كان الشيخ عبد الله فيلبي يلخص مراحله في الحياة العربية في أنه كان أول إنسان قابل فيصل الأول على أرض العراق حين أصبح فيصل الأول ملكاً للعراق، وأنه ثاني مستشار للملك عبد الله بن الحسين ملك الأردن بعد لورنس، وأنه رابع مستشار بريطاني للملك عبد العزيز.
حياته في بلاد العرب بدأت في البصرة
بدأت حياة الشيخ عبد الله فيلبي في المنطقة العربية حين قدم البصرة بعد تمكن البريطانيين من الفوز على قادة الانقلاب العسكري الذين كانوا تسلموا مقاليد الأمور في الدولة العثمانية، وسرعان ما أصبح عبد الله فيلبي مُرشّحاً للعب دور في مواصلة خداع العرب ودفعهم إلى خيانة العثمانيين من أجل مصلحة بريطانيا بينما يظنون بأنفُسهم أنهم يُحقّقُون الاستقلال، وخلافاً لما هو شائع في المصادر التاريخية العربية المُتاحة الآن فإن عبد الله فيلبي يروى أنه عمل في العراق مستشاراً لوزير الداخلية ثم وزيراً للداخلية (!) وأنه “عارض” السياسة البريطانية في العراق فقدم استقالته لبرس كوكس، وسافر إلى لندن.
عمله مستشارا للملك عبد الله
في لندن التقى فيلبي مع تشرشل الذي كلّفه بأن يكون مستشاراً للأمير عبد الله أمير شرق الأردن وهكذا عمل فيلبي 3 سنوات مع الأمير عبد الله والركابي رئيس الوزراء كما يروي أنه كان على حد تعبيره يريد مزيداً من الحرية لحكومة الإمارة، وذلك حتى لا تتقيد حرية القرار الأردني، ولهذا فإنه لم يُشجّع توجه الركابي الذي قرر أن يطلب مالاً من البريطانيين لدعم موازنة الإمارة الناشئة، لكن الركابي في رأيه اختار المال وفضله على ما أغراه به فيلبي من حرية القرار، ولهذا فإن لما قابل الركابي هربرت صموئيل المندوب السامي البريطاني في القدس وطلب زيادة المعونة، ووافق صموئيل، فإن الشيخ عبد الله فيلبي آثر أن يستقيل ويعود إلى لندن.
في أثناء وجوده في الأردن (1921 ـ 1924) التقى فيلبي مع الكاتبة والرحالة المشهور روزيتا فوربس (1890 ـ 1967) (التي يعرفها المصريون بأنها التي اتخذت من الرحالة أحمد حسنين ١٨٨٩- ١٩٤٦ زميلا لها في استكشاف واحة الكفرة الليبية) وكانت هذه السيدة الرحالة قريبة منه في السن فقد ولدت بعده بخمس سنوات وعاشت بعده 7 سنوات وقد وصفت رحلتها في كتابها “سر الصحراء الكبرى” وفي 1923 رافقت فيلبي وعائلته في رحلة إلى البتراء بالأردن، وقد مولت صحيفة ديلي تليجراف رحلة لهما إلى الربع الخالي لكن الرحلة فشلت، فبدأت هي رحلاتها وعلاقاتها الواسعة مع الزعماء أتاتورك وستالين وهتلر وموسوليني. كان الشيخ عبد الله فيلبي يرى أن الملك فيصل (ملك العراق) يتميّز برجاحة العقل والتعقل، وأن الملك عبد الله (ملك الأردن) يتميّز بالذكاء لكنه لا يعرف الاستقرار.
قدومه للسعودية واستحواذه على ثقة الملك عبد العزيز
ظل عبد الله فيلبي مُرشّحاً لمواصلة لعب دور أكبر في مواصلة خداع بعض العرب ودفعهم إلى الغدر بإخوانهم من العرب المسلمين من أجل تحقيق مصلحة بريطانيا وذلك بتشجيعهم على الانقسامات المتتالية وتشجيعهم على أن يظنوا أنفُسَهم يُحقّقُون الاستقلال، ومن أجل هذه المهمة توجه عبد الله فيلبي إلى الرياض حيث قابل الإمام عبد الرحمن والد الملك عبد العزيز ثم الملك عبد العزيز نفسه، وأقام في قصره مع جنوده وخدمه في الصحراء، وكانت أول خدماته للملك عبد العزيز أن نظم رحلة بالجمال من الرياض إلى جدة، وقد صورت الأدبيات الغربية هذه الرحلة وكأنها فتح كبير.
هكذا انتقل الشيخ عبد الله فيلبي إلى الرياض وسرعان ما نال ثقة الملك عبد العزيز. وقد ذكر عبد الله فيلبي للنشاشيبي أنه لم يكن أول بريطاني يعمل مع الملك عبد العزيز وإنما كان الرابع، فالأول هو الكابتن شكسبير الذي قُتل في معركة بين آل سعود وآل الرشيد، والثاني هو ستورز الذي لم يستطع البقاء كثيراً حيث داهمه المرض فاستقال، والثالث هو الكولونيل هاملتون الذي فشل في مهمته فصدر الأمر بالاستغناء عنه.
وفي تلك التجربة السعودية جمع عبد الله فيلبي بمهارة ودهاء واقتدار بين الجاسوسية والسياسة وتجارة السلاح والوساطة والسمسرة، وتنسُب كثير من المصادر إليه أنه كان مندوب البريطانيين لإقناع الملك عبد العزيز آل سعود بمحاربة ابن رشيد وأنه لم يجد صعوبة في هذا الإقناع لأن موازنة الملك عبد العزيز آل سعود كانت تعتمد تماما على المساعدات البريطانية المُقدّمة له، نشط عبد الله فيلبي الحجاز عن طريق تجارة السيارات حيث أصبح وكيلاً لشركة فورد والراديو والتليفون وكان من الذين عملوا على أن يفوز الأمريكان بدلاً من البريطانيين بامتياز التنقيب عن النفط في الجزيرة العربية، (وكان هو أحد مستشاري الملك عبد العزيز في مفاوضات النفط) وكان يزعم أنه بهذا يُحارب الإمبريالية البريطانية وكأنه (بدهائه) لم يكن يدري عن الإمبريالية الأمريكية القادمة شيئاً.
وقد آثر عبد الله فيلبي أن يعيش الحياة العربية بكلِّ ما فيها، وانتهى به الحال أن اندمج فيها تماما وأعلن إسلامه 1930 كما تزوج من السيدة روزة العبد العزيز وهي بلوشية من إيران، وقد اختارها له الملك عبد العزيز آل سعود وأنجب منها ولديه خالد وفارس، وقد كان له من السيدة دورا جونسون زوجته الأولى التي تزوجها في 1910 ابنا، وثلاث بنات، وقد ورث الابن مجد أبيه في المخابرات البريطانية إلى أن اكتشف البريطانيون في 1963 أنه عميل أيضاً للمخابرات السوفييتية! أما ابنه خالد فقد نال وظائف مرموقة في الأمم المتحدة فعمل مُنسقاً في الكويت وتركمنستان.
الخدمات التي قدمها للسعوديين
صوّرت الأدبيات الغربية أدوار البطولة والتوجيه لعبد الله فيلبي في حروب الملك عبد العزيز ضد ابن الرشيد وضد الهاشميين، وتركت هذه الكتابات إيحاء قوياً بأن الملك عبد العزيز كان منفذا لخطة بريطانية استهدفت إزاحة العثمانيين ثم أل الرشيد والهاشميين والتمهيد لسيطرة غير مباشرة من البريطانيين والأمريكيين على جزيرة العرب.
وتصل بعض هذه الكتابات إلى إرجاع الفضل إلى عبد الله فيلبي في إنشاء شركة أرامكو نفسها كما أشرنا، وتأسيس المملكة العربية السعودية على النحو الذي تأسست به، في 1955 طُلب من عبد الله فيلبي مُغادرة السعودية بعد محاضرة ألقاها في الظهران وانتقد فيها الحكومة السعودية وفي 1956 عاد للرياض بعد مصالحة مع الملك سعود.
لكن حياة عبد الله فيلبي انتهت بخلاف مع السعوديين، ولهذا فإنه قضى السنوات الثلاث الأخيرة من حياته في لبنان، وانصرف إلى الهجوم على السعودية بكلِّ ما كان يملك التدليل به على ما يذهب إليه وبخاصة في كتابه «أربعون سنة في الخلاء» وقد روي النشاشيبي أن عبد الله فيلبي حين التقاه في أُخريات حياته كان يؤكد له على أن الحلَّ الأمثل للسعودية هو الرجوع إلى الحياة الأولى حياة الجمال والحمير والخيام والتقشف والبساطة.
علاقته بالحكومة البريطانية وبعض آرائه
كان عبد الله فيلبي يلخص إنجازاته في الحياة بأنه ألف 15 كتاباً كتابه الأول “قلب الجزيرة”، وأنه عاش الثورات والحروب فلم يمُت، وكان فيلبي ينتقد كثيرا من السياسات البريطانية في كتاباته، فانتقد وعد بلفور، كما انتقد محاولة فرض الحسين بن علي ملكاً على الجزيرة العربية، وكان ينتقد أيضا السياسة البريطانية حول البوريمي التي احتلها الانجليز 1955، ظلت علاقة عبد الله فيلبي بالحكومات البريطانية سيئة، وقد تجسّست عليه المخابرات البريطانية في أثناء الحرب العالمية الثانية واتهم بالميل إلى ألمانيا، واعتقل في الهند ونقل إلى بريطانيا وظلَّ فيها طيلة الحرب.
اهتمامه بالطيور وتسميتها
بالإضافة إلى كلِّ أنشطته الجاسوسية والدبلوماسية والتجارية فقد بدأ عبد الله فيلبي حياته بالاهتمام بالطيور وهو من أعطى الاسم العلمي للطائر المعروف بنقار الخشب العربي الذي كان يُعد أحد أنواع البومة، ويروي أنه اختار للطيور التي سمّاها أسماء نساء كان مُعجباً بهن، وقد بقي ذكره في كتب الطيور مع ذلك الطائر الذي يعيش في جنوب غرب السعودية واليمن والمسمى باسمه: حجل عبد الله فيلبي.
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا