نعرف أن حقبة التعصب الاستئصالي ضد الإسلام واليهودية بدأت مع زواج الملكة إيزابيلا الأولى ملكة قشتالة (1451 ـ 1504) المدفونة في غرناطة، من زوجها الذي كان يصغرها بعام الملك فرناندو (1452 ـ 1516) ملك أراغون المدفون أيضا في غرناطة. والذي عاش ١٢ عاما بعد زوجته. وقد ذكرت في مواضع سابقة من كتاباتي أن اتحاد مملكتي قشتالة وأراغون كان نموذجا مبكرا لما نعرفه الآن من الاتحادات التي لا تذوب فيه شخصية الدول المتحدة، وإنما تبقى كل منها محتفظة بنظمها وبكيانها.
نعرف أيضا أنه في عهد هذين الزوجين الذين نسب بدء تشجيع اكتشاف أمريكا إلى عصرهما (من باب المجاملة التي ترقى إلى درجة التزوير) انتهى وجود الحكم الإسلامي في إسبانيا (وإن لم ينته وجود الإسلام) بالاستيلاء على غرناطة التي دُفنا فيها تعبيرا عن اعتزاز الزوجين الملكين بانتصارهما فيها على عبد الله الصغير الذي سلمهما مفاتيح المدينة في موكب خزي وعار يليق بقصور همته على نحو ما قالت له والدته، وفي عهدهما تم إجبار المسلمين واليهود (على حد سواء) على اعتناق الكاثوليكية او القتل او الرحيل.
لم يكن لإيزابيلا هذه الملكة المعروفة جيدا في التاريخ الإنساني من الفكر السياسي إلا فكرة واحدة هي مُحاربة الإسلام بكل وسيلة، والعمل على الخلاص من الوجود الإسلامي نهائيا، وهي التي أنشأت أبشع صور اللاإنسانية الأفظع من الوحشية متمثلة في محاكم التفتيش التي طردت ثلاثة ملايين مسلم من موطنهم بعد أن استولت على ممالك المسلمين مملكة بعد الأخرى إلى أن تمكٌنت مع زوجها من الاستيلاء على غرناطة 1492.
وكما قلت كثيرا فمن العيب أن يقول أيٌ مُؤرٌخ (حتى لو كان معاديا للإسلام) سقوط غرناطة لأن مدينة غرناطة وجه الحضارة الإسلامية لم تسقط حتى الآن على الرغم من استيلاء هذين الملكين المسيحيين المُتعصٌبين عليها منذ أكثر من خمسة قرون، على نحو ما ساعد إيزابيلا على النفوذ والغطرسة والتعصٌب زواجها من ملك أراجون الذي كان يصغُرها بعام (والذي تزوج من غيرها بعد وفاتها)، فإن إيزابيلا كانت من أجل احتكار العروش الأوربية قد رتٌبت زيجات ابنها وبناتها الأربع من أجل المستقبل المتعصب الذي كانت تتطلع إليه:
– زوجت إيزابيلا الأولى ابنها الأول والوحيد خوان من مارجريت من عائلة هابسبورج النمساوية لكنه لم يعش.
– زوجت إيزابيلا الأولى (هي وأسرتها) ثلاثا من نسلها الأنثوي لاثنين ممن كان يتوقع وصول عرش البرتغال إليهما فبدأت بأن زوجت كُبرى بناتها إيزابيلا الابنة من ألفونس ولي عهد البرتغال [وحتى لا تختلط الأمور على القارئ فإننا ننبه إلى أن اللقب الذي كان يسمى به ولي عهد البرتغال هو لقب ” أمير البرتغال ” ] وقد كان ألفونس أميرا للبرتغال لكنه توفي قبل أن يصبح ملكا للبرتغال وقبل أن تنجب منه زوجته، فزوجتها أمها إيزابيلا عدوة المسلمين واليهود من خلفه الذي هو مانويل الأول ملك البرتغال 1495- 1521 فانجب منها ابنا وليا للعهد لكن ابنتها ماتت ومات ابنها ولي العهد أيضا وهكذا فقدت فرصة ثانية.
فما كان منها إلا أن زوجت ثالث بناتها ماريا من مانويل الأول ملك البرتغال 1495- 1521 فحلت محل شقيقتها وأنجبت منه في 1902 جوان الثالث ملك البرتغال 1521- 1557 كما أنجبت منه في 1912 شقيقه هنريك ملك البرتغال 1578- 1580 ولما ماتت هذه الزوجة الثانية لملك البرتغال مانويل (بعد شقيقتها) خلفتها اليونورا بنت أختها كزوجة لمانويل وملكة قرينة للبرتغال لمدة ثلاثة أعوام.
– فيما بين زواج ابنتيها الأولى والثالثة من العرش البرتغالي فإن إيزابيلا الأولى كانت قد زوجت ابنتها الثانية خوانا (المجنونة) من ابن ملك النمسا (الإمبراطور الروماني المقدس) وهي التي أنجبت من أصبح دون ترتيب ولا توقع وريثا جدته ولغيرها من أجداده وهو الإمبراطور كارلوس الذي هو أكبر أقطاب السياسة الأوربية في عصره بما آل اليه من الممتلكات التي كانت دولا وإمبراطوريات.
– زوجت إيزابيلا الأولى رابع بناتها وصغراهن وهي المسماة كاترين 1485- 1536 من الأمير آرثر الأخ الأكبر للملك هنري الثامن ملك إنجلترا لكن الأمير توفي بعد 5 شهور فقط من الزواج فزوجتها أمها لأخيه هنري الثامن (1491 ـ 1547) ملك إنجلترا وايرلندا 1509- 1547 وهو القطب المُعاصر لسليمان القانوني ولوريثها وسبطها كارلوس ولسبطها الآخر جون الثالث ولفرنسوا الأول ملك فرنسا المتحالف مع سليمان القانوني في وجه هذه العصبة، وأنجبت كاثرين من زوجها هنري الثامن خمسة أطفال توفوا كلُهم أثناء الولادة ما عدا ماري 1516- 1558 التي أصبحت فيما بعد ماري الأولى ملكة إنجلترا 1553 – 1558 والتي لم تكن تقل تعصٌبا عن جدتها حتى إنها أعادت تحويل إنجلترا بالأمر من البروتستانتية إلى الكاثوليكية قبل أن تخلفها أختها غير الشقيقة إليزابيث الأولى وتحول إنجلترا إلى البروتستانتية منذ ذلك الحين وحتى الآن .
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا