قصائده وهي قصيدته عن الجامعة العربية التي غنتها السيدة أم كلثوم والتي تُنسب في أذهان كثيرين إلى الشاعر علي الجارم، عليهما رحمة الله وفي هذه القصيدة يقول:
زهر الربيع يرى أم سادة نجب / وروضة أينعت أم حفلة عجب
تجمّع الشرق فيها فهو مؤتلف / كالعقد يلمع فيه الدرّ والذهب
كفاه أن يد الفاروق تنظمه / وأنه أمل للشرق مرتقب
بني العروبة هذا القصر كعبتنا / وليس فيه من الحجاج مغترب
عجبت للنيل يطفي كل ذي لهب / يكاد من لفحات الشوق يلتهب
حياكم وهو جذلان وقال لكم / إنّ العروبة فيما بيننا نسب
هذي يدي عن بني مصر تصافحكم / فصافحوها تصافح نفسها العرب
محمد الأسمر واحد من الشعراء الكبار الذين لم يمتد بهم العُمر إذ توفى إثر عملية جراحية وهو في السادسة والخمسين من عمره، من الجدير بالذكر أن الشاعر محمود أبو الوفا ولد مثله 1900 لكنه عاش حتى 1979 وكذلك ولد الشاعر العراقي الكبير الجواهري 1900 لكنه عاش حتى 1997. ولد الشاعر محمد الأسمر في مدينة دمياط في 6 نوفمبر سنة 1900، أما لقبه الأسمر فيرجع إلى أحد المتصوفة الصالحين الذين قدموا من مراكش إلى دمياط وكان اسمه فاتح بن عثمان الأسمر التكرورى، وقد أطنب المؤرخ المقريزى في ذكر شمائله. وهو نفسه المعروف عند أهل دمياط باسم “أبى المعاطى ” لكثرة عطاياه وبركاته.
عمل في مطلع حياته الباكرة ( 1914 ) مُدرسا في مدرسة الحمزاوي الأهلية التي كان قد تعلم فيها لكنه آثر أن يترك التدريس وأن يعمل كاتبا في متجر في رأس البر لمدة ثلاثة شهور، ثم التحق بمعهد دمياط الديني وهو في الخامسة عشرة من عمره، واجتاز سنوات الدراسة فيه والتحق بمدرسة القضاء الشرعي، وفيها زامل الشاعر الكبير محمود غنيم (المولود في 1902) فلما ألغت الدولة مدرسة القضاء الشرعي وخيٌرت تلامذتها بين البقاء فيها حتى يتخرجوا أو الانتقال إلى دار العلوم أو الأزهر آثر هو أن يلتحق بالأزهر على حين انتقل زملاء له إلى دار العلوم. وفي أثناء دراسته عمل مصححا بجريدة السياسة التي كان يصدرها حزب الأحرار واستمر ثلاث سنوات يجمع بين الدراسة في الأزهر والعمل بالجريدة.
تخرج الشاعر الأسمر في الأزهر 1930 حاملا شهادة العالمية النظامية، في دفعة من أخريات دفعات النظام القديم، وعين كاتبا بالأزهر ثم أمينا لمحفوظات الإدارة العامة للمعاهد الدينية، ثم ترقى معاونا بمكتبة الأزهر فأمينا لمكتبة المعهد الديني بالإسكندرية مع بقائه بالقاهرة منتدبا للعمل بمكتبة الأزهر ثم أمينا لمكتبة الأزهر وبقي مُحتفظا بعمله فيها حتى توفي في 1956. وانتدب مرتين للعمل بوزارة الداخلية في قسم مراجعة الكتب، لإبداء رأيه فيها من الناحية الدينية والاجتماعية، كما كان رأيه يستطلع في الأفلام السينمائية. وقد هيٌأت له وظيفته هذه الفرصة ليكتب للصحف القاهرية وليشترك في المُجتمعات الأدبية، والمُساجلات الشعرية، وعُرف على أنه واحد من ظُرفاء عصره.
أشرف الأستاذ محمد الأسمر على الصفحة الأدبية في صحيفة الزمان المسائية، وكانت باسم ركن الأدب وقد شهدت هذه الصفحة نشاطا وتنافسا بين الشُعراء العموديين على جوائز مادية قدمتها الصحيفة. ظل الأسمر يكتب لجريدة الأهرام ولغيرها من الصحف، وحين تأسس المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية كان من الشعراء الذين اختيروا لعضوية لجنة الشعر في هذا المجلس. وكان قد اختير مرتين عضوا في لجنة النصوص بالإذاعة، توفي في 7 / 11/ 1956. وأطلقت دمياط اسمه على إحدى مدارسها.
عاش الأسمر عصر التنوير الحقيقي الذي كان الأثرياء فيه يفخرون برعاية الأدب فقد تكفل عيسوي باشا زايد (وهو صهر الدكتور علي مصطفى مشرفه) بأن يُنفق على طبع ديوانه الكبير الذي صدر لحُسن الحظ قبل قيام ثورة 1952، وكان قد أصدر ديوانه تغريدات الصباح 1946 قبل هذا الديوان. وفيما بعد وفاته صدر للأسمر ديوان “بين الأعاصير” وقد كتب مُقدمته صديقه الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي، وقد كان الشيخ مصطفى عبد الرازق أول رعاة الشاعر الأسمر، وقد صدّر ديوانه الكبير برأي للشيخ ورد ضمن رسالة بعث بها إليه:
“صديقي الأستاذ الأسمر: لشعرك تأثير في نفسي أحسبه يفوق ما يفعل الشعر، ذلك أنه فيض نفس أحبها، وقد يكون سحرا ذلك الذي ترسله نغما موسيقيا بسيطا في أسلوب سهل فيسرى في الأرواح ويفجر العواطف خلالها تفجيرا.” وقد أفرد الأسمر بابا مستقلا بديوان الأسمر بعنوان ” الرازقيات” ضمنه تحياته للأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق. كذلك فقد انعقدت بينه وبين أنطون الجميل رئيس تحرير جريدة الأهرام الشاعر عرى الصداقة، فقد أعجب بشعره، وأفسح له صدر جريدة الأهرام لنشر شعره، وقد أفرد الأسمر أيضا من ديوانه بابا مستقلا عنوانه “الجميليات” ضم ثلاث عشرة قصيدة. وقد كتب أنطون باشا الجميل في مقدمة ديوان “تغريدات الصباح”:
“وشعر الأسمر في معظمه مزيج من الحقيقة والخيال، يرتفع الشاعر حينا في جو التصوير فيصور ما يجلوه له الخيال، ويغوص في أعماق النفس حينا فيروى ما يشعر به حسه، ويدرج حينا في عالم الحقائق المجردة فيصف شؤون الحياة كما هي، جميلة أو شوهاء، سعيدة أو مبتئسه، مفترة الثغر أو مقطبة الجبين”، أما السيدة هدى شعراوي فقد أهدى إليها الشاعر الأسمر ديوان “تغريدات الصباح”
عاش الشاعر الأسمر يترقب منيته منذ ما قبل وفاته المبكرة بعامين فأنشد يقول:
بعد الرابعة والخمسين:
هيهات هيهات لستُ اليوم مُتَّبِعاً شيطانَ نفسي، ولا ألقى الشياطينا
أبعدَ خمسين عاماً ثم أربـعـة ألهـو كـمـا كنتُ أيامَ الثلاثينا؟!
هَبْنَا المجانين في ماضِى شيبتنا فـهـل نظلُّ وقـد شبنا مجانينا؟!
وقال لما تخطى الخامسة والخمسين:
خمسون مَرَّتْ ثم خمسٌ لقد ضاق على ما ابتغى وقتى
وليت شعري ما الذي أبتغِى وقد دنت مَرْحلة الموت؟!
وقبيل وفاته قال تحت عنوان “صوت من القبور”:
نهايتنا نحـو هـذا المكـانْ فـراقـب إلهـك في كـل آنْ
ومُـرَّ بدنياك مَـرَّ الكـرام عفيفَ اليدين، عفيفَ اللسان
هو العمرُ في لحظةٍ ينتهـى وما العمر إلا سراب الزمـان
تَزَوَّدْ من الخير قبل الرحيلِ إلينـا وقـبـل فـوات الأوان
في مقطوعة قصيرة بعنوان “الله” يقول الأسمر
قلتُ للسائل عن مَبْــ ـلِغ إيمانى بربّـى
لا أرى التفصيلَ فاسمع للذى يأتِى، وحَسْبِى
أعـرف الله بعـقـلى وأرى الله بقـلبى!!
أعماله المنشورة
– ديوان “تغريدات الصباح”، دار المعارف بالقاهرة.
– “ديوان الأسمر”، دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة.
– “مع المجتمع” كتاب خواطر عن أحوال المجتمع، دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة.
– ديوان “بين الأعاصير”، شركة فن الطباعة
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا