كان الأستاذ عزيز فهمي كما رأينا في حديث لنا في مقام سابق قاسيا إلى أبعد الحدود في نقد السيدة أم كلثوم وأداءها في فيلم دنانير الذي قامت ببطولته، وكذلك كان الأستاذ عزيز فهمي قاسيا إلى حد كبير في نقد هذا الفيلم، وما سجله من ملاحظاته على كلّ من شاركوا فيه بمن فيهم الأساتذة أحمد رامي وزكريا أحمد والقصبجي رياض السنباطي وسليمان نجيب وأحمد بدر خان، وقد قدم مُبررات موضوعية لهذا النقد القاسي.
على أني أحب أن أنظر إلى هذا النقد وهذا المقال من وجهة نظر مهمة لم تحظ بالعناية في التأريخ لحركة نقد النقد، وهي أن الأستاذ عزيز فهمي في مقاله هذا وما شابهه من مقالات مواكبة كان يُعبر تعبيراً حياً وصادقاً عن مدرسة أساتذة الأدب العربي في تناول الأعمال الفنية بما تميّزت به هذه المدرسة من محاولة مجهدة لأصحابها من أجل توسيع الأفق فيما تدلي بالرأي فيه حتى لو لم يكن أفقها فيه واسعاً، وللارتقاء بالذوق حتى لو لم تكن قادرة على ممارسة مهارة التذوق العميق، وإن كانت هذه المدرسة العظيمة أقل إجهادا لنفسها في تسكين أو “موضعة ” LOCALIZATION ” العمل الفني المتناول في مكانته الاجتماعية والأدبية حتى لو جاء هذا التسكين أو جاءت هذه ” الموضعة” في غير محلها المضبوط تماما .
نرى كل هذه السمات بارزة بوضوح شديد في نقد الدكتور عزيز فهمي لنقد دنانير، وفي أحكامه المتتابعة على عناصر الفيلم ومكوناته، وهو في كلّ هذا يصدر عن اعتزاز شديد بما أنتجه له إيمانه بعلم النفس وتفسيراته للفن على حد قوله، ونأتي إلى نقده للعناصر الفنية في فيلم دنانير فنجده يجاهر أن الأستاذ بدر خان في أدائه لوظيفته كمخرج قد وُفق من حيث التنسيق والترتيب لكنه لم يُوفق أبدا في نفخ الروح وذلك لأنه رجل هادئ حريص على أن يُرضي من يعمل معهم قبل أن يُرضي نفسه!
ويصل الأستاذ عزيز فهمي إلى أن يُشبه أداء الفنان سليمان بك نجيب بأداء طُلاب الجامعة، أما فؤاد شفيق فيصفه بأنه أراد لكن المؤلف لم يُساعده، لكنه مع هذا يُثني على عمر وصفي رغم دوره القصير. وهو أيضا لا يُخفي إعجابه بالفنان المستأثر بحبه: زكريا أحمد فيصف لحن «بكره السفر» بأنه فن راق منساب سلس مطرب، ويصفه قبل هذا بأنه لحن شرقي، كما أنه يُثني على وضعه ثلاث تلاحين لقولي لطيفك يثني، كما يُثني على لحن «العيد» لرياض السنباطي، ومع هذا كله فإن الأستاذ عزيز فهمي شأنه شأن الأساتذة الأكاديميين الذين يمارسون النقد حريص كل الحرص على أن يعبر أيضا بإعجابه الشديد حتى إنه يختم مقاله بالقول بأن الفيلم من أفلام الدرجة الأولى في مصر.
المؤلف (الناقد هنا يقصد ما تعارفنا عليه الآن بمصطلح: النص أو كاتب النص)
هو الأستاذ أحمد رامي.. والأستاذ أحمد رامي لا يؤلف شيئاً في هذه الأيام إلا إذا طلب منه هذا الشيء. وأظنه لا يستطيع أن يقول إنه يدخر في نفسه أفكاراً وأحاسيس يرسلها حين يطلب منه ويؤلف، وهو لو قال ذلك لما صدقه أحد، لأن فيلم دنانير لا يزال معروضاً على الناس وقصته ها هي ذي أمامنا حوادث هادئة متتابعة ومناقشات متتالية ليس فيها مفاجأة واحدة تصدم الفكر العادي مما يمكن أن يقال إنها من مذخرات كاتب فنان…
وقد نبلع للأستاذ رامي هذا كله إزاء أبيات قليلة من الشعر أفلتت منه حية إلى حد ما، كما أننا قد نقبل هذا كله لأن الناس اتفقوا فيما بينهم يأساً وقنوطاً على أن هذه الأفلام الغنائية لا يرجى فيها الموضوع ولا يقصد فيها إلى الاستمتاع بالأدب… ومع أني لا أحب أن أخذ بهذا فإني آخذ به إرضاء للأستاذ رامي.
الإخراج:
إذا كان الإخراج هو التنسيق والتزيين والترتيب فإن الأستاذ أحمد بدرخان قد وفق في دنانير إلى إدراك هذا كله. أما إذا كان الإخراج هو نفخ الروح في التمثيل والممثلين، فإن الأستاذ أحمد بدرخان لم يوفق إلى شيء منه، وكان طبيعياً ألا يوفق الأستاذ إلى شيء منه لأنه إنما اختير لإخراج هذا الفلم اعتماداً على أنه رجل هادئ الطبع يرضي من يعمل معهم قبل أن يرضي نفسه. وعلى هذا الأساس نستطيع أن نعتبر كل ممثل في هذا الفلم مسئولاً عن نفسه وعن تمثيله.
التمثيل:
عباس فارس: قلت إنه يجود، وقد جود دور الخليفة وإن كان أستهله استهلالاً بدا إنجليزياً في المشية والجلسة والإشارات والحركات، وقد ساعدته على هذا الموسيقى التي وضعها الأستاذ الشجاعي لهذا الاستهلال، فقد كانت هي أيضاً موسيقى إفرنجية بحتة لو أغمض الإنسان عينيه وأستمع إليها لذكر فرانسوا الأول، أو فردريك الأكبر، أو شارلمان، أو [ملكا] من الملوك إلا هرون الرشيد العربي…
سليمان نجيب: قد يؤلمه أن أقول إني أراه في التمثيل كما أرى إخواننا من طلبة الجامعة أعضاء فرقها التمثيلية. ولكن هذا رأيي، ولم يكن لرأيي في يوم من الأيام قيمة تؤثر على مكانة إنسان ما…
عمر وصفي: كان عظيماً في دوره القصير، دور أبي دنانير
فؤاد شفيق: كان مكتوفاً في دور أبي نواس. أراد أن يمثل شيئاً ولكن المؤلف أقعده.
التلحين :
(بكرة السفر) هو غرة الألحان في هذا الفلم. فهو لحن حي راقص منساب سلس مطرب ثم إنه قبل هذا وذاك لحن شرقي. وهو من ألحان زكريا.
(قولي لطيفك ينثني) غنته أم كلثوم ثلاث مرات بثلاث تلاحين، وهذا تحد فني لا يجرؤ عليه إلا زكريا أحمد.
(لحن العيد) من ألحان السنباطي الحلوة لولا أنه بعيد عن روح عصر الرشيد.
(لحن النبع) من ألحان القصبجي التي أعتاد أن يملأها هندسة وتفكيراً يستعيض بهما عن العاطفة التي اختطفت منه.
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا