نبدأ الحديث عن الزعيم السوري الرئيس حسني البرازي (1895 ـ 1975) بالإشارة إلى من أسرته رئيس وزراء لاحق به هو ابن عمه الدكتور محسن البرازي (1902 ـ 1949) رئيس الوزراء في عهد الرئيس حسني الزعيم وهو الذي أعدم مع الرئيس الزعيم ، الأكبر كما نرى من التواريخ الواضحة هو الرئيس حسني، وهو الأطول عمرا، وهو الذي وصل إلى رئاسة الوزراء والوزارة قبل محسن، ولنتذكر أن أسبقية الرئيس حسني على الرئيس محسن تأتي متوافقة مع أسبقية حرف الحاء على حرف الميم في الحروف الأبجدية، ومع هذا فإن نجم الدكتور محسن كان أسرع صعودا وأسبق اختفاء.
ولد الرئيس حسني البرازي في أسرة حموية كردية الأصول وتلقى تعليمه في حماة وحلب وإسطنبول ودرس في مدرسة يغلب عليها المدرسون الأتراك فأتقن التركية ثم تلقى دروسا في اللغة العربية على يد أساتذة خصوصيين وأتاح له هذا التعلم المتأخر للغة العربية نضجا في فهمها والتعبير بها. قضى الرئيس حسني البرازي المرحلة الثانوية من دراسته (يسمونها في التركية المدرسة الإعدادية) في تركيا طالبا في المدرسة الإعدادية الداخلية ثم التحق بمعهد (كلية) الحقوق في إسطنبول وأتم دراسته في أربع سنوات وعاد فعاش وعمل في دمشق.
ساهم الرئيس حسني البرازي في الحركة الوطنية والحياة الحزبية فاشترك في كل الأحزاب المعبرة عن الحركة الوطنية وهي (على التوالي): العربية الفتاة، العهد السوري، الاستقلال، الكتلة الوطنية. وفي عهد الملك فيصل عُيٌن متصرفا (محافظا) لحمص لمدة شهور ثم تولى مفتشية عدلية سورية وبوقوع الانتداب الفرنسي أصبح من الساسة الوطنيين المطاردين.
بدأ عهد الرئيس حسني البرازي بالمناصب الوزارية مبكرا ذلك أنه لما توصل الرئيس أحمد نامي إلى تشكيل وزارته الأولى مايو 1926 بالمناصفة بين الوطنيين والائتلافيين كان الرئيس حسني البرازي مع فارس الخوري ولطفي الحفار هم الوزراء الثلاثة الذين مثلوا الكتلة الوطنية وقد اختير هو وزيرا للداخلية، ومن العجيب أن السلطة الفرنسية الغاشمة لم تجد مانعا من أن تعتقل هؤلاء الوزراء الثلاثة وتنفيهم إلى الحسكة وبهذا كان لابد من تشكيل وزارة جديدة بعد أن اعتقل نصف الوزراء، وفي ثالث وزارات الرئيس أحمد نامي نجح الرئيس في التوسط لنقل نفيهم من الحسكة إلى لبنان.
انتخب الرئيس حسني البرازي 1928 عضوا في الجمعية التأسيسية التي تولت وضع دستور 1928 برئاسة هاشم الأتاسي وأصبح كذلك نائبا في مجلس النواب 1928. اختير الرئيس حسني البرازي وزيرا للمعارف في وزارة الشيخ تاج الدين الحسني (1934) ثم أصبح بعد ثمانية أعوام رئيسا للوزراء (إبريل 1942 ـ يناير 1943) في أثناء رئاسة الشيخ تاج الدين الحسني للجمهورية.
ظل محسن البرازي طيلة حياته يُمارس للصحافة وفي 1954 أصدر بالاشتراك مع الأستاذ نذير فنصة (الذي هو عديل حسني الزعيم) جريدة الناس في دمشق وقد صدر عددها الأول 18 يوليو 1954 وصدرت بصفة يومية واستمرت في الصدور حتى 1957 وكان الشاعر بدوي الجبل من كُتٌابها وكذلك النائب فيضي الأتاسي.
لم يكن الرئيس حسني البرازي من المروجين للوحدة مع مصر ولا من المتحمسين لها ولا حتى من القابلين بها، بل كان على علاقة وثيقة بالمتحفظين عليها وقد اتهمه عبد الحميد السراح رجل الرئيس عبد الناصر القوي بالإعداد لانقلاب عسكري، فأقام مضطرا في بيروت، وقد صدر في حقه حكم الإعدام من المحكمة العسكرية، ثم صدر العفو عنه في منتصف الستينات بسبب تقدمه في السن.
يذكر التاريخ السياسي للرئيس حسني البرازي أنه كان أول من اقترح على العرب أن يقبلوا بالمشروع الأمريكي تحويل مجرى نهر الأردن وهو المشروع الذي أوفد الرئيس الأمريكي إيزنهاور مندوبا عنه هو إيريك جونسون لإقناع العرب به وبدأ بلبنان، فلما علم الرئيس حسني البرازي أن جونسون سيفاوض السوريين في هذا الموضوع وأحس بأن الزعماء السوريين سيلجئون (كعادة العرب) إلى المسارعة بالاعتصام بالرفض كتب يقترح عليهم الموافقة حتى لا يضيعوا على سوريا فرصة الإفادة حيث كانت الحكومة الأمريكية تنوي إعطاء الثلثين للعرب والثلث لإسرائيل دون تكلفة على العرب، وقال إن قبول المشروع أفضل من رفضه وحينئذ ستؤخذ المياه دون أن يستفيد العرب منها شيئا.
وقد قرأ ايريك جونسون مقاله، وذهب لزيارته وشرح له تفصيلات أخرى في الموضوع، وحذره من أن العرب إذا لم يقبلوا بالمشروع فسيأتي اليوم الذي يندمون فيه. وقد أعاد البرازي الكتابة في الموضوع راويا زيارة جونسون له، من دون جدوى. وهكذا كان الرئيس حسني البرازي يعبر في صراحة عما كان يُحس بالإحباط من أن ساسة العرب الذين عاصرهم لا يستشعرون مسئوليتهم الحقيقية في قيادة الشارع وإنما يسيرون وراء الدعايات الحماسية.
كان الرئيس حسني البرازي في بيروت في أثناء حكم حسني الزعيم، وكان من المُخطٌطين للانقلاب المبكر على الزعيم حسني الزعيم وابن عمه الدكتور محسن البرازي، فما كان من الزعيم إلا أن استدعاه إلى دمشق على أنه سيعرض عليه منصبا فلمٌا وصل إلى دمشق أمر باعتقاله وإيداعه سجن المزة. وحين قام انقلاب العميد سامي الحناوي على الزعيم حسني الزعيم كان الرئيس حسني البرازي لا يزال محتجزا في سجن المزة بينما كان ابن عمه الدكتور محسن رئيسا للحكومة فإذا بالأمور تنقلب ويتم إعدام محسن في اليوم التالي لقيام الانقلاب (أغسطس 1949).
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا