الرئيسية / المكتبة الصحفية / مقالات الجزيرة / الجزيرة مباشر / عبقرية الطريقة المصرية في كتابة الياء المُوحّدة؟

عبقرية الطريقة المصرية في كتابة الياء المُوحّدة؟

نبدأ بالتعريفات فالمقصود بتعبير الياء الموحدة في حديثنا: الياء التي في آخر الكلمة (فعلاً أو اسما أو حرفاً) والتي يكتُبها المصريون بطريقة موحدة [ى] بدون النُقطتين على حين أن العلماء والمُدقّقين العرب يُفرّقون بين الياء بدون نُقطتين [ى] والتي تُسمّى ياء المقصور والياء بنُقطتين [ي] والتي تُسمّى ياء المنقوص.

من المهم أن نُفصل الآن ما أشرنا إليه في عُجالة حين قُلنا فعلاً أو اسماً أو فعلاً، ذلك أن هذه الحالات موجودة في الصور الثلاث من الكلمة، وليست في الأسماء المقصورة والمنقوصة فحسب، وإن كان علم التعريفات قد اختار لها هذه التسمية الموفقة، وعلى سبيل الإيجاز فإننا نجد حرف [إلى] بياء المقصور بينما حرف [في] بياء المنقوص، كما أن أفعال يتلقى ويتأتى ويتسامى ويشقى بياء المقصور بينما فعل يبنى ويرمى ويجرى ويسرى] بياء المنقوص، بل إن بعض الأفعال المختلفة في البنية الصرفية تتشابه في كتابتها فلا يُميّزها إلا ياء المنقوص وياء المقصور كما في حالة الأفعال اللازمة والمُتعدية من نفس الجذر، وذلك من قبيل يفنى الشيء فناء، ويُفني الإنسان طاقته في العمل إفناء، أو يُفني العاشق أمواله في المتع الدنيوية إفناء المتلذذ.

أما حالات الاسم فظاهرة من التسمية نفسها، فالمقصور من قبيل [مصطفى ومرتضى ومرتجى] أما المنقوص فمن قبيل [مجدي، وحمدي، وصبري، والأسماء التي على وزن اسم الفاعل التي يظن البعض أن حذف الياء من حقها: رامي ووالي وهاني وسامي وغالي] وكل الأسماء المنسوبة والمُنتهية بياء النسب.

تعمّدتُ أن أُعدّد كل هذه الأمثلة لأجلو مدى الحاجة التي يتصور الإملائيون العرب أنها ضرورية للتفريق بين الياءين: ياء المنقوص وياء المقصور، أما عن نفسي فقد قضيتُ عمري كله أكتُب بالياء الموحدة وبها نشرتُ كل كُتُبي التي تربو على المائة كتاب لكنني ما إن التزمت بالكتابة للجزيرة حتى خضعتُ للقواعد المُتّبعة فيها بالتفريق بين ياء المنقوص وياء المقصور، ومع أن هذا الالتزام سهل ويسير، ومع أنه لا يخلو من فائدة، ومع أنه يُتوّج جُهد عقليات حريصة على نوع ذكي ومنطقي من أنواع الكمال، ومع أنه يستحق الاحترام فإنني أراه أولا وقبل كل شيء من باب لزوم ما يلزم، ومن العجيب أنني في النهاية أراه أيضا من قبيل لزوم ما لا يلزم، بل إنني كنت ولا أزال أقترح على المجامع اللغوية بكل أدب أن تتخذ قرارا بأن يتم العُدول عنه تماماً وان تكون الياء موحدة (أي أن تكون على هيئتها المعروفة في آخر الكلمة، وتكون منقوطة في وسط الكلمة) وألا يكون هناك تفريق إملائي بين ياء منقوطة وياء غير منقوطة.

بالطبع فإن عندي أسبابا لهذا الرجاء، لكنني قبل أن أذكر بعضها أحب أن أقول إنها أسباب تتعلق بالذكاء الصناعي بأكثر مما تتعلق بالمنطق الأرسطي، وأفصل القول في هذه المقولة فأقول إن الفصل بين الياءين يُمثل مشكلة بالمنطق الرياضي، حتى وإن بدا هذا الفصل منطقيا حسب المنطق الأرسطي أو الفلسفي.

والآن أزيد القول في هذه الجزئية توضيحا من خلال طرح عدة أسئلة تسهل الإجابة عليها:
السؤال الأول: ماذا تفعل في ياء المقصور عندما تثني الاسم المقصور؟ ماذا يفعل الكمبيوتر هل يكتبها: مستشفيان وملتقيان ومثويان ومرويان؟ أي يعود فيثبت نقطتي الياء! أم أنه يكتبها على النحو الذي تقتضيه ياء المقصور بحذف النقطتين فتأتي صورتها الإملائية أو الطباعية على هذا النحو الذي لن تستريح حينما تراه الآن وهو وضع شاذ حتى إنني أخشى أن يُصححه المدقق أو المسئول عن قسم الجمع التصويري: مستشفىان، وملتقىان، مثوىان، مروىان؟ بالطبع لا يمكن لنا أن نتصور أن يحدث هذا، بل ليس هناك محل لتصوره مع استقرار الكتابة العربية على إثبات نقطتي ياء المقصور حين يثنى، فليس هناك من يتصور أن نكتب ياء في وسط الكلمة بهذه الطريقة، بينما هي تنطق ياء بلا جدال.

السؤال الثاني: ماذا تفعل في الأفعال حين تتحدث عن الفاعل المثنى ويلحقها الألف والنون، فكيف نكتب عبارة الصديقان يتلقيان الرسائل، ويشقيان بالأخبار السيئة، ويتساميان عن الحقد أو الإنتقام
هل سنكتبها على صيغة خالية من النقط؟: يتلقىان ويشقىان ويتسامىان؟
السؤال الثالث: كيف سنكتب الكلمات التي تتكون من حرف الجر إلى مع الضمائر المتصلة بها التي هي في في محل جر، هل سنكتبها: إليها، وإليه، وإليهم، وإليهما؟ …. أم أننا سنكتبها بصيغة خالية من النقط؟ : إلىها، وإلىه، وإلىهم، وإلىهما؟
هذه أمثلة سريعة بسيطة تبين عن حجم المشكلة عندما يعالجها الذكاء الصناعي الذي يحقق نتائج أفضل وأسرع إذا ما خلصناه من مثل هذه التفاصيل المعوقة للتفكير الطبيعي.

والآن أنتقل بك إلى أصل القصة ببساطة شديدة، ومن الإنصاف أن نشير إلى عبقرية اللغة العربية حين رسمت هذه الياء ياء مع أن بعضها ألف، ونحن نعرف أن كثيرين من المحدثين في البيئات المختلفة كانوا يسعون إلى الاحتفاظ لبعض الكلمات بما يدل على نُطقها بالألف، وذلك على نحو ما يفعل الذين يُصمّمون على كتابة كلمة الموسيقا بالألف، وفي الرسم العثماني نفسه محاولات معروفة لهذا برسم الألف فوق الياء، لكن هذا الحرص (ذاب) أو تم تذويبه بفعل الزمن في ظل الطابع المسيطر على الإملاء العربي والذي يحرص على كتابة النهايات بالياء، تحسّباً منه (بطريقة عميقة من طرق تفكير المخ لذي لم نحط بآلياته حتى الآن) لما تحتاجه عمليات التثنية والإسناد إلى الضمائر والنسب وما إلى هذا كله من العمليات اللغوية المنطقية التي يُدركها العقل البشري من دون مرور بسلالم المنطق الأرسطي العاجزة بنفسها عن فهم منطق اللغة.

لعلي أزيد هذه الفكرة وضوحاً حين أشير إلى حقيقة ملازمة لحقيقة الياء التي تُستدعي حين التثنية وهي أن الألف التي أصلها واو (وليس أصلها ياء) تستعيد الواو عند المضارعة (أي استخدام الفعل بصيغة المضارع) وعند التثنية، وعند إسنادها إلى ضمير متصل على نحو ما نقول، شكا يشكو، والرجلان يشكوان، وشكوت إلى وكيع سوء حظي، كما نقول رنا يرنو وسما يسمو …الخ، أما الياء التي في رمى يرمي فأصلها ياء كما تظهر في المضارع، وبهذا فإن كتابتها بالياء ونطقها بالألف، أو نطقها بالألف وكتابتها بالياء لم يغير من أمر استقبال المخ البشري لها، وهكذا فإن الذكاء الصناعي لا يطلب منا حين نستدعيه إلا أن يقلد المخ البشري بانطلاقاته وعلاقاته وعناصر ذاكرته، ومزاياه التي منها منطق اللغة، ويبدو لي أن هذا الذكاء الصناعي لا يستريح إلى أن نفرض عليه منطق الفلسفة بدلاً من المنطق الأذكى، وهو منطق اللغة الذي أشرت إلى تفوقه البارز كثيرا في كثير من أحاديثي وأشهرها حين ألقيت كلمة حفل استقبالي عضواً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة.

هل أزيدك من الشعر بيتاً فأقول لك إن لوحة مفاتيح أجهزة الماكنتوش تنظر إلى الياء المنقوطة والياء غير المنقوطة على أنهما بديلان من شيء واحد فتجعلهما على نفس المفتاح في لوحة المفاتيح وهو مفتاح حرف D بينما أجهزة الكمبيوتر الشخصية PC تنتهج منهجاً مخالفاً فتجعل لهذه مفتاحا ولتلك مفتاحا آخر، فتضع الياء المهملة على مفتاح حرف N بينما تضع الياء المنقوطة على مفتاح حرف D.

هل أزيدك بيتا ثانيا من الشعر فأقول لك ما هو أهم وهو إن إلغاء التفرقة ستقدم للإملاء العربي، وللكتابة العربية خدمة جليلة تضاف إلى الخدمات التي أتاحها دخول الذكاء الصناعي إلى تكنولوجيا لوحة المفاتيح حين اختصر مفاتيح اللوحة (التي حلت محل صندوق الطباعة) من خانة المئات إلى خانة العشرات فحسب.

 

 

 

 

 

 

 

 

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة

لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com