الرئيسية / المكتبة الصحفية / إبراهيم حلمي عبد الرحمن عالم الفلك الذي أصبح أبا للتخطيط في مصر

إبراهيم حلمي عبد الرحمن عالم الفلك الذي أصبح أبا للتخطيط في مصر

من المتعارف عليه بين الاقتصاديين العرب أن الدكتور إبراهيم حلمي عبد الرحمن هو الأب المؤسس لعلوم التخطيط في مصر والوطن العربي، وقد ظل هذا الرجل يحتفظ لنفسه بمكان بارز جداً بين أعلام مصر في حقل التخطيط والاستشارات التنموية، حتى إنه ليقال كثيرا إن إبراهيم حلمي عبد الرحمن هو أول وزير للتخطيط في مصر مع أنه لم يكن كذلك، لكن الجدير بالذكر أن هذا العالم الجليل كان من الرعيل الأول لخريجي قسم الفلك في كلية العلوم المصرية الأولي بجامعة القاهرة.

ولد الدكتور إبراهيم حلمي عبد الرحمن في 5 يناير (1919) في كفر الولجا ـ منيا القمح شرقية، وتخرج بمرتبة الشرف من كلية العلوم جامعة القاهرة في الدفعة العاشرة من دفعات كلية علوم القاهرة عام ثمانية وثلاثين (1938)، وهي الدفعة السابقة على دفعة المغفور له الدكتور أحمد مصطفي وزير البحث العلمي الأسبق (1939). ابتعث الدكتور إبراهيم حلمي عبد الرحمن إلى إنجلترا، ودرس في كمبردج (1938 – 1939)، وسرعان ما حصل على درجة دكتوراة الفلسفة في الفلك (1941) من جامعة أدنبرة، ثم أجري دراسات علمية في الفلك في جامعة كمبردج (1942)، وجامعة ليدن بهولندا (1951)، وعاد من بعثته فعمل مدرساً فأستاذا مساعدا في علوم القاهرة في سن مبكرة من حياته شأنه شأن كل خريجيها الأوائل الذين دفعهم العالم المصري الدكتور علي مصطفى مشرفة باشا إلى هذه المواقع، وقد اكتفي من درجات سلك هيئة التدريس بدرجة الأستاذ المساعد وترك الجامعة إلى وظائف الحياة العامة مبكرا.


كانت للدكتور إبراهيم حلمي عبد الرحمن منذ مرحلة مبكرة مساهمات أدبية ثقافية ومساهمات في الثقافة العلمية في مجلاتنا وبخاصة في مجلة الثقافة، كما كان له حضور مبكر في الحياة العامة والسياسة والثقافية فاختير عضوا في الوفد المصري إلى مؤتمر اليونسكو الدولي عام ثمانية وأربعين (1948) وعام أثنين وخمسين (1952). ولما كان الدكتور إبراهيم حلمي عبد الرحمن من مواليد السنوات التي ولد فيها زعماء الثورة، وكان معروفا لدي بعضهم بالكتابة والتفوق، فقد وقع عليه الاختيار سكرتيرا عاما لمجلس الوزراء (1953)، وقضي في هذا المنصب خمس سنوات حتى 1958، وفي أثناء هذه الفترة تولي أيضا سكرتارية المجلس الأعلى للعلوم (56- 1958) وقد لعب دوراً في تأسيسه، وفي 1954 كان أيضاً أول مدير لمؤسسة الطاقة الذرية حديثة الإنشاء، وبقي في هذا المنصب حتى سنة تسع وخمسين (1959)، وبالإضافة إلى هذه المناصب جميعا تولي منصب سكرتير لجنة التخطيط القومي منذ إنشائها في منتصف الخمسينيات، ومنذ ذلك الحين بدأت علاقاته بمجال التخطيط.

والواقع أن الدكتور إبراهيم حلمي عبد الرحمن كان من أفضل الكفايات الشابة البارزة التي عملت مع الثورة، وقد حمل الكثير من أعباء مناصبها دفعة واحدة، وكان من الذين يصدق عليهم القول أنهم بوجودهم وحضورهم الدائب والمتصل يسهلون كثيراً من أمور المصالح المتقاطعة بين الهيئات المتعددة، وقد تألق في أدائه حيث كان يتمتع بقدرة وكفاءة وعقلية عملية منظمة، ومع أن هذا الأسلوب يحظى في كثير من الأحيان بكثير من الانتقادات إلا أنه في بعض الأحيان يكون مفيدا جدا إذا ما كان هؤلاء الأشخاص من أمثال إبراهيم حلمي عبد الرحمن، قدرة وكفاءة وعقلية عملية منظمة. وعندما تأسست وزارة التخطيط القومي اختير (في يناير 1959) وهو لا يزال في الأربعين من عمره وكيلاً لهذه الوزارة، وفي فبراير جميع إلى هذا عضوية المجلس الأعلى للعلوم، ثم انتدب (1961) لمساعدة نائب رئيس الجمهورية عبد اللطيف بغدادي في تنظيم الإدارة الحكومية، ثم تولي منصب مدير معهد التخطيط القومي (1960 ـ 1963)، وكانت له في هذه الفترة اليد الطولي في وضع سياسات التخطيط وتنفيذها، حتى إن ذاكرة الذين عاشوا في تلك الفترة تحتفظ له بذكري أنه أول وزير للتخطيط مع أنه لم يكن كذلك.

أعير الدكتور إبراهيم حلمي عبد الرحمن إلى الأمم المتحدة ليشغل منصب مستشار الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، ومساعد السكرتير العام للأمم المتحدة لشؤون الصناعة (1963 ـ 1966)، والمدير التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) (1967 ـ 1974)، وعندما انتهت مدة إعارته عاد إلى موقعه الوظيفي في مصر، وعمل مستشارا لرئيس مجلس الوزراء، ذلك أن درجته قبل إعارته للأمم المتحدة كانت تابعة لمجلس الوزراء، فلما عاد لم تكن له درجة تليق به أقل من هذا! وقد جاء عهد الدكتور إبراهيم حلمي عبد الرحمن بالمناصب الوزارية متأخرا.. ويقال إنه اعتذر مرارا عن الاشتراك فيها، ولما شكل ممدوح سالم حكومته الأولي دخلها الدكتور إبراهيم حلمي إبراهيم عبد الرحمن كوزير للتخطيط (إبريل 1975) وأضيف إليه أعباء شئون وزارة التنمية الإدارية، كان بهذا ثالث مَنْ تولي الدكتور إبراهيم حلمي عبد الرحمن وزارة التخطيط في عهد الرئيس السادات بعد الدكتورين السيد جاب الله وإسماعيل صبري عبد الله، لكنه سرعان ما ترك منصبه في أول فرصة تالية وهي تشكيل وزارة ممدوح سالم الثانية وعمل مستشاراً اقتصادياً للصندوق العربي للإنماء، ولمنظمة الدول العربية المصدرة للبترول بالكويت (1976 ـ 1979)، كما عمل محاضراً زائراً في جامعة مينوسوتا بالولايات المتحدة الأمريكية (1981 ـ 1982).

على الصعيد الدولي كانت للدكتور إبراهيم حلمي عبد الرحمن العديد من الاتصالات الدولية التي صاغت له مكانته الدولية المرموقة، ومن ذلك مشاركاته في مؤتمرات الأمم المتحدة للعلوم والتكنولوجيا منذ بداياتها، كما أنه ترأس لجنة شكلتها الأمم المتحدة للتخطيط لدراسة كيفية تثبيت أسعار المواد الأولية، كما شارك في إنشاء معهد عالمي للتخطيط في شيلي. كذلك فقد أسهم في مؤتمر الأمم المتحدة للتنظيم الاقتصادي الدولي بنيويورك (1980)، ومؤتمر العلوم والتكنولوجيا للتنمية في فيينا (1978). وعلى الصعيد الوطني أسهم الدكتور إبراهيم حلمي عبد الرحمن فيما بعد خروجه من الوزارة (1979) في إعداد دراسة عن دعم السلع.، وكان واحدا من العلماء الخمسة الكبار الذين عهد إليهم الرئيس حسني مبارك بتنظيم المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في أول عهده وتولوا رئاسة هذا المؤتمر، مع عبد الجليل العمري، وعبد العزيز حجازي، وعبد المنعم القيسوني.

وقد واصل الدكتور إبراهيم حلمي عبد الرحمن اتصاله بالمجتمع العلمي مع أساتذته وزملائه وطلابه، وانتخب عضوا بالمجمع العلمي المصري، والاتحاد العلمي المصري والعربي، والأكاديمية العربية للعلوم، والجمعية المصرية للعلوم الرياضية والطبيعية. نال الدكتور إبراهيم حلمي عبد الرحمن (1985) جائزة الدولة التقديرية في العلوم في العام الذي نالها فيه رئيسا الأكاديمية الثاني والرابع: عبد المنعم أبو العزم وإبراهيم بدران، ويأتي ترتيبه الثامن والخمسين بين مَنْ حصلوا على هذه الجائزة في العلوم منذ إنشائها في 1958. توفي الدكتور إبراهيم حلمي عبد الرحمن عام ١٩٩٨.

 

 

 

 

 

 

 

 

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com