كان السفير إبراهيم يسري حقوقيا من الذين التحقوا بالسلك الدبلوماسي المصري في عهد سيطرة العسكريين، وارتبط هو نفسه بأحد السفراء العسكريين وهو الوزير أمين هويدي وزير الحربية والدولة فيما بعد، حتى إنه كان ولايزال يعد أبرز فريق أمين هويدي، ووصل إلى ذروة مواقعه الدبلوماسية في العهد الذهبي لأمثاله من أبناء الوطن وهو عهد الدكتور أحمد عصمت عبد المجيد وفي ذلك العهد الذي بدأ في 1984 تولى السفير إبراهيم يسري ملفات مهمة ومواقع مؤثرة، فلما بلغ سن التقاعد عاد إلى القانون، ومارس المحاماة، ولما سمع نداء وطنه للمخلصين من أمثاله لم يتردد في أن يهب ما بقي من حياته لوطنه، طيلة العقد الأخير من هذه الحياة، مقدما ما لم يصل إلى تقديم مثله دبلوماسي آخر من جيله ولا من الأجيال اللاحقة، وهكذا احتفظ لنفسه بمكانة الأيقونة في العمل المتجرد للوطن بينما انغمس بعض أقرانه في سياسات قصيرة النظر أو ثقيلة الظل.
كان السفير إبراهيم يسري من أبناء الريف العصاميين الذين شقوا طريقهم في التعليم بجدية فائقة وجودة سامقة، ولد في قرية السلامون في مركز ههيا في محافظة الشرقية، وحصل على ليسانس الحقوق عام 1956 من جامعة عين شمس، وفي ذلك العام تخرج زميله الوزير عمرو موسى في حقوق القاهرة بينما كان الوزير مفيد شهاب هو أول الدفعة التي تخرجت في حقوق الإسكندرية، عن كان السفير إبراهيم يسري قد تخرج في سن أكبر من سن نظرائه، ثم حصل على الماجستير في العلوم السياسية عام 1961 من جامعة القاهرة، وسجل رسالة لنيل الدكتوراه في كلية الحقوق جامعة القاهرة. وعلى صعيد مواز درس في المعهد العالي للنقد الفني في أكاديمية الفنون، كما درس فن كتابة السيناريو في بيركلي بولاية كاليفورنيا الأميركية.
جهاده الفذ في العمل السياسي والوطني فقد بدأ بعد سنوات من تقاعده، وقد عرف أولا على أنه واحد من أبرز مناصري القضية الفلسطينية، ورافضي التطبيع في مصر، ثم انضم إلى حركة كفاية، والحملة المصرية ضد التوريث
بدأ السفير إبراهيم يسري حياته العملية في المحاماة فور تخرجه، وتقدم للامتحانات المؤهلة للعمل في سلك القضاء والسك الدبلوماسي فاجتاز الامتحانين بنجاح، وتم اختياره للعمل بالنيابة العامة، وبالخارجية، فاختار أن يشق طريقه في العمل الدبلوماسي، وألتحق بالسلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية بدءا من أكتوبر 1957، وتنقل في بعثاتنا لدى كل من العراق ورومانيا وبريطانيا والهند كما تدرج في الوظائف الدبلوماسية حتى أصبح سفيرا لمصر في مدغشقر من 1983 إلى 1987، وفي أثناء ذلك ترأس المحكمة الإدارية لمنظمة الوحدة الأفريقية من 1983 إلى 1985 ثم اختير ليكون مديرا عاما للإدارة القانونية والمعاهدات بالوزارة (بدرجة سفير ) من 1987 إلى 1990، ثم سفيرا لمصر في الجزائر من 1990 إلى 1994، ثم رقي إلى أعلى درجات السلك الدبلوماسي وهي السفير من الدرجة الممتازة، وعمل بالديوان العام في وزارة الخارجية في الموقع الذي عرف بأنه مساعد وزير الخارجية للقانون الدولي والمعاهدات.
على المستوى القومي ارتبط نشاطه الدبلوماسي بمجال البحث العلمي، وكان السفير إبراهيم يسري قد شغل عضوية اللجنة القومية للبحار من 1980 إلى 1982، كما كان عضوا في لجنة قانون البحث العلمي. وفي ميدان عمله تولى رئاسة لجنة مراجعة الاتفاقيات الدولية لجمهورية مصر العربية، وختم السفير إبراهيم يسري مهمات حياته الدبلوماسية برئاسة اللجنة الفنية في مفاوضات طابا بين مصر وإسرائيل وهي اللجنة التي أعدت شروط التسوية بين الطرفين، كما كان عضوا في اللجنة القومية لطابا ونائبا لرئيس وفد مصر المفاوض في طابا، وكان ممن وقعوا اتفاقية استرداد طابا.
أما جهاده الفذ في العمل السياسي والوطني فقد بدأ بعد سنوات من تقاعده، وقد عرف أولا على أنه واحد من أبرز مناصري القضية الفلسطينية، ورافضي التطبيع في مصر، ثم انضم إلى حركة كفاية، والحملة المصرية ضد التوريث، وعضوية البرلمان الموازي، وشارك في تأسيس حركة النهضة الوطنية التي ضمت كل الأطياف، وكان يستضيف اجتماعاتها في منزله بمنطقة المعادي كل ثلاثة أسابيع .كما كان من مؤسسي جبهة الضمير التي حاولت كبح جمح لجنة الإنقاذ واندفاعها إلى تدمير التجربة الديموقراطية. وقد تمثلت شهرته الأكثر فعالية في أنه كان منسق الحملة الشعبية “لا لنكسة الغاز” وبعد الانقلاب 3 يوليو 2013، قدم السفير الراحل مبادرة لإنهاء التنازع والعودة للشرعية، وتولى رئاسة الجبهة الوطنية المصرية التي أسست في مدينة إسطنبول التركية.
يذكر له التاريخ الوطني جهادا وطنيا من طراز فريد وجاد، وعلى سبيل المثال فإنه:
1– أقام دعواه الشهيرة لإلغاء تصدير الغاز لإسرائيل والتي صدر فيها أولاً حكم محكمة القضاء الإداري ببطلان تصدير الغاز لإسرائيل ثم تم وقف الحكم ثم تم تعديله بحكم المحكمة الإدارية العليا بإلزام الحكومة بمراجعة أسعار تصدير الغاز وفق أسعار السوق العالمية وتأمين احتياجات السوق المحلية أولاً.
2– أقام دعاوى لفتح الشوارع المحيطة بمنزل السفير الإسرائيلي بالمعادي وحول السفارة الأمريكية بجاردن سيتي.
3– أقام دعاوى للسماح بمسيرات المساعدة الإنسانية لغزة بالوصول إلى معبر رفح، ولمنع إقامة السور الفولاذي لحصار غزة، ولمنع إغلاق معبر رفح.
4– رفع دعوى لإلغاء اتفاق ترسيم الحدود الاقتصادية بين مصر وقبرص وأصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها بعدم الاختصاص.
5- أكد في دعواه السابقة أحقية مصر في ثلاثة حقول للغاز، اثنان نهبتهما إسرائيل، والثالث نهبته قبرص، كما طالب ببطلان الاتفاقية التي خولت قبرص البحث في المناطق الهيدروكربونية في المياه الاقتصادية الخالصة لمصر.
6– أقام دعوى بطلان ضد اتفاق الخرطوم الثلاثي بالتنازل لإثيوبيا عن حقوق مصر القانونية والتاريخية في مياه النيل وعدم الاعتراض على تشييد سد النهضة الإثيوبي
7– أقام دعوى بطلان أمام المحكمة الدستورية العليا لإلغاء حكمها السابق في قضية تيران وصنافير والذي انتهى لعدم الاعتداد بجميع الأحكام المتناقضة بشأن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية.
8– قدم طعنا أمام المحكمة الإدارية العليا يطالب بتنفيذ حكم القضاء الإداري بمصرية الجزيرتين.
نال كثيرا من التكريم الذي يستحقه:
– وسام الجمهورية المصري من الطبقة الثانية سنة 1980.
– وسام النظام الوطني من درجة كوماندور من رئيس جمهورية مدغشقر 1987.
– وسام الاستحقاق عن جهده في استعادة طابا.
– حصل على شهادة تقدير من لجنة الحريات بنقابة الصحفيين من أجل دوره في إقامة دعوى منع تصدير الغاز لإسرائيل.
صدر له من الكتب:
رواية “رجل وأربع نساء“.
تطور القانون الإنساني في ملاحقة الجرائم ضد الإنسانية 2014.
أزمة سد النهضة الإثيوبي والمساس بحصة مصر في مياه النيل، 2014.
حتمية تجديد الدبلوماسية العربية في 1997.
غزو علوج الأنجلوساكسون للعراق سنة 2003.
الجوانب القانونية لأزمة جامعة الدول العربية (باللغـة الإنجليزية) سنة 1987.
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا