– تغير اسم الدولة من جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية إلى جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية.. ومن المعروف أن النص على الديموقراطية في اسم الدولة لا يحدث إلا عندما تنحو الدولة إلى الشمولية الكاملة والحزب الواحد وحكم الفرد.
– مزيد من المركسة بكل المراهقات المعروفة فيما يسمى الثورة الثقافية التي لم يكن لها من مهمة إلا أن تتحدى مشاعر مجتمع متدين وأصيل في حضارته وأن تحاول توهين الإسلام في نفوس أبنائه.
– مزيد من اضطرابات الفكر فيما بين طائفة من كوادر السياسة المؤهلين ماركسيا فحسب من دون أن يكونوا أصحاب مهن أو خبرة بالحياة المنظمة والحضارة.
كان الرئيس سالم ربيع قوي الشخصية قادرا على التواصل وهكذا لجأ منافسوه أو أعداؤه إلى الحيل السوفييتية للانقضاض عليه وإقالته وإعدامه، وقد اتخذوا نقطة صفر لهذا الانقلاب كانت في غاية الإثارة، وهي اغتيال الرئيس اليمني (الشمالي) أحمد حسن الغشمي، وما إن أذاعت إذاعة صنعاء خبر اغتيال رئيسها إلا رفعت القوات اليمنية الجنوبية درجة استعدادها لأقصى درجة، مستجيبة لما صدر عن الجامعة العربية من اتهام للرئيس سالمين وسلطته بالمسئولية عن مصرع رئيس اليمن.
وفي اليوم التالي اجتمعت اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني برئاسة رجلها القوي الرئيس عبد الفتاح إسماعيل الأمين العام للجنة وقرّرت، على عادة النظم (الديموقراطية) المرتبطة بالسوفييت، تحميل الرئيس سالمين المسئولية عن اغتيال رئيس الدولة الشقيقة، ومن ثم راوغت الرئيس فدعت إلى اجتماع المكتب السياسي فذهب سالمين ولم يجد أحدا فقد أجلوا موعد الاجتماع دون إخطاره وكأنهم يوحون له بالقرار الذي اتخذوه ثم أرسلوا إليه ثلاثة من الوزراء هم وزير الدفاع علي عنتر ووزير الداخلية صالح مصلح ووزير الخارجية محمد صالح مصيلح فحاوروه ما بين العاشرة مساء والحادية والنصف صباحا وحاول حرس الرئيس أن يُشجعه على أخد الوزراء كرهائن لكن الرئيس قال إنه أعطاهم استقالته وطلب السفر إلى الصين .
ومع هذا فقد كان لابد لمظاهر الانقلابات العسكرية أن تفرض حضورها السينمائي ففي الثانية بعد منتصف الليل أُطلقت النيران وقُطع التيار الكهربي وأُطلقت قذائف المدفعية ومن باب الخداع نودي على الجنود (الذين جمعوا للمشاركة في الانقلاب من دون أن يعرفوا حقيقته كما هي العادة ) أن يهجموا على الحرس الجمهوري على أنهم غُزاة قدموا للهجوم على الرئيس الشرعي بإنزال جوي. وبدأ القصف الجوي ومن الزوارق البحرية . واستمرت المعركة حتى ظهر اليوم التالي فتغيرت قيادة المهاجمين واستأنفوا القصف وتفجير الخزائن وكما استمر تنفيذ كل ما هو منقول عن الأفلام الأمريكية المسماة بأفلام الرعب.. وهكذا كانت مُعظم الانقلابات العسكرية في ذلك الوقت تتم من عسكر على عسكر .
وقد قُتل عبد الله الصبيحي قائد الحرس وسبعة جنود في هذه المعركة وواصل الحرس الجمهوري المقاومة لكن الرئيس قرر الاستسلام ونزل بنفسه عبر نفق المجاري للقوات المهاجمة وسمح لهم بتفتيشه وأخذوا معه بعض ضباطه كان منهم محمد سعيد عبد الله المرقشي الملقب بالحزب الذي روى التفاصيل ونقلتها عنه مجلة عدن الغد (26 يونيو 2014) تحت عنوان “قصة مقتل سالمين: اللحظات الأخيرة”، وبالإضافة إلى هذا الراوي الذي نجا، فقد كان هناك أربعة ضباط أعدموا مع الرئيس سالمين مباشرة بدون محاكمة ولا مقابلة علي عنتر كما طلب الرئيس. ويقول المرتشي إن الذي نفذ حكم الإعدام في الرئيس كان هو عضو المكتب السياسي (ع ش ه ) الذي كان على خلاف مع الرئيس سالمين منذ زمن.
ويؤكد المرقشي أن كل أعضاء المكتب السياسي لم يحضروا محاكمة ولم يعقدوا محاكمة وأنهم لم يقابلوا الرئيس سالمين ولا جرؤوا على هذا وإنما بقوا في منزل الرئيس علي ناصر محمد حتى صباح 27 يونيو 1978. روى المرقشي عن واحد من الضباط الذين حضروا إعدام سالمين أن ع ش ه عندما صوّب بندقيته الكلاشينكوف إلى صدر سالمين قال له قبل أن يضغط على الزناد: عشر سنوات يا ربيع تأكلها بارد واليوم ستأكلها حامي فرد عليه الرئيس بشجاعة نادرة قائلا: اليوم صدورنا وغدا صدوركم فقد فتحتم بابا يصعب عليكم إغلاقه، ويُشير الراوي أن هذا القاتل قُتل في 13 يناير 1986.
نأتي إلى ما هو شائع في الفلكلور السياسي العربي: فمن الشائع أن رئيس اليمن الثالث وهو الرئيس إبراهيم الحمدي الذي حكم اليمن الشمالي بانقلاب أبيض (على القاضي الأرياني) منذ يونيو 1974 وحتى أكتوبر 1977 قد اغتيل بسبب توجهه نحو اليمن الجنوبي والوحدة معه والاتجاه للاشتراكية بينما كان التصميم الغربي قد وصّف اليمن الشمالي وصنفها كعازل ضد الاشتراكية فلما جاء الرئيس الحمدي بهذا التوجه تم اغتياله بانقلاب، وقد خلفه قائد الانقلاب الذي هو أحمد حسن الغشمي (1938 ـ 1978) الذي كان لا بد أن يُغتال ثأرا للحمدي، وهو ما حدث بالفعل في يونيو 1978 أي بعد تسعة أشهر من تسلّمه السلطة بالانقلاب على الحمدي، وقد وصف الغشمي بأنه سعودي الهوى غربي التوجه ومن ثم كان لابد من قتل الغشمي، وهو ما تم بالفعل بحرفية عالية جعلت أصابع الاتهام تتجه في الوقت ذاته إلى اليمن الجنوبية ورئيسها الرئيس سالم ربيع علي وكأنه هو الذي قتل الغشمي الذي كان قد قتل صديقه الحمدي.بيد أن المفاجأة الاستراتيجية أن الذين قتلوا الرئيس سالم ربيع علي لم يكونوا من مذهب الغشمي سعوديين ولا غربيين لكنهم كانوا ماركسيين.
وهكذا نرى مدى المراهقة الفكرية التي طوّرها الغرب في خدمة أهدافه مع موقف غير مفهوم من الاتحاد السوفييتي الذي كانت قيادته في ذلك الوقت تعاني من شبه غيبوبة أو من الترهل على أقل تقدير، على أننا نستطيع مع كل هذا أن نكتشف بوضوح أن السياستين السعودية والمصرية كانتا لا تزالان تعانيان من الفشل ومن الغياب ومن التخبط وكانتا في بعض الأحيان تجمعان هذه العناصر الثلاثة الفشل والغياب والتخبط بما يسهّل اتهام أيهما بالمسئولية عن أي فعل غير أخلاقي حتى لو لم تكن أيهما قد شاركت فيه.
وعلى الرغم من أن الرئيس سالم ربيع علي كان انقلابيا، وكان يساريا مؤذيا للهوية والقيم الاجتماعية فإنه يحظى بسمعة طيبة فيما يتعلق بتصرفاته المالية، فقد كان حريصا على النزاهة في زمن كان بعض قادته لا يزال حريصا على النزاهة، يروى أن الرئيس سالم ربيع علي كان قد بدأ انفتاحا سياسيا على الطريقة الغربية وأنه كان التقى بعضو الكونجرس الأمريكي الشهير بول فندلي فكان هذا من أسباب غضب إسرائيل عليه، وهو غضب سرعان ما يظهر أثره.
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا