الأستاذ إسماعيل القباني 1898 ـ 1963هو في رأيي أهم وزراء المعارف في عهد الثورة، وهو ثالث أفضل وزراء المعارف في القرن العشرين (بعد سعد زغلول باشا وأحمد حشمت باشا) لكنه في رأي غيري ورأيي و بلا منازع عميد علماء التربية الحديثة في مصر ورائدهم، ويبدو بوضوح من سيرة حياته أنه كان يتمنى و يتوقع أن يأتي اليوم الذي يكون فيه وزيرا مسئولا عن سياسة التعليم في مصر ، ذلك أنه لما ولي أمور الوزارة بدأ العمل علي الفور وبوضوح رؤية شديد ، متمكنا من تبديل شئون التربية والتعليم علي نحو مذهل.
نشأة ملهمة
ولد الأستاذ إسماعيل القباني في أسرة بسيطة في إحدي قري أسيوط عام 1898، وفي بداية حياته أرسله والده إلي كتّاب الشيخ سيد القيط في أسيوط ، وكان كتّابه يقع في العتبة الزرقاء قريبا من مسجد جلال الدين السيوطي، قد شاعت رواية أن سعد زغلول، وكان وزيرا للمعارف وقتئذ، زار هذا الكتّاب في سنة 1908، ولمح في الأستاذ إسماعيل القباني علامات النجابة، ثم سأل عنه الشيخ سيد فعلم أن والده لا يستطيع أن يعلمه في المدارس الابتدائية لرقة حاله، فمنحه سعد زغلول مجانية في المدارس الحكومية، وكانت هذه أول مجانية عرفها التعليم في ظل الاحتلال ،.
استكمل القباني بعد ذلك تعليمه العام وحصل علي شهادة البكالوريا من المدرسة السعيدية الثانوية بالقاهرة، وفي هذه المناسبة أرسل سعد زغلول إلي والده برقية تهنئة وسأله عنه وطلب أن يراه، وجاء الوالد للقاهرة وذهب معه ابنه لشكر سعد علي تهنئته، وتذكره إياه بعد هذه السنوات الطويلة، وعرف سعد في أثناء الزيارة أن الطالب لم يقبل بمدرسة المعلمين العليا لصغر سنه رغم تفوقه، فبعث بتوصية إلي ناظرها فقبل بها، ثم تخرج فيها متفوقا (1917)، أوفد بعدها بعام (1918) في بعثة إلي جامعة برستول الإنجليزية لدراسة الرياضيات، لكنه اضطر إلي الانقطاع عن البعثة والعودة (1919) بسبب مرضه.
في ثورة 1919
ويروي الدكتور عبد العزيز القوصي (أحد تلاميذ القباني بالابتدائي والثانوي ومدرسة المعلمين العليا، وزميله في التدريس فيما بعد بمعهد التربية العالي للمعلمين) أنه حينما قامت ثورة 1919، وكان القوصي نفسه تلميذا بالسنة الرابعة الابتدائية بمدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية بأسيوط، حدث أن حكمت المحكمة العسكرية بالإعدام علي الأستاذ هلالي علي مدرس اللغة الإنجليزية، فهرب وترك عمله بالمدرسة، فتطوع الأستاذ القباني أن يقوم بعمله، ويقول الدكتور القوصي: إنه في أول درس له طلب إلي التلاميذ في الفصل، وكان عددهم حوالي ثلاثين تلميذا، أن يذكروا له أسماءهم واحدا واحدا، وبعد أن استمع إليهم أعادها عليهم دون أي خطأ، الأمر الذي يدل علي قدرته الخارقة في التذكر.
ويذكر الدكتور القوصي أن القباني كان ينهج في طريقة التدريس أسلوب توجيه الأسئلة واستقبال الإجابات، فلم يكن يلقي دروسه، وإنما كان يستنبطها من تلاميذه، فكان درسه بمثابة نشاط عقلي دائب بينه وبين تلاميذه، فهو يفكر معهم، وهم يفكرون بعضهم مع البعض الآخر.
نشاطه المبكر في أسيوط
وفي أسيوط اتسعت دائرة نشاط القباني التعليمي والتربوي فأنشأ قسما مسائيا لتعليم الكبار المحرومين من أبناء الوطن، وتطوع معه في التعليم به بعض الغيورين، كان منهم وكيل النيابة وقتئذ عبد الرزاق السنهوري، ومدير التعليم محمود فهمي النقراشي.
وفي المدرسة الثانوية بأسيوط حيث كان الأستاذ إسماعيل القباني يقوم بتدريس الرياضيات، بدأت سمات المربي الأستاذ إسماعيل القباني تعلن عن نفسها ، فلم يكن يدع فرصة أو موقفا إلا واستغله لتنشئة طلابه تنشئة علمية سليمة، فكان يناقش معهم ما يجري حولهم من أحداث عالمية، وأحداث محلية ووطنية واجتماعية، وما يظهر في الصحف من أخبار، لهذا لم يكن القباني مدرسا فحسب، بل كان مربيا يتعهد طلابه بالمعرفة السياسية كمواطنين.
انتقاله ليدرس للمدرسين
وفي 1924 نقل القباني إلي مدرسة المعلمين الثانوية ليدرس مواد التربية وعلم النفس لطلابها الذين كانوا يعينون عند تخرجهم في وظائف التدريس بالمدارس الابتدائية آنذاك، ثم سرعان ما اختير بعد ذلك ليكون مدرسا في مدرسة المعلمين العليا فكان يدرس في أغلب الوقت علم النفس، والتربية العملية. و بحكم تخصصه كان يدرس بعض الوقت علوما رياضية.
وحصل الأستاذ إسماعيل القباني علي بكالوريوس في علوم التربية من جامعة لندن (1926).
وعندما أنشئ معهد التربية الابتدائي (وهو الذي حل محل مدرسة المعلمين الثانوية) ومن بعده معهد التربية العالي للمعلمين، أسند إلي القباني تدريس مواد التربية وعلم النفس في هذين المعهدين.
الرائد الأول لعلوم وتطبيقات القياسات العقلية في مصر
كان القباني هو الرائد الأول في القياس العقلي في مصر، و يجمع التربويون على أن أهم ما حققه الأستاذ إسماعيل القباني في مجال الفكر التربوي يتمثل في إنجازاته في علوم القياس العقلي في مصر على مدى الفترة من 1929 وحتى 1952، وقد بدأت شهرته في هذا المجال عندما رافق الأستاذ كلاياريد العالم النفسي السويسري المشهور حين جاء إلي مصر (1929)، وأجري بالاشتراك معه سلسلة من التجارب التربوية والنفسية، من بينها الإشراف علي إجراء اختبار «بالارد» لقياس ذكاء التلاميذ بين سن الثامنة والرابعة عشرة، وقد قام الأستاذ القباني بترجمة اختبار «بالارد» إلي اللغة العربية وعدله في بعض نقاطه، ثم أجري الاختبار علي ثلاثة آلاف تلميذ وتلميذة، وقد سجل كالاياريد النتائج التي توصل إليها القباني في تقريره.
ثم بدأ الأستاذ إسماعيل القباني بحوثة التطبيقية في تقنين اختبار الذكاء الابتدائي (1930 ـ 1934)، وقد وضع نصب عينيه في عمله هذا:
التحقق من صلاحية كل سؤال من أسئلة الاختبار لمناسبة البيئة المصرية.
حذف الأسئلة غير الصالحة وإضافة غيرها صالحة.
تقنين الاختبار علي البيئة المصرية.
وقد طبق الأستاذ إسماعيل القباني الاختبار في صورته التي عدلها هو واستخرج منه الأعمار العقلية المناسبة، ونسب الذكاء، كما أثبت صدقية الاختبار من حيث علاقته بالاختبارات الأخري، ومن حيث علاقته بنتائج النجاح المدرسي وتقدير المدرسين للذكاء، أما معاملات الثبات فقد تبين أنها تتراوح بين 86% و90%، وكانت هذه ـ علي حد قول الدكتور أحمد زكي صالح أحد تلاميذه، وكذلك أحد الذين تابعوا الدراسة في هذا المجال من بعده ـ قيمة عالية تشهد بثبات الاختبار.
تعريب القياسات العقلية والاكتشاف المبكر للمتخلفين عقليا
تنبه الأستاذ إسماعيل القباني إلي قيمة اختبار «ستنفورد ـ بينيه» للذكاء والأهمية العالمية التي نالها، فنقله إلي العربية مع تعديل عناصره بما يتفق والبيئة المصرية ونشر الاختبار في صورته العربية (1937) تحت اسم مقياس «ستنفورد بينيه» للذكاء، وقد ناقش في أثناء شرحه لتعليمات هذا الاختبار الكثير من المفاهيم الرئيسية في القياس العقلي، مثل العمر القاعدي، والعمر العقلي، ونسبة الذكاء، وبيّن طريقة عملية مبسطة لاستخراج هذه الأعمار والنسب من أداء الأطفال المختبرين.
وفي هذا الإطار كان الأستاذ إسماعيل القباني ينبه ، كما قال الدكتور أحمد زكي صالح ،إلي ضرورة الكشف عن الأطفال المتخلفين عقليا في وقت مبكر حتي يتيسر للمجتمع أن يتيح لهم نوع التعليم الذي يتفق وقدراتهم وإمكاناتهم العقلية.
إيمانه بعلوم التربية التجريبية
أما في مجال الفكر التربوي التجريبي فقد تولي الأستاذ إسماعيل القباني إنشاء قسم خاص بالتربية التجريبية بمعهد التربية، معبرًا عن نيته في أن يجعل من التربية وعلومها لونا من ألوان المعرفة يخضع للمنهج العلمي التجريبي، وقد تولي بنفسه رئاسة هذا القسم وتوجيه الدراسة فيه، ويروي أحد تلاميذه وهو الأستاذ محمد سليمان شعلان ذكرياته عن هذا القسم فيقول:
«كنا جميعا نحرص علي حضور محاضراته في مادة التربية التجريبية، كما نخاف علي أنفسنا ألا نصيب النجاح فيها نظرا لغزارة علم أستاذنا فيها، ولأنها كانت تعتمد علي جانب من العلوم الرياضية التي يصعب علينا متابعتها، خاصة ونحن من المتخرجين في القسم الأدبي».
عنايته بالطرق الإحصائية
وامتدادًا لفهمه العلمي للتربية عني الأستاذ إسماعيل القباني بالطريقة الإحصائية وأسلوب تطبيقها في البحوث التربوية والنفسية، بل وضع دراسة الوسائل الإحصائية الأولية كأساس في مقررات الدبلوم العامة التي كان يمنحها معهد التربية آنذاك، بغض النظر عن تخصص الطالب علميا كان أو أدبيا، ومما يؤسف له أنه لاتزال هناك توجهات شائعة بإبعاد طلاب الأقسام الأدبية عن دراسة الإحصاء!!.
عُرف عن الأستاذ إسماعيل القباني اهتمامه بالاختبارات الموضوعية لقياس التحصيل الدراسي، حيث وضع اختبارات لقياس المهارة في العمليات الحسابية، والمهارة في التفكير الحسابي، وتجلى هذا في كتاباته عن مشكلة الامتحانات في مصر (1938).
الطب النفسي في المدرسة
كان الأستاذ إسماعيل القباني أول الذين اهتموا بوجود الطب النفسي في المدارس وقد تولي إنشاء العيادة النفسية (1934) بكلية التربية بقصد تشخيص مشكلات التلاميذ النفسية، وعلاج الانحرافات الخاصة بسلوكهم، وهكذا قام الإرشاد النفسي والتوجيه التعليمي علي أسس علمية سليمة، وقد انتشرت هذه العبادات النفسية بعد ذلك ، بعد أن لفت الأنظار إلي أهمية تعميمها.
تقييم وتعليم مناهج المدارس التربوية
امتدت جهود الأستاذ إسماعيل القباني إلي بناء المقررات المدرسية في معهد التربية مستهدفا التطبيق الواقعي للآراء والنظريات التربوية التي تشبع بها فكره في البيئة المصرية، فلم يقنع بتدريس آراء جون ديوي، وكلياتربك، وبودا وغيرهم، وإنما حرص علي أن ينميها في أرض وتراب المدرسة المصرية، فجاهد ونجح في إنشاء الفصول التجريبية التي ألحقت بمعهد التربية، ثم أتبعها بإنشاء المدارس النموذجية الابتدائية والثانوية بالقبة، والأورمان في مدينة القاهرة.
ومع أن بعض كبار المسئولين كان يرى في إدخال اتجاهات التربية الحديثة في المدرسة المصرية بدعة لاداعي لها، فقد تمكن القباني من إقناع الرأي العام أن الدافع إلي إنشاء هذه المدارس هو تجربة المناهج والأساليب وطرق التدريس التي ترتكز علي نشاط وتلقائية التلميذ، بعيدا عن جانب التلقين من قبل المدرس.
وقد توصل القباني من وراء هذه المبادرة إلي نتائج عظيمة أضافت إلي التربية والتعليم، فتطورت المناهج الدراسية، واستحدثت العديد من طرق التدريس كطريقة المشروعات، وطريقة التعيين، كما طورت الإدارة المدرسية وشارك المعلمون والآباء، بل والطلاب في العمل التعليمي، وإثراء الحياة المدرسية، فظهرت إلي حيز الوجود بالمدرسة المصرية مجالس الآباء، والمعلمين، ونظام الأسر المدرسية.
أنماط التربية في الريف المصري
أولى الأستاذ إسماعيل القباني التعليم الريفي نصيبا كبيرا من اهتماماته، فنادي بأن تكون التربية في الريف عملية تفاعل مستمر بين الفرد وبيئته المادية والاجتماعية، وأن يكون التعليم الريفي وثيق الصلة بحياة الريفيين ومشكلاتهم وحاجاتهم وآمالهم، وكان دائم التنبيه إلى أنه من الضروري أن يبني التعليم الريفي على الدراسة المقرونة بالعمل والنشاط والإنتاج، والتطلع إلى مستقبل أفضل.
وقد ترجم القباني هذا الاهتمام في مشروعين مهمين كان لهما فضل كبير في إرساء قواعد النهضة التنموية و التعليمية (معا) في الريف:
تمثل المشروع الأول في إنشاء المدارس الأولية الريفية، حيث يتلقي فيها الأطفال منذ سنواتها الأولي التعليم الزراعي والصناعات الزراعية، إلي جانب الدراسة المعتادة، وكان قد سبق إنشاء هذا المشروع أن قامت رابطة التربية الحديثة وجمعية الدراسات الاجتماعية في مصر(وكان القباني أحد أعضائها البارزين) بإنشاء مدرسة المنايل الريفية كنموذج لما يجب أن تكون عليه مدرسة القرية، وقد شارك في مشروع هذه المدرسة: علي ماهر باشا، ومحمد العشماوي باشا، ومحمد فريد أبوحديد، ومحمد عبد الواحد خلاف، وأحمد عبد السلام الكرداني، ويعقوب فام، وغيرهم.
فكرة مدارس المعلمين الريفية
أما المشروع الثاني الذي يرتبط باسم الأستاذ إسماعيل القباني وزميله محمد فؤاد جلال ارتباطا مباشرا، فهو أنه عندما ظهرت الحاجة إلي المعلم الريفي المصلح تبنيا فكرة إنشاء مدارس المعلمين الريفية، وكانت أول مدرسة من هذا النوع هي مدرسة منشأة القناطر الخيرية، وتبعها بعد ذلك إنشاء مدرسة بي العرب، ثم وصل عددها إلي ما يقرب من ثلاثين مدرسة.
كان هذا المشروع الثاني مبهرا في المثل الذي ضربه و المياه التي حركها فقد اتجهت الدراسة بهذه المدارس الريفية للمعلمين إلي إعداد معلم يتمتع بالعلم العام، والخبرة العملية بالبيئة الريفية المصرية، وارتبطت مناهج الدراسة بهذه المدارس ارتباطا وثيقا بالحياة في الريف، ووفرت لها الإمكانات المختلفة ليمارس فيها الخبرة العملية التطبيقية:
” ….. فكانت المدرسة مجتمعا ريفيا صالحا يعيش في نطاقه كما يجب أن يعيش الريفيون فيفلحون الأرض، ويربون الحيوان، ويحصلون علي منتجاته، ويبيعونها في الأسواق، ويصنعون ما يصنعه الريفي، ويعملون كل ذلك في مزرعة ملحقة بالمدرسة، تدار علي أساس اقتصادي تعاوني سليم، وكان التعليم في هذه المدارس داخليا وبالمجان ” .
وقد تخرج في هذه المدارس رعيل من المدرسين كان له الفضل في تحسين التعليم وتطويره في مدارس القري التي علموا بها، بل مما لاشك فيه أنهم أحدثوا تطورا ملحوظا في الارتفاع ببيئة القري التي تقع فيها هذه المدارس، فكانوا بحق معلمين أكفاء، ومصلحين اجتماعيين.
إنشاؤه المبكر لرابطة الخريجين
لم تقف رعاية الأستاذ إسماعيل القباني لطلاب التربية وخريجي معهد التربية العالي عند حد رعايتهم داخل معهد التربية، لكنه تبني فكرة إنشاء رابطة الخريجين التي ظهرت إلي حيز الوجود في يونيو عام 1943، وذلك من أجل تحقيق هدفه في توثيق الروابط العملية والاجتماعية بين أعضائها، إلي جانب بحث مشكلات التربية والتعليم في الميدان، وإيجاد الحلول العملية والتطبيقية المناسبة، ونشر مبادئ التربية الحديثة.
وقد نشأت الرابطة وتألفت لها هيئة تنفيذية جمعت بين عضويتها بعض أساتذة المعهد، وبعض قدامي الخريجين، وقام القباني بقيادة الرابطة وتوجيهها في هذا السبيل، فكان مقرها الذي لايزال يقع في 13 ميدان التحرير بالقاهرة، صالونا للفكر التربوي، ومجالا للنشاط التعليمي، وتهيئة الجو العلمي للبحث التربوي والتعليمي.
وقد عمل القباني علي تأسيس مكتبة تربوية في الرابطة تضم الكثير من المؤلفات التربوية، وعلم النفس، وطرق التدريس، ويهديها كل خريج أو أستاذ نسخا من إنتاجه العلمي، لتكون عونا لكل باحث، ومددا لكل قارئ.
ويروي محمد سليمان شعلان أنه عندما سعي ضمن عدد من الخريجين إلي القباني يعرضون عليه فكرة إنشاء الرابطة وقبول رئاستها أن أجابهم بقولته المأثورة: «إنني لا أميل كثيرا للجمعيات والروابط، لأن أكثرها ينشأ في الغالب لأسباب ودوافع تستهدف المصالح الشخصية لأعضائها، وأنا غير مستعد أن أعطي بعضا من وقتي لرابطة تكرس جهودها لرعاية المصالح الشخصية لأعضائها، ولكني مستعد أن أفسح مكانا من قلبي للرابطة التي تستهدف المصلحة العامة قبل المصلحة الخاصة».
إنشاء صحيفة التربية
وبعد أن شارك القباني في تأسيس رابطة الخريجين أسس من خلالها (1948) صحيفة «التربية» لتعبر عن الرابطة، ولتكون لسان حالها، وتولي رئاسة تحريرها، واشترك معه في هيئة تحريرها بعض من زملائه أساتذة التربية بمعهد التربية، وكذلك بعض قدامي الخريجين.
وقد استمر الأستاذ إسماعيل القباني رئيسا للرابطة (1943 ـ 1953)، وكذلك رئيسا لهيئة تحرير صحيفة «التربية» (1948 ـ 1953)، وكان لا يبخل علي الرابطة أو الصحيفة بوقته أو جهده وعلمه، وكان كثيرا ما يقضي الساعات الطوال قابعا ومنكبا في دار الرابطة أحيانا، وفي دار المعارف، حيث كانت تطبع الصحيفة، أحيانا أخري، يراجع بنفسه بروفات المقالات والبحوث التي تنشرها الصحيفة، قبل أن يعطي الأمر بطبعها، و بالطبع فقد كان قلمه يمتد إلي حذف أو تعديل بعض عبارات ما ينشر في هذه الصحيفة من بحوث ومقالات مستهدفا إخراجها في أروع وأنضج ما تكون عليه فكرا وتنظيما، وكان يساعده في ذلك الأستاذ زكي المهندس العميد الأسبق لدار العلوم، ونائب رئيس مجمع اللغة العربية.
توليه الوزارة واستقالته المشرفة
تولي الأستاذ إسماعيل القباني منصب وزير المعارف (التربية والتعليم )في الفترة ما بين 9 سبتمبر 1952 و13 يناير 1954، أي ما يقرب من سبعة عشر شهرا، وكان ذلك في مستهل عهد ثورة يوليو 1952. وكانت استقالته مضرب المثل في احترام الذات والحفاظ على الكرامة .
وهذه قصة استقالته من وجهة نظر زميله الشيخ الباقوري .
كانت الثورة قد تعمدت تعيين بعض الضباط الشباب مندوبين للقيادة في الوزارات المختلفة ، وكانت أكبرخسارة نشأت عن هذا التصرف هي إيذاء بعض الكفايات الوطنية المعتزة بنفسها و التي فقدتها الثورة دون أن تدري حجم خسارتها ، وفي هذا الإطار تأتي رواية الشيخ الباقوري عن استقالة الأستاذ إسماعيل القباني المؤسفة فيقول :
« …….. وكانت هذه الصورة تشير إلي أزدواجية بغيضة لا يرضي عنها مسئول ولا يصلح عليها عمل، وقد تكررت هذه الصورة في وزارات أخري كوزارة المعارف التي كان وزيرها يومئذ إسماعيل القباني. فقد انعقد مجلس الوزراء ، وبدأ الوزير القباني حديثه متهدج الصوت شديد الانفعال، وشكا إلي المجلس مجتمعاً تصرف السيد مندوب القيادة، ثم اتبع شكواه بكلمة نابية إذ قال :”غير معقول ان “حتة ضابط يتحكم في، وأنا وزير، ولي تجربة طويلة في وزارة المعارف إلي أن صرت وزيراً لها».
«وما أن فرغ الوزير الأستاذ إسماعيل القباني من كلمته العاتبة الغاضبة حتى قال له جمال سالم:
“إن حته الضابط ده هو اللي خلاك وزير».
«وقد رأي الرجل من حق نفسه عليه أن يستقيل، فقدم استقالته وقبلت فوراً».
من الجدير بالذكر أن لويس عوض روج لقصة مسرحية عن استقالة القباني بسبب نيته إخراج الأستاذ توفيق الحكيم في التطهير لكن عبد الناصر الذي كان يحب الحكيم استبقى الحكيم وأخرج الوزير!!
وهي رواية تسئ لعبد الناصر وليس للقباني على كل حال.
سياسته التربوية
ماإن تولى الأستاذ القباني الوزارة حتى بدأ في إصدار التشريعات التعليمية التي ترجمت أفكاره ومخططاته إلي إطار تعليمي محدد، وسياسة تربوية واضحة المعالم والأبعاد، مستهدفا إصلاح وتطوير قاعدة التعليم الشعبية، وتوحيدها لجميع أبناء المواطنين، وجعل التعليم فيها حقا للجميع تتكافأ فيه الفرص أمامه بغض النظر عن طبقية أو جاه أو غني أو فقر، وبهذا وضع الأساس القوي لديمقراطية التعليم في عصر جديد كان يحب أن ينسب له مثل هذا التوجه .
كان القباني هو الذي نفذ فكرة توحيد التعليم الأولي والابتدائي من خلال القانون رقم 201 لسنة 1953 الخاص بتنظيم التعليم الابتدائي وصيغت فلسفة هذا القانون على أنها كانت تعبيرًا عن رغبة الثورة المعلنة في تذويب الفوارق الثقافية بين المواطنين، وتوحيد عقلية الشعب، وتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وخلق عقلية مصرية متجانسة، وكان القباني نفسه قد سبق ودعا بقوة إلي هذه الفكرة (1952) في محاضرة عامة في مؤتمر التعليم الأولي الذي انعقد خلال ذلك العام في دار العلوم،. وبمقتضي هذا القانون جعل التعليم الابتدائي إلزاميا لجميع الأطفال من البنين والبنات من سن السادسة حتي الثانية عشرة.
وجدير بالذكر هنا أن نشير إلي أن القباني عمل علي إتمام فكرته بأن أدمج مدارس رياض الأطفال في التعليم الابتدائي احتفاظا بوحدة المدرسة.
توحيد التعليمين الأولى والابتدائي
وعلى الرغم من وجاهة فكرة توحيد التعليم الأولي والابتدائي فإنها كانت السبب المباشر في اختفاء فوري للمستوى المتميز لما عرف بالابتدائية القديمة ، فقد كان القباني وهو وزير هو صاحب قرار إيقاف تدريس اللغة الأجنبية التي كانت تدرس في المدرسة الابتدائية القديمة، و هو الذي حذفها من مواد الدراسة، وكان مبرره أن تدريسها في آلاف المدارس الابتدائية المنتشرة في الريف هو هدف يتعذر تنفيذه من الناحية العملية، وإذا اقتصر تدريسها علي بعض المدارس دون البعض الآخر فإن ذلك سيؤدي إلي خلق مشكلة اجتماعية تعليمية، كما يعتبر نقضا صريحا لمبدأ تكافؤ الفرص.
لكن هذا المبدأ سرعان ماتم نقضه حين وجدت ثورة 1952 نفسها مضطرة إلى استبقاء مدارس التبشير المعروفة باسم المدارس الأجنبية من أجل توفير تعليم اللغات لأبناء الطبقة الجديدة بينما حُرم أبناء الشعب (من أمثال القباني نفسه ) مما كان متاحا لهم حتى فى الأقاليم من تعلم اللغة مبكرا في المدارس الابتدائية القديمة .
فكرة المدارس الراقية
وقد أوجب القانون الذي وضعه القباني إنشاء مدارس ابتدائية راقية تجمع بين تزويد التلاميذ بقدر أوفر من الثقافة العامة، وبين إعداداهم علميا للحياة وفقا لاحتياجات البيئة، فتكون ذات صبغة ريفية في القري، وصبغة صناعية أو تجارية في المدن بالنسبة للبنين، وتكون ذات صبغة نسوية أو مهنية في المدن والقري علي السواء بالنسبة للبنات، ويقبل بها التلاميذ الذين أتموا الدراسة بالمدارس الابتدائية بنجاح، ومدة الدراسة بهذه المدارس ثلاث سنوات، وقد أنشئ من هذا النوع 34 مدرسة (1953 ـ 1954)، لكن طبائع الأمور وتطورات الأحداث جعلت الاستمرار في مثل هذا الإنجاز مستحيلا.
إعادة هيكلة السلم التعليمي
وقد استصدر الأستاذ إسماعيل القباني تشريعا أعاد به هيكلة السلم التعليمي المصري، وهو القانون رقم 211 لسنة 1953، وبدأ في تنفيذه في أول العام الدراسي (1953 ـ 1954)، وهو النظام الذي لانزال نسير عليه حتى يومنا هذا .
وبمقتضي هذا القانون تعدل التعليم الثانوي القديم ليتكون من مرحلتين، مرحلة إعدادية (متوسطة)، ومرحلة ثانوية، ومدة الدراسة بالمرحلة الإعدادية أربع سنوات (وقد عدلت فيما بعد إلي 3 سنوات فقط)، والقبول بالسنة الأولي منها بامتحان محلي لطلاب الالتحاق بهذه المرحلة علي أن تكون أعمارهم بين سن العاشرة والثانية عشرة وعلي أن يمتحنوا في مادتي اللغة العربية والحساب، وتنتهي المرحلة الإعدادية بامتحان تعقده كل منطقة من مناطق التعليم لتلاميذها، ويمنح الناجحون فيه شهادة الدراسة الإعدادية.
أما المرحلة الثانوية فثلاث سنوات ويقبل بالسنة الأولي منها الحاصلون علي الشهادة الإعداية بشرط ألا تزيد السن علي سبع عشرة سنة، والدراسة بهذه المرحلة موحدة في السنة الأولي، ثم تتشعب في السنتين الثانية والثالثة إلي قسمين أدبي وعلمي، ويعقد امتحان نقل لتلاميذ السنتين الأولي والثانية، وفي نهاية السنة الثالثة تعقد الوزارة امتحانا عاما يمنح الناجحون فيه شهادات الدراسة الثانوية العامة.
إصلاح التعليم الثانوي الفني
وعلي صعيد ثالث اهتم الأستاذ إسماعيل القباني بإصلاح التعليم الثانوي الفني بأنواعه (الصناعي، والتجاري، والزراعي) ورفع مستوي الدراسة بمدارسه، وأصبح القبول بهذه المدارس بالشهادة الإعدادية.
كما اهتم بتنظيم شئون التعليم الخاص (التعليم الحر) فطور القانون رقم 38 لسنة 1948، وبمقتضاه قامت الوزارة بتزويد المدارس الحرة الأهلية بالمدرسين الفنيين ذوي المؤهلات العالية بهدف رفع مستوي هذه المدارس إلي مستوي المدارس الأميرية.
إنشاء مدارس المعلمين المتوسطة
ونظرا لازدياد الحاجة إلي المعلمين لمواجهة التوسع المطرد في مدارس المرحلة الأولي فقد أنشأ الأستاذ إسماعيل القباني طرازا من معاهد المعلمين يتوسط بين مدرسة (كلية )المعلمين العليا ،والمعلمين الثانوية، وهو ما عرف باسم مدارس المعلمين الخاصة، وكان يقبل بها حملة شهادة الدراسة الثانوية يدرسون فيها لمدة عام دراسي واحد ، وقد توسعت الوزارة بعد ذلك في هذا النوع من المعاهد الخاصة وخرجت أعدادا كبيرة من المعلمين الذين استعين بهم في التدريس بالمدارس الإعدادية فيما بعد، وأنا أذكر أن معظم الأساتذة الذين تلقيت عليهم العلم في المدرسة الإعدادية كانوا من خريجي هذه المدارس .
عنايته بالتدريب
أعطى القبانى عناية خاصة لتدريب المعلمين في أثناء الخدمة و عقد العديد من حلقات التدريب المختلفة التي أسهم فيها أساتذة التربية ورجال الجامعات بتوجيه المعلمين وتبصيرهم بالمستحدثات في مجالات المواد الدراسية، سواء من ناحية المادة، أو الطريقة.
تطوير محتوى الكتب و المناهج الدراسية
اهتم الأستاذ إسماعيل القباني بتطوير محتوى المناهج الدراسية في جميع مراحل التعليم، ولأول مرة في تاريخ المناهج التعليمية صدرت المناهج مقترنة بتوجيهات فنية توضح لمدرسي المواد الدراسية المختلفة أفضل أساليب التدريس، وكيفية معالجتها.
وقد اهتم الأستاذ إسماعيل القباني بسياسة تأليف الكتب الدراسية والابتعاد بها عن أسلوب الاحتكار، سواء من جانب المؤلف أو الناشر.
طور الأستاذ إسماعيل القباني مفهوم التفتيش الفني وجعل هدفه معاونة المعلم علي تحسين عمليتي التعليم والتعلم، وتبصيره بأحدث الاتجاهات، سواء في المادة أو الطريقة، وخرج بالتفتيش عن مفهومه التقليدي من أنه تصيد للأخطاء، أو إظهار لسلطة المفتش علي المعلم.
إنشاؤه مؤسسة أبنية التعليم
اهتم الأستاذ إسماعيل القباني بالمباني المدرسية وهو الذي أنشأ مؤسسة أبنية التعليم الشهيرة (قانون 343/ 1952 ) علي أن تكون مهمتها الأساسية رسم سياسة ثابتة لإقامة الأبنية التي تحتاج إليها الوزارة لمعاهدها ومدارسها المختلفة، علي أن تؤجرها للوزارة نظير نسبة مئوية من تكاليفها، علي أن تئول ملكيتها للحكومة بعد مدة معينة، ويكون هذه المؤسسة الحق في الاقتراض من المؤسسات الخاصة، أو إصدار قروض عامة لتمويل هذه المشروعات في حدود عشرة ملايين من الجنيهات، وذلك للقضاء علي المشكلات التي تعاني منها الوزارة في سبيل إيجاد مبان صالحة لدور التعليم.
وقد التزمت هذه المؤسسة بأن تنشئ بأموالها في كل سنة 400 مدرسة خلال عشر سنوات، وتنفيذا لهذا البرنامج أنشأت (1953) نحو 205 مدارس ابتدائية، و1820 فصلا في المدارس القائمة، ووضعت الأساس لإنشاء 300 مدرسة، و2100 فصل أخري.
محو الأمية وتعليم الكبار
اهتم الأستاذ إسماعيل القباني بمحو الأمية والتوسع في إنشاء فصول مكافحة الأمية، كما قامت الوزارة في عهده بإجراء تجارب لمكافحة الأمية بين كبار السن في بلدة سرس الليان، وبلدة المنايل بالتعاون مع منظمة اليونسكو، وكانت قمة جهوده في هذا المجال افتتاحه للمركز الدولي للتربية الأساسية (يناير 1953) الذي تعاونت في إنشائه كل من منظمة اليونسكو والحكومة المصرية.
شخصيته
قال العلامة الدكتور عبد العزيز القوصي في وصف شخصية إسماعيل القباني:
“يمكنني أن أخرج عن الأسلوب المتبع في علم النفس عند تحليل الشخصيات، فبدلا من أن أقول إنه كان انبساطيا أو انطوائيا، أو كان ذكيا أو غير ذلك، فإني أقول إنه كان الأول والوحيد في مصر الذي اتصف بالشخصية التربوية الكاملة، فكان تيار حياته، وتيار شخصيته التربوية متطابقين تمام التطابق”.
و وصفه تلميذه المتيم به الاستاذ محمد سليمان شعلان بأنه:
“إنسان بالمعني الواسع لهذه الكلمة، يحترم رأي الآخرين، ويستمع إليهم مهما كبر أو صغر شأنهم، كن يستمع إلي رأي المدير الفني، وإلي رأي الناظر، وإلي رأي المدرس، وإلي رأي رجل الشارع، وكان يستوقف الآباء وأولياء الأمور والطلبة ليسألهم عن رأيهم في التعليم، وما يحسون به من مشكلات أو صعوبات، والحق يقال إن كثيرا من التشريعات التعليمية والقرارات الوزارية التي صدرت في عهده كانت تخرج لتسد حاجة أو رغبة، أو لتحقق فكرة مقبولة أبداها بعض هؤلاء”.
“كان يحسن استغلال قدرات واستعدادات كل فرد، كما كان يقدر له ناحية امتيازه، الأمر الذي جعل من كل مَنْ عمل معه أن يعتز بنفسه، ويشعر بآدميته وإنسانيته”
“وتميز الأستاذ إسماعيل القباني بالشدة في الحق، فكانت لا تثنيه فيه وساطة كبير أو قريب، وكان يتسم بالدقة والموضوعية في دراسة الأمور، فكان يقضي الساعات الطوال دون ما ملل، يقرأ ملفا لموضوع معروض عليه، باحثا وراء الحقيقة، يستهديها ويتبينها”.
“وكان يتميز أيضا بسلامة بصيرته، وبعد نظره، وعمق تفكيره، وكان بمثابة المعلم الفيلسوف الذي سبق عصره بآرائه، وحاول أن يجذب الآراء السائدة ويرفعها إلي مستوي آرائه علي الرغم مما لقبه من عنت وجهد”.
قصة حامد عمار عن أستاذيته الممتدة
وهذا نموذج جميل لحديث أصحاب المذكرات عن علاقتهم بأستاذهم القباني ، قدمه الدكتور حامد عمار بحب وشغف واعتزاز حين لخص دور عميد التربويين الأستاذ إسماعيل القباني في حياته، وكيف أتاح له أيضا الفرصة للنفاذ إلي المجتمع الدولي فيقول:
“… وذات يوم وأنا في الكلية (يقصد: كلية التربية عقب عودته مباشرة من بعثته في لندن) لابساً في قدمي صندلاً مفتوحاً، ودون شراب وكان هذا من شروط التخلص من (التنيا) التي استطال علاجها، يتسلم العميد إشارة تليفونية من مكتب وزير التربية والتعليم إسماعيل القباني، يستدعي فيها د. حامد مصطفي عمار للقاء الوزير في أقرب وقت، أبلغت بالإشارة، وعلي الفور دون تردد وبحالة قدماي (يقصد: قدمي)، اتجهت إلي الوزارة لمقابلة السيد الوزير، أذن لي بالدخول محيياً، وكان أول عباراته: عامل إيه يا بلية، وكانت كلمة (بلية) من لوازمه الحميمة في الحديث إلي طلابه، منذ أن عرفناه حين كان عميداً لمعهد التربية، ومؤسساً للمدرسة النموذجية الثانوية في حدائق القبة، والتي اختارني لأكون أول مدرسي المواد الاجتماعية بها عام 1943، واستطرد في حديثه لينبئني بأنه اختارني لأكون عضواً في الوفد المصري الذي سيذهب للمشاركة في المؤتمر العام لليونسكو في باريس (نوفمبر 1952)، والوفد مؤلف برئاسته وعضوية د. إبراهيم حلمي عبدالرحمن لدراسة تقرير وميزانية المنظمة في مشروعات العلوم الطبيعية، ود. محمد عوض محمد أستاذي في الجغرافيا بكلية الآداب للمشروعات الثقافية، وحامد عمار للمشروعات التربوية”.
“شكرته متلعثماً وأنا ألقف أنفاسي من غمرة الفرح، سائلا الله أن أكون عند حسن ظنه، (آه لو كانت والدتي قد سمعت هذا الخبر لأطلقت زغرودة ساخنة كي يسمعها كل مَنْ في كلية التربية)، ثم استدركت بصوت ملؤه الشجن بأنني ياسيادة الوزير ليست لي وظيفة الآن، ولم يتم تعييني في كلية التربية منذ عودتي من البعثة، وكما لو كان غير مصدق ليستجيب (هذا غير معقول)”.
“وعلي الفور يمسك بالتليفون ليتحدث إلي د. مصطفي نظيف رئيس (يقصد: مدير) جامعة إبراهيم باشا الكبير في لهجة تقترب من العتاب : يادكتور نرسل بعثات إلي الخارج وننفق عليها من مواردنا المحدودة لتعود فلا تجد لها عملاً، الحالة التي أمامي للدكتور حامد مصطفي عمار، الذي يعتبر أول حاصل علي الدكتوراه في التربية من جامعة لندن ولا يتم تعيينه حتي الآن، أرجو أن يتخذ اللازم لتعيينه، خصوصاً أنه سيسافر معي عضواً في وفد مصر إلي المؤتمر العام لليونسكو بعد أسبوعين”.
“ثم أفادني بأنه علىَّ أن أقابل مدير الجامعة غداً”.
ويجيد الدكتور حامد عمار وصف النهاية السعيدة :
“وبالصندل ودون شراب في قدماي (يقصد: قدمي)، كنت صباح اليوم التالي مع مدير الجامعة، الذي أعطيته بعض بيانات عن مؤهلاتي، وعلي الفور أيضاً يتصل بعميد الكلية ليحيطه بتعليمات الوزير بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتعييني بالتمرير من مجلس الكلية”.
“وبعد ثلاثة أيام من هذا اللقاء كنت خلالها أتردد علي الكلية مزهواً بالانتصار علي قهر الكلية، ومندهشاً كيف ومتي خلقت الدرجة للوظيفة؟!”.
” التقي بالعميد للتهنئة علي إتمام تعييني، واصطنعت في استقبال الخبر بقدر من البرود الإنجليزي”
“وبذلك تحققت دعوات شيخنا تقي الدين المقريزي بزوال غمتي، بعد إغاثة وزيرنا الجليل الأستاذ إسماعيل القباني رائد التربية الحديثة في مصر”.
مشاركته في مؤتمرات اليونسكو
وقد تحدث حامد عمار بتفصيلات كثيرة مما لا يزال يذكره عن تلك السفرة الجميلة التي صحب فيها الوزير القباني إلي باريس، وعن طبيعة مشاركاتهم في المؤتمر فيقول:
“… وكنا نلتقي بسيادته كل صباح لنذهب معاً إلي المؤتمر، وكان قد طلب مني في الطائرة أن أعد له الكلمة التي سيلقيها بحيث لا تستغرق أكثر من عشرين دقيقة علي الأكثر باللغة الإنجليزية، وقد رضي عن معظمها مع تشطيبات وإضافات، لا يخلو منها قلم القباني في مراجعاته، وكان يبصرني بحكمة ودلالة ما قام بتعديله، وهل ثمة مدرسة أفضل من هذا السياق يمكن أن يتعلم المرء فيها الجديد والمفيد”.
انتاجه العلمي
للأستاذ إسماعيل القباني بعض الإنتاج العلمي المكتوب المنشور، وهو وإن كان أقل بكثير مما كان يتوقعه منه فإن تأثيره كان عميقا وفعالا في الفكر التربوي في عمره.
من مؤلفاته:
قياس الذكاء في المدارس الابتدائية.
سياسة التعليم في مصر.
دراسات في تنظيم التعليم في مصر.
التربية عن طريق النشاط.
مائة عام في التعليم المصري، باللغة الإنجليزية.
تم النشر نقلا عن موقع الجزيرة مباشر
لقراءة المقال من موقع الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا