الرئيسية / المكتبة الصحفية / هكذا ضيع الدكتور زكي مبارك فرصة أستاذية التاريخ في الجامعة المصرية الأهلية

هكذا ضيع الدكتور زكي مبارك فرصة أستاذية التاريخ في الجامعة المصرية الأهلية

روى الدكتور زكي مبارك في استطراد من استطراداته الجميلة في مقال من مقالاته الطريفة في مجلة الرسالة قصة تعاقب أربعة من الأساتذة الأزهريين على ما يمكن لنا أن نسميه كرسي التاريخ في الجامعة المصرية القديمة، ونلاحظ فيما رواه الدكتور زكي مبارك أن الفرصة كانت متاحة أمامه لينضم إلى هؤلاء بعد فترة قصيرة بيد أنه كان مشغولا كما نعرف بالأدب والنقد والصحافة .
ومن واجبنا أن نقدم لحديثه بأربعة سطور قصيرة تذكر ميلاد ووفاة هؤلاء الأساتذة الأزهريين الأربعة:
الشيخ عبد الوهاب النجار (١٨٦٢- ١٩٤١)
الشيخ محمد المهدي (١٨٦٨-١٩٢٤
الشيخ محمد الخضري (١٨٧٢- ١٩٢٧)
الشيخ مصطفى القاياتي (١٨٧٩-١٩٢٧)

يقول الدكتور زكي مبارك: ” في سنة 1917 رفضت وزارة الحقانية أن يستمر الشيخ محمد الخضري بك والشيخ محمد المهدي بك في التدريس بالجامعة المصرية، وكانا أستاذين بمدرسة القضاء الشرعي، وهي يومئذ تحت إشراف وزارة الحقانية، فبحثت الجامعة عن أستاذ للتاريخ الإسلامي لا تسيطر عليه الحكومة، فظفرت بالأستاذ الشيخ عبد الوهاب النجار، وكان قريعاً [ بلغتنا المعاصرة: نظيرا] للشيخ الخضري، فقد كانا في الأدب والتاريخ فرسي رهان.ولكن أين من يخلف الشيخ المهدي؟ ذلك سؤال وجهه الأستاذ محمد بك وجيه سكرتير الجامعة في ذلك العهد إلى الشيخ عبد الرحمن المحلاوي أستاذ الشريعة الإسلامية بقسم الحقوق، فدله على الشيخ مصطفى القاياتي، أحد أساتذة الأدب بالأزهر الشريف.


“وفي عصر يوم سمعت صوتاً يناديني وأنا في طريقي إلى الجامعة فالتفت فرأيت الشيخ مصطفى القاياتي، وانتحينا ناحية في قهوة بميدان الأزهار ليدور هذا الحديث:
– هل تهمك سمعة الأزهر؟
– تهمني جداً

– وتهمك سمعة الجامعة؟
– بلا ريب
– إذن يمكن أن أعتمد عليك إذا قبلت اقتراح الجامعة؟ … تقترح أن أكون خلفاً للشيخ المهدي في تدريس الأدب العربي، وقد فكرت كثيراً فيمن أعتمد عليه في معاونتي فلم أجد غيرك
– هل أعطاك سكرتير الجامعة منهاج المحاضرات لهذه السنة الدراسية؟
– هذا هو
نظرت في المنهاج – وكان من وضع الشيخ المهدي – فوجدتني أقدر على إنجازه بلا عناء، فأشرت على الشيخ مصطفى بالقبول، فمضى وأمضى العقد في الحال!


القاياتي كان خطيبا ولم يكن مدونا لخطبه
“كان الشيخ مصطفى القاياتي من أخطب الخطباء في عصره، كان يخطب ساعة أو ساعتين بلا تلعثم ولا توقف ولا تحبس، وكان لا يلحن أبداً وهو يخطب، ومع هذا كانت الكتابة عسيرة عليه عسراً لا يطاق، فما كان يسهل عليه إنشاء مقال، ولا كان في مقدوره تحرير خطاب والذي سمع الشيخ مصطفى خطيباً لا يصدق هذا القول، فقد كان خطيباً ثجاجاً، خطيباً عرفته منابر الحزب الوطني قبل أن تعرفه منابر الوفد المصري، فكيف يصعب عليه الإنشاء وكان في الأزهر معلم إنشاء؟ يرجع إلى أنه نشأ واعظاً وكان أهله من الواعظين، فقويت عنده ملكة الخطيب الفصيح، وضعفت عنده ملكة الكاتب البليغ.

“هل أنسى يوم أنابه الوفد المصري في تأبين الشهيد محمد فريد؟ لقد ألقى خطبة جميلة جداً، ألقاها مرتجلاً وهو يجهل أن جريدة اللواء المصري ستطالبه بالنص، لأن خطبته هي كلمة مندوب الوفد المصري في تأبين الرئيس الثاني للحزب الوطني، عند ذلك دعاني لقضاء لحظة في تحرير الخطبة، فأنشأتها في حدود ما قال، إلا عبارات تأباها السياسة الحزبية، ولكن مكر جريدة اللواء كان أعظم فأضافت إلى الخطبة كلمات قالها الخطيب ولم يسجلها نائب الخطيب! ” وتمثل هذا الشذوذ في معرفة الشيخ القاياتي بتاريخ الأدب العربي، فقد كان برغم فصاحته الخطابية لا يفرق بين عصر وعصر، ولا يعرف الحدود بين مراحل التاريخ ” كان الشيخ مصطفى ذكياً جداً، ولكنه كان قليل الاطلاع، فكان من الصعب أو من المستحيل أن يخلف الشيخ المهدي في تدريس الأدب العربي ” لم يكد الشيخ مصطفى يطمئن إلى معاونتي حتى شعرت بأن واجبي أن أحفظ سمعة الأزهر والجامعة المصرية، فشرقت في تاريخ الأدب وغربت، وأعددت أربعين محاضرة لو نشرت اليوم لكانت غاية في دقة البحث ونضارة البيان، وهي لا تزال في حيازة الأستاذ يوسف القاياتي، فمتى ينفض عنها غبار النسيان؟ ” والمهم أن أسجل أن حرصي على الصدق في أن تصان سمعة الشيخ مصطفى من لغو اللاغين فرضت على أن أجعل محاضراته في قوة محاضرات الشيخ المهدي وقد نجحت ونجحت، وكانت جهودي في تلك السنة ذخيرة باقية لحياتي الأدبية، فقد استقصيت فيها مراحل الأدب في القديم والحديث”

يعترف بأنه كان تلميذا لنفسه
ثم يقول الدكتور زكي مبارك: “وبفضل الشيخ مصطفى القاياتي كان لي تلاميذ بالجامعة المصرية سنة 1918 منهم الأستاذ حسن إبراهيم وأحمد البيلي وعبد الحميد العبادي وإبراهيم الجزيري.
” ثم ماذا؟ ثم كان زكي مبارك من تلاميذي، لأنه أدى امتحاناً أمام الشيخ مصطفى القاياتي في الدروس التي أعددتها بنفسي، فإن أنكر زكي مبارك انه تلميذي فسأفحمه بشهادة السيد حسن القاياتي، وهو رجل شهد ذلك التاريخ المجيد”.

 


تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

 

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com