نبدأ بالإشارة إلى أنه مشهور باسم شريف صبري لكن اسمه الحقيقي محمد شريف والسبب في وجود محمد في اسمه المركب على غير المُعتاد في ذلك العصر أنه سُمّيَ تيَمُّناً باسم جده لوالدته محمد شريف باشا المعروف في التاريخ المصري بأنه أبو الدستور والذي تولى رئاسة الوزراء ثلاث مرات.
نردف هذا بتصحيح خطأ شائع هو الاعتقاد في أن زوجته الوحيدة وهي السيدة نائلة ابنة عدلي يكن باشا كانت مثله حفيدة لشريف باشا أبو الدستور، والطريف في هذا التصحيح أنها وإن لم تكن حفيدة لمحمد شريف باشا أبو الدستور ورئيس الوزراء المصري فإنها كانت حفيدة لمحمد شريف باشا الذي كان حاكماً للشام حين كان محمد علي الكبير حاكماً لمصر، وهكذا اجتمعت في ذرية شريف صبري باشا جينات الشريفين، محمد شريف باشا رئيس الوزراء الذي هو جده، ومحمد شريف باشا حاكم الشام الذي هو جد زوجته، أما والد زوجته فهو علي باشا شريف رئيس مجلس شورى النواب. لا نُغادر حديقة الطرافة من دون أن نُشير إلى أن الشريفين كان لهما قصران في شارع واحد ومن هنا سُمّيَ هذا الشارع بشارع الشريفين وهو الشارع الذي يضُمّ الآن مبنى الإذاعة القديم.
كان شريف صبري باشا ابناً لعبد الرحيم باشا صبري مدير المنوفية الذي أصبح وزيراً للزراعة حين قرّر السلطان (الملك) فؤاد أن يتزوج ابنته، لكن شريف صبري باشا نفسه كان مرشّحاً لينال الوزارة عن قريب، ذلك لأنه بعد تخرُّجه في كلية الحقوق (1919) اختير ليكون مديراً لمكتب عدلي باشا يكن رئيس الوزراء (1921) وسرعان ما انتقل إلى وظيفة أهم حيث عين مساعداً للسكرتير العام لمجلس الوزارة وفي يوليو 1923 أصبح مديراً عاماً لمصلحة البلديات في وزارة الداخلية وفي عام 1925 أي في عهد وزارة زيور نقل ليكون سكرتيراً لوزارة الخارجية واستمر في هذا المنصب طيلة 6 سنوات (1925 – 1931) ثم أصبح وكيلاً لوزارة الخارجية طيلة 5 سنوات تالية (1931 – 1936) ونال رتبة الباشوية قبل أن يتوفى الملك فؤاد بشهر في 26 مارس 1936 وقد نالها مع عدد من أقطاب الحياة السياسية والفكرية في مصر، وكأن الله هدى الملك فؤاد ليُتوّجهم الباشوية قبل أن يتوفى، ومن هؤلاء على سبيل المثال مدير الجامعة أحمد لطفي السيد الذي كان الملك فؤاد حريصاً على تأجيل منحه الباشوية.
لما توفي الملك فؤاد كان الملك فاروق دون السن القانونية لتسَلُّم سلطته الدستورية، ومن تم تقرّرَ تشكيل مجلس وصاية، وقد تشكّل هذا المجلس من الأمير محمد علي باشا (الذي هو ابن عم الملك) ومن عزيز عزت باشا (الذي هو زوج عمة الملك) ومن شريف صبري باشا (الذي هو خال الملك) فلمّا تسلم الملك سلطته الدستورية، وتشكل مجلس شيوخ جديد، اختير شريف صبري باشا عضواً في مجلس الشيوخ وبقي مُحتفظاً بهذا المنصب، مؤثراً له على أن يتولّى الوزارة، لكنه مع مُضيِّ الزمن أصبح مُرشّحاً لما هو أكثر من الوزارة وهو رئاسة الوزراء، وهكذا رُشّح لرئاسة الوزراء أكثر من مرة كانت أشهرها في أثناء وزارة صدقي باشا في 1946، وكانت منها المرة التي رُشِّح فيها ليخلف وزارة إبراهيم عبد الهادي في 1949.
كان السبب الرئيسي لاعتذار شريف صبري باشا عن تشكيل الوزارة في 1946 أن الوفد اشترط أن تجري الوزارة الانتخابات، ولم تكن القوى الغربية تريد للوفد أن يعود إلى الحكم، وهو ما كانت الانتخابات ستُسْفِرُ عنه. بالإضافة إلى التفكير في إسناد رئاسة الوزارة إلى شريف صبري باشا فقد كانت علاقته بابن شقيقته جيدة لكنها لم تصل إلى أن تكون ممتازة على وجه العموم، وقد وقف إلى جوار الملك في حادث 4 فبراير 1942.
احتفظ شريف باشا صبري بمكانة متقدمة في الحياة العامة فقد كان مكانه في البروتوكول مُتقدّماً باعتباره حائزاً على لقب صاحب المقام الرفيع الذي كان حصل أيضاً عليه النحاس باشا، محمد محمود باشا وعلي ماهر باشا، وكان، شأنه في هذا شأن حافظ عفيفي وعلي الشمسي باشا، من الذين آثروا العمل في المجال الاقتصادي كرؤساء وأعضاء في مجالس إدارة الشركات المُساهمة ويُذكر له في هذا المجال أنه كان:
– رئيساً لمجلس إدارة الشركة المصرية للإنشاءات والهندسة.
– رئيساً لمجلس إدارة شركة النيل للتأمين.
– رئيساً لمجلس إدارة الشركة المصرية للأعلاف الصناعية الكيماوية.
كما كان نائباً لرئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المصري وشركة فرغلي للاقطان والاستثمار، وكان عضواً في مجالس إدارة شركات: قناة السويس، الشركة العامة للسكر، والشركة المساهمة لمياه القاهرة، الثلج المصرية، أسمنت بورتلاند طره. ومن العجيب أن شريف صبري باشا عاش في هدوء وسكينة بعد قيام ثورة 1952، فلم يكن من الوارد أن يعود ليتولى مجلس الوصاية على الملك أحمد فؤاد الثاني عند عزل ابن شقيقته وبخاصة أن علاقات أخته أي الملكة نازلي كانت متوترة مع ابنها الملك فاروق، ولم يستطع أن يُقنعها بالعدول عمّا مضت فيه من الهجرة من مصر. وإن كان هو قد حافظ على علاقته بالملك.
أما عن مُستوى شريف صبري باشا الثقافي والحضاري فكان مرموقاً بفضل خبراته الدبلوماسية وإجادته اللغات، وقد ظلّ رئيساً للجمعية الجغرافية الملكية من 1946 وحتى 1955 حتى خلفه فيها عميد الجغرافيين الأستاذ مصطفى عامر مدير جامعة الإسكندرية وأول مدير مصري لمصلحة الآثار المصرية، كذلك كان عضواً في المجلس الأعلى لمتحف الفن الإسلامي، وقد رُوي أنه كان أبرز وجوه المجتمع المعروفين بمقاطعة الصحافة تماماً بل فكان أشهر من لا يُدلون بأحاديث للصحافة مهما كانت الظروف، وكان مع ثقافته العامة والعربية كان حريصاً على برجه العاجي رغم ما عرف عن قصة إعجابه بأم كلثوم ومشروع زواجهما، وكان هو نفسه قد عاش بلا زواج منذ توفيت زوجته في 1933 عقب وفاة والدها يكن باشا بشهر. ومن المهم فيما يلي أن نُلخّص نسبه ونسب والدته ونسب أسرته التي لا تزال باقية في الحياة العامة المصرية بأحفاده وأبناء أحفاده المُتعدّدين.
1- أما حماته السيدة زينب نازلي زوجة عدلي يكن باشا فهي كما ذكرنا ليست حفيدة لشريف باشا رئيس الوزراء وإنما هي حفيدة شريف باشا حاكم الشام في عهد محمد علي باشا الكبير وهو في الوقت نفسه عديل محمد علي باشا الكبير أي أنهما متزوجان من أختين:
– محمد علي باشا رأس الأسرة العلوية وحاكم مصر تزوج زينب هانم.
– محمد شريف باشا حاكم الشام تزوج مريم هانم.
2- أما والد السيدة زينب حرم عدلي يكن باشا والمُسماة على اسم خالتها فإنه علي شريف باشا الذي كان رئيساً لمجلس شورى النواب.
3- كانت حماته أي زوجة عدلي باشا الابنة الوحيدة لوالدها ومن العجيب أن عدلي باشا هو الآخر أنجب ابنة واحدة فقط هي نائلة هانم يكن.
4- أما شريف صبري باشا فإنه أنجب من زوجته ابنة عدلي يكن باشا ابنا وابنتين، أما الابن محمد منير فقد عمِلَ مديراً لبنك هانوفر الصناعي وأنجب ابنين وابنة وظل على قيد الحياة حتى توفي في ديسمبر 2003، وأما الابنتان فهما السيدتان زينب نازلي التي تزوجت عز الدين الطاهري وعائشة ملك صبري التي تزوجت المهندس محمد رفعت، والظاهر في أوراقي من نعي الأسرة الذي احتفظتُ به (في أرشيفي) منذ ذلك الحين أن ابنتي شريف باشا صبري كانتا على قيد الحياة حتى 2003.
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا