كان الرئيس الباكستاني المنقلب برويز مشرف (المولود 1943) والمنقلب في سن السادسة والخمسين (1999) والمتولي الرئاسة في سن الثامنة والخمسين (2001) نموذجاً بارزاً للجيل الجديد من الانقلابيين العسكريين في الدول النامية المهمة، وهو جيل يقوم بانقلابه أو يدفع للقيام به بعد وصوله إلى سن العقل والحكمة أو منتصف العمر كما يُسمّيه علماء النفس حين يتحدثون عن أزمة منتصف العمر التي تنتهي عند أساتذة الجامعة الملتزمين (على سبيل المثال) بالزواج الثاني، وخيانة الزوجة الأولى، والأولاد، وذكريات الماضي السعيد كله، وتنتهي عند وزراء الدفاع بالانقلاب والإصرار المتجدد على قتل صاحب الفضل عليهم.
تتأجج وتتألق في الانقلابيين من هذا الجيل عوامل مختلفة عن تلك التي كانت تميز الانقلابيين في الخمسينيات والستينيات الذين كانوا قد تجاوزا الثلاثين بالكاد (وربما لم يصلوها) ودفعتهم حماستهم وأفكارهم الخاطئة (أو اليوتوبية) وتعصباتهم الوطنية (أو المذهبية) إلى الانقلاب من أجل الحلم بالمدينة الفاضلة أو بالقوة الساحقة أو بالدولة القومية أو بسيادة العشيرة أو القومية أما من عرفناهم من الانقلابيين الجُدُدْ الذين كان الرئيس الباكستاني المنقلب برويز مشرف أبرز نموذج لهم من قبل أن تتكرر التجربة المقتدية به، فلم يكن هو ولا أي ممن قلدوه يهدف إلى هدف نبيل من انقلابه، وإنما كان مثل التاجر العابر الذي وجد الصفقة جاهزة أمامه، فحسب أرباحها، فلم يُمانع فيها.. هكذا قبل برويز مشرف بقيادة انقلاب أمريكي جاهز بعدما كان قد أصبح بمثابة القائد العسكري المتقدم في رتبته بفضل ثقة رجل طيب هو رئيس الوزراء المنتخب نواز شريف.
كان الرئيس الباكستاني المنقلب برويز مشرف يجد مفاوضات الأمريكيين مع دولته الباكستان تدور حول مطالب عديدة لا يقبلها إلا عميل، أو مشروع عميل، فحدّثته نفسه بأن يكون هو نفسه الرئيس والعميل معا ظناً منه أنه سيكسب لنفسه وربما يكسب لوطنه أيضاً.. وهكذا بذل الرئيس الباكستاني المنقلب برويز مشرف كلّ جهده في إظهار الولاء وتمثيل دور الطاعة المطلقة لنواز شريف رئيس الوزراء ورئيس حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية حتى أصبح نواز شريف يثق به وبولائه بلا حدود، وكيف لا يثق به وهو يراه خادماً مطيعاً خاضعا خانعاً حييا عييا مؤدبا لا يخرج عن طوعه، ولا يبتعد عن ظله، ولا يترك ملاحظة إلا أتمها، ولا إشارة إلا نفذها.
كانت هذه بالضبط هي المؤهلات المطلوبة في الانقلابي الجديد منذ نهاية القرن العشرين، أما الباقي فتتكفّل به أرشيفات الانقلابات ومخزوناتها المسرحية (الريبرتوار) من تعليق العمل بالدستور وإلغاء الحياة البرلمانية ثم الحديث عن افتقار الأمن ثم تقديم نفسه للشعب على أنه كفيل بتحقيق الرفاهية والأمن وتقديم نفسه للغرب على أنه محارب شرس للإسلام تحت عنوان محاربة الإرهاب. يتصور كثيرون أن هذه السيناريوهات المحفوظة لا تزال قابلة للتكرار اليوم وغدا ما دام هناك إعلام غربي يكيل بمكيالين، ويتلقى في اللحظة الفاصلة توجيهات صهيونية حاسمة بأن هذا من رعايانا، ومن ثم فإن النغمة الإعلامية الناقدة تخفت أو تتحول إلى عرض الرأي والرأي الآخر، وتضع القتيل والقاتل على منصة واحدة، وبينما القتيل عاجز عن الكلام لأنه مقتول فإن القاتل يواصل الافتراء.
وبالطبع فإن الرئيس الباكستاني المنقلب برويز مشرف المنقلب في 1999 سرعان ما استطاع أن يحول انقلابه إلى رئاسة حصل عليها بالتزوير والتخويف والصناديق الفارغة في 2001 (أي بعد أقل من عامين من إتمامه الانقلاب فهكذا يقول المرجع الأمريكي) ثم بدأ الرئيس الباكستاني المنقلب ممارسة الخراب والتخريب في اقتصاديات باكستان في مرحلة كان من الممكن فيها لباكستان أن تنطلق، فإذا بها بسبب الانقلاب الذي قاده الرئيس الباكستاني المنقلب برويز مشرف تعود 40 سنة إلى الوراء على نحو ما تفعل الانقلابات العسكرية، وهكذا فإن حصيلة الرئيس الباكستاني المنقلب برويز مشرف حين ترك الحكم في 2008 بعد كفاح الشعب والأحزاب ضده كانت النتيجة أنه ترك باكستان على النحو الذي كانت فيه في 1977 حين انتهى حكم ذو الفقار علي بوتو (1928 ـ 1979) على يد الانقلابي الأخطر محمد ضياء الحق (1924 ـ 1988) الذي لا يزال بعض المسلمين يظنون فيه الخير مع أنه لم يكن قادراً على تمييز الخير الحقيقي من الشر الحقيقي حتى وإن كان رجلا قويا منجزاً.
كانت الثقة الزائدة من الرئيس المدني العظيم المنتخب ذو الفقار علي بوتو في الجنرال ضياء الحق وتبنيه له وترقيته له مصدرا أياه على كل من هم أقدم منه وأولى هي السبب في وصول ضياء الحق إلى التمكّن من السلطة بالانقلاب على ذو الفقارعلى بوتو ومن التمكن من حياته حتى أنه أعدمه وعلى نحو ما حدث بين هذين الرجلين فكذلك كانت ثقة رئيس الوزراء المنتخب نواز شريف في الجنرال برويز مشرف هي السبب في وصول برويز إلى السلطة بالانقلاب أيضاً ثم التكمن من حياة شريف ومحاولة قتله فلما لم يقتله ساهم في قتل زعيمة سياسية بارزة أخرى هي الزعيمة
وهكذا فإن المعادلة أبسط من البساطة، وزير دفاع وقائد جيش بلا أي وعي سياسي أو فكري لكنه يجيد التملق والخضوع يمر وهو في منصبه بأزمة منتصف العمر، فيلوح له الأمريكان ( وربما الاماراتيون في العصر الاماراتي القادم ) بجدوى الانقلاب فينقلب، فيؤيدونه سراً ثم جهراً ثم يكرمونه ويحلبونه ثم يعصرونه ثم يُلقون به معصوراً. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا