الرئيسية / المكتبة الصحفية / هكذا كان الرئيس عبد الناصر يُحس بشبابه بين الزعماء العرب

هكذا كان الرئيس عبد الناصر يُحس بشبابه بين الزعماء العرب

إذا تأملّت الوجوه السياسية المُعاصرة للرئيس عبد الناصر أثناء حكمه مصر وتمتّعه بالمجد الإعلامي الكبير الذي صنعته وسائل الإعلام المصري فإنك تستطيع أن تجد بُعدا آخر من أبعاد تضخّم الإحساس بالذات وبالميزة النسبية. فقد كانت الدول العربية المُستقلة في ذلك الزمن تتمتّعُ بحكّام يفوقون عبد الناصر في السن وهكذا كان وجوده شابا بينهم مع مكانة مصر التي يحكمها بالحديد والنار يعطيه إيحاء مضاعفاً بالقوة والعظمة والمُتعة وربما كان من المُفيد ان نتأمل بسُرعة في أعمار الزعماء الذين عاصرهم عبد الناصر وعاصروه: ففي المملكة العربية السعودية كان الملك سعود الذي حكم من 1953 وحتى 1964 من مواليد 1902 ثم كان الملك فيصل الذي حكم من 1964 وحتى 1975 من مواليد 1906. وفي اليمن كان كل الزعماء اليمنيين أكبر من عبد الناصر في السن بما في ذلك المشير عبد الله السلال الذي كان من مواليد 1917 وقد جاءت ثورة العراق بعبد الكريم قاسم المولود في 1916 ثم تبعه عبد السلام عارف المولود في 1920 (وكان هذا من الزعماء النوادر الذين كانوا أصغر من عبد الناصر) لكن الأمور عادت إلى الرئيس عبد الرحمن عارف المولود في 1916 ثم إلى الرئيس احمد حسين البكر المولود في 1914.

في الكويت التي استقلت بينما كان الرئيس عبد الناصر رئيسا للجمهورية كان أول حاكم صادف الرئيس عبد الناصر هو الأمير عبد الله السالم الصباح من مواليد 1895 وقد حكم حتى 1965 ثم خلفه الأمير صباح السالم الصباح من مواليد 1913. وفي سوريا كان الرئيس شكري القوتلي الذي تنازل للرئيس عبد الناصر عن رئاسة الجمهورية العربية المُتحدة وأصبح المواطن العربي الأول فحسب من مواليد 1891 أي أنه كان يكبُر عبد الناصر بأكثر من ربع قرن وكذلك كان الحال في رؤساء الوزراء الذين عاصروه وكانوا من مواليد أخريات القرن التاسع عشر أو أوائل القرن العشرين (عزت النص 1900، سعيد الغزي 1893، صبري العسلي 1903، وناظم القدسي 1906، ومعروف الدواليبي1909، ومأمون الكزبري 1914). بل إن الزعيم أديب الشيشكلي نفسه بكل حيويته كان من مواليد 1909 ولم يكن تاليا لعبد الناصر في الميلاد، لكن الرؤساء والزعماء السوريين الذين جاءوا بعد نجاح حركة البعث في 1963 كانوا يصغرون عبد الناصر فأمين الحافظ من مواليد 1921 ولؤي الأتاسي وكذلك صلاح جديد من مواليد 1926 ونور الدين الأتاسي من مواليد 1929.

في لبنان كان كلّ الرؤساء الذين عاصرهم الرئيس جمال عبد الناصر أكبر منه في السن بسنوات كثيرة فكان الرئيس كميل شمعون من مواليد 1900 والرئيس فؤاد شهاب من مواليد 1902 وحتى الرئيس سليمان فرنجية الذي أدرك عبد الناصر في أسبوعه الأخير وقد كان من مواليد 1909. في ليبيا كان الملك إدريس السنوسي من مواليد 1890 (مثله كمثل الرئيس الفرنسي شارل ديجول) وفي تونس كان الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة من مواليد 1903، وفي المغرب كان الملك محمد الخامس من مواليد 1909 أي أنه كان أكثر الملوك العرب (باستثناء الملك حسين) شبابا وقد توفي فجأة في سن الثانية والخمسين (1961) وهو نفس العمر الذي عاشه الرئيس عبد الناصر فيما بعد، لكن المفاجأة تكررت وتحقّقت بوصول الملك الحسن الثاني المولود في 1930 إلى الحكم في 1961 ليكون أكثر شبابا وقدرة وعزوة من الرئيس عبد الناصر، وكان هذا الملك الحسن الثاني بمثابة أول تهديد حقيقي لمكانة الرئيس عبد الناصر في التجمُعات العربية والإسلامية والإفريقية وهو ما ظهر بوضوح عند استضافته لمؤتمرات القمة العربية والإسلامية والإفريقية بدرجة تفوق ما هو مُتداول عن إمكانات دولته.

وفي فلسطين كان المفتي الحاج أمين الحسيني من مواليد نهاية القرن التاسع عشر 1895 وكان أحمد الشقيري من مواليد 1908 ولم يظهر ياسر عرفات إلا في أواخر عهد عبد الناصر كابن جديد له. في السودان كان الرئيس إسماعيل الأزهري والسياسي القدير محمد أحمد محجوب والرئيس سر الختم والفريق إبراهيم عبود أكبر من الرئيس عبد الناصر وفي العام الذي سبق وفاة عبد الناصر ظهر جعفر النميري من مواليد 1928 ليُصبح مع بومدين والقذافي وياسر عرفات والسوريين بمثابة أبناء عبد الناصر أو الرؤساء الذين يصغُرونه من الرؤساء، وأكبر من هؤلاء بفارق بسيط كان الرئيس الموريتاني الأول مختار ولد دادة 1924- 2003والرئيس اليمني الجنوبي قحطان الشعبي (1923 ـ 1969) الذي أطاح به انقلاب ماركسي ناصريُ القناع. وفي الشهور الأخيرة من عهد عبد الناصر صعد السلطان قابوس إلى عرش سلطنة عمان في 23 يوليو 1970 بينما عاشت عمان في الفترة السابقة تحت حُكم والده الذي كان أكبر من عبد الناصر.

في الجزائر كان الرئيس بن بيلا نفسه (المولود 1916) أكبر من عبد الناصر لكن المفاجأة جاءت مع تولي هواري بومدين المولود في 1932 والذي كانت علاقته بعبد الناصر تخضع للتوتُر المكتوم تماماً، وكانت الأسباب معروفة تماماً. وفي الأردن كان الملك حسين يُحاول أن يُظْهر نفسه في البداية ابنا للرئيس عبد الناصر بحكم فارق السن بينهما فالملك حسين مولود في 1935، وكان الملك حسين نفسه لا يُمانع في أن يروي أنه كان يضع صورة عبد الناصر على مكتب في مواجهة ناظريه.. لكن الرئيس عبد الناصر سرعان ما بدّد هذا الحب الظاهر بكل ما كان مُمكناً له من قُدرة على التبديد والتدمير الذكي.

وعلى سبيل التذكير فإن ثلاثة من الزعماء العرب الذين أدركوا عبد الناصر عاشوا بعده لسن السبعين (هم الثلاثة) في مصادفة نادرة وهم الملكان اللذان كانا يصغرانه: الملك حسين (1935 ـ 2005) والملك الحسن الثاني (1929 ـ 1999) فضلا عن الرئيس حافظ الأسد (1930 ـ 1970) الذي لم ير الرئاسة إلا بوفاة الرئيس عبد الناصر وإن كان قد أدركه كوزير للدفاع. أما الرئيس هوري بومدين 1932- 1978 فإن العمر لم يُسعفه بعد الرئيس عبد الناصر إلا بثمانية أعوام.

 

 

 

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة

لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com