الرئيسية / المكتبة الصحفية / محسن البرازي.. أول مفكر عربي لكل العصور مثل توماس مور

محسن البرازي.. أول مفكر عربي لكل العصور مثل توماس مور

أبدأ بالإشارة إلى أن الصالونات السياسية تستخدم تعبيرا مختلفا للدلالة على هذا المعنى فتقول صالح لكل المقاسات لتصف الملابس المطاطية التي تصلح لكل الأحجام ولا تتقيد بمقاس واحد، كبعض أنواع الجوارب، أما في الحياة المسرحية والفنية فالأكثر شيوعا هو تعبير رجل لكل العصور، وهو اسم مسرحية للكاتب روبرت بولت عن حياة السير توماس مور، وقد تحولت إلى فيلم عرض في 1966 ففاز بست جوائز أوسكار منها جائزة أفضل فيلم وأفضل ممثل (الذي هو بول سكوفيلد) ومن الطريف أن أورسن ويلز الذي حصل هو الآخر على الأوسكار (عن عمل آخر) كان من أبطال هذا الفيلم.

بعد هذه المقدمة نتناول حياة الدكتور محسن البرازي الذي عُرف في السياسة العربية بأنه السياسي الوحيد الذي عمل مع انقلاب حسني الزعيم من بين الساسة السوريين الذين كانوا موجودين في الوزارة والعمل السياسي قبل الانقلاب، ليس هذا فحسب بل إنه مارس في هذه الفترة القصيرة أدوارا يصعب على أي إنسان أن يجمع بينها في عدة شهور.

ولد الدكتور محسن البرازي في حماة في بداية القرن العشرين 1902 وأُتيح له أن يدرس القانون في فرنسا فحصل على شهادة القانون من جامعة ليون 1930 كما حصل على الدكتوراه من جامعة السوربون. عمل الدكتور محسن البرازي محاميا أستاذا للقانون الدولي في جامعة دمشق، وفي 1933 اشترك الدكتور محسن البرازي مع الرئيس صبري العسلي (رئيس الوزراء السوري فيما بعد) والمفكرين العروبيين قسطنطين زريق، وزكي الإسكوزي في تأسيس جماعة سموها “عصبة العمل القومي”، فيما عرف بمؤتمر قرنايل 1933، وكانت جماعة مناوئة للاستعمار وداعية للتعاون الاقتصادي العربي.

أصبح الرئيس محسن البرازي وزيرا للمعارف في وزارة الرئيس خالد العظم الأولى (ابريل 1941 ـ سبتمبر 1941) وتقرٌب من الرئيس شكري القوتلي في أثناء فترة رئاسته الأولى فعيٌنه مساعدا له ما بين عامي 1943 و1946 وتولى كتابة خُطب الرئيس شكري القوتلي في تلك الفترة، كما كان مستشارا قانونيا له. في مارس 1949 استولى قائد الجيش حسني الزعيم على السلطة مُطيحا بنظام الرئيس شكري القوتلي فكانت المفاجأة الوحيدة أن السياسي السوري الوحيد الذي قبل التعامل مع نظام الانقلاب العسكري كان هو الدكتور محسن البرازي وأصبح مستشارا مُقرٌبا للزعيم على نحو ما كان مستشارا للرئيس شكري لقوتلي. وسرعان ما عيٌنه حسني الزعيم رئيسا للوزراء في 25 يونيو 1949 فأنجز لنظام الانقلاب عدة مهمات.

– أبرزها أنه عقد الاتفاق مع رياض الصلح رئيس وزراء لبنان وتم بهذا الاتفاق تسليم الزعيم اللبناني أنطون سعادة (1904 ـ 1949) حيث أعدم بعد محاكمة سريعة في 8 يوليو 1949 وكان هذا مقابل دعم لبنان لنظام الرئيس الزعيم والموافقة على تعاون اقتصادي طويل الأمد، وانعقدت لهذا الغرض قمة ثنائية بين رئيسي البلدين.. ومن الجدير بالذكر أن هذا التصرف جلب سخط مجموعة الضباط المنتمين إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي على حسني الزعيم ومساهمتهم في إسقاط حكمه بالانقلاب عليه وإعدامه وإعدام الرئيس محسن البرازي معه.
– ثانيهما أنه كانت له علاقاته العربية المميزة في مصرو السعودية والأردن وهي علاقات نمت بحكم قربه من الرئيس القوتلي، وقد وظٌف هذه العلاقات لخدمة الزعيم حسني الزعيم وصورته وصورة انقلابه العسكري.

– الثالثة وهي الأخطر انه كان أول مسئول عربي كبير يجري مفاوضات سرية مع إسرائيل بعد حرب 1948 بهدف عقد معاهدة سلام مع الكيان الصهيوني، بل إنه بحث عقد لقاء قمة بين بن جوريون وحسني الزعيم، كما كانت له اتصالاته بموسى شاريت وزير الخارجية الإسرائيلي المعروف.

قبل أن يتم الدكتور محسن البرازي شهرين في رئاسة الوزراء قام انقلاب سامي الحناوي واقتيد الزعيم حسني الزعيم والرئيس محسن البرازي إلى الإعدام في الساعات الأولى من فجر يوم 14 أغسطس 1949 (أي بعد خمسين يوما من صعوده إلى رئاسة الوزارة)، وكان اختيار توقيت إعدامهما في الفجر مشيرا إلى قرار الثأر لأنطون سعادة. في 31 أكتوبر 1950 قُتل قائد الانقلاب الثاني سامي الحناوي في بيروت على يد محمد البرازي ابن عم محسن البرازي ثأرا له. على يد الدكتور محسن البرازي حدث التحول في الموقف السوري من ترك المحور الهاشمي وسوريا الكبرى والهلال الخصيب إلى محور مصر والسعودية أو على نحو ما يصفه اليساريون التقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا على حساب بريطانيا التي كانت مع فكرة محور الهلال الخصيب.

ومن الطريف أن الدكتور محسن البرازي الحاصل على الدكتوراه من السوربون في سن مُبكٌر 1929 والذي عمل أستاذا للقانون في جامعة دمشق وبدأ مناصبه الوزارية كوزير للمعارف في وزارة خالد العظم الأولى كان يُؤلٌف كتابه عن الشرع الدستوري حين شارك في دعم الانقلاب العسكري الذي قام به الزعيم حسني الزعيم فترك الشرع الدستوري وانضم للمنقلب الأول بل أصبح رئيس وزرائه. كان عديل العميد سامي الحناوي الذي هو الأستاذ محمد أسعد طلس (1913 ـ 1979) يشغل منصب الأمين العام لوزارة الخارجية فتقدٌم بطلب تعويض من الوزارة عن سرقة بيته في طهران أثناء عمله وزيرا مفوضا لكن الخارجية الإيرانية كشفت أنه باع أثاث بيته لإيرانيين حُدٌدت أسماءهم فما كان من الدكتور محسن البرازي إلا أن نقل طلس (الذي هو عديل الحناوي) من الخارجية للتعليم، فأجٌج هذا حقد طلس على محسن البرازي.

وكان من قسوة العسكر أنهم جعلوا خالد ابن الدكتور محسن البرازي يشهد عيانا بيانا إعدام والده بالرصاص وقد روى نذير فنصة عديل حسني الزعيم الذي اعتُقل صبيحة الانقلاب أن الجنود صفعوا الدكتور محسن البرازي على وجهه وهو لا يزال يرتدي البيجاما التي كان نائما بها، فوقع مغشيا عليه أمام ابنه خالد الذي ظل وهو رجل كبير ناجح كلٌما التقى بالأستاذ فنصة يبكي مُتذكرا ذلك اليوم. وذكر الأستاذ فنصة أن الدكتور محسن البرازي كان قد تزوج فتاة فرنسية أنجب منها ابنه خالد ثم طلٌقها بناء على رغبة الأسرة وتزوج مودة الجابري وأنجب منها هادي وبانة وجمانة.

وفي كتاب العقيد محمد معروف: أيام عشتُها 1949 ـ 1969 كثير من التفصيلات عن ذلك اليوم، لخٌص بعضها الأستاذ الأرناؤوط في مقالاته تحت عنوان “من الأرشيف الشخصي لمحسن البرازي”. وقد عاش حرشو البرازي الذي قتل سامي الحناوي ثأرا لمُحسن البرازي ابن عمه حتى 23 ديسمبر 2015 حيث توفي في كاليفورنيا بأمريكا. ويعود الفضل إلى نذير فنصة عديل حسني الزعيم في إذاعة كل هذه الأسرار.

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة

لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com