موقع الدكتور محمد الجوادي | أبو التاريخ
فتح الله بركات باشا 1866- 1933 هو واحد من الساسة المخضرمين القلائل الذين عاشوا في القرن العشرين قدر ما عاشوا في القرن التاسع عشر، وهو حسب الروايات المتواترة ابن أخت الزعيم سعد زغلول باشا 1859- 1927، كما أن سعد زغلول باشا تبعا لهذه الروايات هو خال فتح الله بركات باشا، لكن هناك رواية وحيدة غير مشهورة تقول بعكس هذا، وهي أنه هو خال سعد زغلول باشا، وفي الحالين أو الروايتين، فإن هناك توافقا على أن والدة سعد زغلول باشا من عائلة بركات. وهكذا فإن ابن الأخت كان قريباً جداً في السن من خاله سواء كان هذا أو ذاك هو الخال.
ومع أن فتح الله بركات باشا لم يصل إلي مكانة سعد زغلول باشا، فإنه بكل تأكيد كان ذا مكانة لم يصل إليها أحد من أنداده من زعماء الريف المصري، وربما يكفيك لتصور مكانته أن تعرف أن هذا الرجل وصل (1908) إلى عضوية مجلس شوري القوانين، كما وصل في 1913 إلى عضوية الجمعية التشريعية التي هي آخر وأقوى البرلمانات المصرية فيما أسميه بالحقبة قبل الليبيرالية (1862 ـ 1918) وأصبح بفضل ما وصل إليه من زعامة وعضوية للبرلمان جاهزاً للزعامة الجديدة في عصر الليبيرالية، ومن الحق أن نقول إنه أبلى بلاء حسناً في هذا الصدد وإنه حقق أقصى ما يُمكن لسياسي إقليمي مثله أن يُحققه بعدما أصبح بعضويته في برلمان ١٩١٣ صنوا لسعد زغلول باشا وعبد العزيز فهمي باشا وعلي الشمسي باشا وغيرهم من زعماء مصر بعد ثورة 1919.
ويمكن القول بأنه أبرز النماذج المبكرة للزعماء الوطنيين المحليين الذين ترتفع بقيمتهم السياسية إمكاناتهم الفطرية والمطلقة، وقد حاز فتح الله بركات رتبة الباشوية من قبل أن يقود خاله سعد زغلول ثورة 1919، ومعني هذا أن بركات كان موهوباً ومقتدراً، وبالتالي فإن هذا يدلنا علي أن سعد باشا نفسه كان موهوباً ومقتدراً من دون حاجة إلي مساندة حميه مصطفي فهمي أو الإنجليز علي نحو ما يحرص أعداؤه أن يلغطوا حوله، سواء في صعوده إلي الباشوية وإلي الوزارة، فهذا هو فتح الله بركات الذي لم يكمل تعليمه الثانوي، وصل هو الآخر قبل ثورة 1919 بفترة إلي عضوية الجمعية التشريعية، ووصل إلي أن نال رتبة الباشوية.
ومن الطريف أن الأسماء اللامعة في الحياة السياسية من عائلة بركات لا تقل في العدد عن إسهام عائلة زغلول، ونحن نجد من أعلام مصر في عصر الليبرالية فتح الله بركات باشا وشقيقه عاطف بركات باشا وابنه محمد بهي الدين باشا على نحو ما نجد أحمد فتحي زغلول باشا مع أخيه سعد باشا، كان جده الشيخ عبده بركات من المعروفين بالثروة والنفوذ في عهد محمد علي باشا، أما والده عبد الله بركات، فكان من كبار الموظفين ومن كبار الملاك، وإذا جاز لنا أن نكتب اسم ابنه بطريقة الكتابة الحديثة في كتابة الأسماء، فإنه يصبح محمد بهي الدين /محمد فتح الله/ عبدالله / عبده بركات.
أصبح عمدة ساحق النجاح وهو في مطلع شبابه
لما بلغ محمد فتح الله السابعة من عمره بدأ يتلقى تعليمه في البيت على يد مدرس خصوصي، ثم التحق بمدرسة رشيد الأميرية فأتم التعليم الابتدائي فيها ثم انتقل إلى مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية بالإسكندرية، فالمدرسة التجهيزية بدرب الجماميز بالقاهرة، فدرس فيها حتى سنتها الثالثة، ثم ترك الدراسة عن قصد ليتولى إدارة أعمال والده في مزارعه الكبيرة.
بعد فترة قصيرة من تفرغه لأعمال والده عين عمدة لبلده، وكان لايزال في الحادية والعشرين، لكنه سرعان ما أثبت نجاحا ساحقا تمثل في انتهاء عهد دام من المشكلات المحلية المزمنة، ثم أصبح عضوا في لجنة الشياخات. وفي سنة 1899 انتخب عضوا في لجنة تعديل الضرائب عن مركز فوة. ثم انتخب عضوا في مجلس مديرية الغربية (1902)، وبقي مع هذا عمدة لبلده، وإلى أن انتخب في 1908 عضوا في مجلس شورى القوانين كما ذكرنا. فلما ألغي هذا المجلس وأنشئت الجمعية التشريعية انتخب عضوا في الجمعية التشريعية عن مركزي فوة ودسوق (1913)، من الجدير بالذكر هنا أن سعد زغلول على مدى الأجزاء الأولي من مذكراته كان يبدو ضجراً متضجراً من بعض تصرفات فتح الله بركات وعائلته معه في بعض مواقف الحياة اليومية، وهو ما يدلنا على أن الرجلين عاشا حياة مفعمة بالعمل والاجتهاد، ومن ثم الخلاف وما قد يعقبه من قطيعة مؤقتة.
دوره في ثورة ١٩١٩ ونفيه مع سعد باشا
لما بدأت ثورة 1919، كان محمد فتح الله بركات من الساسة البارزين الذين يُعتمد عليهم في لجنة الوفد المركزية، ومنذ عاد سعد باشا من أوروبا (1921) أصبح مستشارا لخاله ومشتركا معه في أنشطة الحركة الوطنية وكان من الطبيعي أن ينفى معه ومع النحاس باشا ومكرم عبيد وسينوت حنا وعاطف بركات في النفي الثاني لسعد باشا، وهو النفي الذي كان إلي جزر سيشل في ديسمبر 1921، وعاد فتح الله بركات من سيشل في أوائل 1923.
وصوله للوزارة كان من الطبيعي أن يصل فتح الله بركات إلى منصب الوزارة في وزارة الشعب التي شكلها سعد زغلول في يناير 1924 فقد كان فاز في الانتخابات البرلمانية وهكذا نال الوزارة في اليوم الذي نالها فيه مع أربعة من زعماء الوفد هم النحاس باشا، والغرابلي، وواصف بطرس غالي، ومرقص حنا باشا، وذلك قبل أن ينالها أحمد ماهر وعلي الشمسي وعثمان محرم والنقراشي ومكرم عبيد من زعماء الوفد. بدأ فتح الله بركات باشا بتولي وزارة الزراعة لكنه قبل نهاية عهد هذه الوزارة تولى وزارة الداخلية أيضا.
دوره السياسي والحزبي في برلمانات ١٩٢٤ و١٩٢٥
منذ عهد وزارة الشعب في ١٩٢٤، برزت الميزة الأهم من مميزات فتح الله بركات باشا، وهي القدرة على التنسيق الحزبي الجبار التي جعلته يتولى ما نُسمّيه الآن بمهمة أو وظيفة “أمين التنظيم” في الحزب، أوما نُسمّيه وزير شئون البرلمان في الوزارة، وقد أدى فتح الله بركات باشا هذين الدورين على نحو متميز ونزيه، وإذا أردنا أن نفهم قيمة أداء فتح الله بركات في هذا الموقع، فإننا نستطيع ببساطة ومن دون مبالغة أن ننتبه إن خلفه فيه وهو مكرم عبيد (وهو من هو) لم ينجح في أدائه نصف نجاح فتح الله بركات، أي أن مكرم عبيد حقّق في أقصى تقدير خمسين في المائة من نجاح فتح الله بركات في تكوين عصبة الوفد، وآلية فوز الوفد في معاركه البرلمانية، وهو ما ظهر واضحاً في برلمانات 1924 و1925 و1926.
كان فتح الله بركات باشا ناجحاً قوياً فاعلاً مؤثراً قادرا على أن يجني للوفد أفضل النتائج في المجموعات البرلمانية والجماعات الحزبية. وإذا أردت أن تقرأ وصفاً لهذا النجاح الذي حقّقه فتح الله بركات من وجهة نظر واحد من أنصار المعارضين له الذين آذاهم هذا التنسيق الجبار لفتح الله بركات باشا، فإني أدلّك على الروايات التي قدّمها الأستاذ المؤرخ حسن الشريف الذي هو زوج ابنة محمد توفيق رفعت باشا في كتابه غير المشهور “الرجال أسرار”.
دوره في إتمام الائتلاف بين الأحزاب 1926
كان فتح الله بركات باشا صاحب يد طولي في إتمام الائتلاف بين الأحزاب في سنة 1926، وبعد الائتلاف جرت الانتخابات في تلك السنة، فكان هو أبرز المسئولين عن تنسيق تحالفاتها، واشترك في وزارة عدلي باشا الثانية ثم في وزارة ثروت باشا الثانية، وكان فيهما وزيرا للزراعة.
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا
