أبدأ بالقول بأن الحديث عن هذه المتاعب مفيد وضروري ومؤمل، أما أن الحديث عن هذه المتاعب مفيد فلأنه يبعثُ بالثقة في نفوس من يُعانون من هذا القاموس رغم فضله الذي لا ننكره، ومفيد أيضاً لأن الميكروسوفت تُجدّدُ نفسها، وسوف تُنجزُ التعديلات المطلوبة إن شاء الله بأسرع مما يتصوّرُ أيُّ إنسان.
وأما أن الحديث ضروري فلأنه يُثري لُغتنا العربية ويُحافظ على ثراء مُتنها، وحيوية فقهها، وجمال صرفها. وأما أن الحديث مؤمل فإن ذلك ينبع مما جرّبتُه على مدى ثلاثين عاماً من التعامل مع الذكاء الصناعي الذي يفتح آفاقاً لا يُمكن للإنسان أن يتصوّرها حين يبدأ بإثارة معنى من المعاني أو ملحوظة من الملحوظات. وسأعمدُ هنا إلى ترتيب بعض المتاعب في نقاط محددة حتى يسهُلَ التعامل معها:
1) من طرائف البرامج المُرتبطة بقاموس الميكروسوفت أنها عندما تُرتّبُ الأعلام التي تبدأ بالهمزة فإنها تعتبر الهمزة ذات الكسرة شيئاً أولى بالتقدّم على الهمزة ذات الفتحة بصرف النظر عن الحرف الثاني في الكلمة وهكذا فإن (إنعام) تأتي في ترتيب الكمبيوتر قبل (أحمد) وهو ما لا نظير له في اللغة ولا قواعدها وقُل مثل هذا في (إسماعيل) قبل (أروى).. وهكذا.
2) تسري هذه القاعدة أيضاً في الكلمات العادية فإذا طلبت من الحاسوب أن يُرتّب لك أسماء بعض الكتب فإنه يضع عنوان (الإسراء) قبل (الأحاديث) وكذلك يضع (الإسلام) قبل (الأدلة).. وهكذا.
3) ربما يقتضي هذا أن نُعيد برْمجة خاصية الترتيب ليفهم الذكاء الصناعي حقيقة مهمة وهي أن همزات القطع لا تتفاضل بالحركة الموجودة عليها.
4) في مقابل هذا فإن ترتيب الكمبيوتر لا يُعامل المَدَّة (التي هي في حقيقتها همزة وألف) على أنها تستحق الترتيب قبل الهمزة (همزة الوصل أو همزة القطع) ومن ثم فإنه لا يضعُ آمال قبل إخلاص أو ابتسام وإنما بعدهما.
5) يفتقد القاموس كلمات عربية جميلة ليست نادرة الاستعمال، ومن ثم فإنه يقترح عليك بدائل بعيدة تماماً عن معناها، من ذلك كلمات: الاستشراف ومشتقاتها، والاستقطابات، والصعر، ومصعرين
6) يبدو أن الكمبيوتر لم يتأهل بعد لمعرفة مشروعية لام التوكيد في بداية الأفعال، ولهذا فإنه يُحارب ألفاظا من قبيل ليعلمون، وليفعلون ويقترح لكل منها بدائل كارثية.
7) هناك مفردات أجنبية كثيرة الاستعمال في الكتابة العربية وقد تمّ تعريبها من عشرات السنين، وتُدْرجها المُعجمات العربية الحديثة في أماكنها من المعجم لكن قاموس الميكروسوفت لا يعترف بها، ومن هذه الكلمات على سبيل المثال: القومسيون، الكومبارس.. إلخ
8) بعض الكلمات التي لا يعتمدها قاموس الميكروسوفت تتعلّق بالوطنية المصرية فمثلاً كلمة (صنافير) يرفضها الكمبيوتر ويقترح عليك أن تقول: تيران وصنابير يعني أنه يشتري الجزر الأولى مزودة بالصنابير.
9) بعض المصطلحات الفلسفية والاجتماعية غائبة تماماً عن قاموس الكمبيوتر: الشوفونية على سبيل المثال.
10) بعض أحياء القاهرة الشهيرة ومدن العرب الكبيرة غائبة تماماً عن القاموس وبالطبع فإنه يقترح لها بدائل كارثية: ألماظة، والخانكة، وإمبابة … وقل مثل هذا في الأسماء العربة لمدن أوربية شهيرة: مونتريه، وكارديف …الخ
11) لا يحتوي القاموس على بعض مفاهيم المعاني الاجتماعية (العامة والدقيقة) من قبيل المدنية بمعنى قريب من معنى الحضارة، ويُحاول أن يُجبرك على أن تجعلها المدينة بمعنى البلد، وهكذا يُفسد النص الذي يتحدث عن المجتمع المدني وعن الحياة المدنية ويتحول إلى حديث عن المحليات.
12) لا يعرف قاموس الميكروسوفت بعض المصطلحات المهمة في القانون والسياسة من قبيل “التعاهدية”
13) لا يعترف القاموس بأسماء وسائل مواصلات شائعة من طراز “الترام”
14) يؤثر قاموس الميكروسوفت أن يُوجّهك نحو بدائل لا معنى لها فإذا دعوتُ الله أن يتغمدني برحمته اقترح عليّ أن يكون الدعاء بالتعميد بالعين المهملة.
15) ليس لقاموس الميكروسوفت خبرة بشطرات الشعر ولا حتى بشطرات الخبز فهو يُنكر هذين النوعين من الشطرات ولا يعترف بالشطرات أصلاً.
16) يُنكر قاموس الميكروسوفت جموع التأنيث لكلمات معروفة تقبل جموع التأنيث فإذا تحدثتُ عن الأغلبيات جمع أغلبية لم يقبلها مني.
لا يؤمن قاموس الميكروسوفت بكل المُشتقات الخاصة بالوفد المصري، فلا يعترف بالوفدي ولا بالوفدية، ولا بالوفديين ولا بالوفديات
17) لا يعترف قاموس الميكروسوفت بالإضافة إلى الهاء فإذا قلت إن هذا النوع موجود بقديمه وجديده رفض النص وأضاف النقطتين ليُحول الهاء إلى تاء تأنيث.
18) لا يعترف قاموس الميكروسوفت بكثير من الكلمات المُشتقة اشتقاقا قياسيا وذلك من قبيل: المدارسة والاستيثاق والارتشاف .
19) لا يعترف قاموس الميكروسوفت بإضافة كثير من الكلمات إلى الكاف والميم الخاصة بالمخاطب، ولهذا فإنه يرفض كلمات من قبيل عبقريتكم، ويُعطيك بديلاً خاطئا، وكذلك يفعل مع الكلمات التي تُضاف إلى الهاء والميم الخاصة بالغائب فلا يعترف بكلمات من قبيل ظهرانيهم ويُحوّلُها تلقائياً إلى ظهران يهم !!، وكذلك يفعل مع بعض الكلمات التي تُضاف إلى نون أو ألف المتكلم من قبيل فقيهنا ويُنكرها تماماً.
20) لا يعترف قاموس الميكروسوفت بأفعال كثيرة الاستعمال من قبيل ينأى ونأسف.
21) لا يؤمن قاموس الميكروسوفت بكل المُشتقات الخاصة بالوفد المصري، فلا يعترف بالوفدي ولا بالوفدية، ولا بالوفديين ولا بالوفديات.
22) إذا لم تكن الكلمة المنسوبة مشهورة بالقدر الكافي فإن قاموس الميكروسوفت لا يعترف بها وإنما يقترح لك بدائل بعيدة عن النسب وعن الأصل معاً.
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا