الرئيسية / المكتبة الصحفية / ماذا يقول عميد علماء ضغط الدم عن القاتل الصامت؟

ماذا يقول عميد علماء ضغط الدم عن القاتل الصامت؟

منذ سنوات قليلة نشرت مجلة “اللانست”، وهي أعظم المجلات الطبية عراقة، مقالا مهما للدكتور محمد محسن إبراهيم عميد أساتذة القلب العربي الباحثين في مرض ارتفاع ضغط الدم الشرياني، وقد كتب أستاذنا العالم الجليل مقالته تحت عنوان «ضغط الدم في الأقطار النامية»، وقد حفلت هذه المقالة بما بلوره أستاذنا من خبراته العالية على مدي خمسين عاما في صورة حقائق لا تزال قادرة (بأكثر مما تلاها من التحديث والتعقيب) على رسم الصورة العامة والطبية للمرض في بلادنا.

ويميل أستاذنا الدكتور محمد محسن إبراهيم في تحليله لما أثبتته الدراسات المسحية المتعاقبة إلى أن زيادة انتشار الضغط في الدول النامية ترتبط بأنماط التحضر، وزيادة أعمار السكان، والتغيرات في العادات الغذائية، والضغوط الاجتماعية.

أما العوامل التي يري الدكتور محسن إبراهيم أنها تحول دون التحكم في مرض الضغط فتتمثل في ارتفاع معدلات الأمية، وافتقاد الاتصال بالخدمات الصحية، وسوء العادات الغذائية، والفقر، وارتفاع تكلفة الأدوية المعالجة لمرض ارتفاع الضغط، وهو يشير إلى أن النظام الصحي في العديد من الدول النامية يفتقد إلى الكفاءة بسبب قلة التمويل (والمعونات)، وضعف البنية الأساسية، وقلة الخبرة، ولهذا فإنه يدعو الحكومات والمؤسسات والجمعية الطبية ومؤسسات المجتمع المدني (غير الحكومية)، إلى دعم وتشجيع البرامج الوقائية التي تستهدف زيادة الوعي العام أولا، وإلي رفع مستوي التعليم الطبي ثانيا، وإلى تقليل تعاطي الطعام.                                                             في الوقت نفسه فإن الدكتور محسن إبراهيم ينبه إلى ضرورة وضع نظم صارمة للصناعات الغذائية، بما يتفق مع استراتيجية حفظ صحة الجماهير، كما يدعو أيضا إلى مراجعة سياسات إنتاج الأدوية وإتاحتها، وبخاصة الأدوية الجنسية، وقد أبان الدكتور محسن إبراهيم في مقاله المتميز عن مجموعة من الحقائق العلمية التي أثبتتها دراسات وبحوث علمية شارك هو نفسه في بعضها، وقاد بعضها الآخر، وناقش بعضها الثالث، ومن هذه الحقائق:

(1) أن معدل انتشار مرض الضغط في مصر يعتبر متوسطا (26%) إذا ما قورن بمعدل انتشاره في فنزويلا الذي يبلغ 37%، أو الجزائر حيث يبلغ 35%، على حين يبلغ 24% في الصين، و20% في تايلاند، و17% في إريتريا، مع ملاحظة أن الأرقام مأخوذة من إحصاءات وطنية في سنوات مختلفة، لكنها على العموم تعطي فكرة سريعة.

(2) أن تحليل نسب انتشار المرض ما بين الريف والحضر أثبتت أن الانتشار في الحضر المصري يبلغ 31%، ولا يكاد يصل إلى 20% في الريف المصري، على حين أنه 10% فقط في ريف جنوب إفريقيا، و25% في حضرها، وعلى حين أنه 22% في ريف الصين، و25% في حضرها، وهو ما ينبئ عن أن ظروف الحضر المصري أكثر تأهيلا وجلبا للمرض.

(3) ينبئ تحليل انتشار الضغط على مدي السنوات المتعاقبة عن حقائق كاشفة، فعلي مدي ربع قرن، أي منذ 1988 وحتى 2003، ارتفع المعدل في الهند من 6% فقط إلى 36%، وعلى مدي 11 عاما ارتفع المعدل في تنزانيا من 25% إلى قرابة 40%، وعلى مدي أربعة أعوام من 2003 وحتى 2007 تحرك المعدل في تركيا من قرابة 29% إلى 31.5%، ومن الطريف أن هذا المعدل انخفض في موريشيوس من 15% إلى 12% على مدي 5 سنوات من 1987 وحتى 1992.

(4) عني الدكتور محسن إبراهيم وزملاؤه وتلاميذه بدراسة ثلاثة عوامل مهمة هي: الوعي (بالمرض)، والعلاج (الموجه للمرض)، والتحكم (في انتشار المرض)، وطبقا لمعدلات علمية وجد أن نسبة الوعي بالمرض في مصر 37.5%، وهي أقل من نسبة الوعي في الصين التي تبلغ 44%، أو فيتنام حيث تبلغ 43%، لكنها تتفوق على تنزانيا حيث تبغ 20% فقط.

(5) أما فيما يتعلق بالتعافي بالعلاج فإن النسبة في مصر تكاد تبلغ 24%، وهي بالطبع أقل من الصين التي تبلغ 28%، وفيتنام التي تتجاوز 29%، وإن كانت أعلي من تنزانيا التي تبلغ 10%.                                          (6) وفيما يتعلق بنسبة التحكم في المرض فإن مصر حققت نسبة 8%، وهي نسبة تكاد تقارب نسبة الصين التي تزيد عليها قليلا لكنها لا تصل إلى ما حققته فيتنام التي تخطت رقم الـ 10%.

على أننا نستطيع أن نؤكد على أهمية العناية بمجموعة من العوامل القابلة للعلاج التي تكفل لوطن ما أن يحسّن من نتائج برامجه الطبية فيما يتعلق بالتحكم في مرض الضغط، وفي مقدمة هذه العوامل: علاج زيادة الوزن والسمنة، وزيادة الدهون الحشوية أو البطنية، والتعاطي المفرط أو الزائد لملح الطعام في صوره المختلفة في الطعام، أضف إلى هذا الابتعاد عن الأنماط الغذائية المستحدثة مع ما تمثله من خطورة يعود أصلها إلى الاعتماد على الوجبات عالية الطاقة (أو زائدة السعرات الحرارية والدهون والفركتوز) ـ على حد وصف أطباء التغذية.

فإذا أردنا أن نجيب المريض على سؤاله عن أشياء يستحب له أن يتعاطاها ليعالج الضغط، أو يقلل من مخاطره، أو تلك الأشياء التي يتسبب إهماله لها في إصابته بالضغط، فإننا نذكر إهمال أو قلة تعاطي البوتاسيوم مع ما له من فائدة في تقليل الخطورة، ونقص الفيتامين (D) على وجه الخصوص، ونقص حمض الفوليك.

أما مظاهر الحياة وأنماطها التي تسرع الإصابة بالضغط أو تشجعه على مهاجمة الإنسان، فتشمل الحياة المرفهة الكسولة التي لا يفارق فيها صاحبها كنبته ـ على حد تعبير شباب ثورات الربيع العربي في وصف السلبيين المغرمين بالتنظير وتسميتهم بحزب الكنبة، والوظائف المريحة التي يمكن أن توصف كذلك بأنها الوظائف المسترخية، أو اختزال النشاط الحركي على وجه العموم، وسكني الحضر بكل عيوبها، والتدخين، وتعاطي الكحوليات والاضطرابات أو الانفعالات النفسية.

فإذا أراد القارئ مزيدا من التدقيق في أنماط الحياة والغذاء، فإننا نحذره من زيادة نسبة الدهون، وزيادة الجليسرات الثلاثية، وزيادة مستوي حمض البوليك في الدم، وزيادة تصلب الشرايين، ونقص النوم، وزيادة الفرصة للضوضاء، كما نحذره من بعض العقاقير المسببة لارتفاع ضغط الدم، وهي عقاقير يعرفها الأطباء، ويسألون المرضي عن إصابتهم بالضغط قبل أن يصفوها أو يلجؤوا إلى وصفها.

 

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة

لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com