على مدى تاريخه قبل الرئاسي كان الرئيس أحمد حسن البكر يخطو بصعود متواصل على نحو ما نرى في الانقلابات الثلاث الناجحة التي شارك فيها ونال ثمارها، وعلى مدى تاريخه الرئاسي حقق الرئيس أحمد حسن البكر عدة نجاحات، أهمها على الأطلاق هو ما لم يعد يذكر بسبب حقد العرب بعضهم على بعض، وهو أن العراق شارك في حرب أكتوبر 1973 وكانت مشاركة العراق على الجبهة السورية فاعلة ومؤثرة وناجحة، وأنقذت سوريا من الضياع كما أنقذت دمشق من السقوط، ولولا أن القوات المسلحة تحملت عبء وخسائر تطوير الهجوم حتى تمكن الجيش العراقي من الوصول للجبهة ودعم سوريا وإنقاذ دمشق لتغير شكل المعركة ونتائجها تماما، الفضل في هذه المشاركة يعود إلى كثيرين لكن الرئيس أحمد حسن البكر في مقدمتهم، ويشترك معه في هذا الفضل زعماء كثيرون في مقدمتهم الرئيسان السادات والأسد والملك حسين الذي ساعد مساعدة فاعلة في حركة القوات العراقية .
أكسبت هذه المشاركة الجادة العراق ثقلا قوميا يتوازى مع ما تتمتع به من مكانة، وأكسبت هذه المشاركة الجادة قوات الجيش العراقي خبرة ومهابة واحتراما، لكن مما يؤسف له أن موقف العراق التالي من سياسات السادات (ونجاحاته) أسهم من حيث لم يقصد العراق ولا الرئيس البكر في إغلاق صفحة فخار يستحيل أن تطوى لكنها أغلقت مؤقتا فقد كان لا بد أن يُلقي ستر التجاهل المتعمد على هذا الموقف العظيم، فقد بنيت استراتيجية المقاربة الفكرية العربية لحرب أكتوبر على نحو لا يجعل العراق تفخر بدورها العظيم في تلك الحرب التي صورها الدكتور يوسف إدريس بتمويل عربي ثوري على أنها مسرحية، والحقيقة التي لا يمكن إنكارها حتى وإن تغاضى الطرفان أو الأطراف عن ذكرها هي أن الجزء الأكبر من الدور العراقي المشرف في حرب أكتوبر يعود إلى وعي الرئيس أحمد حسن البكر المُبكّر بالصراع، وذكائه وخبرته المعنوية والنفسية، وقد كان في هذه الجزئية متفوقا بكثير على من خلفوه.
ثاني أهم المواقف أن الرئيس أحمد حسن البكر أمّن نفسه من ناحية جبهتي الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية على نحو متزن، فعقد معاهدة للصداقة مع الاتحاد السوفييتي في أبريل 1972 كانت تالية لمعاهدة السادات معهم في 1971، وبهذه المعاهدة والعلاقات التي كانت تسير في هدوء ضمن الرئيس أحمد حسن البكر للبعث ولنفسه وللعراق سلاما مع الماركسية والمنظمات العربية المرتبطة بالماركسية، سواء منها الفلسطينية واليمنية.. الخ. وقد فعل الشيء نفسه مع الولايات المتحدة والغرب.
ثالث هذه المواقف أن الرئيس أحمد حسن البكر أجاد التعاون مع شركات النفط العالمية وبنى على ما نجح فيه كل من عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف في هذا المجال، وبفضل دأبه ومساعديه وصلت العراق إلى المكانة التي وصلت إليها في إنتاج النفط رغم ما هو مفهوم سلفا من أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن متحمسة لاستغلال المخزون النفطي على هذا النطاق الواسع في العراق اكتفاء بما كانت تستنزفه بهدوء من المواقع الأخرى.
رابع هذه الإنجازات خطة التنمية الناجحة التي نُسبت فيما بعد إلى الرئيس صدام حسين وحده، مع أن وجود الرئيس صدام حسين كنائب للرئيس أحمد حسن البكر تعني مشاركة في الإنجاز، ولعل المؤشر الأهم على هذه التنمية هو ما أعلنه اليونيسكو (1977) عن تقدم التعليم في العراق بصورة مذهلة، وقد كان هذا سابقا على تولي الرئيس صدام حسين الرئاسة.
من الطريف الذي لا يذكره أحد الآن، وربما لا يعرفونه أن عدنان خير الله (1939 ـ 1989) وزير الدفاع العراقي وخال أولاد الرئيس صدام حسين وابن خال الرئيس صدام كان زوجا لابنة الرئيس أحمد حسن البكر السيدة هيفاء، والمتأمل لتاريخ عدنان خير الله مع المناصب التي تولاها يستطيع أن يُدرك أن بداية صعوده كانت على يد أحمد حسن البكر وليس على يد الرئيس صدام حسين. ومن الطريف أيضا أن هيثم ابن الرئيس أحمد حسن البكر كان زوجا للسيدة إلهام شقيقة عدنان خير الله. وهكذا كانت علاقة الرئيس صدام حسين وعدنان خير الله بالرئيس أحمد حسن البكر متعددة الأوجه حتى من ناحية النسب.
جمع الرئيس أحمد حسن البكر رئاسة الوزراء مع رئاسة الجمهورية ما بين 31 يوليو 1968 و16 يوليو 1979 إلى أن خلفه في هذين المنصبين معا الرئيس صدام حسين، وكان قد بدأ توليه لرئاسة الجمهورية باسم رئيس مجلس قيادة الثورة، أما مناصبه الحزبية فقد سبقت رئاسته، ذلك أنه أصبح أمينا قطريا للحزب في العراق منذ أكتوبر 1966 وحتى خلفه الرئيس صدام حسين في مناصبه الثلاث (رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء وأمانة الحزب القطرية) وكان قد تولى هذا المنصب الحزبي مرة سابقة ما بين نوفمبر 1963 وفبراير 1964، كذلك فقد تولى الرئيس أحمد حسن البكر وزارة الدفاع ما بين نوفمبر 1974 وأكتوبر 1977، حيث خلفه زوج ابنته عدنان خير الله الذي هو كما ذكرنا شقيق زوجة ابنه أيضا .
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا