الرئيسية / المكتبة الصحفية / تصوير العرب لخيانة جلوب باشا في حرب فلسطين

تصوير العرب لخيانة جلوب باشا في حرب فلسطين

تحرص المصادر التي تناولت تاريخ حرب فلسطين على التدليل على صور متعددة من الخيانة والتضليل اللذين مارسهما القائد جلوب بما يتعارض مع أصول الولاء الذي يتوقع منه وفاء لعمله و وظيفته في الوطن الذي احتضنه وأعطاه هذه المكانة الرفيعة، لكن نفس جلوب باشا فيما يبدو للمؤرخ المتفحص كانت أصغر من أن تستوعب حركة التاريخ، كما كانت أقل من أن تصل إلى الولاء الذي يتطلبه الموقع الذي شغله صاحبها، ومن ناحية ثالثة فقد كان جلوب باشا عسكرياً تقليدياً لا يعرف قيمة الإيمان ولا تأثيره في المسلمين، ولم يكن يعرف قيمة الأماكن المقدسة ولا تاريخها الإيماني في حياة المسلمين.

ووصل الأمر بجلوب باشا نفسه إلى أن يُصرح أنه كان يفهم مهمته على أنها استلام الجزء العربي من فلسطين حسب قرار التقسيم الدولي الصادر عام 1947 والأكثر من هذا مدعاة للاشمئزاز أنه في ظل التحرشات بين العرب بعضهم وبعض، وكان الاتفاق قد قضى بانسحاب الجيوش العربية من فلسطين قبل أن ينتهي الانتداب البريطاني المحدد سلفا، وكأن العرب كانوا لا يفقهون أن معنى هذا أن تُتاح فرصة لليهود لينالوا أكثر مما يُتيحه قرار التقسيم، وهنا يأتي ما هو أكثر بكثير من الاشمئزاز وهو أن جلوب باشا لم ينسحب إلى حدود التقسيم فحسب وإنما انسحب بعيداً جدا عن أرض المعركة وبالتحديد في معسكر الزرقاء أي على بُعد ساعتين من نهر الأردن الذي يفصل بين شرق الأردن والضفة الغربية.


وحين كان في وسع جلوب باشا أن يدخل بالجيش الأردني إلى القدس ويستولي عليها كلها فإنه لم يفعل ذلك إلا بعد خمسة أيام من بدء الحرب أي في 19 مايو. بل إن جلوب باشا تقبّل راضياً ما فرضه التخطيط الغربي الخبيث بعيد النظر، حين طُلب إلى الأردن تخفيض عدد أفراد الجيش، فأصبح 6 آلاف جندي في عام 1948 بعدما كان ثمانية آلاف في 1945، أي أن جلوب باشا وافق على تقليل قوة جيشه وعدد أفراده قبل المعركة (بدون أي داع) على عكس ما تتطلّبه أي معركة من زيادة الجيش بالتجنيد والتعبئة والاستدعاء.. الخ.

هنا نستطيع أن نفهم أن قادة الجيش المصري أو السوري أو العراقي مهما كان تصنيفهم المهني كانوا أفضل بكثير جداً من جلوب باشا الذي كان يقود جيشاً قوياً مدرباً جاهزاً للمنازلة على أرض المعركة لكنه بفضل غياب البوصلة الصائبة في إخلاص قائده حقّق الهزيمة، بل ربما أنه كان يسعى إليها رغم كلِّ الظروف التي كانت تُمهد له النصر. وهنا أيضا نستطيع أن نفهم الفارق الكبير بين الملك حسين وجده الملك عبد الله فقد عاش الملك عبد الله أسيراً للعصر الذي نشأ فيه وهو يشهد إرادة عربية مسلوبة بينما كان الملك حسين بشبابه وذكائه يتطلع إلى أن يكون له وللأردن دور كبير في استراتيجيات عصره، وقد تحقق له هذا، ويكفي هنا أن نذكر ان أداء الجيش الأردني في حرب 1967 بقيادة القائد المصري عبد المنعم رياض كان يخلو من التواطؤ الظاهر والجهل المتعمد. صحيح أن جلوب باشا يلقي بالتبعية على السياسيين العرب الذين لم يكونوا صادقين في قرار دخول الحرب لكن هذا لا يمنع من لومه على استراتيجيته في هذه الحرب وعلى أدائه، وهو أداء لا يمكن وصفه بأقل من الخيانة والغدر والعمل ضد الوطن.

تخاذله في حماية الفلسطينيين من المذابح
ننقل عن الأستاذ ناصر الدين النشاشيبي ما رواه عن واقعة مذبحة «قبية» الشهيرة، كنموذج لخيانة جلوب باشا للعرب.. “هل تذكرون مذبحة «قبية» الشهيرة؟ هل تذكرون هذه الواقعة يوم هاجم اليهود بعصاباتهم وأسلحتهم مدينة «قبية» العربية ففتكوا بأهلها وبقروا بطون أطفالها ونسفوا بيوتها؟.. إن كنتم تذكرون هذه الواقعة وهذا الاسم فأعلموا إذن أن لجنة برلمانية قد تشكلت يومها للتحقيق في الحادث وتحديد مدى مسئولية الجيش العربي في عدم المبادرة إلى الوقوف في وجه المعتدين وصدّهم. واجتمعت اللجنة وكانت مؤلفة يومئذ من وزير العدل الأردني والنائب حكمت المصري والقائد العسكري الأردني صادق الشرع.

وجيء بالمتهم وكيل القائد واسمه عكاش الزين ليدافع عن نفسه أو يُبرّر عمله في عدم رد الاعتداء الصهيوني عن القرية العربية. وقالت له اللجنة: «أنت مقصر في عملك»! وسكت القائد ولم يُجب، قيل له «تكلم ودافع عن نفسك» ولكنه سكت ، ولم يتكلم، قيل له: «هل تعترف بتقصيرك؟» ولكن القائد سكت طويلاً قبل أن يصرُخ في وجوه أعضاء لجنة التحقيق: أنا لولا جلوب باشا لكُنت راعي غنم، وعليه، فإني أرفض أن أتحدث إليكم بكلمة واحدة ما لم يأمرني بذلك سيدي جلوب باشا!

واتصل أعضاء اللجنة بالجنرال جلوب باشا يسألونه أن يأمر هذا القائد أن يتكلم. ولكن جلوب هزّ كتفيه قائلاً: الأمر لا يعنيني! وأخيراً، أدانت اللجنة القائد في المسؤولية وحمّلته نتائج المذبحة الهمجية التي وقعت في قرية «قبية»، وطالبت بفصله وطرده من الجيش.. ورُفع الأمر إلى لجلوب.. هل تدرون ماذا فعل جلوب؟ لقد أصدر أمراً بترقية المتهم وتعيينه مسؤولاً عن الإنشاءات العسكرية العامة التابعة للجيش..

ما بين نكبة 1948 وعزله من قيادة الجيش في 1956
ظل جلوب باشا فيما بين حرب فلسطين وعزله في 1956 يُعاني من الصورة الذهنية السلبية التي رسمتها له الأحداث، فقد أصبح في معتقد العرب اليقيني بمثابة الرجل الذي وظَّف الهدنة لصالح إسرائيل والرجل الذي تكاسل عن أن يُؤمّن لعرب حقوقهم في بلادهم. أما هو فقد كان رد فعله على هذه الاتهامات التي قلّلت من قيمته بل وصورته خائنا يتمثل في محورين:
1- المحور الأول: أن يُلقي بالمسؤولية على الإعلام المصري وقوته، وقد وصل في هذا الحد إلى تبنيه محاولة إنشاء محطة إذاعة سرية في عمان (1955) لرد هجوم القاهرة والرياض عليه مدة نصف ساعة كل يوم.
2- المحور الثاني: أنه بدأ يتقبل و يتواءم مع فكرة تعريب الجيش، والسماح بترقية الضباط العرب إلى المناصب العليا في الجيش، وقبول عدد أكبر من الضباط العرب في الجيش، وبالطبع فإنه لجأ في ذات الوقت إلى تفعيل الاحتياطات (أو الفرامل) البريطانية المعهودة من قبيل إطالة المدة اللازمة للترقي، وشغل الضباط العرب بالمناصب الإدارية، وهو ما جعل الضباط الأردنيين يُحسون بإحساس شبيه بمشاعر التمرد التي سيطرت على الضباط المصريين فيما قبل ثورة عرابي 1882.

 

 

 

 

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com