الرئيسية / المكتبة الصحفية / الفنان عزت أبو عوف وكلمة الحق التي رفعت شأن صاحبها للأبد

الفنان عزت أبو عوف وكلمة الحق التي رفعت شأن صاحبها للأبد


لا شك في أن الفنان عزت أبو عوف كان نموذجا للفنان الأصيل وللفنان الشامل معا، ولهذا السبب فقد كان صادقا في تعبيره عن آرائه الحقيقية بوضوح من دون الدخول في لعبة الحسابات التقليدية التي تنقلب بالفنان إلى مندوب للدعاية أو التلقين في أي نظام شمولي أياً ما كانت توجهات ذلك النظام الشمولي. نشأ الفنان عزت أبو عوف في بيئة تعرف معنى الفن وقيمته ومكانته وضرورته، فقد كان والده عن حق رائدا من رواد التدوين الموسيقي والمتيمين بالموسيقى العربية، بالإضافة إلى كونه ضابطا من ضباط القوات المسلحة المثقفين البارزين، ليس هذا فحسب بل إن عمه الكابتن يوسف كان بطلا من أبطال كرة السلة، وبصفته الرياضية الرائدة وموهبته الإدارية الناجحة تولى رئاسة جهاز الرياضة في السبعينيات ليكون ثاني من تولى المسئولية التنفيذية (أو الوزارية تجاوزا) عن الرياضة.

لن أتحدث اليوم عن تطور وأصالة فن الفنان عزت أبو عوف من الموسيقى إلى التمثيل ثم إلى صورة أخرى من الأداء التعبيري المتميز حين شارك في تقديم بعض البرامج السياسية والعامة، وأرجو الله أن يوفقني لهذا في قابل الأيام، لكني أحب أن أتحدث عن قيمة الكلمة الواحدة التي ترتفع بمكانة صاحبها في تاريخ وطنه فتجعله منتميا للصدق والحق والفهم والإخلاص والوطنية وبعد النظر وتبتعد به عن الضلال والإفك والغباء السياسي والمؤامرة والنفعية وقصر النظر وهو ما وقع فيه أغلب زملائه والعياذ بالله. أعرف أن الرجل تعرض لضغوط لا يطيقها بطل من أجل الخروج بتفسير يقلل من قيمة كلمته التي لا يمكن لماء المحيطات أن يزيل عنها رائحة القول الفصل ونكهة الإخلاص العميق. منذ أكثر من عام كتبت مدونة في مدونات الجزيرة عن أحمد شفيق أبو عوف ودوره، وناقشها بعض من كانوا قد اجتمعوا لغرض آخر في المجلس الأعلى للثقافة، وتطوع واحد من المحبين للظهور بسمت من يعلمون بواطن الأمور فقال إني كتبتها تكريما لموقف الفنان عزت أبو عوف من الانقلاب حين حذر المصريين من ضياع الفرصة في الحياة الكريمة، بعد يومين اتصل بي أحد الأصدقاء حين كان في سفر عابر وسألني: هل هذا صحيح؟ وكعادتي في مثل هذه الأمور فإنني طلبت منه أن يعتبر الأمر كذلك فهو مما يشرف ثلاثتنا: الأب الذي ربى، والفنان الشجاع المتبصر، والكاتب الوفي لأصحاب الصواب، وكانت فرصة لي لأحدث صديقي المحايد عن مشاعري الحقيقية تجاه من لم يقفوا مع الحق على نحو ما وقف عزت أبو عوف. وكان هو حريصا على أن يسمع مالم يسمعه وهو في القاهرة في ظل التلقين المستمر.

رويت لصديقي بكل صراحة ما عبرت عنه في أكثر من مناسبة من أنني جلست إلى نفسي ليلة ٣٠ يونيو أحاول أن أجد لأي من النجوم المغرورين عذرا مقبولا في أن يشاركوا في هذا التآمر على الشعب والوطن، فلم أجد لأي منهم عذرا إلا من باب الحقد الأسود على رجل هين لين سمح مسامح بسيط متواضع، ابتلاه الله بالرياسة من حيث أراد جل جلاله، لكنهم قالوا نحن أحق منه بالملك منه. قلت لصديقي: إني جلست إلى نفسي أتأمل ما سوف يصير إليه حال ومصير هؤلاء الديوك المنتفشين (سريعا وحتما) من ذل الاغتصاب، ومن خزي النخاسة، ومن مهانة الاستعباد، ومن كآبة المنظر، فأستعيذ بالله من سوء المنقلب.

والواقع أني كنت يومها أقول لهم ما أعلمه علم اليقين من أنهم بعد ثلاثة أيام فقط لن يستطيعوا أن يهاتفوا ذلك الجندي البسيط الذي يتذلل لهم الآن واقفا منحنيا على الدوام، ومُنْثَنيا بأكثر من المقام، ولا يجلس بينهم إلا إذا أذنوا له بالجلوس؛ كنت أعلم أنهم بعد ثلاثة أيام فقط سيقولون لي إنهم ضاعوا وضيعوا الوطن والشعب كما قلت لهم. ويؤسفني أن أقول اليوم أنهم جميعا باتوا بالهم والغم والكرب كله بعد بيان ٣ يوليو فقد أيقنوا جميعا (وإن تأخر اعتراف بعضهم حتى الآن) أنهم فقدوا ما يمثله عود الكبريت من القدرة ومن الرمز معا.

أشهد لوجه الله أن أحدا منهم جميعا لم ينكر تحذيري لكنهم في المقابل لم ينتفعوا به وهنا يأتي الدور الذي تنوطه التربية بالفن فإذا لم يكن الفن الذي نتلقاه طوال الليل والنهار قادرا على أن يعلمنا استشراف الحقيقة والانحياز للحق فإنه يفقد أسمي ما في الفن الحقيقي من عناصر التعليم والإلهام والتبصير والموازنة والقدوة، حتى وإن استبقى الفن (السطحي) بعض عناصر الإمتاع والترفيه والتسلية والإضحاك والتسرية.. رحم الله الفنان عزت أبو عوف.

 

 

 

 

 

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة

لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com