مثل الأستاذ فاروق خورشيد في عصره واحدا من شخصيات عصور النشاط الذين تهيئ لهم صفاتهم الشخصية وإسهاماتهم الثقافية أن يكونوا ملتقى الأفئدة، وقد أتاحت له حياته العريضة التي تقلب فيها بين كثير من المواقع الثقافية والإعلامية نسيجا عريضا من الصداقات والزمالات وعارفي الفضل، وهو ما مكنه على سبيل المثال من رياسة اتحاد الكتاب ومن مواقعه الأخرى التي أدى فيها أداء المحب المخلص لأقرانه وتلاميذه، وقد ظل يحتفظ بمكتب كبير في وسط القاهرة كنا نلتقي به فيه به وبأحبائه من طوائف المثقفين.
أما في تاريخ الدراسات الأدبية فيُمثل الأستاذ فاروق خورشيد (1928 ـ 2005) نموذج الأستاذية الحرة التي تعتمد على القدرات الخاصة والمتميزة في الفهم والتحليل والدرس والتحقيق والشرح والتقديم دون أن تلتزم بإطار مدرسة أكاديمية واحدة أو بمنهج وصفي محدد القسمات والمعالم، فهو كالنُقاد الانطباعيين يُقدم ملامح الرُقي والتقدم والارتقاء فيما يجده من النصوص، ويبني على ما يقدمه نموذجا جديرا بالاحترام والفهم والتأصيل. كانت السير الشعبية مجالا رحبا لدراسات ونشاط هذا الأستاذ القادر على التفوق وإثبات الذات. وقد أثبت تفوقه المبكر حين كان من أسبق أبناء جيله حصولا على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب. أما قيمة إسهامه الأدبي فتتمثل في أنه كتب السير الشعبية بطريقة كفلت جذب الجيل الجديد إلى تراث القص العربي، وأبرزها سيرة سيف بن ذي يزن، وعلي الزيبق، والأميرة ذات الهمة، وقد لاقت هذه السير رواجاً شعبياً كبيراً لدى صدورها، وأعاد خورشيد بعد ذلك تقديمها في مسلسلات درامية إذاعية. كما قدمها في قصص للأطفال وبهذا وظف السير في أربعة محاور متوازية خدم بعضها البعض.
نجح فاروق خورشيد في أن يضفّر همومنا المعاصرة مع ما احتوته السير القديمة من وقائع وأحداث. فسيف بن ذي يزن يغامر بحثاً عن المعرفة والخبرة وصولاً إلى إدراك العالم من حوله من خلال أحداث مقتبسة عن السيرة وشخصياتها والاختلاف واضح بين نص السيرة ونص الرواية، لا تغني صياغة فاروق خورشيد للسيرة الشعبية في الشكل الروائي المعاصر عن النص الأصلي للسيرة، بيد أنها قدمت شكلاً جديداً يحمل مضامين وتقنيات روائية معاصرة، إذ استغل فاروق خورشيد محتوى المغامرات فجعلها تبدو وكأنها جزء من حلم كبير، أو أضغاث أحلام ،أو في بعض مراحلها الكثيرة نوعاً من الكابوس بحيث تصلح كتفسير نفسي لما ترتب على هروب منية النفوس بابنها من الملك سيف. ومن خلال هذا الحلم تتكشف بعض المعارف التي يسعى الملك سيف مدفوعا بحب الاستطلاع لمعرفتها. وقد مكنت هذه التقنية الروائية من تلبية حاجة قارئ السيرة إلى المعرفة المتحصلة عن طريق المغامرة.
بدأ الأستاذ فاروق خورشيد حياته العلمية في رحاب كلية الآداب جامعة القاهرة التي تخرج في قسم اللغة العربية فيها (1950) وقد ربطته علاقة وثيقة بأستاذه الشيخ أمين الخولي الذي كان يشغل أُستاذية كرسي الأدب المصري، كما ربطته علاقة وثيقة بأستاذه الدكتور عبد الحميد يونس أول أستاذ للأدب الشعبي. وقد تطورت علاقة الأستاذ فاروق خورشيد بالشيخ أمين الخولي إلى إسهامه البارز في تأسيس جماعة الأُمناء ونشاطها الطليعي وقد شغل عضوية مجلس إدارتها ما بين 1954 و1957. كما ربطته علاقة ثالثة لا تقل أهمية بالأستاذ محمد فريد أبو حديد وكان يده اليمنى في التطوير الذي شهدته مجلة الثقافة في أعدادها الخمسة الأخيرة (1952) قبل أن تحتجب.
كان الأستاذ فاروق خورشيد عضوا مؤسسا في مجلس إدارة الجمعية الأدبية المصرية (1950 ـ 1972) وكان أبرز أبناء جيله وأصدقائه قُدرة على التنظيم، وقد ضم هذا الجيل الشاعر صلاح عبد الصبور والدكاترة عز الدين إسماعيل وعبد الغفار مكاوي وأحمد كمال زكي ومحمد عوني عبد الرؤوف ومحمود ذهني وعبد العزيز الدالي وقد ظلوا أصدقاء له حتى آخر حياتهم.
عمل فاروق خورشيد بالتدريس ثم انتقل للعمل في إدارة الإذاعة المدرسية في وزارة المعارف ثم انتقل إلى الإذاعة المصرية مذيعا وتدرج في مناصبها كبيرا للمذيعين، ومديرا لإذاعة الشرق الأوسط لكنه أُبعد من منصبه المتقدم في الإذاعة في إطار الخلافات السياسية وقد آثر الاستقالة من وظائف الحكومة مع بقاء صلة بالجامعة أستاذا منتدبا في أكثر من فرع من فروع الدراسات الأدبية وعمل أستاذا للأدب الشعبي بالمعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون، كما انتدب أستاذا للأدب الشعبي ومناهج البحث والقصة المعاصرة والدراسات الإعلامية في الجامعات والمعاهد العليا في اليمن والعراق والكويت.. كان الأستاذ فاروق خورشيد مقرراً للجنة الفنون الشعبية بالمجلس الأعلى للثقافة.
أُتيح لفاروق خورشيد كثير من التقدير الذي يستحق، وقد توجه بأن نال جائزة الدولة التقديرية في الآداب (1989) كما نال جائزة جامعة المنيا لأحسن روائي عام 1984 ودرع جامعة صنعاء عام 1985 ودرع فرقة الأصدقاء المسرحية بالخرطوم ودرع الاتحاد العام للصحافيين العرب 1996 والشهادة الذهبية لأحسن كاتب من مهرجان القاهرة الثالث للإذاعة والتلفزيون عام 1997، وكان مرشحاً لجائزة مبارك قبل وفاته. انتخب رئيسا لاتحاد الكُتٌاب (1997 ـ 1999) وظل طوال فترة رئاسته للاتحاد ملتزما برفض التطبيع الثقافي مع إسرائيل.
مؤلفاته الروائية:
– سيف بن ذي يزن (في جزأين)
– مغامرات سيف بن ذي يزن (في جزأين)
وقد نال عن هذه الأجزاء الأربعة جائزة الدولة التشجيعية في الأدب 1964
– “على الزيبق وملاعيب علي الزيبق” 1980
– «إنها تجري إلى البحر»
– «البحر ليس بملآن»
وقد نشرت هاتان الروايتان في كتاب واحد
– «خمسة وسادسهم»
– «حفنة من الرجال”
– «على الأرض السلام»
– «الزهراء في مكة
– «الزمن الميت»
المجموعات القصصية
– «الكل باطل»
– «القرصان والتنين»
– «المثلث الدامي»
– «كل الأنهار»
– «زهرة السلوان»
الدراسات الأدبية
– «محمد في الأدب المعاصر»
– «الرواية العربية وعصر التجميع»
– «في الأصول الأولى للرواية العربية»
– «في الرواية العربية المعاصرة»
– «بين الأدب والصحافة»
– «هموم كتاب العصر»
– «مع المازني»
في الدراسات الشعبية
– «فن كتابة السيرة الشعبية»
– «أدب السيرة الشعبية»
– “فن السير الشعبية (بالاشتراك مع محمود ذهني) 1964
– “أضواء على السير الشعبية” 1967
– «السيرة الشعبية»
– «السيرة الشعبية العربية»
– «عالم الأدب الشعبي العجيب»
– «الجذور الشعبية للمسرح العربي»
– «المجذوب»
المسرحيات
– «حبظلم بظاظا» وقدمت في القاهرة والإسكندرية والخرطوم والمغرب وسورية.
– «رع يغضب»
– «ابن خلدون»
– «أيوب»
أدب الرحلات
– «بلاد السندباد»
في أدب الطفل
– مغامرات في أفريقيا
– مولد بطل
– عبلة والصبي والمقاتل
– السيف والكلمات
– ثورة العبيد
– الفارس والجواد
– ذات الهمة
– الأميرة المنتصرة
– الزير سالم
– مغامرات المهرج قشتمر
– الأميرة ذات الشعور والمارد
– الجني والكلب المسعور
– علي بابا والأربعين حرامي
– معروف الإسكافي
– الجني الطائر
– الجوهرة والملك الطماع
– الخاتم المسحور وملك الجان
– الغراب الأسود والحلم
كما كتب للإذاعة أكثر من 25 مسلسلا إذاعيا وعملا دراميا منها:
– علي الزيبق
– سيف بن ذي يزن
– عنترة بن شداد
– إرم ذات العماد
– أحلام شهرزاد
– أبو حيان التوحيدي
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا