عندما استعرض إبراهيم فرج باشا للأستاذ حسنين كروم (في حوارهما الممتد الذي تحول إلى كتاب) بعض المحاولات التي جرت لاغتيال النحاس باشا فقد اهتم الكاتب والكتاب بالطبع بالتركيز على دور الرئيس أنور السادات في بعض هذه المحاولات:
«أول محاولة وقعت عام ١٩٣٢ (يقصد: 1930) إبان وزارة إسماعيل صدقي في مدينة المنصورة.. وكان النحاس باشا يركب سيارة مكشوفة وبجانبه سينوت حنا وسط مظاهرة هائلة عجز الجيش عن تفريقها فأعطيت التعليمات للخلاص منه، فإذا بأحد الجنود الفرسان يتجه نحو النحاس باشا بسرعة ويسدد حربة لظهره.. لكن سينوت حنا كان واقفا بجواره في السيارة المكشوفة فأسرع باحتضانه وتلقي الضربة في ذراعه ونجا النحاس. وبعد أن عاد من رحلته بالمنصورة ذهب يوم الجمعة ليصلي في مسجد سيدنا الحسين.. وجاءت مظاهرات حاشدة تستقبله عند خروجه من المسجد. لكن البوليس هاجم الناس وأخذ يضربهم بالعصي والكرابيج بغلظة فتأثر النحاس لما يلقاه الناس، فرفع يديه للسماء وقال: «الله أكبر علي من طغي وتجبر.. الله أكبر علي من طغي وتجبر.. الله أكبر علي من طغي وتجبر».. ثلاث مرات.
«وفي اليوم التالي أعلن أن إسماعيل صدقي باشا رئيس الوزراء أصيب بالشلل.. طبعًا تلك إرادة الله.. ولكن الجماهير بإيمانها وبساطتها اعتقدت أن الله استجاب لدعاء النحاس باشا ضد ظلم صدقي.. وقال الناس: إن النحاس باشا رجل مبروك وطاهر.. إنما كل شيء بإرادة الله». «أما المحاولة الثانية فوقعت سنة ١٩٣٧ وارتكبها عز الدين عبد القادر من حزب مصر الفتاة، ووقعت في ضاحية مصر الجديدة عندما ألقيت قنبلة على سيارته قرب فندق هليوبوليس في طريقه إلى داره لم تصبه.. إنما حطمت زجاج السيارة والباب الأيمن.. وحكم على الجاني بالسجن عشر سنوات».
«أما باقي المحاولات فقد قام تنظيم الحرس الحديدي بارتكابها وعدد هذه المحاولات (أي التي قام بها الحرس الحديدي) وصل إلى ثلاث.. في المرة الأولي (هذه هي المحاولة الخامسة حسب ترتيب علي سلامة) وضعت سيارة جيب مملوءة بالديناميت بجوار منزل النحاس وانفجرت.. وكان النحاس باشا نائما في سريره وقتها.. وتطاير الزجاج وتصدعت حوائط الغرفة.. لكنه ظل في السرير حتى تم تنظيفها من الزجاج وقرر خبراء المفرقعات أن تلك السيارة لو وضعت في الحارة الخلفية لنسفت نصف جاردن سيتي ولكن الله سلم».
«والمرة الثانية (هذه هي المحاولة السادسة حسب ترتيب علي سلامة) أطلق فيها مصطفي كمال صدقي والسادات المدافع الرشاشة على النحاس باشا أمام باب منزله في أثناء دخوله بالسيارة، لكنهما لم يصيباه بل قتلا فريقا من البوابين والخفراء الذين كانوا يحرسون المنزل وكان معه بالسيارة في تلك الليلة فــؤاد باشا سراج الدين ونجا الاثنان وخاب فأل المجرمين».
«أما المرة الثالثة (هذه هي المحاولة الرابعة حسب ترتيب علي سلامة) فكانت عندما ألقي أنور السادات قنبلة يدوية على سيارة النحاس باشا وهي متجهة به إلي النادي السعدي، وقد اعترف فيما بعد بهذه المحاولة.. كما أشار إليها في كتابه «البحث عن الذات»، وفيه أيضًا شرح دوره في الاشتراك في قتل أمين عثمان:
وقد ذكر إبراهيم فرج باشا للأستاذ حسنين كروم أن السادات بنفسه اعترف بهذه المحاولة عام 1956 لفـؤاد باشا سراج الدين، فقد زاره في منزله وكان واسطة اللقاء عبد الحميد سراج الدين شقيق فـؤاد باشا، وكانت تربطه بالسادات صداقة خاصة، وسبب الزيارة رغبة السادات أن يؤكد لفـؤاد باشا، بعد الإفراج عنه صحيا، أن الحكم عليه من محكمة الثورة والسنوات الثلاث المنصرمة التي قضاها في السجن كانت إجراء سياسيا لا يمت بأي نوايا سيئة للإساءة إليه. فدعاه فؤاد باشا لتناول الغداء عنده.. وبعد الغداء توجها لغرفة الاستقبال واستأنفا الحديث في الأمور العامة.. وإذا بالسادات يفاجئه دون مناسبة وهو يرتشف فنجان القهوة قائلا: «أنا كنت على وشك اغتيال النحاس باشا لكنك أنت الذي أنقذته من يدي».
فاستغرب فؤاد باشا وسأل السادات عن هذه القصة فقال السادات إنه ترصد للنحاس في شارع قصر العيني بالقرب من النادي السعدي.. فإذا بالسيارة التي يستقلها تقترب مني، وفي الوقت ذاته كان الترام القادم من ناحية مستشفى قصر العيني يقترب مني بسرعة فائقة جعلتني أعتقد تماما أن الصيد وشيك الوقوع، وأن السيارة ستقف حتما حتى يمر الترام، إذ كان لا يبعد عنها أكثر من ثلاثة أمتار في تلك اللحظة.. فإذا بي أجد سائق السيارة يواصل اندفاعه بسرعة مذهلة وكاد أن يصطدم بالترام وأفلت مني، وأفلت الصيد أيضًا.. ولكني ألقيت القنبلة ولم تصب النحاس رغم أنها أحدثت تلفا بالسيارة.. وقد علمت فيما بعد أن تلك كانت تعليماتك للسائق بألا يقف عند أية إشارة مرور مهما حدث.. وهكذا نجا النحاس بفضل تعليماتك.. «ونسي أن يقول بفضل عناية الله تعالت قدرته». بقي أن نشير إلى أن إبراهيم فرج لم يشر فيما رواه إلى المحاولة الثالثة حسب ترتيب علي سلامة.
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا