من المصطلحات التي سطا عليها بعض رموز عصر الرئيس مبارك المصطلح القائل بأن البرلمان سيد قراره وأكثر من استعماله باعتزاز وكأنه هو الذي صكه وابتدعه، ومعنى المصطلح أن البرلمان هو الذي يقرر صحة عضوية أعضائه وليس المجلس العسكري مثلا أو السلطة التنفيذية أو السلطة القضائية متمثلة القضاء باختلاف محاكمه، ونظرا لأن السياسي الكبير الذي كان يستخدم هذا المصطلح لم يكن يحظى بحب البرلمانيين ولا السياسيين على وجه العموم، فإن المصطلح المسطو عليه نفسه لم يكن يتمتع بالقبول ولا حتى بفهم ملابساته ولا ميزاته، وقد عاش الشارع السياسي المصري على هذا الشعور حتى جاء عهد المجلس العسكري ففهم الناس قيمة هذا المصطلح وعبقريته وأهميته، وفهموا أنه بدون هذا التوجه الحاكم في فصل السلطات الثلاث فإن البرلمان يفقد كل استقلاله لا بعض هذا الاستقلال فحسب.
كان صاحب هذا المصطلح هو علي زكي العرابي باشا (1882 ـ 1956) وهو واحد من أهم رموز عصر الليبرالية. كان وزيراً وفدياً ناجحاً ورئيساً لامعاً لمجلس الشيوخ، وكان من حيث المولد والتخرج تاليا لزعيم الأمة مصطفى النحاس باشا بثلاث سنوات، وقد عاش وفديا مخلصا وإن لم يمنع هذا من اختلافه العلمي والفقهي في بعض القضايا مع الوفد، وكانت لأشهر هذه الآراء الفقهية الحاسمة في اختلافها مع سياسة الوفد آراؤه الخاصة بالقضايا التي أثيرت حول عضوية البرلمان، حيث كان الأمر سجالاً بين الوزارات الوفدية ووزارات حسين سري باشا (1941) وأحمد ماهر باشا (1944) وإسماعيل صدقي باشا (1946)، ومع أن علي زكي العرابي باشا كان وفدياً أصيلاً بل ورئيس مجلس الشيوخ الوفدي فقد كان رأيه في ظاهره على خلاف رأي الوزارة الوفدية.
قيمته السامقة في وضع القوانين
تراوحت علاقة علي زكي العرابي باشا بعهد الثورة ما بين الكراهية العميقة التي كانت تشعر بها الحركة تجاه كل الساسة، وما بين إظهار التقدير الواضح من أجل الاستمالة، وإحداث انشقاق بزعامته في داخل الوفد
كان علي زكي العرابي باشا من أبرز القانونيين في جيله، وكان أحد ثلاثة من شيوخ القانون تولوا إعداد مشروعات القوانين المصرية بعد إلغاء المحاكم المختلطة والامتيازات الأجنبية، وقد تولي إعداد مشروعات القوانين الجنائية على حين تولي الدكتور عبد الرزاق السنهوري باشا إعداد القانون المدني، وتولي محمد حسن العشماوي باشا إعداد قانون المرافعات.
نشأته وتكوينه
ولد علي زكي العرابي باشا في محلة أبو علي سنة 1882، وتلقي تعليماً مدنياً متميزاً وعرف بنبوغه وهو طالب في الحقوق حيث كان يترجم المحاضرات عن الإنجليزية ويوزعها على زملائه. تخرج علي زكي العرابي باشا في مدرسة الحقوق (1903)، وعمل بالمحاماة وتلقي تدريبه الأولي على المحاماة في مكتب خاله، ثم عمل مدرساً للقانون بمدرسة الشرطة، ثم اختير أستاذاً بكلية الحقوق (1920)، ثم عين قاضياً بالاستئناف. انضم للحركة الوطنية في ثورة 1919، وظل طيلة حياته على ولائه للوفد، وقد انتخب عضواً في الهيئة العليا للوفد في نهاية الثلاثينيات.
مناصبه الوزارية
عين علي زكي العرابي باشا وزيراً للمعارف في وزارة النحاس باشا الثالثة (مايو 1936 ـ يوليو 1937)، ثم تولي وزارة المواصلات في ثلاث وزارات أخري رأسها النحاس باشا، فتولاها في وزارة النحاس الرابعة (أغسطس 1937 ـ ديسمبر 1937)، ثم في وزارته الخامسة (فبراير 1942) وحتى 14 مايو 1942 فقط، حيث اختير رئيسا لمجلس الشيوخ، وعاد ليتولى وزارة المواصلات للمرة الثالثة في وزارة الوفد الأخيرة (12 يناير 1950) وحتى 9 يوليو 1950 فقط، حيث اختير مرة أخري رئيساً مجلس الشيوخ.
علاقته بالرئيس عبد الناصر
تراوحت علاقة علي زكي العرابي باشا بعهد الثورة ما بين الكراهية العميقة التي كانت تشعر بها الحركة تجاه كل الساسة، وما بين إظهار التقدير الواضح من أجل الاستمالة، وإحداث انشقاق بزعامته في داخل الوفد وهو ما لم يحدث بفضل ذكاء علي زكي العرابي باشا ووطنيته. كان الرئيس جمال عبد الناصر نفسه يظهر للصحافة أنه يحبه، وأنه يستعين برأيه، ومن العجيب أنه اختير كذلك عضواً في لجنة وضع الدستور كممثل اختارته الثورة للوفد وذلك على الرغم من أنه خضع لقوانين العزل السياسي باعتباره من وزراء ما قبل الثورة.
القصة الخيالية في حرب ١٩٥٦
توفي علي زكي العرابي باشا في ربيع ١٩٥٦ لكن الطريف أنه في أثناء حرب 1956 وجهت أجهزة الدولة العميقة اتهاما له بأنه يرتب لحكومة مدنية تخلف العسكريين وتعزل الرئيس جمال عبد الناصر من أجل إنقاذ مصر من دمار حرب 1956، وهكذا صدرت الأوامر بمحاصرة بيته لضبط المؤامرة بينما كان العرابي نفسه قد توفي منذ أكثر من ستة شهور.
الخطأ الشائع في اسمه
نظرا لأن تركيبة اسم على زكي نادرة فإنه يحدث الخلط في اسمه كثيرا، ومن الطريف أن موسوعة الأعلام التي أصدرتها وكالة أنباء الشرق الأوسط كتبت نبذتين عن شخصيته في موضعين مختلفين / في حرف الزين وحرف العين مع تناقض النبذتين تماما في التواريخ والأحداث. هو والد الأستاذين محمد زكي العرابي رئيس البنك الوطني للتنمية، وفؤاد العرابي الوكيل الأول السابق لوزارة الثقافة. أما انته فكانت زوجا لأستاذنا المحبوب الدكتور أحمد البنهاوي عميد كلية طب عين شمس.
آثاره:
– «مركز الوارث في الشريعة ونتائجه في القانون» ،القاهرة، مطبعة الشعب، 1913.
– «شرح القسم العام من قانون العقوبات وجرائم القتل والجرح والضرب»، القاهرة، لجنة التأليف والترجمة، 1925.
– «قانون تحقيق الجنايات والتعديلات الطارئة عليه والقوانين المرتبة به لغاية أول نوفمبر سنة 1926»، القاهرة، مطبعة دار الكتب المصرية، 1926.
– «القضاء الجنائي» جمع وتلخيص وترتيب علي زكي العرابي، القاهرة، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1926، من جزأين في ثلاثة مجلدات.
– «المبادئ الأساسية للإجراءات الجنائية» شرح قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 الصادر بتاريخ 3 سبتمبر 1950، القاهرة، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1952.
– «المبادئ الأساسية للتحقيقات والإجراءات الجنائية»، القاهرة، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1939/ 1940، من جزأين في مجلدين.
– «مذكرات في قانون تحقيق الجنايات»، القاهرة، مطبعة الاعتماد، 1920.
– «عضوية البرلمان»، القاهرة، 1949.
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا