كان حسن يوسف باشا من أعلام مدرسة رجال القانون الذين مارسوا العمل الدبلوماسي المصري منذ بداياته او عند قمته (وهي المدرسة التي تضم أحمد حسنين باشا، ومحمد صلاح الدين باشا، ومحمد عبد الخالق حسونة باشا، ومحمود فوزي بك) وكما كان من مدرسة الدبلوماسيين الحقوقيين فإن اسمه ارتبط أيضا بالعمل في الديوان الملكي في عهد الملك فاروق، حيث كانت الاستعانة بالدبلوماسيين في وظائف الديوان تقليدا مستمرا في البلاط الملكي المصري، وقد زاد حسن يوسف باشا على هذا ما تميز به هو نفسه على هذه المدرسة من القانونيين والدبلوماسيين من العمل في بداية حياته ونهايتها في وظائف متصلة بالصحافة والفكر بل والمحاماة التي بدأ بها.
وهكذا فإنه عرف في الحياة الوظيفية والعامة بدرجة ناصعة كواحد من رجال السلك الدبلوماسي البارزين، قدر له أن يشغل مناصب دبلوماسية عديدة، ومناصب مدنية مهمة في الرقابة على الصحف، وفي القصر الملكي، وكان نموذجا للكفاية والأدب والإنجاز، كما عرف في مجال الفكر بمذكراته وبمسئوليته عن مركز للتاريخ في جريدة الأهرام الذي كان هو نفسه بمثابة نواته.
نشأته وحياته الوظيفية
ولد حسن يوسف باشا في 1903، وتخرّج في كلية الحقوق وعمل بالمحاماة في بداية حياته، وانتُدِب ليكون مديراً عاماً للنشر في وزارة الداخلية، ثم مديراً للوزارة، ثم تولى مسئولية الرقابة على الصحافة والمطبوعات. عمل حسن يوسف باشا في الديوان الملكي رئيساً للإدارة العربية منذ يونيو 1942، وظل بمثابة الرجل الأول او الثاني في الديوان الملكي علي مدي عقد من الزمان (1942 ـ 1952)
ظل حسن يوسف في كل هذه الفترات وكيلا للديوان، أي أنه عمل وكيلا للديوان مع أربعة رؤساء هم: أحمد حسنين، وإبراهيم عبد الهادي، وحسين سرى، وحافظ عفيفيتوجهاته السياسية المبكرة
كان أداؤه في منصبه الرقابي محلّ شكٍّ من البريطانيين ومن الوفديين أيضاً، ولهذا فإن وزارة النحاس باشا في 1942 آثرت إبعاده عن منصبه، وهكذا انتقل إلى الديوان الملكي وعُيّن مديراً للقسم العربي في الديوان وفي 1945 عُيّن وكيلاً للديوان الملكي قبل شهور من وفاة أحمد حسين باشا.
وفيما قبل ١٩٥٢ كان قد وصل إلى كسب ثقة الوفديين والنحاس باشا.
الفترات التي تولى فيها رياسة الديوان
وقد تولي حسن يوسف باشا رياسة الديوان الملكي بالنيابة أربع مرات.
– كانت المرة الأولي عقب وفاة أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي، وقد صدر أمر الملك فاروق بتوليه هذا المنصب (في فبراير 1946) عقب وفاة حسنين باشا مباشرة علي نحو ما يري هو في إحدى فقرات مذكراته، وبعد سنة كاملة عين إبراهيم عبد الهادي رئيسا للديوان (في 11 فبراير 1947)، فعاد حسن يوسف إلى المحل الثاني.
– فلما أصبح إبراهيم عبد الهادي رئيسا للوزراء عقب وفاة النقراشي (ديسمبر 1948) خلا المنصب فتولاه حسن يوسف بالنيابة للمرة الثانية، وبقي فيه لمدة عام وأيام حتى عين حسين سري رئيسا للديوان مع تولي النحاس رئاسة الوزارة للمرة الأخيرة في يناير 1950.
– ولما استقال حسين سري باشا بعد أقل من ثلاثة شهور، عاد حسن يوسف ليصبح رئيسا للديوان بالنيابة للمرة الثالثة، وظل كذلك حتى 24 ديسمبر 1951، حين عين حافظ عفيفي رئيسا للديوان في آخر فترات حكم الملك فاروق.
– فلما استقال حافظ عفيفي باشا عاد حسن يوسف مرة رابعة رئيسا للديوان الملكي بالنيابة بحكم العادة، وإن لم يصدر قرار من الملك (أو غيره) بهذا.
وقد ظل حسن يوسف في كل هذه الفترات وكيلا للديوان، أي أنه عمل وكيلا للديوان مع أربعة رؤساء هم: أحمد حسنين، وإبراهيم عبد الهادي، وحسين سرى، وحافظ عفيفي، كما أنه عمل رئيسا للديوان بالنيابة خلفا لهؤلاء الأربعة أيضا، وإن كان قرار تعيينه رئيسا للديوان بالنيابة في آخر مرة لم يصدر نظرا لاضطراب الأوضاع، يُنسب إليه في بعض التقارير الأمريكية أنه كان له دور في إقالة إبراهيم عبد الهادي من رئاسة الوزارة، والإتيان بحسين سري رئيساً للوزراء.
ترشيحه سفيراً لمصر في الولايات المتحدة الأمريكية
بعد أن عُيّن حسين سري رئيساً للديوان في عهد وزارة النحاس الأخيرة (1950) رُشّح حسن يوسف سفيراً لمصر في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن رئاسة الديوان بالنيابة كانت في انتظاره حين استقال سري بعد شهور قليلة (أبريل 1950) من رئاسة الديوان .
الأمريكيون يثمنون موقفه من الحرب الكورية
ثمّن الأمريكيون في تقاريرهم المخابراتية موقف حسن يوسف من الحرب الكورية، فبينما كان النحاس باشا (والوفد معه بالطبع) صريحاً في شجب التصرّفات الأمريكية، فإن حسن يوسف صرّح بأنه لا يُمكن اعتبار الأمريكيين او الكوريين الجنوبيين بمثابة المُعتدين في هذا الصراع، ومع هذا فإن حسن يوسف لم يجد فرصة في الترشيح للمناصب الديبلوماسية العليا على نحو ما وجد زميلاه السابقان عليه بدرجة بسيطة من السن عبد الخالق حسونة (1٨٩8 ـ 1996) ومحمود فوزي (1900 ـ 1981).ومن الطريف أن السيدة زوجته كانت ابنة عم السيدة زوجة عبد الخالق حسونة باشا، وقد أشارت مذكرات الدكتور حسين حسني سكرتير الملك فاروق إلى أن حافظ عفيفي كان قد صمم على الاستقالة من رئاسة الديوان وأنه قدم استقالته النهائية في 20 يوليو 1952، وذلك على ما رواه بنفسه لحسين حسني في مذكراته التي تدارسناها في الباب الثاني من كتابنا «في كواليس الملكية».
انتقام على ماهر منه
ومع أن حسن يوسف لم يكن في مصر في الأيام التي سبقت الثورة مباشرة، فإنه عاد إلى مصر بعد قيام الثورة وتولي أوتوماتيا هذه المسئولية، وكاد القرار يصدر بتعيينه رئيسا للديوان مع خفض درجة هذه الرئاسة من درجة وزير إلى وكيل وزارة على نحو ما ذكر هو في مذكراته، إلا أن سوء العلاقة بينه وبين علي ماهر باشا رئيس الوزراء الأول في عهد 1952 حال دون إتمام هذه التسوية، وانتهي الأمر بإحالته للتقاعد المبكر وهو في التاسعة والأربعين من عمره.
السبب الذي منعه من رئاسة الديوان
من المهم هنا أن نشير إلى السبب الذي حال بين حسن يوسف وبين الوصول إلى رئاسة الديوان، وقد روي لي الأستاذ مصطفي أمين في مقابلة شخصية مبكرة وسابقة علي نشر حسن يوسف لمذكراته، أن السبب في هذا كان تصرفه فيما قبل الحفل الذي أقامه الملك فاروق للملك عبد العزيز آل سعود ملك السعودية (1946) وذلك أن الملك فاروق كان قد قرر منح الأبناء الكبار للملك السعودي أوسمة، ومنح الأحدث سناً منهم ميداليات ذهبية، فاحتج بعض الأمراء حديثي السن بالطريقة التي تتناسب مع سنهم، وأيدهم والدهم في احتجاجهم، ووجد حسن يوسف أنه لابد من منح الأوسمة للأمراء جميعا، ولما كان وقت الحفل قد أزف دون أن يتمكن من عرض الموضوع علي الملك او استئذانه، فقد تصرف علي مسئوليته، وعندما اكتشف الملك ما حدث غضب غضبا شديد وأقسم ألا يعين حسن يوسف رئيسا للديوان أبدا، وأن يظل وكيلا للديوان، وهو ما حدث بالفعل، حيث خلت رياسة الديوان أربع مرات وتولاها حسن يوسف بالنيابة لفترات طويلة دون أن يعين في هذا المنصب.
وعندما نشر حسن يوسف مذكراته أشار إلى هذه القصة بطريقة مهذبة ومخففة، والواقع أنني أري أن في تصرفه في ذلك اليوم قدرا كبيرا من الإيجابية، والمبادرة، وحسن التصرف، وكياسة رجل الدولة أياً ما كانت نتيجة هذا التصرف، كما أنني أري في تصرفه دلالة قاطعة على حبه لوطنه ولمليكه ولمسئوليته، ولا أري في التصرف أي خطأ على الإطلاق، بل إني أري في انتقاد مثل هذا التصرف قتلا لروح المبادرة والمسئولية التي نتمنى أن توجد في كل موظف، لا في كبار الموظفين فحسب.
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا