الرئيسية / المكتبة الصحفية / أحمد رشدي صالح والنجاح المتألق في الصحافة والفن الشعبي

أحمد رشدي صالح والنجاح المتألق في الصحافة والفن الشعبي

ولد الأستاذ أحمد رشدي صالح بالمنيا (1920)، وكان والده قاضيا شرعيا، وتلقي تعليما مدنيا متميزا، وتخرج في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية (1941) عن تسعة عشر عاما. وسرعان ما عمل الأستاذ أحمد رشدي صالح بعد تخرجه مذيعاً بإذاعة القاهرة، شأنه شأن زملائه في هذا القسم الذين كانوا يعينون في الإذاعة، ونال دبلوم معهد التحرير والترجمة والصحافة (1943)، وكان هذا المعهد الناشئ بمثابة معهد دراسات عليا يلتحق به خريجو الجامعة، ولعله أبرز من لمعوا في الصحافة من خريجي ذلك المعهد في تلك الحقبة. ثم استقال من عمله الحكومي وعمل بالصحافة، وقد بدأ مشواره الصحفي بكتاباته وترجماته ونقده في مجلة «الراديو المصري».

من أجل الحرية
كان النشاط الذي استأثر بالجزء الأكبر من وقته هو النشاط السياسي اليساري الذي انجذب إليه ولمع فيه وأعطاه وقته وجهده، وقد أصدر (1945) مجلة سياسية تدعو للفكر الاشتراكي هي «الفجر الجديد»، وقد بدأت نصف شهرية ثم تحولت إلى أسبوعية، وقد واصلت هذه المجلة الرائدة صدورها حتى تم سحب ترخيصها (1946) مع صحف أخري في إطار ما عرف فيما بعد ذلك في الأدبيات التاريخية على أنه حملة رئيس الوزراء إسماعيل صدقي من أجل مكافحة الفكر الشيوعي!

وانتقل إلى العمل في «آخر ساعة»، كما كتب في «روز اليوسف»، لكنه سرعان ما آثر أن يعمل مع الوفد وصحافته منذ كان الوفد يمثل المعارضة (1944 ـ 1950)، وعمل في الصحف الوفدية «صوت الأمة» و«النداء» (1945 ـ 1952)، وقد ألقي القبض عليه بعد حريق القاهرة وحكم عليه بالسجن 3 سنوات. وبعد قيام الثورة كان أحمد رشدي صالح من أوائل الذين اختيروا للعمل في مجلة «التحرير» مع حلمي سلام وعبد المنعم الصاوي، ثم اختير محررا أديبا ومديرا لتحرير «الجمهورية» 1954 ـ 1963.

المسرح والفنون الشعبية
كان الأستاذ رشدي صالح يؤمن بالجيل الجديد وضرورة دعمه وحفزه وتشجيعه ووضعه في موقع المسئولية، مما جعله يهتم بتزويد مجلته بالدم الجديد، وكان يعمل على أن يعاونهم ويشجعهم ويفرد لموضوعاتهم الصفحات المتسعة


وفي خط مواز لعمله في الصحافة عني الأستاذ رشدي صالح بدراسة الفنون الشعبية وتأملها والكتابة عنها ونقدها، وقد شجعت خبراته في المسرح والفنون الشعبية الدولة على الإفادة منه في هذا الميدان، حيث عين عضوا متفرغا في مجلس إدارة مؤسسة فنون المسرح والموسيقي (1958 ـ 1965)، وتذكر بعض المصادر أن هذه الفترة امتدت من (1957 ـ 1964)، وأنشأ مركز الفنون الشعبية (1957) وتولى إدارته، وأشرف أيضا على إنشاء الفرقة القومية للفنون الشعبية (1962)، وتولي تدريس مادة التحرير الصحفي والنقد التطبيقي لطلبة المعهد العالي للفنون المسرحية (1967 ـ 1980)، وقدم برنامجا تلفزيونيا متخصصا في الفن الشعبي ن تحت اسم «الفن الشعبي» (1962 ـ 1965).

عمل أحمد رشدي صالح في التدريس الجامعي وأسند إليه تدريس مادة التحرير الصحفي والنقد التطبيقي وتاريخ المسرح المصري بمعهد الفنون المسرحية (1967 ـ 1980)، كما درس مادة الفنون الشعبية بكلية الآداب بالإسكندرية. كذلك عمل رشدي صالح في مجال البحوث العلمية في الفولكلور، وقد اختارته لجنة اليونسكو الإقليمية لوسائل الاتصال الجمعي (1974 ـ 1975) ليقوم بدراسة ميدانية للفولكلور في الشرق العربي ثم المغرب العربي. وظل يعمل في وزارة الثقافة حتى 1966 حين استقال ليتفرغ للصحافة.

مجده الصحفي
وقد عمل أحمد رشدي صالح رئيسا لأقسام الآداب والنقد الفني بأخبار اليوم (1966) (أثناء تولي الرئيس السادات الإشراف على أخبار اليوم في نهاية عهد الرئيس عبد الناصر)، وخلال تلك الفترة أصدرت الأخبار «الملحق الأدبي والفني» وقد أشرف عليه، ثم عين عضوا بمجلس إدارة «أخبار اليوم» (1971 ـ 1976)، ثم عين (1976) رئيسا لتحرير «آخر ساعة» خلفا للأستاذ أنيس منصور، وقد بقي بهذا المنصب حتى وفاته المفاجئة، وواصلت المجلة في عهده قفزاتها الصحفية، وكان قادراً على توظيف أفضل الكفايات لها، وعلى قيادة العمل الصحفي في سهولة وسلاسة واقتدار، كما كان قادراً على التوجه الليبرالي الذكي في عصر الانفتاح، وعلى التغطية الصحفية المميزة، وعلى رعاية الموهبة وبث الأمل ونشدان الأفضل.


كان أحمد رشدي صالح ذا شخصية مثقفة بناءة، وبقي كذلك على الرغم من اتهام بعض أصدقائه اليساريين له «بأنه آثر السكينة وابتعد عن صخب السياسة وتوقف عن التضحية من أجل أفكاره»، وفي أثناء الفترات التي قاد العمل الصحفي فيها كان يؤمن بأن رئيس التحرير لا ينبغي أن تكون وظيفته هي الكتابة فقط، بل أن يدع الآخرين يكتبون وأن يكون (كالمايسترو) أو (قائد الأوركسترا) الذي لا يعزف على آلة، بل يوجه كل الآلات وينسق فيما بينها، وهو ما جعله يهتم بالتخطيط والأشخاص ومناقشة المحررين في عملهم بشكل دائب، على حين ترك سلطات تطبيقية وتنفيذية كبيرة لمعاونيه، ومنهم مدير التحرير في عهده الأستاذ محمد وجدي قنديل الذي تعاون مع رشدي صالح في الحفاظ على ما وصلت إليه آخر ساعة على يد أنيس منصور الذي جعل لغة «آخر ساعة» تتسم بالبساطة، وجعل إيقاعها يتسم بالسرعة والرشاقة، واحتفظت عناوينها بالإثارة، أما صورها فقد احتلت المساحات الكبيرة التي لم تكن معهودة في ذلك العهد، وقد تناولت المجلة في ذلك العهد الصراع السياسي الداخلي والعربي والخارجي، والصراع العربي ـ الإسرائيلي برشاقة وعمق.

الأستاذية النادرة
وكان الأستاذ رشدي صالح يؤمن بالجيل الجديد وضرورة دعمه وحفزه وتشجيعه ووضعه في موقع المسئولية، مما جعله يهتم بتزويد مجلته بالدم الجديد، وكان يعمل على أن يعاونهم ويشجعهم ويفرد لموضوعاتهم الصفحات المتسعة، ويجعل بعضهم مسئولا عن أركان ثابتة وأبواب تحمل أسماءهم.

وإذا حللنا الجوانب المختلفة لشخصيته واهتماماته الثقافية والسياسية والمهنية، على ضوء وتاريخه الصحفي الطويل، وإذا حللنا مضمون وشكل مجلة «آخر ساعة» في عهده، فإننا نجد بصماته وملامح شخصيته واضحة على صفحاتها، حية بين جدرانها، ذائبة في روح العمل تسود بين جهاز التحرير في مجلة «آخر ساعة»، فقد كان يؤمن دائما بأن الأمل فعل أو بداية فعل، وأن الدعوة إلى اليأس تهزم الإنسان وتكسره أمام الحياة وأن الأمل بناء، وأن الناس جميعا مخلوقون لغاية هي التعمير والبناء في كل نواحي الحياة، مما جعله يوجه جزءا كبيرا من مضمون المجلة إلى عرض الجوانب المشرقة في حياتنا في كل المجالات، وأن يدعو إلى الأمل والتفاؤل في كل كتاباته، خاصة عامود «صباح الأربعاء» الذي كان يعتبره مشعل الأمل الذي يحمله لقرائه كل أسبوع.

شريكة حياته
بعد وفاته بسنوات نشرت له سلسلة تاريخ المصريين 1998 كتابا بعنوان «دراسات في تاريخ مصر الاجتماعي»، وكتب الدكتور عبد العظيم رمضان رئيس تحرير السلسلة مقدمته، وقد ضم هذا الكتاب خمسة كتب له بطريق التصوير من الأصل


ارتبط الأستاذ أحمد رشدي صالح بعلاقة الزواج بالسيدة اعتدال ممتاز، وقد وصلت زوجه إلى منصب مدير الرقابة، كما نشرت مذكراتها تحت عنوان: “مذكرات رقيبة سينما”، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1985.وقد تناولها الدكتور محمد الجوادي بالمدارسة في كتابه «الثورة والحرية»، وقد نشرت مجلة «آخر ساعة» بعد وفاته رسالة من زوجته إليه مؤرخة في 18 يونيو 1979 تنبئ عن طيبة العلاقة بين الزوجين المثقفين، ومن هذه الرسالة نقتطف لاعتدال ممتاز قولها:

«إن بيننا شيئا آخر، لا كحب ليلي والمجنون، أو غرام كليوباترا وأنطونيو، وليس إنجاب عزة وميمون.. إن الذي بيننا شيء آخر.. كفاح سنين، وعذاب جيل ونصف جيل، وبعده بقليل، وفراق وعناق وانتظار طويل، انتظار وشوق له طعم آخر، لوعة طفلة، وإشفاقة وحنين وجلاد، ولمسة عصا شطرت قلبي وفجرت عيني. إن صمودنا له كون آخر وآمال وآحلام من بعيد نعيش أحرارا من جديد رغم كل التهديد والوعيد. إن الذي بيننا شيء آخر. ميثاق وعهد حر لا يزيد، نفصد العرق ونبذل المزيد من أجل مصر والوليد، لكن جهدنا كان شيئا آخر، قسم أن نموت أطهارا، ونبذل الحب للسائر والجار، ونشغل النور حيثما سار، لأن نذرنا من نوع آخر بذلنا النفس وكل النفيس، من غير حساب أو تدليس من أجل الأهل والخسيس، لأن الذي بيننا شيء آخر».

آثاره الأدبية:
يذكر لرشدي صالح أنه أثري المكتبة العربية والصحافة العربية بالعمل البناء، ولم يتخل أبدا عن قضيته الأولي وهي الثقافة، وإن كان قد تراجع، على حد وصف أقرانه، في اهتمامه بالاشتراكية، وقد أصدر كتبا جيدة في السياسة والتاريخ والأدب، بعضها مترجم والآخر مؤلف. ومن مؤلفاته في الأدب والفن الشعبي: «الأدب الشعبي» (1954)، «فنون الأدب الشعبي: النثر» (1955)، و«الفنون الشعبية» (1960)، و«الفنون الشعبية في العالم المعاصر» (1969)، و«الحكايات والأمثال» (1969)، وترجم كتاب علم الفولكلور» تألف كراب (1967). وتولي كتابة المادة العلمية لكتاب «القاهرة في ألف عام». وقد اشترك مع جلال الدين الحمامصي في تأليف كتابه «الصحيفة المثالية»، وكتب به فصلا بعنوان «كل ما يجب أن يُعرف عن المقال الصحفي».

وقد جمع بعض مقالاته في النقد وتاريخ المسرح المصري في كتب منها: «سبعة مواسم مسرحية» (1964)، و«المسرح العربي في مصر» (1972). وله من الروايات: «رجل في القاهرة» (1957)، و«رجل يشتري الحب» (1961)، و«الحب همسا» (1979)، و«هل رأيتم حبيبي» (1979)، و«أسد البحار»، و«سيدة الفندق»، و«عازفة الكمان»، و«بعد أن يموت الحب»، وله مجموعة قصص قصيرة: «الزوجة الثانية». وله من المسرحيات: «رجل فلاح»، و«مسافر بلا متاع»، وقد كتب للأطفال عشرة أجزاء من قصص ألف ليلة وليلة. كتب قصة فيلم «الزوجة الثانية» (1968).

هل تراجع عن الاشتراكية
وفيما بعد وفاته بسنوات نشرت له سلسلة تاريخ المصريين 1998 كتابا بعنوان «دراسات في تاريخ مصر الاجتماعي»، وكتب الدكتور عبد العظيم رمضان رئيس تحرير السلسلة مقدمته، وقد ضم هذا الكتاب خمسة كتب له بطريق التصوير من الأصل، واحد منها مترجم، وأربعة كتب من تأليفه. وأما الكتاب المترجم فهو: «الاستعمار البريطاني في مصر» لالينور بيرنز، أما الكتب الأربعة المؤلفة فهي: «اللورد كرومر في مصر»، و«الاستعمار الأمريكي في الشرق الأوسط»، و«قناة السويس»، و«مسألة السودان»، وتعبر هذه الكتب عن قدرة فائقة على توظيف المنهج المادي في كتابه التاريخ على نحو يشهد لصاحبها بما عرف عنه لاحقا من قدرات عقلية متميزة.

وفاته وتكريمه
توفي أحمد رشدي صالح ١٩٨٠ قبل أن ينال من التكريم ما كان أهلا له لو امتد به العمر سنوات أخري، ومع هذا فقد نال جائزة جامعة الإسكندرية لأحسن بحث في الأدب الشعبي، كما نال جائزة عن قصة فيلم «الزوجة الثانية» (1968).

 

 

 


تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

 

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com