تتمثل في المجتمع المصري ظواهر ثقافية واجتماعية تجعل المظهر الواحد من مظاهر الحياة الاجتماعية قادرا على أن يجمع برشاقة ومن دون افتعال بين حضارات مختلفة، وعلى سبيل المثال فإن اسم مايكل الذي هو ميشيل الذي هو ميخائيل الذي هو ميكائيل الذي هو ميكال يتواجد في الثقافة المصرية بكل هذه الصور بينما تجده في كل ثقافة أو لغة أوروبية مُقتصراً على النطق الوطني للاسم. وهكذا تجد أيضا في مصر جرجس وجورج وجورجي، وبيتر وبطرس، ومارك ومرقص ومرقس، وشارل وتشارلز، ويوسف وجوزيف، ويحيى ويوحنا، ويونس ويونان، وابراهيم وابراهام. وربما أن كثيراً من قُرّاء هذه المدونة من المصريين لم يعرفوا أن هذه الأسماء صورة من بعضها إلا من هذه المدونة، ذلك انهم يتعايشون مع هذه الأمور في أسماء تنطق تنطقا واحدا وتكتب بكتابتين مختلفتين تدلان على معنيين واشتقاقين مختلفين من قبيل مروة ومروى، وثناء وسناء.
ومن الملاحظ أنه في الأوقات التي تتجلّى فيها السعادة ويتعمق الإيمان بالوحدة الوطنية فإننا نجد حرصاً شديداً على تبادل الأسماء بين المسلمين والمسيحيين، وتجد المسيحيين حريصين على أسماء المجتمع الذي يعيشونه كأنهم يُعلنون بذلك للأوروبيين أنهم ينتمون حتى بالاسم إلى هذا المجتمع المصري العربي الذي هو مُجتمعهم، وهم يفعلون هذا حتى لا تصبح هناك فرصة للوقيعة المتكررة التي كان الإنجليز والأوروبيون جميعاً يلجؤون إليها من أجل إذكاء روح الفتنة الطائفية.
أبلغ الأمثلة على هذا التوجّه كان صاحبه مكرم عبيد باشا الذي لم يكن اسمه مكرم عبيد، وإنما كان هذا هو اسم والده، أما هو فكان اسمه وليم مكرم عبيد فلمّا اندلعت الثورة المصرية في 1919 وتطورت في اتجاهات تأصيلية حريصة على الوحدة الوطنية، وعلى تحطيم أي رابطة معنوية بالغرب يمكن أن يلعب عليها المستعمر تخلّى مكرم عبيد عن اسم وليم، واستخدم اسم والده مباشرة وكأنه أصبح بطريقة البيروقراطية مكرم بن مكرم عبيد.
وفي أسرة مكرم عبيد باشا تجلت صورة هذا الطيف الحضاري العاكس للحالة الوُجدانية للمجتمع المسيحي في ظل ثورة 1919 ثم في ظل حكم العسكريين الذين جاءت بهم إلى الحكم ثورة 1952، فقد كان لمكرم عبيد باشا أربعة أشقاء هم حلمي ورياض وجورج وفكري وشقيقتان، وهكذا نفهم أن والد الباشا كان قد سمّى اثنين من أبنائه أسماء مسيحية أو هكذا تصور، وسمّى الثلاثة الباقين أسماء تركية وهكذا تصور حين سمّى حلمي وفكري ورياض، أما الابنتان فقد سمّاهما أسماء مسيحية أو غربية ليندا ومارجريت وقد احتفظ هؤلاء بأسمائهم منسوبة إلى أبيهم، فظهروا في المجتمع وكأنهم أبناء شقيقهم الأكبر وليسوا كأشقاء له.
كذلك فعل أبناؤهم الذين احتفظ بعضهم بأسماء آبائهم ، ونسب بعضهم نفسه إلى الجد مباشرة فأصبح الاسم الثاني من أسماءهم هو اسم الجد (الذي محله أن يكون الاسم الثالث) وهو الاسم الذي اشتهر به العم. وأشهر هؤلاء هم السياسية منى مكرم عبيد، فهي ابنة جورج مكرم عبيد، لكنها لا تكتب اسمها إلا بطريقة منى مكرم عبيد وكأنها ابنة مكرم عبيد باشا (الذي هو عمها) أو ابنة مكرم الأب الذي هو جدها. ومن باب إتاحة الفرصة للدراسات الاجتماعية فإننا نكتب هنا أسماء عشرين علما يمثلون الجيل الثالث أي أحفاد وأسباط مكرم عبيد الأب ال، وكل هؤلاء العشرين كان مكرم عبيد باشا بالنسبة لهم (وهو الذي لم يُرزق بأولاد) بمثابة عمهم أو خالهم فضلا عن أبوته الروحية.
وباختصار شديد فإننا سنكتب كل واحد من الأشقاء والشقيقات ونذكر عدد أبنائه الذكور ثم عدد بناته الإناث قبل أن نكتب أسماءهم. فقد رُزق حلمي مكرم عبيد بابنين وابنة، وكان حلمي مكرم عبيد زوجاً لابنة أستاذنا الكبير الدكتور نجيب محفوظ باشا أستاذ أمراض النساء والتوليد، وقد سمّى ابنيه أمين وشريف وسمّة ابنته نائلة. أما رياض مكرم عبيد والد الوزيرة الوحيدة [حتى الآن] في هذه العائلة فقد رُزق ابناً واحداً هو وجيه وثلاث بنات هنّ الوزيرة نادية، وشقيقتها فادية التي هي حرم الأستاذ سعيد سنبل رئيس تحرير الأخبار العتيد، وشقيقتهما نبيلة. وأما جورج مكرم عبيد فقد رزق ابناً هو فاروق ، وابنتين هما السياسية والبرلمانية الانقلابية منى وشقيقتها نوال.
أما الشقيق الأصغر فكري مكرم عبيد الذي وصل (في عهد السادات) إلى منصب نائب رئيس الوزراء وهو منصب لم يصل إليه شقيقه مكرم باشا كما كان أمين عام الحزب الوطني. فقد رزق ثلاثة أبناء هم عاطف وسعيد وسامح وابنة واحدة هي سميحة. أما الشقيقة الأولى ليندا فقد رُزقت ثلاثة أبناء نبيل ورجائي وبهائي وابنة واحدة هي بسيمة. وأما الشقيقة الثانية السيدة مارجريت فقد رزقت ابنا هو مكرم الذي سُمّي باسم جده أو باسم خاله وابنة هي ليلى. وهكذا نجد لمكرم عبيد الكبير عشرين حفيداً (أحد عشر من الذكور وتسعة من الإناث) ليس من بينهم واحد حمل اسماً من الأسماء الغربية.. ولهذا السبب ضمن أسباب أخرى كان المصريون يقولون ولا يزالون يقولون: يحيا الوفد، بما يعني تحيا مصر، وتحيا الوحدة الوطنية.
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا