الرئيسية / المكتبة الصحفية / علي الشمسي باشا الذي هو النصف الأبرز الذي فاق الزعماء السبعة ونصف

علي الشمسي باشا الذي هو النصف الأبرز الذي فاق الزعماء السبعة ونصف

كان علي الشمسي باشا (1885 ـ 1962) من أبرز رجال الحركة الوطنية والاقتصاد والإدارة والتربية والمستقبليات، وكان من زعماء الوفد الذين انفصلوا وفصلوا من عضوية الوفد في بداية الثلاثينيات تحت وطأة الحرب الشديدة والقاسية بل الإجرامية التي فرضها إسماعيل صدقي باشا على الوفد والحركة الوطنية في كل لحظة، فآثر هؤلاء اعتزال مقاومة الظلم ومعارضة الظالم (الذي هو الملك أو الذي هو صدقي باشا، ودستوره الجائر دستور ١٩٣٠) وذلك فيما ما عرف بانشقاق السبعة ونصف وهو الانشقاق الذي ضم فتح الله بركات باشا، والغرابلي باشا، وفخري عبد النور بك، ومن الطريف أنه أصبح أبرزهم في التاريخ مع أنه كان هو المقصود بالنصف في قولهم السبعة ونصف، من باب الدعابة الثقيلة، وهو القول الشائع في وصف ذلك الانشقاق الذي خرج به ثمانية من أعضاء الوفد، وقد وصف هكذا نظرا لقصر قامته.

أصوله الوطنية الرفيعة
ينتمي علي الشمسي باشا إلى أسرة شهيرة في إقليم الشرقية كانت تشتغل بالتجارة، وتملك الأراضي، وقد كان والده أمين الشمسي تاجر أقطان من الذين ساندوا الزعيم أحمد عرابي في ثورته وأوذوا بسبب هذا وتحملوا الأذى في شجاعة وصمود. ويمكن لنا القول بأن علي الشمسي باشا (هو المتوسط الحسابي بين رئيسي الوزراء محمد سعيد باشا، إسماعيل صدقي باشا أي بين رجل الدولة المستقر القادر على أن يقود ثباتها واستمرارها وبين رجل الاقتصاد القادر على أن يجدد حياتها المالية ويواجه مشكلاتها التمويلية، هذا من ناحيته الإيجابية، أما من ناحيته المتخلية عن العيوب فإنه أكثر تميزا، فهو قد تخلى تماما عن الصفات الدكتاتورية التي يتميز بها صدقي باشا كما تخلى أيضا عن الصفات البروتوكولية والشكلانية الحاكمة لسلوك محمد سعيد باشا.


كان علي الشمسي باشا في رأيي ثالث أفضل وزراء المعارف فيما قبل ثورة يوليو، بعد أفضلهم الذي هو سعد زغلول باشا وثانيهم الذي هو أحمد حشمت باشا وقد خصصت لهذا الحديث مقاما أخر. والواقع أن علي الشمسي باشا كان رجل دولة قادراً على أن يسُدّ حاجة مصر (الملحة والمزمنة) إلى رجال إدارة للاقتصاد السياسي والاستثماري قادرين على تسيير التنمية الاقتصادية بعيداً عن التعليمات الحكومية والوزارية الرتيبة، وكان واحداً من أبرز ممن نجحوا في هذا المجال شأنه في هذا شأن الدكتور حافظ عفيفي (وسابا حبشي باشا وشريف صبري باشا إلي حد ما) فهؤلاء لم تشغلهم الممارسة التقليدية للمهن الحرة عن أن يقوموا بالدور الأهم في إدارة المؤسسات الاقتصادية والنهوض الاقتصادي بعيداً عن الحزبية وعن الانفعالات الآنية، ولهذا لم يكن من المستغرب أن يرأس علي الشمسي مجلس إدارة البنك الأهلي المصري، وأن يتولى حافظ عفيفي باشا مسئولية بنك مصر… وهكذا نجده وقد اشتهر بتوليه رئاسة عدد من الشركات والمشروعات الرأسمالية. كما عمل مستشاراً لعديد من الشركات وعضواً في مجلس إدارتها وعرف كاقتصادي بارز ومحنك.

نفيه المبكر في أثناء الحرب العالمية الأولى
حصل علي الشمسي على ليسانس الحقوق من فرنسا، وانتخب عضوا في الجمعية التشريعية (1913)، حين لم يكن قد بلغ الثلاثين من عمره، ولعله آخر مَنْ بقي علي قيد الحياة من أعضاء هذه الجمعية، إذ عاش بعد نواله عضويته فيها نصف قرن. ومع أنه لم يكن معروفاً باتجاه ثوري أو راديكالي يقتضي العقاب بالنفي، فقد نفته السلطات الاستعمارية في أثناء الحرب العالمية الأولي بسبب ما تردد اتهامه به من ارتباطه بمؤتمر الشباب المصري والحزب الوطني، وقد انضم إلى الوفد المصري بزعامة سعد زغلول بينما كان الوفد لا يزال في أوروبا.

عودته واستقباله المهيب وإسهاماته الوزارية
ولما عاد علي الشمسي باشا من صحبته للوفد استقبل استقبالا حافلا في الإسكندرية (1922)، ولمع اسمه في نشاط الوفد بزعامة سعد زغلول، وسرعان ما أصبح من أبرز الشبان الذين دفع بهم سعد زغلول باشا إلي الحياة السياسية والمناصب الكبرى، وقد عين وزيراً للمالية في نهاية وزارة سعد زغلول (نوفمبر 1924)، وبالتحديد قبل استقالة هذه الوزارة بخمسة أيام فقط، وذلك بعد استقالة محمد توفيق نسيم من هذه الوزارة، وشاء القدر أن يكون هو الذي تولي تحرير وتوقيع شيك التعويض عن مقتل السردار لي ستاك باعتباره وزير المالية، ويذهب الدكتور محمد حسين هيكل في مذكراته إلى أن يقول إنه ربما كان هذا هو العمل الوحيد الذي أداه علي الشمسي باشا في أثناء عمله كوزير للمالية.

انتخب علي الشمسي عضواً بمجلس النواب عن دائرة موطنه الأصلي في القنايات شرقية (1926) في ظل الائتلاف بين الوفد والأحرار الدستوريين، وفي ظل هذا الائتلاف عاد الشمسي للعمل الوزاري وزيراً للمعارف العمومية، وتولي هذه الوزارة ثلاث مرات متتالية طيلة عامين (يونيو 1926 ـ يونيو 1928) هي فترة الائتلاف الوزاري بين الوفد والأحرار الدستوريين، وقد شغل هذا المنصب في ثلاث وزارات عدلي يكن الثانية وعبد الخالق ثروت الثانية والنحاس الأولي، ومن العجيب أنه لم يتول أيا من المناصب الوزارية بعد هذا، وقد احتفظ لنفسه بشرف أنه لم يتول الوزارة إلا 4 مرات عمل فيها مع 4 زعماء متميزين جداً هم: سعد باشا وعدلي باشا وثروت باشا والنحاس باشا، وهو شرف يكاد ينفرد به بين أقرانه جميعا.
توجهه السياسي بعد انشقاقه ضمن السبعة ونصف
كان علي الشمسي باشا من أبرز رجال الجناح المحافظ من المنشقين على الوفد، وكان كما أشرنا في المقدمة من زعماء الانشقاق الوفدي السبعة ونصف، وهو القول الشائع في وصف ذلك الانشقاق الذي خرج به ثمانية من أعضاء الوفد، وكما نعرف فإن عضوية الوفد كانت أعلى مكانة تنظيمية أو حزبية بالمعنى الشائع، وكون هؤلاء ما عرف بالوفد السعدي الذي لم يعش طويلا، ومع هذا فإن الشمسي ظل بعيداً عن العداوة المباشرة للوفد، ولم يكن كمكرم عبيد الذي فجر في الخصومة، كما أنه انشق علانية ولم يكن كخشبة باشا الذي انضم إلى محمد محمود والأحرار الدستوريين في نهاية حكم النحاس باشا ليسبب ما سمي بتصدع الائتلاف.

عضويته في هيئة مفاوضات معاهدة ١٩٣٦
فيما بعد انضم علي الشمسي إلى الجبهة الوطنية (1935) وكان عضواً في الوفد المصري الذي توصل إلي عقد معاهدة (1936).

في المجال الاقتصادي
انصرف علي الشمسي باشا لإبراز مواهبه في النشاط الاقتصادي، وسرعان ما عرف كاقتصادي بارز ومحنك. وقد اشتهر كما أشرنا من قبل بتوليه رئاسة عدد من الشركات والمشروعات الرأسمالية، كما كان مستشاراً لعديد من الشركات وعضواً في مجلس إدارتها، وقد عمل عضواً بمجلس إدارة قناة السويس، وشركة مياه القاهرة، وشركة طرة للأسمنت، كما أصبح أول رئيس مصري للبنك الأهلي المصري (1940).

توجهاته المستقبلية
كانت لعلي الشمسي باشا قدرات معترف بها في الاطلاع الفكري والفهم، وكان من طليعة من نسميهم الآن بدارسي المستقبليات إن لم يكن هو أولهم، وقد جمع هذا الفهم إلى ما عرف عنه من ميول إصلاحية وتخطيطية، وعلى سبيل المثال فإنه ألقي كلمة في مجلس الشيوخ المصري (1939) حذر فيها من خطورة الانفجار السكاني حين انخدع كثير من مفكري العالم بهذه الأطروحة الخبيثة وقد اقترح الشمسي باشا ما أسماه بالسياسات الإصلاحية القادرة على وقف الزيادة السكانية.

دوره في عهد الثورة
في عهد الثورة احتفظ علي الشمسي من أبرز ساسة حقب الليبرالية الذين احتفظوا بعلاقات متوازنة مع النظام الجديد، وإن كان قد لقي بعض المعاناة في بداية الثورة، ويروي أن جمال سالم احتد عليه في إحدى المناقشات فأخذ يطارده ناوياً ركله، ومع هذا فقد كان من أبرز السياسيين القدامى الذين تعاونوا مع الثورة في الفترة الباقية من حياته، ولم يبخل عليها بنصح أو عمل. وقد كان علي الشمسي بمثابة خال لعلي صبري وحسين ذو الفقار صبري، وهما من رجال الثورة البارزين، كما كان بمثابة خال للدكتور وحيد رأفت الذي كان على خلاف مع الثورة، وكان قريباً لسيد مرعي.

 

 

 

 

 

 

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com