الرئيسية / المكتبة الصحفية / تدوينة اليوممرقص سميكة باشا الذي أسس المتحف القبطي واختار واجهة مسجد الأقمر لتكون واجهة له

تدوينة اليوممرقص سميكة باشا الذي أسس المتحف القبطي واختار واجهة مسجد الأقمر لتكون واجهة له

مرقص سميكة باشا (1864 ـ 1944) هو أول ثلاثة من الأعلام الذين أرى أنهم حفظوا للهوية القبطية مقوماتها، الثاني هو بسنتي رزق الله الذي عني باللغة القبطية، والثالث هو راغب مفتاح الذي عني بالموسيقي القبطية، أما مرقص سميكة باشا فكان هو الذي جمع الآثار القبطية وأسس المتحف القبطي واختار أن تكون واجهته هي إحدى واجهات المساجد المشهورة وهي واجهة مسجد الأقمر.

بذل ثلاثتهم جهودهم في حفظ هذه الهوية وبدأوها ونجحوا فيها من خلال المجتمع العربي والإسلامي وهو الأمر الطبيعي والتاريخي والتطوري، وعلى سبيل المثال فإن مرقص باشا سميكة أسس جهوده من خلال نشاطه هو نفسه لجنة حفظ الآثار العربية، وهي اللجنة التي غذى وجودها وفعاليتها الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، كما أن البداية القوية لراغب مفتاح كانت في مؤتمر الموسيقى العربية الذي رعاه الملك فؤاد، وعلى الرغم من هذه الحقيقة الواضحة وضوح الشمس فإن مراكز البحوث السياسية الغربية المرتبطة بالاستعمار الجديد تحاول بكل ما تملكه في موازناتها وكوادرها أن تنحرف بهذه الهوية بعيدا عن طبيعتها الوطنية لتكون صدى للمسيحية الغربية وهو الأمر المستحيل فهمه عقلا أو لليونانية أو الفرعونية فحسب وهو الأمر الذي يصعب فهمه اليوم وغدا إلا أن تفقد الهوية القبطية كل مقومات الهوية و تصبح منتجا مستوردا من أية جماعة مسيحية حديثة العهد بالوجود.


عرف مرقص سميكة باشا على أنه رائد من رواد الآثار المصرية والعربية، فضلا عن دوره ومجده الذي لا ينازعه فيه أحد باعتباره مؤسس المتحف القبطي بالقاهرة. ولد مرقص سميكة باشا في عائلة قبطية عام 1864، وفي بعض المصادر أنه ولد 1874، يبد أننا نرجح التاريخ الأقدم الذي يتلاءم مع ما وصل إليه من مناصب العضوية في مجالس ملية ونيابية، وبعد أن أنهي تعليمه أتيح له العمل بمنصب مرموق في مصلحة السكة الحديد المصرية، ثم ترك الوظيفة (1907)، وتفرغ لعضوية لجنة حفظ الآثار العربية (1906)، وصار أقدم أعضائها، ثم عين رئيسا لقسمها الفني (1929 ـ 1939)، وظل عضواً في مجلسها الأعلى ولجنتها الدائمة. كان مرقص سميكة باشا من أبرز الشخصيات القبطية في المجتمع المصري في العصر الذي عاش فيه، وقد وصل إلى عضوية بعض المجالس النيابية المختلفة، فكان عضواً في مجلس شورى القوانين، والجمعية العمومية، والجمعية التشريعية.

وعلى مستوي المجتمع القبطي وعلاقته بالكنيسة، كان مرقص سميكة باشا أحد نواب المجلس الملي الثالث الذي تم تشكيله في يوليو 1892 من اثني عشر نائبا، كذلك كان أحد الأعضاء الاثني عشر في المجلس الملي الرابع الذي صدرت الإرادة السنية بالتصديق عليه (أول مارس 1906). وأهلته ثقافته واهتماماته لأن يكون عضواً في المجالس العلمية والتنفيذية: مجلس المعارف الأعلى، والجمعية الملكية الجغرافية، والمجلس الأعلى لدار الآثار العربية، ولجنة حفظ الآثار العربية، ومجلس إدارة جمعية الآثار القبطية بالقاهرة، وعلى المستوي الدولي كان عضواً في مجمع الأثريين في لندن.

كان مرقص سميكة رجلا مثقفا قارئا يجيد اللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية، وكان صديقا للأستاذ حسن عبد الوهاب عميد علماء الآثار الإسلامية في عهده. اهتم مرقص سميكة باشا (1908) بتأسيس المتحف القبطي في مبني بمنطقة مصر القديمة أمام محطة مترو الأنفاق المواجهة لكنيسة مار جرجس الروماني، وقد افتتح هذا المتحف رسميا (1910)، وقد تمكن من أن يجمع فيه كل ما أمكنه من الآثار والوثائق التي تساعد علي كشف الستار عن دراسة غوامض تاريخ العصر المسيحي، مستعينا بما كان ماسبيرو قد أنشأه في المتحف المصري من قسم خاص بالآثار القبطية، وقام بجمع المال اللازم لهذا المشروع من التبرعات العامة التي تقدم بها كثير من أعيان الأقباط ونخبة كبيرة من محبي الفنون والآثار.

عمل مرقص سميكة باشا بجد ودأب علي نقل كثير من التحف والأدوات القبطية الأثرية إلى هذا المتحف الناشئ: كالمشربيات، والسقوف، والأعمدة الرخامية، والنوافذ، واللوحات، والحشوات الخشبية المنقوشة، والأبواب المطعمة، والأرائك، وقطع القيشاني التي كانت في منازل قديمة متداعية يملكها الأقباط، وقد ظل هذا المتحف القبطي ملكا للبطريركية حتى عام 1931، حين قررت الحكومة ضمه إلى أملاك الدولة لما رأت قيمته الأثرية الهامة، وقد قام الرئيس حسني مبارك بافتتاح هذا المتحف بعد تطوير انتهى في بداية عهده (1984).


يذكر لمرقص سميكة باشا أيضاً اهتمامه الشديد بالعمل على كسوة جميع سقوف قاعاته العديدة بجناحيه بنماذج هائلة من قطع السقوف القديمة ذات النقوش البديعة المتعددة الألوان والأشكال، كما أنه صاحب فكرة تنظيم مكتبات الأديرة، وعمل سجلات وفهارس لمحتوياتها، وحفظها في دواليب خاصة بها. من مؤلفاته: «دليل المتحف القبطي والكنائس الأثرية» في مجلدين باللغتين العربية والإنجليزية، و«فهارس المخطوطات القبطية والعربية الموجودة بالمتحف القبطي والدار البطريركية والكنائس والأديرة» صدر في مجلدين كبيرين بمعاونة يسي عبد المسيح، وقد صدر الجزء الأول منه عام 1939.

نال مرقص سميكة باشا كثيراً من التكريم والتقدير، وقد أنعم عليه من العثمانيين بالبكوية، وبالنيشان العثماني، وبرتبة «المتمايز»، ثم نال رتبة الباشوية، وقد أقامت الحكومة تمثالا نصفيا له (على نفقة الدولة) في وسط الحديقة الخارجية أمام مدخل المتحف تكريما له ولجهوده.


تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

 

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com