يبدأ التاريخ المكتوب لمشايخ الأزهر الذين تولوا هذا المنصب الكبير منذ عام 1679 أي ما قبل مئتي عام بالضبط من نشأة النظام الوزاري المصري وتكوين أول وزارة مسئولة ذات مجلس ورئيس مسئول وهي وزارة نوبار باشا 1878، وقد تداول تمَّ أول هذا المنصب بين علماء الشافعية والمالكية من ذلك الحين أي منذ النشأة أي منذ 1679 وحتى عهد الشيخ المهدي العباسي الذي واكب عهد أول وزارة مصرية وتولية رئيس للنظار، وقد كان مفتيا وجمع مع الإفتاء مشيخة الأزهر فيما بين 1870 و1881 ثم فيمما بين 1882 و1886.
المهدي هو أول شيخ حنفي
وكان الشيخ المهدي العباسي أول شيخ للأزهر من مشايخ المذهب الحنفي وهو الذي شهد الثورة العرابية، وعزلته تلك الثورة، وخلفه الشيخ شمس الدين الأنبابي ثم عاد هو إلى المنصب بعد فشل الثورة وبقي أربع سنوات ثم خلفه الشيخ شمس الدين الأنبابي مرة أخرى. وكان التعاقب بين هذين الشيخين هو أول تعاقب بين شيوخ الأزهر الذين لم يعد منهم إلى تولي المنصب إلا ستة كان الشيخان المهدي العباسي وشمس الدين الأنبابي أول هؤلاء الستة. أما بقية الستة فهم الشيخ حسونة النواوي، والشيخ سليم البشري، والشيخ محمد مصطفى المراغي، والشيخ عبد المجيد سليم.
أصحاب المشيختين
ومن بين هؤلاء المشايخ الأربعة والأربعين الذين تولوا المنصب خمسين مرة (ثمانية وثلاثون تولوه مرة واحدة، وستة تولى كلٌّ منهم المنصب مرتين) فإن سبعة تولوا منصب الإفتاء. ومن هؤلاء السبعة آخر ثلاثة مشايخ للأزهر أي الشيخ الثاني والأربعون (جاد الحق) والثالث والأربعون (محمد سيد طنطاوي) والرابع والأربعون (أحمد الطيب)، وحين ألّفت كتابي أصحاب المشيختين فقد كتبته عن الخمسة الأوائل حيث كان الشيخ طنطاوي لا يزال على قيد الحياة، وربما أن حظي حسن حين ألفت الكتاب، ونشرته في ذلك الحين ولم يتأخلر نشره مثل غيره من كتبي المحبوسة، فمن الصعب على حتى يومنا هذا أن أتصور أن يكون الدكتور أحمد الطيب من أصحاب المشيختين.
الوفاة في المنصب
من بين هؤلاء المشايخ فإن المعاصرين لحياتنا الراهنة يعرفون أن الشيوخ الأربعة الأخيرين توفوا وهم في منصبهم (الدكتور عبد الحليم محمود والدكتور محمد عبد الرحمن بيصار والشيخ جاد الحق على جاد الحق والدكتور محمد سيد طنطاوي) وقد تولى اثنان من هؤلاء المشيخة في عهد الرئيس أنور السادات وتولاها الآخران في عهد الرئيس حسني مبارك، لكن الذين تولوا المنصب في عهد الرئيس جمال عبد الناصر وعهد الثورة المبكر فباستثناء الشيخ شلتوت الذي توفي فجأة فإن الباقين تركوا المنصب وهم على قيد الحياة، بطريقة الاحتجاج أو على طريقة طلب الاستقالة منهم بناء على أمر الرئيس، وهكذا فإن الشيخ عبد المجيد سليم استقال (في المرة الثانية) الشيخ محمد الخضرحسين استقال، ونقل خلفه الدكتور عبد الرحمن تاج وزيراً في اتحاد الجمهوريات ثم توفى الشيخ شلتوت فجأة، واستقال خلفاه الشيخ حسن مأمون والشيخ الدكتور محمد الغحام.
يزدوج الحال في عهد الملك فاروق فقد توفي الشيخان المراغي (في مشيخته الثانية) ومصطفى عبد الرازق والشيخ مأمون الشناوي، لكن الشيخ عبد المجيد سليم استقال (في المرة الأولى) وكذلك الشيخ إبراهيم حمروش، فيما قبل ذلك كان الشائع منذ دخلت السياسة مع عهد الاحتلال البريطاني أن يستقيل شيوخ الأزهر احتجاجا، وإذا أخذنا الفترة من الثورة العرابية وحتى نهاية عهد الملك فؤاد فإننا نجد العرابيين أقالوا الشيخ المهدي العباسي وخلفه الشيخ شمس الدين الأنبابي فأقاله الخديو توفيق وأعاد الشيخ المهدي العباسي ثم اقاله وأعاد الشيخ شمس الدين الأنبابي فلما مرض الشيخ الأنبابي وطال مرضه وقال الأطباء باستحالة شفائه منه أسندت المشيخة إلى الشيخ حسونة النواوي لكنه استقال بعد خلافات شهيرة مع نظارة الحقانية، وخلفه ابن عمه الشيخ عبد الرحمن النواوي الذي لم يلبث إلا شهراً وتوفي، فألحوا على الشيخ سليم البشري الذي كان يكبُر هؤلاء سنا فقبل المشيخة في فترته الأولى (1899 ـ 1903) لكنه استقال بعد أن اختلف مع الخديو عباس فأسندت المشيخة إلى الشيخ على الببلاوي وكان مالكيا كسلفه الشيخ سليم البشري لكنه استقال، (وقد توفي بعد استقالته بعشرة شهور) فخلفه الشيخ عبد الرحمن الشربيني لمدة عامين واستقال بعدها. وهكذا عادت المشيخة إلى الشيخ حسونة النواوي (1907) بعد ان مرت على أربعة مشايخ خلفوه، فلما استقال الشيخ حسونة من مشيخته الثانية (1909) أعيد الشيخ سليم البشري بعد أن خلفه ثلاثة من المشايخ منهم شيخ سابق عليه ولا حق به وهو الشيخ حسونة النواوي.
وكان الشيخ سليم البشري أول شيخ يتوفى وهو في منصبه منذ زمن الشيخ عبد الرحمن النواوي وكأنما كانت الوفاة من حظ من يخلف الشيخ حسونة النواوي الذي ظل على قيد الحياة حتى 1925. وقد كان الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي هو الشيخ الذي حدثت في عهده أحداث ثورة 1919 وقد ظل قائما بالمشيخة منذ 1917 وحتى 1927.
سبعة من جيل واحد
ثم جاء العهد الذي قفز فيه الزعيم مصطفى النحاس باشا بالمشيخة إلى سن الشبان وتوالى منهم ستة أضلاع من العلماء الأجلاء الذين وجدوا على رأس الجامع الأزهر والحياة العلمية المتصلة به في عصر الليبرالية ١٩١٩- ١٩٥٢، كانوا (تبعا لترتيب وفياتهم) الشيخ محمد الأحمدي الظواهري ١٨٧٨- ١٩٤٤، والشيخ محمد مصطفى المراغي ١٨٨١-١٩٤٥، والشيخ مصطفي عبد الرازق ١٨٨٥- ١٩٤٧، والشيخ محمد مأمون الشناوي ١٨٧٨-١٩٥٠، والشيخ عبد المجيد سليم ١٨٨٢- ١٩٥٤ والشيخ إبراهيم حمروش ١٨٨٠-١٩٦٠، وقد تولوا جميعا مشيخة الأزهر التي انحصرت فيهم ما بين عامي ١٩٢٩ و١٩٥٢، وخلفهم في المشيخة عالم جليل من جيلهم يفوقهم موهبة وأفقا، وهوالعلامة التونسي الشيخ محمد الخضر حسين الذي تخرج في الزيتونة ثم في الجامع الأزهر وهو من جيلهم لكنه يسبقهم في الإنتاج والفصاحة والعلم والنشاط واللغة والأدب، وكان اختياره من مظاهر التوفيق التي صادفتها ثورة 23 يوليو 1952 في أول عهدها بيد انها لم تحافظ عليه، فاستقال وبقيّ على قيد الحياة حتى 1958 شاهداً على الثورة وكذلك بقيَ الشيخ إبراهيم حمروش الذي عاش حتى 1960.
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا