بدأت معرفتي بتاريخ الدكتور إبراهيم سلامة بداية مشرفة فقد كان حفيده الذي يحمل اسمه وهو السفير إبراهيم جمال سلامة هو الطالب المثالي لكلية الحقوق في جامعة القاهرة حين كان شخصي الضعيف الطالب المثالي للجامعة كلها، وقد جمع هذا الزميل الكريم بين نسبين كريمين فقد كان جده الآخر أي جده لأمه هو فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد محمد الفحام شيخ الجامع الأزهر.
كان الدكتور إبراهيم سلامة خطيبا متميزا، ومحاضرا ذكيا، وقد جمع بين الموهبتين في أحاديثه الإذاعية فأصبح على نحو ما وصفته رائد فن المحاضرة الإذاعية القصيرة، محتلا مكانا متميزا في الصف المتقدم الذي كان يقف فيه الشيخ أحمد حسن الباقوري وعبد الوهاب خلاف ومحمد الصادق عرجون ومحمود شلتوت، وكان قادرا علي الاستحواذ علي ألباب مستمعيه وتلاميذه، بما كان يقدمه في أحاديثه الإذاعية من فهم عميق، وعرض شيق، وبما كان يفيض به من علم غزير، وفهم متجدد لكل القضايا التي كان يتناولها.
وكان الدكتور إبراهيم سلامة قبل هذا واحدا من أبرز أساتذة الأدب العربي في كلية دار العلوم، وكان من أوائل مَنْ شغلوا كرسي أستاذية البلاغة والنقد الأدبي في تلك الكلية التي كانت تتميز عن كليات الآداب بوجود كرسي وقسم مستقل لهذا التخصص، بالإضافة إلى كرسي ثان للدراسات الأدبية، وكان ذا حضور علمي وأكاديمي متصل كما كان ذا حضور ديني أيضا، ذلك كذلك فقد تولي الدكتور إبراهيم سلامة العمادة.
تخرج الدكتور إبراهيم سلامة في كلية دار العلوم (1918) في الدفعة التي ضمت أيضا أستاذين من أشهر أساتذة الأدب هما الأستاذ أحمد الشايب، والأستاذ مصطفي السقا، كما ضمت أستاذ الفلسفة وعميد دار العلوم الدكتور إبراهيم عبد المجيد اللبان، وشقيقه الأكبر منه الأستاذ سعد اللبان وزير المعارف. وبعد تخرجه بعام عين إبراهيم سلامة مدرسا بمدرسة دمنهور الابتدائية، لكنه لم يعمل بالتدريس، وإنما شارك في الثورة المصرية (1919) خطيبا في المساجد والكنائس والمجتمعات. ثم نقل الدكتور إبراهيم سلامة إلي مدرسة محرم بك بالإسكندرية (1919)، ثم نقل أستاذا بمدرسة المعلمين حتي سنة 1925، واختير بعد ذلك سكرتيرا لمكتب البعثة التعليمية بباريس، ثم وكيلا لمديرها محمد شرارة باشا، و واصل في أثناء عمله دراسة التربية وعلم النفس، لكنه أعيد من بعثته بعد قليل لاتهامه بالاشتغال بالسياسة.
اختير الدكتور إبراهيم سلامة بعد ذلك مفتشا للتعليم بالإسكندرية (1926 ـ 1928)، ثم سافر عضوا في البعثة التعليمية إلى فرنسا وأمضي في بعثته تسع سنوات بفرنسا وسويسرا، حصل فيها علي ليسانس في الآداب من السوربون، ودبلوم معهد جان جاك روسو بجنيف عن رسالة في علم نفس الطفل، وكان موضوعها: «روح التضامن والتعاون في الطفل»، وقد أشار الدكتور محمد عبد الجواد في كتابه «تقويم دار العلوم» إلي أن إبراهيم سلامة أهدي رسالته إلي صاحب السمو الملكي الأمير فاروق أمير الصعيد (في ذلك الوقت) بالصيغة التالية: «هذه رسالة أجريت بحثها علي أطفال سويسريين، أقدمها لأكبر طفل في الدولة».
وقد تمكن الدكتور إبراهيم سلامة في أثناء ذلك من الحصول على أربع شهادات سويسرية في علم النفس التجريبي، وذلك قبل أن يحصل علي دكتوراه الدولة من جامعة باريس مع درجة الامتياز الأولي، بعد تقديم رسالتين بالفرنسية، وقد طبعت هاتان الرسالتان في المطبعة الأميرية بعد استقراره في مصر (1938). بعد عودته من بعثته في سنة 1937 عمل إبراهيم سلامة أستاذا للتربية وعلم النفس والفلسفة بدار العلوم، ثم اختير أستاذا للأدب العربي بدار المعلمين العالية ببغداد (1945)، وبعدها بعام (1946) انتدب مديرا فنيا لمشروع مكافحة الأمية في وزارة الشؤون الاجتماعية. وعندما ضمت دار العلوم إلي جامعة فؤاد الأول (القاهرة) عاد إليها حيث اختير أستاذا للبلاغة والنقد الأدبي، ثم اختير عميدا.
تتمثل قيمة الدكتور إبراهيم سلامة العلمية في أنه نجح في تطعيم الدراسات النقدية والبلاغية باتجاه جديد يعتمد على تراث الفلسفة اليونانية وتطبيقاته النقدية، وبخاصة ما كتبه أرسطو. أما على مستوي الأداء الثقافي والنقدي فقد كان الدكتور إبراهيم سلامة يبدو لتلاميذه ومستمعين وكأنه موسوعة من الثقافات العربية والنفسية. من أهم آثاره كتابه تيارات أدبية من الشرق والغرب، وبلاغة أرسطو بين العرب واليونان. كما قام بترجمة: الخطابة، لأرسطو.
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا