كان الرئيس لطفي الحفار (1885 ـ 1968) ثاني اثنين من الكفاءات الاقتصادية الذين لمعوا في الحقبة الليبرالية السورية ووصلوا إلى الوزارة ورياستها، أما الأول فهو الرئيس خالد العظم الذي تولى رياسة الجمهورية أيضا، وقبل هذا، فإنه كان من السياسيين السوريين الوطنيين المجتهدين الذين بذلوا حياتهم من أجل حرية سوريا وتنميتها وسلامتها متنقلا بين هيئاتها السياسية والحزبية.
ولد الرئيس لطفي الحفار في حي الشاغور في دمشق، وبدأت مساهمته السياسية بالمشاركة الفاعلة في تأسيس “جمعية النهضة العربية” من أجل التحرر من العثمانيين في 1906 وهو في العشرين من عمره، ونشر مقالاته في جريدتي “العرب” و”لسان الحال”.
عاد الرئيس لطفي الحفار إلى ممارسة السياسة بعد أن لمع اسمه في التجارة وفي غرفة تجارة دمشق (1922) التي أصبح نائبا لرئيسها، وتولى تأسيس أول صحافة اقتصادية عربية، وعُني في هذه الفترة بدراسة القضايا الجمركية بين سوريا ولبنان، وكان بهذا من طلائع الساسة العرب الذين يُمكن وصفهم بأنهم الخبراء الميدانيون في الاقتصاد السياسي، أي الذين اكتسبوا خبراتهم الاستراتيجية بهذا الجانب من السياسة من خلال ممارستهم للتجارة والتجارة الخارجية والتعامل مع الجمارك والضرائب والسوق الحر والتبادل التجاري والاستيراد والتصدير.
تولى الرئيس لطفي الحفار تنظيم علاقة المجتمع المدني من التجار وأرباب الأعمال بالمجتمع السياسي والقضايا الوطنية على المستويين العلني والسري المتصل بالتبرّعات والإسهامات التي مولت حركات الشباب، وترأس الرئيس لطفي الحفار عددا من المؤتمرات الاقتصادية وعرفه الإنجليز والفرنسيون من آرائه في الاتفاقات الجمركية بين سوريا وفلسطين ولبنان، حيث كانت هذه الاتفاقات مجالا للتفاوض بين مناطق نفوذ إنجلترا وفرنسا.
كان الرئيس لطفي الحفار من مؤسسي حزب الشعب الذي كان قد احتفل بتأسّيسه في 5/6/1925وترأسه الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، وقد شارك مع هذا الحزب في الثورة السورية الكبرى 1925 لكنه حين أعلن المفوض الفرنسي السامي الجنرال جو فنيل مقولته المشهورة “السلم لمن يريد السلم والحرب لمن يريد الحرب” كان من الذين آثروا السلم فانشقّ عن حزب الشعب واشترك في حكومة الرئيس أحمد نامي ضمن ثلاثة من الوزراء الذين أصبحوا بعد ذلك رؤساء للوزارة وهم الرؤساء لطفي الحفار وفارس الخوري وحسني البرازي، بينما بقي في الحزب الدكتور عبد الرحمن الشهبندر الذي كان يدعم الثورة صراحة ويراها ضرورية.
وبهذا بدأ عهد الرئيس لطفي الحفار بالمناصب الوزارية مبكّرا في وزارة أحمد نامي في 5 مايو 1926 وهي الوزارة التي اشترك فيها أيضا فارس الخوري وحسني البرازي، لكن ثلاثتهم اعتقلوا بعد أربعين يوما، ونفتهم السلطة الفرنسية إلى الحسكة ثم إلى لبنان ولم يُفرج عنهم إلا في أوائل 1928. انتقل الرئيس لطفي الحفار إلى عضوية الكتلة الوطنية (1928) وشارك في الجمعية التأسيسية التي وضعت الدستور 1928، فكان عضوا منتخبا فيها. ومارس العمل البرلماني وفاز في الانتخابات البرلمانية خمس مرات 1932 و1936 و1945.
أثبت الحفار نجاحا مُبكّرا في تنفيذ مشروع بيوت دمشق بمياه عين الفيجة، وهو المشروع الذي شارك في إنجاحه زميله فارس الخوري وغرفة تجارة دمشق، وتم تدشينه (1932) بديلا عن مياه نهر بردى الملوثة، وكان هذا المشروع قد بدأ على يد العثمانيين (1906) في عهد الوالي ناظم باشا، وعند تدشين هذا المشروع (1932) أُسندت إدارته إلى الرئيس لطفي الحفار الذي بقي محتفظا بالمسئولية عنه إلى أن قامت الوحدة مع مصر.
في 1938 تولى الرئيس لطفي الحفار وزارة المالية في وزارة جميل مردم بك الأولى، ثم كُلّف بخلافة جميل مردم. وبهذا فإنه تولى رئاسة الوزارة في مرحلة مبكرة من تاريخ سوريا. وقد تولاها لأقل من شهر بل لأقل من ثلاثة أسابيع ما بين 23 فبراير 1939 و13 مارس 1939 خلفا لجميل مردم بك في وزارته الأولى التي طال عهدها ما بين ديسمبر 1936 وفبراير 1939، أما الذي خلفه في رئاسة الوزارة فكان نصوح البخاري.
ثم جاءت أصعب فترات حياة الرئيس لطفي الحفار حين اتهم مع سعد الله الجابري وجميل مردم (وثلاثتهم من رؤساء الوزارة) وكذلك الرئيس شكري القوتلي، بقتل الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، مما اضطرهم للهرب وكان اتهامهم مؤامرة شاركت فيها السلطات، وانتهت بالحكم ببراءتهم في جلسة 7 فبراير 1944 فعادوا إلى سوريا، وفيما بعد رئاسة الوزارة كان هو وزير الداخلية في وزارتي سعد الله الجابري وفارس الخوري وهما الوزارتان القويّتان في عهد الرئيس شكري القوتلي الأول (1943) وبعد ذلك أصبح نائبا لرئيس الوزراء في وزارة جميل مردم.
لما تحوّلت الكتلة إلى الحزب الوطني 1946 كان الرئيس لطفي الحفار أحد مؤسسي ذلك الحزب واختير نائبا لرئيس الحزب ثم رئيسا للحزب (1947). شارك الحفار في عضوية مؤتمر بلودان التي دعت إلى الجامعة العربية في 8 يونيو 1946 وتولى رئاسة اللجنة المكلفة بدراسة الوضع المتردّي في فلسطين، وكان هو ممثل سوريا في مؤتمر الجامعة العربية حول فلسطين في نهاية (1948). كان الرئيس لطفي الحفار مرشحا لرئاسة الجمهورية السورية في 1955، لكنه انسحب لمصلحة الرئيس شكري القوتلي الذي فاز بهذا المنصب بادئا رئاسته الثانية (1955 ـ 1958) التي انتهت مع إعلان الوحدة بين مصر وسوريا.
كان موقف الرئيس لطفي الحفار من الانقلابات العسكرية واضحا ومشرّفا، فقد اعترض على انقلاب الزعيم حسني الزعيم، فما كان من الزعيم حسني الزعيم إلا أن حدّد إقامته أربعين يوما. وفيما بعد سنوات كشفت محاكمات بغداد في 1958 (بعد ثورة عبد الكريم قاسم) قائمة بأسماء السياسيين السوريين الذين انضمّوا سرا إلى الانقلاب على المنقلب الأول حسني الزعيم وكان من بينهم الرئيس هاشم الأتاسي والرئيس لطفي الحفار والرئيس حسن الحكيم والرئيس حسني البرازي وأسعد أطلس. ومن حزب الشعب: الزعيم رشدي الكخيا والرئيس ناظم القدسي والرئيس معروف الدواليبي، ومن الحزب الوطني: الرئيس صبري العسلي.
وتذهب بعض المصادر إلى القول بأن الذي نظم تجميع هؤلاء الزعماء للانقلاب على حسني الزعيم هو السفير العراقي في دمشق الذي اختاره نوري السعيد وهو موسى الشابندر، كما تُشير هذه المصادر إلى أن طائرة عسكرية تقل نوري السعيد قد حطّت في مطار المزة العسكري وهي في طريقها إلى لندن، وكان في استقبال الرئيس نوري السعيد أركان سفارته ومجموعة من الصحفيين والسياسيين، وقد تحدّث إليهم الرئيس نوري السعيد وبشّرهم بقرب تغيير الأوضاع في سوريا.. وهو ما حدث بعد أربعة أيام، حتى إن إعدام الزعيم حسني الزعيم نفسه تم في مطار مزة العسكري.
وفيما بعد الانفصال عن مصر حدثت مجموعة من الانقلابات كان منها انقلاب28 مارس 1962 الذي لم يستمر إلا أياما قليلة لكن هذه الأيام شهدت اعتقالات رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان، ومع هؤلاء الرؤساء ناظم القدسي ولطفي الحفار وخالد العظم ورشدي الكخيا وأودع هؤلاء جميعا سجن المزة وقد آثر الحفار الابتعاد عن الحياة السياسية بعد هذه التجربة الأخيرة في اعتقال 1962. كان الرئيس لطفي الحفار من أبرز الساسة العرب الذين نشروا مذكّراتهم وقد نشرها تحت عنوان: “ذكريات لطفي الحفار” في جزأين. توفي الرئيس لطفي الحفار في 4 فبراير 1968 ودفن في جبل قاسيون.
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا