نتناول في هذه المدونة قضيتين شائكتين وشائقتين في الوقت ذاته. القضية الأولى فهي أن اثنين من الأشقاء وصلا إلى أعلى المناصب العسكرية والسياسية في عهد يوليو ١٩٥٢ بينما كان شقيق ثالث لهما في أغلب الأحوال والأقوال من الإخوان المسلمين، وقد لقي مصرعه نتيجة انفجار في بيتهم. أما القضية الثانية فترتبط بتولي أحد نبلاء الأسرة الملكية مسؤولية قيادية في الجيش وما تميز به أداؤه الراقي والإنساني في قضية مصرع شقيق هذين الضابطين.
نبدأ القصة من أولها:
في عهد الملك فاروق كان الأمير إسماعيل داوود وهو من نبلاء الأسرة العلوية المالكة مديرا لسلاح الفرسان الذي هو فيما بعد سلاح المدرعات. كان هذا القائد الذي هو في الوقت ذاته محسوب أو منظور إليه من ضباطه والعاملين تحت قيادته على أنه أحد أعضاء الأسرة المالكة نموذجا للنبل والالتزام والتهذيب والمسلك الحضاري، وكان كفرع عائلته من أكثر الناس تواضعا، وهي الصفة التي ميزت هذا الفرع بالذات، ولم يكن في شغله لهذا الموقع مثار قلق لا للشعب ولا للملك ولا للضباط الكبار. ومن الجدير بالذكر هنا أن النظام الذي كان الملك فؤاد الأول قد وضعه للاسرة المالكة بعد إعلان الاستقلال في ١٩٢٢ يعطي أبناء الملك فؤاد لقب الأمير، ويعطي هذا اللقب أيضا لورثة الحكام السابقين من قبيل أولاد أعمامه كالأمير محمد على توفيق ولي العهد (الذي هو ابن الخديو توفيق) والأمير كمال الدين حسين (ابن أخيه وسلفه السلطان حسين كامل) بينما كان بعض أبناء الفروع الأخرى ينالون لقب النبيل.
أما عن الواقعة المهمة والمحورية فهذا هو نص ما يرويه الفريق أول كمال حسن علي رئيس الوزراء ووزير الدفاع والخارجية ومدير المخابرات وقائد سلاح المدرعات في حرب أكتوبر [في مذكراته مشاوير العمر] بتحفظ واتزان عن قصة مصرع أخيه الأكبر المهندس عزت الذي تذكر بعض المصادر التي لم يشر إليها هو نفسه في مذكراته إلى أنه كان من الإخوان المسلمين:
“وفي يوم 12 أبريل 1942 تلقيت مكالمة تليفونية ستظل محفورة في ذاكرتي لبقية العمر، كان المتحدث هو رئيس أركان حرب المنطقة الشرقية العسكرية ليخطرني بالتوجه فورا إلى القاهرة لوقوع حادث لأّخي الأكبر المهندس عزت، وأراد رئيس أركان حرب المنطقة أن يهوّن علي وقع الخبر، فقال لي إن عزت أصيب في حادث لكنه في حالة خطرة، ولما توجهت إلى منزلنا في عابدين بالقاهرة رأيت هول المأساة على حقيقتها، وبشاعة الحادث الذي وقع إثر انفجار داخل المنزل أدى إلى انهيار بعض غرفه وأودي بحياة أخي عزت ومراسلة أخي طلعت، كما أصيب شقيقي الأصغر فؤاد ببعض الجراح”.
“كان عزت قد أكمل دراسته في كلية الهندسة وتخرج مهندسا مدنيا، ولكنه كان يهوي الكيمياء فأقام معملا صغيرا في حجرة مكتبه المنعزلة، ويبدو أنه كان يقوم بتحضير غاز الأسيتون لمشروع تجاري، وعندما زاره أحد أصدقائه غادر الغرفة، ونسي الجهاز فوق النار لزمن طويل حتى حان موعد صلاة العشاء فأدي الصلاة، وودع صديقه إلى الباب، وعندما تذكر الجهاز عاد إلى غرفته ليدير مفتاح النور الكهربائي فاشتعل الغاز المتصاعد وانفجر كل شيء”.
هنا يتجاوز الفريق أول كمال حسن علي عن كل التفصيلات ليشير إلى أن مدير سلاح الفرسان اتخذ قرارا إنسانيا بنقله نتيجة لذلك الحادث للعمل مع شقيقه طلعت في سلاح الفرسان، وكأنه حريص على أن يدفعنا دفعا إلى الثناء على روح هذا التصرف الأبوي لقائد مدير سلاح الفرسان الأميرالاي إسماعيل داوود، وهو على حد تعبيره أحد أفراد الأسرة المالكة: “لا شك أن هذا الحادث قد هز الأسرة تماما، بل والحي بأكمله، كما امتد صداه بعد ذلك إلى المسؤولين في سلاح الفرسان، وبلغ مسامع الأميرالاي إسماعيل داود مدير السلاح (أحد أعضاء الأسرة المالكة) فرأى أن ينقلني على الفور من سلاح المشاة إلى سلاح الفرسان لأكون بالقرب من شقيقي طلعت الذي كان قد ترقي إلى رتبة اليوزباشي، وبرغم أننا أمضينا معا بعد ذلك حوالي ثلاثين عاما في السلاح، والذي غيرت الثورة اسمه بعد ذلك إلى سلاح المدرعات، إلا أني حرصت على ألا تجمعني به وحدة واحدة تحت قيادته، ولم يكن هذا المسلك نوعا من العزوف بقدر ما كان نوعا من الرغبة في التصرف على فطرتي الخاصة”.
“والحقيقة أن هذا الاتجاه كانت له فوائده بعد قيام الثورة، فلم يحسب تصرف واحد منا على الآخر كما حدث في أزمة مارس عام 1954، وهي الأزمة التي كادت تهدد بحرب أهلية وبانقسام عنيف بين ضباط سلاح المدرعات وضباط الأسلحة الأخرى”.
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا