الرئيسية / المكتبة الصحفية / حين طلب الشيخ شاكر من يهود مصر أن يقفوا بوضوح ضد الصهيونية

حين طلب الشيخ شاكر من يهود مصر أن يقفوا بوضوح ضد الصهيونية

كان المفكر المصري العظيم الأستاذ محمود شاكر ١٩٠٩-١٩٩٧ المعروف من باب الإجلال بأنه الشيخ شاكر رجلا صادق العهد والوعد والقلب والإحساس والوطنية والقلم فضلا عما عرف عن شجاعته وعلمه ومروءته، وقد كتب هذا الأستاذ الجليل في نهاية ١٩٤٧ (أي قبيل حرب فلسطين) مقالا عاقلا متعقلا حافلا بالوضوح والصراحة واللياقة والوطنية وقد طلب فيه من ثلاثة زعماء دينيين إيضاح ما يقتضيه الوطن العربي منهم من الموقف السياسي في ظل نذر حرب العصابات الصهيونية التي كانت تنوي تحقيق ما اختطفته أو انتزعته بالفعل في حرب ١٩٤٨، ننقل من هذا المقال بدون اختصارات كثيرة بعض فقرات ذلك الجزء الذي توجه فيه الأستاذ شاكر بالخطاب إلى الحاخام حايم ناحوم الذي كان هو الحاخام الأكبر للطائفة الإسرائيلية في مصر والذي كان كما نعرف عضوا معينا في مجمع اللغة العربية، وصاحب حضور رسمي متصل في المجتمعات المصرية .

بدأ الأستاذ الشيخ شاكر هذا الجزء من مقاله بأن لخص بأمانة شديدة تصريحات الحاخام قبل أن يعلق عليها ويصفها بأنها غير كافية، يقول الأستاذ الشيخ شاكر: ” أفضى سيادة حايم ناحوم أفندي الحاخام الأكبر للطائفة الإسرائيلية في مصر بالتصريح الآتي:” إني أرى أن مركزي بوصف كوني رئيساً دنياً وروحياً لأبناء الطائفة الإسرائيلية، يحول بيني وبين الخوض على صفحات الصحف في أي مناقشات مهما كان نوعها أو الغرض منها. ولكن إزاء كثرة ما وجه إلينا من أسئلة واستفهامات أرى أن واجبي يحتم على أن أتوجه إلى السائلين والى جموع الأمة المصرية الكريمة بكلمة أرجو أن تكون حداً فاصلاً لهذا الموضوع: فأبناء الطائفة الإسرائيلية التي أتشرف برياستهم الدينية هم جزء لا يتجزأ عن الأمة المصرية، يشعرون بشعورها ويتألمون لألمها. فكيف إذن يحاول البعض التشكيك في عواطفهم نحو أبناء بلدتهم المصريين. إن دستور البلاد يكفل لنا جميع الحقوق الممنوحة لبناء مصر الكريمة سواء بسواء، ولذلك فإن واجبنا نحو بلادنا يجعلنا نعمل بشعورنا كمصريين. وقد أصدرت أمري إلى رجال الكنائس الإسرائيلية بإقامة الطقوس الدينية ليعظوا فيها أبناء الطائفة على أن يتضافروا مع إخوانهم المصريين في هذا الظرف العصيب”

وسرعان ما علق الأستاذ الشيخ محمود شاكر بتوجيه الشكر للحاخام ثم توجيه الحاخام نفسه إلى ما كان ينبغي أن يقول: ” ونحن نشكر الحاخام الأكبر، ولكن ليعلم سيادته أنه قبل أن يتوجه إلينا بكلام يكون (حداً فاصلاً) ينبغي أن يعمل هو وأبناء طائفته عملاً يكون (حداً فاصلاً) وهذا مع الأسف لم يحدث قط، وأخشى أن أقول إنه لن يحدث قط”، ثم بلور الأستاذ شاكر عدة أسئلة مهذبة لكنها استنكارية، وقد صاغها في غاية الذكاء وتوجه بها إلى الحاخام الأكبر، وسنرتبها ونعددها ونفصل بينها، ليرى القارئ حجم الوضوح الذي كان يتمتع به مفكر بارز من مفكرينا الأحرار فيما يتعلق بقضية فلسطين .


السؤال الأول عن عدم استنكار الحاخام لمبادرة يهود الإسكندرية:
” … ليأذن لنا سيادته أو نوجه نظرة الكريم إلى الذي ذكرناه وذكرته الصحف ولم يستنكره أحد من يهود مصر، وهو ذهاب بعض المسئولين من اليهود في ثغر الإسكندرية كي يثنوا البطريق الأعظم للروم الأرثوذكس عن إذاعة حديثه. أهذا أيضاً إقحام للدين في السياسة. ” وليأذن لنا سيادته أن نقول له إننا نعيش في أرض مصر، واليهود يعيشون معنا فيها لا في التاريخ، وأننا نعلم علماً يقيناً أن جمهوراً كبيراً من شباب اليهود في مصر، يجري بينهم الحديث وبين المصريين، فلا نجد أحداً منهم يكتم مشايعته لإنشاء دولة يهودية في فلسطين، بل يفرح بها ويصر على التصريح بأنها خير لبلادنا، وأنه ينبغي علينا نحن العرب أن نعاون على إنشاء هذه الدولة، وأن نعيش معاً في سعادة وأمن ورخاء!”

السؤال الثاني عن عدم استنكار الحاخام لقرار التقسيم الجائر
” وليأذن لنا سيادته أيضاً أن ننبهه إلى أن هذه الساعة التي جاش فيها العالم الإسلامي والعربي، ليدفع عن فلسطين الجور الذي أرادت هيئة (الأمم المتحدة) التي تصرفها روسيا وأمريكا وبريطانيا، هي ساعة فاصلة في تأريخ العرب والمسلمين ونصارى الشرق جميعاً، وليأذن لنا أن ننبهه أيضاً أن النار المشتعلة الآن تفصح كل الإفصاح عن المعنى الذي ينطوي عليه تقسيم فلسطين، فكيف ذهب عن فطنة سيادته أن يذكر كلمة واحدة صريحة تفصح أيضاً كل الإفصاح عن استنكاره واستنكار طائفته لهذا التقسيم الجائر الذي أرادت أن تفرضه على العرب هيئة الأمم المتحدة؟

السؤال الثالث عن عدم تقديم الحاخام الضمان بأن يهود مصر ليسوا صهاينة
“وليأذن لنا سيادته أيضاً أن ننبهه إلى أن الصهيونية تدعى أنها تتكلم باسم يهود العالم جميعاً، وأن جميع الدلائل إلى اليوم تدل على أن كثرة يهود العالم منضمة إليهم، فما هو الضمان الذي يقدمه لنا سيادته حتى تطمئن قلوبنا إلى أن يهود مصر ليسوا كيهود سائر العالم؟”

السؤال الرابع عن موقفه من خطة الصهيونية في الاستيلاء على ما بين النيل والفرات
“وليأذن لنا سيادته أيضاً أن ننبهه إلى أن الصهيونية قد أذاعت منذ القديم أنها تريد أن تستولي على أرض إسرائيل كلها من الفرات إلى النيل، وأن هذا مطبوع منشور في كتبهم، وأنه حين أذاع نبأ التقسيم وقف مفلوك صهيوني يستنكر التقسيم ثم يرضي به على مضض، لأنه الخطوة الأولى التي تفضي إلى استيلائهم على أرض بني إسرائيل كلها من الفرات إلى النيل. وأنا لا أظن أن مثل هذا مما يغيب عن الرجل الفاضل العالم أحد أعضاء المجمع اللغوي العربي.

 

السؤال الخامس عن موقفه من الحرب القادمة وهي أكبر من ظرف عصيب
وليأذن لنا سيادته أن نذكره بوصية في محكم تنزيله إذ يقول: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)، فالمسلمون والعرب جميعاً سوف يقاتلون من يقاتلهم من الصهيونيين، أما سائر اليهود فلن يعتدي عليهم مسلم ولا عربي ما داموا في ذمتنا ولا يؤلبون علينا. فهل يأذن سيادته بأن يعلم أن المسألة ليست مسألة سياسية نريد أن نقحم الدين فيها، بل هي مصير العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؟ وهل يأذن لنا أن نسأله أن يدفع عن يهود مصر كل شك وريبة بأن يصدر بياناً صريحاً عن موقف يهود مصر في مسألة التقسيم؟ وهل يأذن لنا سيادته أن نطالبه ونطالب أبناء ملته من يهود مصر بأن يفعلوا فعلاً صريحاً واضحاً يدل على أن عواطفهم هي عواطف الأمة المصرية تشعر بشعورها وتتألم بألمها؟ وهل يأذن لنا سيادته أن نقول له إن هذا الذي يجري الآن ليس (ظرفاً عصيباً) كما جاء في كلامه، بل هو أوضح من ذلك، هو حرب بيننا وبين يهود العالم وكل من يناصرهم من الأمم، وأنها حرب سوف تستمر إلى أن يستقر الحق في قراره ولو طالت مائة عام؟

السؤال السادس عن موقف الحاخام من الدفاع عن بيت المقدس ضد أدناس الصهيونية
“أفليس من الحكمة إذن أن يتخلى الحاخام الأعظم عن العزلة التي يريدها لنفسه، ويدخل هو وأبناء طائفته في الجهاد الذي كتب علينا نحن العرب من مسلمين ونصارى ويهود لكي ندفع عن بيت المقدس أدناس الصهيونية؟ ويرمي الأستاذ محمود شاكر القفاز كما يقولون في وجه الحاخام ويقول بوضوح: ” هذه كلمة مجاهد عربي يتقدم بها إلى الحاخام الأعظم تعليقاً على حديثه الذي سوف يبقى مذكوراً في تأريخ الإسلام والعرب لم أعمد فيها إلى شرح أشياء أعرفها حق المعرفة، انتظاراً لما يكون من عمل سيادة الحاخام الأكبر، وليعلم سيادته أن الأحداث أسرع من لمحات البرق في السحاب المتراكب، فليبادر إلى الخير مبادرة من عرف وجه الحق فلم يحجم به إلى الجهاد خوف ولا فزع ولا إرهاب. أن عمل الحاخام الأكبر هو (الحد الفاصل) الذي ينتظره اليوم أربعمائة مليون مسلم قد استيقظوا وأدركوا أن يهود العالم قد أعلنوا عليهم الحرب، فلم يخدعهم بعد اليوم شيء عن الطريق الذي سار آباؤهم من قبل، فنصرهم الله وأيدهم وهزم أعداءهم وأعلى كلمتهم وجعلهم خير أمة أخرجت للناس.

 

 

 

 

 

 

 

 


تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

 

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com