال سالم عن استقالة شقيقه فأجابهم بكل ثقة: إن احداً لم يُعيّن شقيقه حتى يكون من حقه أن يقيله.
وأظن أن الأستاذ لطفي عبد القادر في هاتين الروايتين، اللتين لم يقصد صاحبهما إلى دمجهما ولا إلى موازاتهما ، قد أعطى بما فيه الكفاية إشارة واضحة إلى مدى عقيدة صلاح سالم في مسئوليته عن الثورة وعن حقه فيها.
استفزازه لزملائه وتحقيره لهم
نستطيع الآن أن نبني أحكامنا على ما بوسعنا أن نتصوره بسهولة فهذا هو صلاح سالم فيما بين أعضاء مجلس قيادة الثورة وقد ظهر أنه هو ، وليس غيره ، أكثرهم حيوية ونشاطاً وقدرة على مواجهة الجماهير والخطابة المتصلة والجدل والحوار واستقبال أسئلة الإعلاميين، والتفنُّن في الرد عليها بما يؤكد وجود سلطة جديدة ونوع جديد، وبل وعصر جديد هو عصر ٢٣ يوليو .
لكن صلاح سالم مع كل هذا النفوذ البارز كان عاجزا تماما عن أن يحسب حساب مشاعر زملائه وأفكارهم وخبراتهم وتوقعاتهم وعلاقاتهم وارتباطاتهم و ردود أفعالهم ، بل إنه لم يكن يُعير أي أمر من هذه الأمور أيّ انتباه من أي نوع ، بل إنه كان يتمادى إلى تسفيه آراء بعض زملائه ، وإلى تخوين البعض الآخر ، وإلى مواجهة كثير منهم بأخطاء لا يريدون ذكرها، ولا تذكرها ، وكان يواجههم بأقوال أشبه ما تكون بقنابل موقوتة لا تمثل ما يمكن تصوره ولا تصويره ميثاقا بينهم وبين الحقيقة، وهو يفعل كل ذلك متطلّعاً إلى التقدم على هؤلاء الزملاء ليجعل من نفسه ابن طبقة أخرى غير طبقتهم في القيادة مع أن زملاءه ليسوا من الأساتذة الذين يقدرون الموهبة ، ولا الحاجة إليها ، وإنما هم يقدرون السلطة ، ويدركون فائدة الاستحواذ عليها، كما أنهم بحكم سنهم لا يتقبلون فكرة القدرة الكامنة ، ولا القدرة المختزنة ، ولا القدرة القابلة للاستدعاء ، وإنما هم يفهمون القدرة على انها ممارسة للقوة في المقام الأول والأخير.
الشهاب الذي سرعان ما احترق
هكذا كان صلاح سالم شهاب ثورة 1952 الذي تألق بأكثر مما ينبغي ثم احترق قبل غيره، وقد احرق هو نفسه بنفسه بفضل سلاطة لسانه على زملائه حتى إن جمال عبد الناصر استطاع في هدوء شديد أن يقول ذات مرة لأعضاء مجلس القيادة إنه يحب أن يسمع الأخوة رأي صلاح سالم فيهم واحداً واحداً ، ومن العجيب أن احداً منهم لم يسلم من انتقاد صلاح سالم وكأنه أي صلاح سالم كان يرى أن يزيحهم جميعاً ويبقى هو وحده، وكأنه كان الديكتاتور الذي لا يقبل بوجود أي زميل إلى جواره، وهكذا أصبح هؤلاء “الأخوة” أو “أعضاء مجلس قيادة الثورة” بين خيارين، الخيار الأول أن يبقى الديكتاتور جمال عبد الناصر الذي يُتيح للمسالمين المطيعين منهم مكانا إلى جواره في قمة السلطة رغم كل ما قد يعانونه من ديكتاتوريته، والخيار الثاني أن ينتصروا للمنطق العقلي في الصواب والخطأ، ويؤمنوا بأدلة صلاح سالم في أنهم لا يصلحون ، ومن ثم يبقى صلاح سالم وحده ، ويذهبون جميعهم إلى الجحيم.
وبالطبع فإن أعضاء مجلس قيادة الثورة فضلوا الخيار الأول الذي يستبقيهم، وفضلوا صاحبه وهو جمال عبد الناصر، وتركوا صلاح سالم في العراء يندب حظه حتى تكرّم عليه جمال عبد الناصر بأن جعله صحفيا ورئيساً لتحرير جريدة الثورة التي هي الجمهورية ولم يمانع الرئيس في أن يُتوّج صلاح سالم نفسه أيضاً نقيبا للصحفيين ، وكأنه كان صحفياً قديما بينما كان هو في سريرة الصحفيين : الصاغ صلاح سالم لا أكثر.
رأي عبد الناصر في صلاح سالم
يتحدث فتحي رضوان في كتابه 73 شهرا مع عبد الناصر عن صلاح سالم في كثير من المواضع ولكن أهمها في رأيي هو الموضع الذي يروي لنا موقفاً يبلور خلاصة رأي عبد الناصر في صلاح سالم حيث يقول:
” ولكن رأي عبد الناصر في صلاح سالم – شقيق جمال سالم – لم يكن بنفس الجودة. فقد سمعت منه في مناسبات كثيرة تعليقات علي تصرفات لصلاح سالم، لا تنطوي علي الرضا ، فهو لم يكن يعتبره ( بتاع شغل ) أي أنه غير قادر علي التنفيذ وتحمل مشقاته … لأنه يحب الكلام ويحسنه ، ولا يقوي على العمل … ولا يطيقه … قال لي عبد الناصر ذلك مرة في مناسبة ظهور أول فرقة فنون شعبية في مصر والبلاد العربية، وهي الفرقة التي ولدت في سنة 1957 ، وعرفت باسم ” يا ليل يا عين ” ، والتي نجحت نجاحاً مدوياً ، بعد حملة ضارية ومسعورة ضدها ، وهي ما تزال في دور التكوين والإنشاء . فقد قال لي عبد الناصر : لقد قلت لصلاح أن يتبني فننا القومي . وأن ينشئ شيئا مثل هذه الفرقة ، وقد وعدني صلاح بذلك ولم يفعل شيئا … فهو مش بتاع شغل
و يؤيد الأستاذ فتحي رضوان وجهة نظره برواية أخرى فيقول :
” وذات يوم مر على يوسف السباعي – وكنا وقتها نضع قانون المجلس الأعلى للفنون والأداب – ولم يكن الرأي قد استقر بعد ، على الوزارة التي سوف يتبعها هذا المجلس … وكان “صلاح سالم” وزيراً للإرشاد القومي … وكانت المسارح والفنون تتبعه . في حين كان كمال الدين حسين وزيراً للتربية والتعليم … وكانت المدارس والمعاهد تتبعه . ثم أنتهى الرأي عند جمال عبد الناصر أخيراً، علي الحاق المجلس بكمال الدين حسين بحجة ” كمال شغال … وصلاح مش بتاع شغل !! “
رأي للواء محمد نجيب:
تتضمن مذكرات الرئيس محمد نجيب نصا عارضا وصريحا يلقي فيه الرئيس محمد نجيب بالمسؤولية على الرئيس عبد الناصر مشيرا إلى أنه استخدم صلاح سالم ككبش فداء :
“وهكذا ضاع السودان كما ضاعت الديمقراطية.. وكان لا بد أن يقدم عبد الناصر كبش فداء.. ولم يجد بالطبع أفضل من صلاح سالم.. فأجبره على الاستقالة.. فقد استغل عبد الناصر الأخطاء التي وقع فيها صلاح سالم في السودان، وذبحه.. وخرج هو بريئا من هذه الجريمة” .
رأي خالد محي الدين السلبي في صلاح سالم
وفي مقابل هذا كله فإن خالد محيي الدين ينحاز مبدئيا ضد صلاح سالم وشقيقه جمال وهو يدمج انتقاده لهما معا معليا من شأن جمال على شقيقه وذلك حيث يقول :
” واذا تحدثت عن الأخوين جمال و صلاح سالم ، فلم يكن لهما ارتباط حزبي ، وإنما كانا يمثلان التيار الوطني الدكتاتوري كما سيظهر من مسلكهما بعد قيام الثورة. على ان جمال سالم لم ينضم الى الضباط الاحرار إلا قبل نهاية عام 1951 .. كان قد أمضي في لندن ثلاث سنوات للعلاج وإجراء بعض العمليات الجراحية إثر حادث سقوطه بطائرة حربية كان يقودها.. وقد إثر هذا الحادث على عموده الفقري.. ويقال إن الآثار التي تركها الحادث في جسده كان لها أثر كبير على حالته العصبية وجموحه في بعض لاحيان. وبعد انضمام جمال سالم الى الضباط الأحرار نقل الى العريش، وانضم الى خلية العريش .. وكان الرجل صريحا فلم يكن يتحدث كثيرا، وكان يستمع أكثر مما يتحدث.. وفي احدي المرات حينما كنا نناقش بعض مسائل التنظيم صرح بقوله: لقد كنت بعيدا عن الأحداث فترة طويلة .. أريد أن أعرف أولا ما يدور.
” على العكس كان صلاح سالم. كانت مهمته الدائمة والوحيدة داخل المجلس وخارجه هي السب والشتيمة ومارس صلاح سالم هذه المهمة ببراعة . عندما اطلقوه على محمد نجيب كان يهز رأسه ويهينه..وكانت هذه وسيلتهم الوحيدة للتخلص منه .. وأعلنوا إقالته. وخرج صلاح سالم ليسبه . فإذا بالشعب يخرج تلقائيا ويرفض قرارهم ويجبرهم على اعادته” .
تقييم صلاح نصر لصلاح سالم
حظي دور صلاح سالم بجزء كبير من مذكرات صلاح نصر عن الفترة الأولى من عمر الثورة ، و سننقل عنه كثيرا من الروايات ، لكننا نبدأ برأيه الإجمالي الذي أورده في نهاية حديثه حيث قال :
” … لقد كان صلاح سالم بلا منازع رجلا وطنيا ، بذل في مسألة السودان مجهودا مضنيا ربما ما استطاع غيره أن يبذله .. لقد كان شعلة ذكاء ونشاط .. وإذا كانت مسألة السودان لم تتحقق كما كانت تراود ذهن عبد الناصر ، فلم يكن صلاح سالم وحده المسؤول ، وانما المسؤولية تقع علي مجلس الثورة كله .. وكان صلاح سالم مجرد قربان وكبش فداء للسياسات الخاطئة.
شهادة الأستاذ لطفي عبد القادر
أما الاستاذ لطفي عبد القادر فيقول : إنه عرف عن صلاح سالم طهارة اليد والشرف طوال توليه مسئولياته ، فلم ينسب إليه شبهة اختلاس في أي وقت من الأوقات ، ومات ولم يترك من الثروة ما يشكك في نزاهته وشرفه
دوره في العلاقات مع سوريا
سافر صلاح سالم وهو عضو في مجلس قيادة الثورة المصري في أواخر عام 1954 إلي سوريا ، داعيا إلى إقامة دفاع مشترك بين مصر وسوريا ، وطرح مشروع انشاء صندوق دفاع مشترك بين البلدين يغطي نفقات التسليح للجيشين . ولكن الرئيس هاشم الأتاسي رئيس الجمهورية حينئذ عارض ذلك بشدة ، وكانت له كلمته المشهورة التي تعبر عن رأيه المعارض :”دون هذا الدمار للأركان” !
تسريبه المبكر لخبر صفقة الأسلحة الشرقية
يروى ان صلاح سالم كان هو ذلك الرجل الذي كشف السر وتحدث عن صفقة الاسلحة الشرقية قبل إعلانها ، ويذهب صلاح نصر في مذكراته إلى أنه لم يكن وحده في هذا فاغلب أعضاء مجلس الثورة وحتى عبد الناصر تحدثوا عن هذه الصفقة لبعض المقربين لهم ، “وطالما خرج السر عن اثنين فقد شاع” .
انهياره في حرب ١٩٥٦ : رواية لفتحي رضوان ونور الدين طراف
من حق القارئ أن ننقل له صورة مهمة لصلاح سالم كانت منطبعة وربما مسيطرة في أذهان كثيرين من معاصريه كنموذج لصاحب النفس القصير . ففي كتاب 72 شهرا مع عبد الناصر يروي فتحي رضوان عن نور الدين طراف عن عبد اللطيف بغدادي كيف أن صلاح سالم كان أكثر أعضاء الثورة انهياراً أثناء وقوع العدوان الثلاثي في خريف 1956 :
” تحدث عبد اللطيف البغدادي إلي الأخ الدكتور نور الدين طراف فقال :” عندما تبين أن الانجليز والفرنسيين في خريف 1956، مصممون على الزحف إلى القاهرة ، وأن الجيش لم يعد في مقدوره رد عاديتهم عن العاصمة ، وأن الوسطات الدولية وقرارات الأمم المتحدة لم تجد . وبدأ المستقبل مظلما شديد الحلوكة … فقد صلاح سالم آخر قطرة من معنوياته وتماسكه ،و اقترح أن يتناول أعضاء مجلس قيادة الثورة سما زعافا سريع المفعول لكيلا يقعوا في يد الانجليز والفرنسيين والإسرائيليين فيتخذوا منهم فرائس للانتقام والتشفي ،وينتهزها أعداء الثورة – من كل صنف ونوع – فرصة ليثأروا لأنفسهم من أولاد وبنات وذوي قربي عبد الناصر وأخواته . ووافق الحاضرون جميعا على هذا الاقتراح … ولم يحل دون تنفيذه إلا غياب البغدادي الذي لم يكن قد حضر ذلك الاجتماع … وأرسلوا إلى صلاح نصر ليجهز السم المطلوب وإلى عبد اللطيف البغدادي ليبدي رأيه في الاقتراح … وفي خلال البحث في الأمرين معا … جاءت الأنباء من نيويورك… بما لا يدع مجالاً لمثل هذا اليأس القاتل.
آراء للأستاذ محمد جلال كشك
وننقل في الحديث عن صلاح سالم الآن الي مواضع مهمة من كتابات للأستاذ محمد جلال كشك في ” كلمتي للمغفلين ” ، وهو الكتاب الذي يشترك مع الجزء الأول من مذكرات صلاح نصر في الاهتمام المكثف و واسع النطاق بصلاح سالم ، وهذا أمر طبيعي فقد كان صلاح سالم صاحب أبرز الأدوار في هذه الفترة المبكرة من الثورة التي يتحدث عنها الكتابان .
وفي كثير من المواضع في كتاب ” كلمتي للمغفلين ” نجد الأستاذ محمد جلال كشك يعبر بدقة عن إحساس جيله من الصحفيين تجاه سياسة صلاح سالم و سلوكه من واقع معايشتهم للأحداث ويبدو كشك أكثر انطلاقاً من قيود القلم في تقييمه لصلاح سالم .
يذهب الأستاذ محمد جلال كشك بكل وضوح، إلى هذا القول، مقدما بهذا الحكم لوجهات نظر قريبة من الصواب وإن جاءت بعد فوات الأوان :
” صلاح سالم بلا شك أكثر الشخصيات إثارة في مجلس الثورة، وأبرزهم خلال العامين الأولين، فترة الصراع ضد محمد نجيب، فقد كان يتولى وزارة الإرشاد، وقضية السودان، ومسؤولية تصفية محمد نجيب في الشارع، بينما كان أخوه يتولى تحقير رئيس مجلس الثورة ورئيس الجمهورية داخل الجهاز الحاكم …”
” صلاح سالم هو بلا شك أكثر أعضاء مجلس الثورة ذكاء ولا نقول مكرا أو دهاء … وهو أيضا من يفهم ولا يقبل … وكان بغدادي يعزيه بأن التاريخ سيحكم بينهم وبين عبد الناصر، ويرد صلاح سالم :” تاريخ مين يا شيخ ؟ … ومن أين سيعرف التاريخ هذه الحقائق ؟!”
” هذه القناعة [ يقصد الاقتناع ] التي ملأت نفسه أنه حتي التاريخ لن يثأر له … حتى التاريخ لن ينصفه … حتى التاريخ سيفرض عليه التعتيم والتجهيل فلن يعرف الحقيقة حتى التاريخ سيخضع لرقابة موفق الحموي ، وتزوير هيكل ، وسيصبح كمجلة التحرير يثرثر بالأباطيل والجهل والكذب المتعمد…!! “
” ولعل هذه القناعة [ يقصد الاقتناع ] ، تكون قد غفرت له كل ما ارتكب من ذنوب في حق زملائه أعضاء مجلس الثورة وأعضاء تنظيم الضباط الأحرار وحق المواطنين من رجال مصر الذين حاربوا الانجليز والسراي . وحق وطنه الذي ساهم بقدر ما في ضياع نصفه وكبت حرية النصف الأخر …”
” وهذا صحيح لقد ظلم صلاح سالم ظلماً فادحاً… وكل ما بقي من أعضاء مجلس الثورة يجب أن يتكلم … فهناك إشارات هنا وهناك تؤكد أن صلاح سالم كان مقتنعاً بالأدلة على صحة اتهامه للآخرين … وكان جاداً ومصراً”
الأستاذ كشك يصفه بأنه شخصية دستوفسكية
وفي موضع آخر يؤكد جلال كشك ذات المعنى في سياق أعم وهو يتحدث عن صلاح سالم وشخصيته ويحاول أن يفلسف كيف لمع صلاح سالم بسرعة وكيف انطفأ بسرعة أيضا فيقول:-
” صلاح سالم كما قلنا شخصية دستوفسكية ، حاد الذكاء مع قليل من الجنون الوراثي ، كان أكثر بروزا من شقيقه جمال سالم ، متحدثا ساخرا لاذعا مع كثير من البذاءة والقسوة في النقد ، وطنيا متطرفا ، مع ضحالة سياسة أدت إلى سعيه للثقافة فسقط في مستنقع الشيوعية ، وتولت السفارة السوفيتية ” تجنيده ” “وتثقيفه ” … وصلاح سالم شديد الطموح ، رأي نفسه في مخدع الأميرة فايزة، ومرشحا لرئاسة الجمهورية الاتحادية لمصر والسودان، واعتبر كما يقول حمروش إن ” محمد نجيب ” نصف السوداني هو منافسه على هذا المنصب أو هكذا أوحى إليه جمال عبد الناصر ، ومن ثم استخدمه في تصفية “محمد نجيب” فأفحش في ذلك . صلاح سالم عهدوا إليه بقضية السودان، وأصبحت هذه قضية عمره يقترن مستقبله كله بنجاحه في تحقيق وحدة وادي النيل … وقد تفرغ ” صلاح سالم ” لمحاربة الانجليز في السودان . ومحاربة ” محمد نجيب ” في القاهرة وأصبح الاتحاد مضموناً كما قال هو … وبدأ الانحدار …
لعبة السلطة كانت تستهدف ضرب نجيب بصلاح باستنزافه في هذه المعركة ، ولكن ذلك لم يكن بالجانب المرير ، بل إن صلاح سالم أكتشف أن قوى مصرية تعمل ضده في السودان وتنفذ مخطط الانفصال !
هذه هي الحقيقة الرهيبة التي اكتشفها صلاح سالم ، واخفيت عن المصريين ما يقرب من ربع قرن إلى أن اكتشفها بغدادي بصورة سيئة سلبية غير منصفة لرفيق السلاح
دور صلاح سالم في السودان من وجهة نظر الأستاذ كشك
ونبدأ بوجهة نظر الأستاذ محمد جلال كشك الخاصة في طبيعة دور صلاح سالم في السودان، فمع أنه لا يعفي أحدا من رجال الثورة من النتيجة إلتي وصل إليها الأمر بالانفصال فإنه يرى أن صلاح سالم لم يكن المذنب في هذه المسألة ، فقد كان هناك تكتيك آخر يقوم به عبد الناصر هو الذي أفسد الجو والشعور تجاه مصر والسودان.
ويستشهد الأستاذ محمد جلال كشك على صحة رؤيته بالفقرات التي ينقلها عن عبد اللطيف بغدادي الذي لم يكن مؤيدا لصلاح سالم عندما طرحت قضيته للتصويت في مجلس قيادة الثورة ، ويقول الأستاذ محمد جلال كشك إن بغدادي قرر أن صلاح سالم لم يكن إلا منفذا لسياسة المجلس في السودان ، ولم تكن تلك السياسة سياسته هو ، وهذا صحيح ، ومن ثم فقد ظلم ظلما بينا بتحميله مسئولية ما جرى والاطاحة به بحجة ذلك ، ولكن هذا هو أهون ما في الأمر .
ثم يقول الأستاذ محمد جلال كشك إن الذي لم يعرفه بغدادي وقتها وما زال يرفض أن يعرفه …. أنه كان يوجد جهاز آخر من زكريا وعلي صبري وحسين ذو الفقار صبري و حمدي عبيد وعبد الفتاح حسن ينفذ سياسة أخرى تماما…ولا نستبق الأحداث … (يقول كشك) يشهد بغدادي : ” وكان صلاح نفسه مؤمناً أيماناً قوياً وعميقاً بالقضية ” وهذه حقيقة ، لا شك فيها امتزجت فيها الوطنية ، مع القناعة المصرية الراسخة لهذا الجيل بتقديس وحدة وادي النيل ، مع الطموح الفردي للنجاح في أخطر مهمة عهد له بها ، مع الأمال في رئاسة جمهورية وادي النيل ، أو اتحاد جمهوريات وادي النيل … ومن ثم لا يمكن القول إن السودان كان عند صلاح سالم تكتيكا أو وسيلة في لعبة السلطان !.
ثم يقول الأستاذ محمد جلال كشك :
” ورأى ” صلاح سالم ” إنه قد اعتصر ولم يبق إلا أن يقذف به في سلة المهملات حاملا عار فصل السودان ، وأن عبد الناصر غرر به عندما اتفق معه على أن يستقيل مقابل أن يسافر عبد الناصر إلى السودان ويعلن استقلاله … فقبلت الاستقالة ، وسخر جمال من فكرة السفر ، وأكد أن الذي يتحمل مسئولية ” استقلال ” السودان يحسن أن يذهب إلي الكونغو ولا يعود إلى مصر “…
” وانفجر صلاح سالم وقرر أن ينسف المعبد ، وإن ينطق بالسر الذي أراد كتمه حتي يتحمل عبد الناصر مسئولية سياسته ( أي سياسة ناصر ) قرر أن يتكلم … فكان هذا السر الرهيب “
” اجتمع مجلس الثورة … بغياب أنور وجمال سالم وفجر صلاح القنبلة قال ” والراوي بغدادي فقد مات صلاح قبل أن تتاح له الفرصة ليقول كل شئ ” قال بغدادي ” قال صلاح أنه شعر ولمس بالأدلة الملموسة بأن هناك جهات حكومية أخرى وأشخاصاً مسؤولين يعملون على استقلال السودان ويشجعون المسؤولين السياسيين هناك علي السير في هذا الاتجاه ،وقد تبين أن جمال عبد الناصر كان يعلم بهذا التصرف منهم ولكنه لم يتصرف معهم بالمؤاخذة . ولكن صلاح في أثناء حديثه هذا كان يحاول أن ينفي أن لجمال عبد الناصر يداً فيما يجري. ولو أنه في نفس الوقت كان يحاول أن يوقع اللوم عليه “
اتفاق عبد الناصر و عبد الحكيم ضد صلاح سالم
يروي صلاح نصر أن عبد الناصر كان قد قرر ان يتخلص من صلاح سالم ولقد سمعته يقول لعبد الحكيم عامر في قمة الازمة ” صلاح سالم أصبح حالة ميئوسا منها لا علاج لها ” وكان عبد الحكيم عامر يحاول أن يهدئ من غضب عبد الناصر ، ويذكر له أن صلاح بذل جهدا جبارا في السودان ، وأن اقصاءه سيسبب مشكلات جمة سواء بالنسبة لمسألة السودان ، أو بين ضباط الجيش.
“كان قرار عبد الناصر للتخلص من صلاح سالم مبنيا على عدة عوامل أهمها: عدم انسجام صلاح سالم مع أغلب أعضاء مجلس الثورة ، ومعارضته الدائمة لعبد الناصر ومهاجمته له بأنه يريد الاستئثار بالسلطة عن طريق استقطاب أعضاء المجلس ، وأخيرا انفراد صلاح سالم – على حد قول عبد الناصر بالعمل في السودان مما أدي الي الموقف المتدهور.
“واخذ عبد الناصر يهاجم صلاح سالم في الخفاء فيندد بمسلكه الشخصي ، ويتندر أمام بعض الضباط الأحرار بقصة صلاح سالم الغرامية مع الأميرة فايزة شقيقة الملك فاروق
يزيد صلاح نصر هذا المعنى إيضاحا في موضع آخر فيقول:
” والواقع أن مجلس الثورة لم يكن – كفريق – متابعا للأحداث والتطورات التي كانت تجري في السودان ، ولم تكن المسائل تدرس حينئذ على اساس تقديرات تقدمها أجهزة المعلومات والتخطيط. كما كانت السياسة المصرية إزاء السودان ، سياسة ارتجالية اجتهادية ، ولذلك حينما تأزمت الأمور وقرر عبد الناصر عقد مؤتمر 25 من أغسطس ، كان الهدف منه أن يقوم صلاح سالم بوضع أعضاء مجلس الثورة في الصورة القائمة التي كانت تسود السودان حينئذ.
وفاجأ صلاح سالم مجلس الثورة باستقالته ، وكان أسلوب عبد الناصر في معالجة أمور أعضاء المجلس ، أن يجمع مجلس الثورة برمته ، ويعرض .. المشكلة بعد أن يكون قد اختمر في عقله القرار الذي يريده ، وبعد ان يكون قد ناقشه مع بعض أعضاء المجلس الذين يضمن أصواتهم ، كما بينت في مكان آخر.
وعرض صلاح سالم الموقف المتأزم في السودان ، وتحمل مسئوليته بشجاعة ، واعتبر نفسه مسئولا عما حدث في السودان ، وبخاصة مذبحة الجنوب التي جاء ذكرها من قبل.
لقد قرر عبد الناصر أن يضحي بصلاح سالم ، فهو من وجهة نظره قد استنفد أغراضه ، وهو مبدأ كان يعمل به عبد الناصر ولا يخفيه ، ويعرفه كثير من الضباط الأحرار سواء بالنسبة للأشخاص أو المؤسسات. لقد أصبح صلاح سالم ورقة محروقة ، لا يستطيع عبد لناصر ان يلعب بها على منضدة لعبة السياسة.
مقابلة السفير البريطاني لصلاح سالم
وفي أثناء هذه الظروف كان السفير البريطاني في القاهرة قد طلب مقابلة صلاح سالم في الثامن والعشرين من أغسطس للتحدث معه في مسألة تقرير المصير في السودان ، وكان عبد الناصر قد أوكل شفاهة مسألة الاشراف على شؤون السودان الى عبد الحكيم عامر ، حتى يصل مجلس الثورة الى قرار مصير صلاح سالم.
واعتبر صلاح سالم هذا الإجراء من عبد الناصر بمثابة تنحية له ، أو حتى وصاية عليه ، وهو وضع لا يقبله ، وقد هدد صلاح سالم بأنه سوف يعتذر عن مقابلة السفير البريطاني ، وسوف يبلغه بأنه اصبح غير مسئول عن مسألة السودان.
في ذاك الوقت كانت تنتاب صلاح سالم ثورة جامحة ، وكان من الممكن أن يفعل أي شئ في ذاك الوقت كنت أعمل مديرا لمكتب عبد الحكيم عامر ، وتحدثت تليفونيا مع صلاح سالم ، واحسست أنه يعاني من ثورة نفسية عنيفة .. كان يسب ويلعن.
سألني صلاح سالم وهو يصيح في هياج : ” فين حكيم يا صلاح؟” قلت له: ” لم يصل بعد ” سألته عن سبب غضبه .. اجاب: ” جمال عبد الناصر عاوز يذبحني بسكينة تلمة بعد كل اللي عملته وأديته للبلد دي .. هو مش عامل رئيس الثورة ومسؤول عن سياسة البلد .. ومجلس الثورة اللي ملبسهم عمم وينفذوا له كل حاجة ! “
حاولت أن اهدئ من روعه ، ولكنني لم انجح ، وطلب مني أن ابلغ عبد الحكيم عامر ضرورة الاتصال به لأمر بالغ الخطورة.
وحضر عبد الحكيم عامر الى المكتب ، وأبلغته بمحادثة صلاح سالم فاتصل به عبد الحكيم ..
سألت عبد الحكيم : مزعلين صلاح ليه
أجاب: السودان فشل فيه
قلت: دي مسؤولية المجلس كله.
قال: سأذهب إليه انت عارف صلاح عصبي ولا يتفاهم سأحاول أن افعل شيئاً .. المسألة أكبر من شخص صلاح سالم .. ازاي هنواجه البلد بضياع السودان.
وبالرغم من أن عبد الحكيم عامر كان متعاطفا مع صلاح سالم ، فقد استطاع عبد الناصر أن يقنعه ويؤثر عليه بضرورة ذهاب صلاح سالم .. ولذلك حينما صدر القرار الخاص بصلاح سالم كان عبد الحكيم في جانب عبد الناصر كانت إجراءات استقلال السودان تسير في الخرطوم بخطى سريعة ملموسة ، وكان الانجليز يساعدون على اتمام عملية الانفصال.
صلاح سالم يواجه مجلس القيادة في اجتماع ٢٥ أغسطس
ثم يروي صلاح نصر قصة الاجتماع:
“في ذاك الوقت طلب صلاح سالم من عبد الناصر أن يعقد مجلس الثورة المصري ليضعه في الصورة التي وصلت اليها الاحوال في السودان ، وليوضح للمجلس أن الاخفاق الذي حدث في السودان إنما وقع نتيجة مؤامرة حيكت للتخلص منه ، وشارك فيها على حد قوله بعض أعضاء مجلس الثورة ، وبعض الأفراد المسؤولين في أجهزة الدولة.
” وتقرر عقد اجتماع مجلس الثورة برئاسة عبد الناصر يوم الخامس والعشرين من أغسطس للنظر في هذه المسألة الحيوية. وكان صلاح سالم قد أبدي لعبد الناصر قبل الاجتماع رغبته في التنحي عن مسألة السودان ، بحجة انه اصبح ورقة لعب محروقة ، بشرط أن تتغير سياسة مصر إزاء السودان ، فيبادر عبد الناصر بإعلان استقلال السودان الذي اصبح أمرا واقعا سواء رضيت القاهرة أم أبت.
” كان صلاح سالم بطبيعته المعروفة متحمسا لأفكاره، سريع التأثر والغضب.. ومع المجهود المضنى الذي بذله في السودان لتحقيق الوحدة أحس صلاح سالم في المراحل الأخيرة من تطور المسألة السودانية أن عبد الناصر يريد أن يحمله وحده تبعة الاخفاق في سياسة السودان ، ومسئولية الأحداث الأخيرة التي جعلت الانفصال أمرا واقعا لا محالة.
” وفي الاجتماع سالف الذكر وجه صلاح سالم الاتهام بأن هناك من تآمر عليه، للتخلص منه ، باتباع سياسة معارضة لما كان متفقا عليه ازاء السودان ، وبسكوت عبد الناصر علي مسلك المتآمرين عليه مع علمه به.
” كان الاتهام ينحصر في ان عبد الناصر قرر ان يذبح صلاح سالم قربانا على مذبح المسألة السودانية ، مستخدما في ذلك بعض أعضاء مجلس الثورة وقد حددهم صلاح سالم زكريا محيي الدين و عبد الحكيم عامر و أنور السادات ، وموحيا من وراء ظهره لبعض الأفراد لعرقلة جهود صلاح سالم ، وقد اتهم صلاح سالم أيضا عبد القادر حاتم مدير الاستعلامات.
” كما وجه صلاح سالم الاتهام الى علي صبري. مدير مكتب جمال عبد الناصر ، و حسين ذو الفقار صبري شقيق علي صبري وعضو الحاكم العام في السودان ، و عبد الفتاح حسن نائب وزير الدولة لشؤون السودان.
” ورأي صلاح سالم أن أسلم وسيلة لإنقاذ موقف السودان المتردي أن يقدم استقالته من جميع وظائف الدولة التي يشغلها ، أي بمعني آخر يتنحى عن العمل السياسي .. ولكن عبد الناصر في مقابلة مع صلاح سالم حاول أن يقنعه كعادته كي يستمر عضوا في مجلس الثورة حفاظا على تماسك المجلس أمام الشعب .. ولكن صلاح سالم أحس أنه سيكون مجرد رقم بين أعضاء مجلس الثورة ، الذي اعتاد صلاح ان يتهكم على اغلب اعضائه بسخرية ، وكان لا يخفي ذلك ، فكثيرا ما كان يسخر من بعضهم في وجوههم وأمام زملائهم من الضباط الاحرار.
“هذا فضلا عن إحساس صلاح سالم بأن عبد الناصر نجح في استقطاب معظم مجلس الثورة لجانبه استعدادا للانفراد بالسلطة. وربما كانت احساسات صلاح سالم في هذه الناحية سليمة الى حد ما .. ولكن اتهامه بالتآمر ضده كان مبالغا فيه.
” كانت سياسة مجلس الثورة المصري في السودان قد اخفقت نتيجة العوامل التي افضت في شرحها سلفا .. وبالطبع كان هذا الاخفاق سينسب الى جمال عبد الناصر ، الذي اصبح حينئذ رئيسا للثورة بعد الإطاحة بنجيب ، وكان لايمكن لعبد الناصر ان يظهر وقد اضاع السودان ، فالرأي العام في مصر كان متحمسا للوحدة مع السودان ، وكان اغلب الشعب متشبعا بفكرة قيامها نتيجة سياسة الاعلام الخاطئة التي كانت قائمة حينئذ.
كانت شخصية عبد الناصر قديرة على التأثير على اغلب اعضاء مجلس الثورة ، وحينما كان يريد ان يتخذ قرارا ، كان يتفق مع بعض اعضاء المجلس قبل اجتماعهم على اتجاهاته ازاء المسألة التي سوف تبحث.
عبد الحكيم عامر ينجح في تهدئة صلاح سالم
كان عبد الناصر قد اوفد عبد الحكيم عامر الى صلاح سالم لتهدئته ، وصحبه في هذه الزيارة القائمقام احمد انور من الضباط الاحرار ، والذي كان له دلال خاص لدي عبد الناصر.
وابلغ عبد الحكيم عامر صلاح سالم بان المجلس لم يتخذ اية قرارات ضده لا من ناحية الاستقالة ولا من ناحية تنحيته عن مسألة السودان او حتي منحه اجازة اجبارية.
ونجح عبد الحكيم في تهدئة صلاح سالم الذي كان ثائرا واخذ يسخر من اعضاء مجلس الثورة ، ويطلق على كل منهم اسما ساخرا .. وقد استطاع عبد الناصر ان يستغل هذه الحادثة في اثارة حفيظة زملائه من اعضاء مجلس الثورة .
عبد الناصر يشعل النار بين صلاح و زملائه
حاول عبد الحكيم عامر ان يلطف من الجو الكئيب الذي غشي المجلس ، فاخذ يشرح وجهة نظر صلاح سالم في يسر ، ولم ينقل ما قاله صلاح سالم عن زملائه ولكن عبد الناصر لم يشأ ان يترك العاصفة تمر بسلام ففي اجتماع الثامن والعشرين من اغسطس الذي جلس فيه عبد الحكيم عامر يلطف من نفوس الاعضاء الثائرين الغاضبين علي صلاح سالم ، تدخل عبد الناصر في الحديث وقال ” لازم الاخوان يعرفوا ما قاله صلاح سالم عنهم “
وذكر عبد الناصر لهم ان احمد تنور نقل له صورة كاملة عما حدث ، واخذ عبد الناصر يتحدث عما قاله صلاح سالم عنهم
وثار اغلب اعضاء المجلس واعلنوا انه لا يمكنهم التعاون مع صلاح سالم بعد اليوم. وهكذا نجح عبد الناصر في ذبح الثور الاحمر لكن اعضاء مجلس الثورة سها عليهم الحكمة التي تقول: لقد اكل الثور الابيض حينما اكل الثور الاحمر.. لقد كان عليهم الدور للتصفية، ولسوف يتم اكلهم واحدا بعد الآخر.
وتيقن صلاح سالم انه تقرر ذبحه قربانا على مذبح المسألة السودانية، فقرر بين نفسه ان يهدم المعبد على من فيه .. كان يدور في عقله ان يجمع الصحفيين الاجانب ، ويعلن استقالته من المجلس وتنحيته عن مسألة السودان ويشرح للصحفيين اسباب استقالته ، مشيرا الى مؤامرة الاستعمار الغربي لفصل السودان عن مصر.
ولكن عبد الحكيم عامر استطاع ان يهدئ من روعه ، ويبين له المخاطر التي سوف تتعرض لها مصر والثورة نتيجة هذا الاجراء .
وطلب صلاح سالم من عبد الحكيم عامر ان تعلن استقالته من عضوية مجلس الثورة ، ومن جميع مسئولياته الوزارية ، على ان يعلن هذا على الملأ ، لأنه لا داعي لإخفاء امر سيعلمه الناس ، وليس من المصلحة التستر على امر سوف يؤدي الى نشر شائعات لا مبرر لها ، ستضر بالثورة وبتاريخه.
وكان صلاح سالم يقطن في سكن اميري داخل ثكنات العباسية ، فطلب السماح له بالاحتفاظ به على أن يدفع ايجاره المحدد ، وان يحتفظ بسيارته الحكومية لاستخدامها لأنه لا يملك سيارة ، وان تستمر اقامته في استراحة القناطر لفترة كي يبعد عن مقابلة الناس ، منعا للقيل والقال الذي يزيد النار اشتعالا.
واعلن صلاح سالم لعبد الحكيم عامر انه لا يريد ان يقابل اي عضو من اعضاء مجلس الثورة، اذ انعدمت الثقة بينه وبينهم، واتهمهم جميعا بانهم تآمروا علي حرقه والتخلص منه
خلاص عبد الناصر من صلاح سالم
هكذا انتهي دور صلاح سالم السياسي كعضو في مجلس الثورة وفي السلطة التنفيذية.
صلاح سالم يبوح لصلاح نصر
يروي صلاح نصر أنه في مقابلة له مع صلاح سالم قال له: على كل فإنني (الضمير لصلاح نصر) طلعت أرجل منهم فلم انقل لجمال ما كان يقوله هؤلاء عنه.. ومهما حدث فلن اسلك مسلكهم في الدس والوقيعة “
كان متأثرا وغاضبا فأخذت اهدئ من نفسه وسرعان ما هدأ، فصلاح سالم بطبيعته يغضب سريعا ويهدأ في اقصر فترة .
في ذاك الوقت، كان جمال سالم في رحلة في الخارج لزيارة اندونيسيا زيارة رسمية، ولم يعاصر هذه الازمة العاصفة، وخشي عبد الناصر ان تزداد حدة الازمة بعد عودته ، ولكن جمال سالم عبر بعد عودته من الخارج ان مصلحة مصر والثورة فوق مصلحة الاشخاص وانه لن يتأثر بما حدث داخل المجلس.
صلاح سالم ينتبه للدور الأمريكي في إسقاطه
يروي صلاح نصر أن صلاح سالم كان على يقين بان واشنطن لها دخل في اسقاطه لاتصاله بالروس ، ولسعيه للإفراج عن الشيوعين السودانيين المسجونين في مصر ولمحاولته اقناع السفير الروسي في القاهرة كي تبيع موسكو اسلحة لمصر مقابل سلعتي القطن والارز.
وانتهت مأساة صلاح سالم وقفز عبد القادر حاتم قفزة اخرى فأوكل اليه عبد الناصر الاشراف على وزارة الارشاد.. ونحج حاتم في أن يبدي ولاءه لعبد الناصر فسار مع عبد الناصر وكان زكريا يظن انه رجله لأنه هو الذي دفعه من ضابط في سلاح خدمة الجيش الى ضابط في المخابرات حتى أصبح مديرا للاستعلامات.
كان يعرف أن الاستفتاء مقدمة للانفصال
اصدر البرلمان السوداني في ٢٩ أغسطس قرارا بإجراء استفتاء عام يقرر مستقبل البلاد ، و بادرت بريطانيا بالمعاونة على تنفيذ هذه السياسة .. وصرح مسئول بريطاني بأن بريطانيا لا تمانع قط في مبدأ الاستفتاء .. فهل يمكن للقاهرة بعد هذا الموقف ان تظهر على المسرح بموقف المعارض لاستقلال السودان؟
لقد انتهت مسألة السودان واصبحت القضية مسألة وقت ليتم اعلان استقلال السودان .. واصبحت المشكلة الآن التي تواجه مجلس الثورة المصري هي مشكلة صلاح سالم ، فأجمع المجلس على منح صلاح سالم اجازة ، مع الاحتفاظ بسرية القرار.
وأعلن المجلس استقالة عبد الفتاح حسن أو بمعني أدق اقالته من منصبه ، كما وافق مجلس الثورة علي تنحية حسين ذو الفقار صبري ، على ان يترك الامر لعبد الناصر لتعيين من سيحل محله ، أما مشكلة حمدي عبيد فسوف تحل تلقائيا بعد انسحاب القوات المصرية من السودان الذي كان قد تقرر كما بينت سلفا.
واجريت مناورة داخل المجلس، كي يتولى عبد الناصر شئون السودان، ولكن دهاء عبد الناصر مكنه من أن يتخلص من هذه المسئولية ويسندها الى زكريا محيي الدين ، بحجة انه يرأس جهاز المخابرات العامة حينئذ ، الذي يستطيع ان يخدم مسألة السودان بما لديه من امكانات.
تكريم صلاح سالم بعد وفاته
حين توفي صلاح سالم نال حظاً كبيراً من التكريم، ربما لأنه أيقظ في زملائه من الثوار الإحساس بأن الموت أقرب إليهم مما يتصورون … وكان من حظه أن منحه جمال عبد الناصر أعلى القلادات وأن أطلق أسمه على أكبر شارع في العاصمة … ونشرت مرثيات كثيرة في صلاح سالم لم يحظ ببعض ما فيها من ثناء وهو على قيد الحياة … بل وحفلت هذه الكلمات والمرثيات بالمبالغات على نحو ما نرى حين نتأمل هذه المرثيات .

 

 

 

 

 

 

تم النشر نقلا عن موقع الجزيرة مباشر

لقراءة المقال من موقع الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

 

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com