الرئيسية / المكتبة الصحفية / محمد فريد أبو حديد.. العبقري الذي سابق الحداثة فلم تسبقه

محمد فريد أبو حديد.. العبقري الذي سابق الحداثة فلم تسبقه

ربما لا يصدق رصف الرائد متعدد الريادات على أحد من الأساتذة الكبار كما يصدق على الأستاذ محمد فريد أبو حديد (1893 ـ 1967) فهو رائد الشعر الحر ورائد المسرح المكتوب بالشعر الحر ورائد الرواية التاريخية ورائد الكتابة للأطفال ورائد الكتابة عن التربية كخبرة خاصة وكقضية عامة، وهو في ريادته الهادئة الهادفة منجز بقدر ما هو مؤسس، وهو أستاذ مباشر للأستاذية حريص على أن يكون هاديا لتلاميذه لا أن يكون الأستاذ الذي يستهدى به تلاميذه عن بعد.

يحتل الأستاذ محمد فريد أبو حديد في جيله مكانة تشبهها المكانة التي وصل إليها الأستاذ عبد الرحمن الشرقاوي في الجيل التالي، وإذا كانت مكانة الشرقاوي قد صادفت موجات مواتية رفعتها إلى القمة فإن مكانة أبو حديد صادفت تقاليد مجتمع كلاسيكي ناهض كان كفيلا بتمكين الموهوبين من المجد الذي يستحقونه، وفي تاريخ الأدب العربي فإن أبو حديد والشرقاوي لا يمكن تجاوزهما كما أنه لا يمكن حصرهما في سياق تصنيفي واحد.

كان الأستاذ محمد فريد أبو حديد واحدا من نجوم خريجي مدرسة المعلمين العليا الذين شاركوا في العمل الجاد في الحركة الوطنية في ثورة 1919 وما قبلها وما بعدها وفي الحياة الثقافية. من هؤلاء النجوم: أحمد زكي ومحمد عوض محمد وعبد الحميد العبادي ومحمد شفيق غربال ومحمد أحمد الغمراوي وأحمد عبد السلام الكرداني وقد اشترك هؤلاء مع أنداد لهم من كلية الحقوق والكليات الأخرى في تأسيس لجنة التأليف والترجمة والنشر، وفي التعاون مع الأستاذ أحمد حسن الزيات في تأسيس مجلة الرسالة، وبعدها في تأسيس وإصدار مجلة الثقافة التي أصبح الأستاذ محمد فريد أبو حديد نفسه ثاني مسئول عنها عندما اعتزل أحمد أمين مسئوليته في رئاسة تحريرها في العام الأخير.


كان والد أبو حديد يعمل في الدائرة السنية، وكان مدير هذه الدائرة هو فريد بك والد الزعيم محمد فريد، وقد سماه باسم الزعيم محمد فريد الذي هو ابن مديره. درس الأستاذ محمد فريد أبو حديد في دمنهور الابتدائية فرأس التين الإسكندرية فالعباسية الثانوية بالقاهرة ومنها حصل على البكالوريوس 1910 ثم نال المعلمين العليا 1914 لكنه لم يكتف بهذه الشهادة العليا وإنما درس الحقوق وتخرج في مدرسة الحقوق 1924 قبل أن تنضم للجامعة.

أصبح الأستاذ محمد فريد أبو حديد من رجال وزارة المعارف المعتمد عليهم منذ مرحلة مبكرة، وقد تولى عددا كبيرا من مسئولياتها التي كانت تخضع لترتيبات بيروقراطية جعلته ينتقل إلى منصب وكيل الوزارة المساعد بعد أن كان قد وصل إلى منصب عميد المعهد العالي للتربية قبل إسماعيل القباني الذي كان وكيلا له في هذا المعهد. وكان اعتماد وزارة المعارف على الأستاذ محمد فريد أبو حديد كثيرا حتى إن الحكومة مدت خدمته عامين بعد بلوغه الستين وقد ظل في هذا المنصب حتى مايو 1955.

في عهد الثورة أعاد الأستاذ محمد فريد أبو حديد إصدار مجلة الثقافة يونيو 1963 وحتى أكتوبر 1965 وذلك بالمواكبة لإعادة إصدار مجلة الرسالة برئاسة تحرير صاحبها الأستاذ أحمد حسن الزيات. أشهر روايات الأستاذ محمد فريد أبو حديد وأعظمها هي “الوعاء المرمري” وقد نالت جائزة الدولة في الأدب عام 1952 قبل رواية محمود تيمور التي فازت بالجائزة عام 1954 وروايتي محمد كامل حسين “قرية ظالمة” و”الثلاثية” اللتين فازتا بالجائزة عام 1957 وهي في رأي الدكتور على عشري زايد أفضل رواياته من حيث السرد أو الإقناع أو الأبعاد الإنسانية العميقة أو اللغة الشاعرية العميقة التي تتطلبها بعض المواقف.

تأتي في الشهرة الموازية للوعاء المرمري روايته الثانية وهي رواية “أنا الشعب” وقد حفلت بانتقاد عصر ما قبل ثورة 1952 على نحو جعل الثورة تتبناها حتى من قبل أن تطغى التوجهات الإيديولوجية التي حكمت تدريس الأدب في العصر الناصري.. ومع هذا فقد استوعب العصر التالي للعصر الناصري تقرير روايته الثالثة في الأهمية “أبو الفوارس عنترة” التي أصدرها عام 1946. فيما قبل هاتين الروايتين كان الأستاذ محمد فريد أبو حديد قد قدم للقارئ العربي مجموعة من الروايات التاريخية الممتازة التي أصبحت فيما بعد بمثابة نموذج متميز للتدريس، وقد تكرر تقرير بعضها بالفعل ككتاب من ذي الموضوع الواحد:
ابنة الملوك 1926
المهلهل سيد ربيعة 1939: نشرت مسلسلة في مجلة الثقافة
الملك الضليل 1940
زنوبيا 1941
جحا في جانبولاد 1944

وبهذه الروايات الثمانية، وروايتين للأطفال وروايتين من السيرة الذاتية يحتفظ الأستاذ محمد فريد أبو حديد بمكانة متقدمة بين الروائيين العرب جميعا. ومن الطريف أيضا أن للأستاذ محمد فريد أبو حديد مجموعة قصصية بعنوان “مع الزمان” نشرها عام 1945.

في أدب الأطفال:
كان هو الذي تولى الإشراف على سلسلة “أدب الأطفال” في دار المعارف المسماة “أولادنا” وأسهم فيها السلسة بقصتين:
– عمرون شاه
– كريم الدين البغدادي

ترجم للأطفال:
– آلة الزمن ويلز
– نبوءة المنجم 1949

في السيرة الذاتية
كان الأستاذ محمد فريد أبو حديد سباقا وقد نشر في 1924 “صحائف من حياة” أو “مذكرات المرحوم محمد” مترجما لمرحلة الصبا من عمره، وتعتبر روايته “أزهار الشوك” التي نشرها 1949 بمثابة سيرة ذاتية.

في المسرح
ننتقل إلى ما يدرسه أساتذة الأدب تحت عنوان الدراما فنجد للأستاذ محمد فريد أبو حديد ريادة مبكرة، ونجده مدافعا صلبا عن الشعر الحر وله مقالات مبكرة في هذا الدفاع في مجلة السفور. وفي 1932 ترجم ملحمة “سهراب ورستم” التي ألفها الشاعر الإنجليزي أرنولد ثم تولى بنفسه تحويلها إلى نص مسرحي بالشعر المرسل، ودرب عليها تلاميذه في مدرسة فاروق الأول الثانوية التي كان يعمل بالتدريس فيها. كان الأستاذ محمد فريد أبو حديد قد بدا تأليفه المسرحي بكتابة تمثيلية “مقتل سيدنا عثمان” (1915) ونشرها 1927 وكتب مسرحية غنائية “وردة” مثلتها فرقة عكاشة و”ميسون الغجرية” 1928 و”خسرو وشيرين ” 1932 و”عبدة الشيطان” 1932 وقد ترجم مسرحية ماكبث لشكسبير 1957.

في محال التربية:
ترجم كتاب دعائم السلام للدكتور كار 1949، وترجم كتاب فن التعليم جلبرت هايت، نشر الأستاذ أبو حديد مقالات صحفية كثيرة، في كثير من المجلات وفي مقدمتها الثقافة، وهو الذي تولى رعاية جيل الجمعية الأدبية المصرية الذي ضم فاروق خورشيد وصلاح عبد الصبور وعز الدين إسماعيل واحمد كمال زكي وعبد الرحمن فهمي ومحمود ذهني ويفاخر كل هؤلاء بأنهم خرجوا من معطف أبو حديد. كان الأستاذ أبو حديد قد اختير عضوا في مجمع اللغة العربية 1946 سابقا بهذا على ثلاثة من الأدباء الذين انتخبوا لعضوية المجمع بعد ذلك لكنهم نالوا التقديرية بعد هذا وهم:
أحمد حسن الزيات الذي انتخب 1949 ونال رابع من نال جائزة الدولة التقديرية.
محمود تيمور الذي انتخب عام 1949 وكان خامس من نال جائزة الدولة التقديرية.
توفيق الحكيم الذي انتخب عام 1954 وكان ثالث من نال التقدير جائزة الدولة التقديرية.

 

 

 

 

 

 

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة

لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com