الرئيسية / المكتبة الصحفية / عدنان المالكي ضابط البعث الذي بمقتله تحطمت قوة خصومه

عدنان المالكي ضابط البعث الذي بمقتله تحطمت قوة خصومه

في التاريخ أمثلة بارزة ونادرة لتحولات تاريخية حادة حدثت عندما ظن القاتل أنه تخلص من الخصم فإذا بالقتيل ينتصر والقاتل يتحطم. لعل قصة اغتيال عدنان المالكي هي أبرز نموذج عربي لهذا الدرس.

يُعدّ عدنان المالكي 1919- 1955 في نظر كثير من الأدبيات التاريخية أبرز ضابط سوري مؤيد لحزب البعث في عصره، ويرى كثير من هؤلاء انه واحد من أهم من وظّفوا الجيش لمصلحة حزب البعث حتى لو لم يكن قد صنف في ذلك الوقت بعثيا، وذلك بحكم الالتزام العسكري المعلن بالابتعاد المفروض عن الحزبية، وهو الابتعاد الذي لم يمنع حالة التحالف التي يمكن لها أن تصف علاقة عدنان المالكي بحزب البعث، من الطريف أن عدنان المالكي لمع في سن مبكرة جدا فهو من مواليد 1919 ومع هذا فإن لمعان اسمه كان قريبا من لمعان أسماء قادة الانقلابات السورية الثلاثة الذين كانوا يكبرونه بعقدين أو عقد من الزمان: حسني الزعيم وسامي الحناوي وأديب الشيشكلي الذين ولدوا في 1897 و1898 و1909 على التوالي، أما هو فقد كان من جيل الضباط الأحرار في مصر، موازيا تماما للمشير عبد الحكيم عامر الذي ولد مثله في 1919 وتخرج مثله في 1939.                                                       لكن عدنان المالكي على غير عادة أنداده المصريين كان لامعا وهو طالب في التعليم العام، حيث كان متفوّقا، ومعروفا بقدراته الذهنية والثقافية، وقد تخرّج في الكلية الحربية بحمص (1939) وعُين مدربا في الكلية العسكرية، واحتك بالفرنسيين، الذين وضعوه تحت الرقابة، وكان من الذين تسلموا المهام العسكرية من الجيش الفرنسي للجيش السوري بعد الاستقلال، وقد سارع للانضمام إلى القوات المحاربة في فلسطين 1948 وأبلى فيها بلاء حسنا، ونجح في احتلال تل كان يشرف على مستعمرة يهودية، كما أسندت إليه قيادة الفوج الثامن الذي تولى فك الحصار عن قوات جيش الإنقاذ العربي في الجبهة اللبنانية، وهو الذي أسس مدرسة صف الضباط السورية، وخرّج أولى دوراتها، كما تولى إدارة دورات عديدة في الكلية العسكرية وكان على الدوام من أبرز ضباط الجيش السوري.

كان اسم عدنان المالكي مرشحا لمستقبل سياسي أو انقلابي في سوريا، فقد كان هو نفسه قد شارك في انقلاب حسني الزعيم (30 مارس 1949) ولما رأى الزعيم حسني الزعيم ضرورة التخلص من وجود بعض ضباط الجيش المؤثرين في العاصمة دمشق، فإن أبرز خطواته في هذا السبيل كانت إبعاد عدنان المالكي إلى فرنسا في دورة تدريبية، وتعيين أديب الشيشكلي ملحقا عسكريا في السعودية، وينسب إلى عدنان المالكي أيضا أنه كان قائدا لانقلاب فاشل في عهد العقيد أديب الشيشكلي، مما أدى إلى اعتقاله وسجنه لأكثر من سبعة أشهر. لكنه عاد إلى الجيش في عهد الرئيس هاشم الأتاسي عند عودة ربيع الديموقراطية (1954) وشغل منذ ذلك الحين وحتى اغتياله منصب معاون رئيس الأركان العامة.

حدثت وفاته الدرامية في 22 أبريل 1955 حين كان يرعى مباراة كرة القدم بين فريق الجيش السوري وخفر السواحل اللبناني، وكان هو في ذلك الوقت معاون رئيس الأركان العامة وهو منصب متقدم في الجيش السوري، وبينما هو في المنصة الرئيسية إذا بجندي سوري من جنود الجيش اسمه يونس عبد الرحيم يُطلق عليه الرصاص ثم يصوب إحدى رصاصاته إلى رأس المالكي ثم يصوب رصاصة على رأسه هو نفسه وينتحر، حظي اسم عدنان المالكي بالتكريم في سوريا كما حظي بالتكريم في مصر في العهود التي كانت علاقة السلطة المصرية مع البعث السوري جيدة، وهكذا بقيت بعض الشوارع مسماة باسمه على عادة الشوارع حين تسمى، ثم يخفت ذكر من سُمّيت بأسمائهم، ومن الطريف أن عددا من نجوم الثقافة والصحافة المصريين كانوا يسكنون شارع عدنان المالكي.

نُسبت المسئولية عن هذا الاغتيال إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي (حزب أنطون سعادة) فكان هذا الاغتيال وعواقبه سببا لكثير من الإجراءات التي ساعدت على تحطيم بنيان ذلك الحزب الذي كان يتمتع بعنفوان لا يختلف ولا يقل عن عنفوان حزب البعث، وقد تطوّرت القضية حتى أصبحت محلا للخلاف بين أنصار حزب البعث وأنصار الحزب السوري القومي الاجتماعي وكان الحزبان في ذلك الوقت في قمة قوتهما السياسية ولياقتهما الفاشية ‘ وقد تركت قضية قتله آثارها العميقة في الصراع السياسي السوري وفي مستقبل القيادات السياسية التقليدية المعاصرة للقضية.
وقد انتهت المحكمة الرسمية التي شكّلها الرئيس صبري العسلي رئيس الوزراء برئاسة عبد الحميد السراج إلى اتهام القوميين السوريين بتنفيذ الاغتيال بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وهكذا استرضى الرئيس صبري العسلي قادة الجيش ونال ثقتهم مما ساعده فيما يروى على أن يشكّل وزارة ثالثة في عهد الرئيس شكري القوتلي الثاني، وكان الموقف من هذه القضية وأحكام القضاء الصادرة فيه أصعب ما واجه الرئيس شكري القوتلي في عهد رئاسته الثانية (1955 ـ 1958) فقد كان تصديقه على الأحكام يجلب له عداوة القوميين السوريين، وإرجاء التصديق يجلب له عداوة البعثيين، لكن الرئيس شكري القوتلي كان من الشجاعة بحيث صدّق على إعدام اثنين وبقاء الثالث في السجن.

ومن الإنصاف أيضا أن نقول إن الرئيس شكري القوتلي وقف ضد رد فعل البعث الديكتاتورية المبكرة على اغتيال عدنان المالكي على يد أعضاء من الحزب السوري القومي الاجتماعي، ومارس الرئيس شكري القوتلي بذكاء سلطة الدولة في مواجهة قوتين قادرتين على الحشود الفاشية بكل خطورتها، وهما البعث السوري والقومي الاجتماعي فضلا عن الجيش القابل للتحالف مع إحدى القوتين ضد الديموقراطية، وقد كان الرئيس شكري القوتلي هو من استطاع أن يستصدر قرار حل الحزب السوري القومي الاجتماعي واعتقال قادته، وهو من فصل الضباط الموالين لذلك الحزب في القوات المسلّحة. كما استطاع نزع الفتيل الاستقطابي في قضية التصديق على الأحكام الصادرة بحق المتهمين باغتيال عدنان المالكي، وهو استقطاب وصل إلى التهديد السافر بالانقلاب العسكري وباغتيال الرئيس شكري القوتلي نفسه.

 

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة

لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com