الرئيسية / المكتبة الصحفية / مقالات الجزيرة / الجزيرة مباشر / الباشا الأباظي الذي استشهد صاحب “الأطلال” بسبب مدحه

الباشا الأباظي الذي استشهد صاحب “الأطلال” بسبب مدحه


عاش إبراهيم الدسوقي أباظة باشا الأشهرالأولى من عمر ثورة 1952 في ضنك وضيق وتعرّض لمضايقات عديدة، وتجاوزات في حقه، مع أنه كان من الساسة الشجعان الذين وقّعوا عريضة المعارضة ضد الملك

نبدأ بالعامل الأبلغ في المجد التاريخي لإبراهيم الدسوقي أباظة باشا 1889- 1953 وهو مجد لم يُرسم حتى الآن على الصورة التي يستحقّها ، ذلك أنه كان الراعي الأول والأخير للشاعر الدكتور إبراهيم ناجي صاحب “الأطلال” الرائعة ، وبسبب هذه الرعاية أوذي الدكتور إبراهيم ناجي في أول عهد الثورة حيث زعم الواشون من باب الزور والإفك الذي كان رجال ثورة 1952  يحبونه ليبرروا به ما كانوا قد شرعوا فيه تجاوزاتهم اللاحقة أن هذا الطبيب العظيم  نال منصب مدير القسم الطبي في مصلحة السكك الحديدية بفضل إعجاب هذا الوزير به،  فقد كان إبراهيم الدسوقي أباظة هو وزير المواصلات في بعض الوزارات التي كان الدستوريون يُشاركون فيها من باب الائتلاف مع السعديين وغيرهم طيلة الأربعينات، وكانت نتيجة الوشاية وشهادة الزور أن فقد الشاعر العظيم وظيفته ، وسرعان ما مات كمدا وحزنا من هذا الظلم غير المبرر وقد مر بأزمة نفسية حادة بسبب هذا قبل أن يموت لكنه كان حريصا على أن يتجلد  . ومن الحق أن نذكر أن ديوان الشاعر الدكتور إبراهيم ناجي حافل بالقصائد التي يُثني فيها على إبراهيم الدسوقي أباظة وعلى أخلاقه وأدبه ووطنيته بل إن مدائح إبراهيم ناجي في إبراهيم الدسوقي أباظة تُمثّل جزءا كاملا من الديوان أو ديوان كاملا من دواوينه وقد سَمّى إبراهيم ناجي نفسه هذه المجموعة بالإبراهيميات.
وسوف نستمتع مع القارئ بإذن الله بقراءة بعض من هذه القصائد.

كان إبراهيم الدسوقي أباظة باشا من هواة الأدب كما كان يمارس الكتابة وقد نشر على مدى حياته كثيرًا من المقالات السياسية الوطنية في الصحف المصرية أحيانا بتوقيع “الغزالي أباظة”، نسبة إلى قريته غزالة، وأحيانا باسم “دسوقي باشا أباظة” لكنه عرف أكثر من هذا وعلى نطاق واسع بحبه للأدب والأدباء، ورعايته لكثير من هؤلاء، وإليه يعود الفضل في تأسيس جماعة شعراء العروبة.
ننتقل إلى المُصادفة الثانية في تاريخ هذا الباشا الوطني وهي أنه رُزق بابنين مشهورين الأول هو الدكتور شامل رجل الاقتصاد وعضو مجلس الشعب المنتخب في 1976الذي تزوّج السيدة صفية ابنة النقراشي باشا ومن ثم فإنه جمع الدستوريين والسعديين في بيت واحد، ومن حق ابنته الدكتورة هدى أباظة أن تتمثل بقول شاعر متحير بين مجدين وإلى أيهما ينسب نفسه.
أما الابن الثاني فهو أشهر من أن يُعرف للقارئ فهو الأستاذ ثروت أباظة الذي أصبح وكيلا لمجلس الشورى في عهد الرئيس مبارك بعدما كان من الأعضاء الأوائل المُعيّنين في هذا المجلس عند تأسيسه في عهد الرئيس السادات، وقد تزوج الأستاذ ثروت أباظة من السيدة عفاف ابنة الشاعر الكبير عزيز أباظة باشا الذي هو أعظم الوجوه الثقافية والفكرية للعائلة.

لا يتوقف حظ هذا الباشا الأباظي عند هذا لكنه يمتد إلى آفاق أخرى لا أكتب فيها.
في تاريخ العائلة الأباظية
كان هذا السياسي الدستوري  البارز ثاني وزير في تاريخ العائلة الأباظية، فقد كانت العائلة الأباظية مشاركة على الدوام في السياسة وكانت حريصة على ألا تحصُر نفسها في حزب واحد أو توجّه واحد، وهكذا كان منها وفديون (كأحمد بك أباظة) ودستوريون (مثله هو ) ووطنيون (فكري باشا أباظة الذي كان أصغر وألمع من إبراهيم دسوقي باشا ) بل وكان من بينها بعض ضباط الثورة (وجيه أباظة) وبعض وزراء الثورة من التكنوقراطيين البارزين (محمد ماهر أباظة) أما الوزير الأباظي الأول فهو سليمان باشا أباظة الذي كان وزيراً للمعارف في عهد الخديو توفيق، في وزارة واحدة هي وزارة إسماعيل راغب باشا 1882التي أعقبت الثورة العرابية  ويحمل اسم سليمان أباظة  شارع في المهندسين ينقل الحركة بين شارع جامعة الدول العربية ونادي الصيد، وأما الأباظي الذي يليه وجودا ويفوقه حضورا في تاريخ الحركة الوطنية فهو إسماعيل أباظة باشا الذي كان من أنصار مصطفى كامل والحزب الوطني ، و كان نداً مُشاكسا لسعد زغلول باشا فيما قبل ثورة 1919 ويحمل اسمه شارع في حي الدواوين في وسط القاهرة وتقع فيه محطة مترو الأنفاق التي تحمل اسم سعد زغلول  وهي المحطة التي جمعت النقيضين فحملت اسم الزعيم و وجدت في الشارع الذي يحملُ اسم غريمه.

ولد إبراهيم الدسوقي أباظة باشا في قرية غزالة بمديرية الشرقية، وتلقى تعليمه في مدرسة الناصرية الابتدائية بالقاهرة ثم في المدرسة الخديوية الثانوية، وتخرج في كلية الحقوق عام 1912.

وشارك مع كثيرين من طلاب المدارس العليا في أنشطة نادي المدارس العليا، الذي كان رئيسه آنذاك عمر لطفي، وكذلك في الحركة التعاونية التي قادها عمر باشا لطفي وبعض زعماء الحزب الوطني.  وكتب في صحف ذلك الحزب، وشارك في المظاهرة الشهيرة التي قام بها طلبة مدرسة الحقوق في 9 نوفمبر 1908
لما قامت الحركة الوطنية بقيادة سعد زغلول في أواخر سنة 1918، تحول إبراهيم الدسوقي أباظة بجهده إلى المشاركة في جهود الوفد مع بعض  شباب الحزب الوطني (شأنه شأن مصطفى النحاس باشا وحافظ عفيفي باشا ) ، واستقال من الحزب الوطني لينضم إلى الوفد، وقد كان من رجال النيابة الذين انضموا إلى لجنة الموظفين في ثورة 1919 لكن عهده بالوفد لم يطل إذ إنه لما  تأسس حزب الأحرار الدستوريين في أواخر عام 1922 انضم إليه ، وقد انتخب في 10 نوفمبر 1922 سكرتيرًا مساعدًا للحزب  وقد انتخب سكرتيرا عاما  لهذا الحزب العتيد في العهد الذي كان رئيسه فيه هو الدكتور محمد حسين هيكل باشا .

انتُخب إبراهيم الدسوقي أباظة باشا عضوا في مجلس النواب المصري عن دائرة بردين، واختير وكيلا لمجلس النواب المصري عام 1934 في عهد الانقلاب الدستوري الذي قاده إسماعيل صدقي.
ثم أوصلته عُضويته في الأحرار الدستوريين إلى عضوية الوزارة، وقد وصلها بعد الدكتور هيكل باشا والشيخ مصطفى عبد الرازق باشا واحمد عبد الغفار باشا، وهكذا جاءت الأربعينيات وهو أحد الأقطاب البارزين في حزب الأحرار الدستوريين، بل ربما كان في مكانة الرجل الثاني في الحزب، وبهذا الانتماء وهذه المكانة شارك في الوزارات التي شارك فيها. وهو نموذج للوزير السياسي الناجح الذي لم يتقيد نجاحه بوزارة معينة فقد تولى الوزارة عشر مرات في تسع وزارات على مدي السنوات (1941 -1949)، أي أنه لم يعمل وزيراً إلا في الأربعينيات، وتولى من الوزارات أربع هي: الشئون الاجتماعية (مرتين متصلتين)، والمواصلات (خمس مرات: ثلاث متواصلة ثم مرتين أخريين)، والأوقاف (مرتين)، والخارجية (مرة واحدة).

بدأ عهده بمناصب الوزارة بعد  أكثر من سنة  من ترشيحه الأول  لها في وزارة محمد محمود باشا  و اعتراض حسن صبري باشا بشدة على هذا الترشيح ، ثم تشكيل  وزارة حسن صبري باشا نفسه لوزارته (التي تشكلت في 27 يونيو 1940)، ثم تشكيل وزارة حسين سري باشا  للوزارة عقب وفاة حسن صبري المفاجئة في نوفمبر 1940  ، وهكذا فإنه لم يصبح وزيرا إلا في أخريات وزارة سري الأولى في 26 يونيو 1941 حيث قضي الأسابيع الخمسة الأخيرة من عمر هذه الوزارة وزيرا للشئون الاجتماعية واحتفظ بالشئون الاجتماعية طيلة وزارة سري باشا الثانية أي حتي حادث 4 فبراير 1942. وبالطبع فقد انقطع عهد إبراهيم الدسوقي أباظة باشا بالوزارة طيلة عهد الوفد. وبعد انتهاء الحرب العالمية أصبح عضوا دائما في الوزارة منذ 8 أكتوبر 1944 وحتى 3 نوفمبر 1949 حين تشكلت وزارة سري المحايدة لإجراء الانتخابات التي مهدت لعودة الوفد، وعلى حين أنه قبل الحرب كان وزيرا للشئون الاجتماعية، فإنه بعد الحرب أصبح وزيرا للمواصلات، ثم للأوقاف ثم الخارجية، وقد توزعت مسئولياته على النحو التالي:

  • تولى وزارة المواصلات في ثلاث وزارات متتالية هي وزارتا أحمد ماهر، ووزارة النقراشي الأولي (أي منذ أكتوبر 1944 وحتى فبراير 1946)، لكنه عند تشكيل وزارة صدقي الثالثة ترك المواصلات ليتولى الأوقاف طيلة عهد تلك الوزارة.
  • فلما شكل النقراشي وزارته الثانية (ديسمبر 1946) عمل طيلة عهدها وزيرا للمواصلات، أي كما كان في وزارة النقراشي الأولي.
  • بهذا يمكن القول إن وزير المواصلات في وزارتي أحمد ماهر وفي وزارتي النقراشي باشا كان رجلاً واحداً فقط هو إبراهيم الدسوقي أباظة، فلم يعرف الرجلان وزيراً غيره للمواصلات.
  • اغتيل النقراشي باشا في ديسمبر 1948 وخلفه إبراهيم باشا عبد الهادي في رئاسة الوزارة فتولي إبراهيم الدسوقي أباظة وزارة الخارجية لأول مرة في حياته وقد احتفظ بها منذ تشكيل الوزارة في 28 ديسمبر وحتى 27 فبراير 1949 حيث عاد لتولي وزارة المواصلات، وعلى حين خرج إبراهيم عبد الهادي من الحكم في يوليو 1949 فإن إبراهيم الدسوقي أباظة استمر وزيراً في الوزارة التالية وهي وزارة سري باشا الثالثة، (يوليو 1949) وكانت وزارة ائتلافية، وقد تولى فيها وزارة الأوقاف طيلة عهدها.
  • وزيرا للمواصلات خمس مرات: مع أحمد ماهر في وزارتيه، ومع النقراشي في وزارتيه، وفي نصف وزارة إبراهيم عبد الهادي
  • وزيرا للشئون الاجتماعية مرتين مع سري باشا في آخر وزارته الأولى وطيلة وزارته الثانية وحتى عودة الوفد للحكم
  • ووزيرا للأوقاف مرتين في وزارتي صدقي باشا الثالثة وسري باشا الثالثة.
  • ووزيرا للخارجية في أول شهرين من وزارة إبراهيم عبد الهادي باشا  
    وقد عمل إبراهيم الدسوقي أباظة كما رأينا تحت رئاسة خمسة رؤساء وزارة هم: حسين سري باشا (ثلاث مرات)، وأحمد ماهر باشا (مرتين)، والنقراشي باشا (مرتين)، وصدقي باشا (مرة واحدة) وإبراهيم عبد الهادي (مرة واحدة).
    وعلى هذا النحو فإن إبراهيم الدسوقي أباظة استمر في مقاعد الحكم باتصال طيلة خمس سنوات وشهر منذ 8 أكتوبر 1944 وحتى 3 نوفمبر 1949، وأصبح بهذا نظريا وعمليا بمثابة النموذج الدالّ على أن الأحرار الدستوريين شاركوا في الحكم منذ أكتوبر 1944 وحتى نوفمبر 1949 باتصال، أي لأكثر من 5 سنوات. وهو ما لم يحظ به أحد غيره. ذلك أن صنوه أحمد عبد الغفار لم يشترك في وزارة صدقي باشا. وقد وصل في وزارة إبراهيم عبد الهادي إلي أن أصبح ثالث أعضاء الوزارة أقدمية بعد رئيس الوزراء وأحمد عبد الغفار باشا. وقد زادت مشاركاته الوزارية على مشاركات رئيس حزبه وهو الدكتور هيكل باشا، لأن هيكل باشا آثر منذ تشكيل وزارة أحمد ماهر باشا الثانية ألا يتولى منصباً وزارياً وفي مقابل أن يتولى رئاسة مجلس الشيوخ.

أما قصة أنه كان مرشحاً لدخول الوزارة في تاريخ سابق علي التاريخ الذي دخل فيه بالفعل ، فقصة مفيدة لفهم آليات تكوين النخب الحاكمة والصعود السياسي في عصر الليبرالية ، ومدى ما كان متاحا من تداول الرأي وفرض وجهات النظر واحترامها ، وتفصيل هذه القصة  أنه  رشح في آخر عهد وزارة محمد محمود باشا خلفا لرشوان محفوظ باشا عندما استقال، لكن وزير المالية حسن صبري باشا كان هو الذي اعترض علي دخوله وصعّد اعتراضه إلى حد التهديد بالاستقالة على نحو ما يرويه الدكتور هيكل في مذكراته، وانتظر محمد محمود باشا ريثما يخرج حسن صبري باشا من الوزارة ‘ فإذا بمحمد محمود باشا نفسه يخرج ويخلفه حسن صبري باشا و بالطبع فانه لم يكن ممكنا أن يصبح   إبراهيم الدسوقي أباظة باشا وزيرا في وزارة حسن صبري باشا نفسه، ولو أن إبراهيم الدسوقي أباظة دخل الوزارة في ذلك الوقت لسبقت أقدميته الوزارية أقدمية زميله وصنوه وصديقه أحمد عبد الغفار باشا.
ومن الطريف أيضاً أن أحمد عبد الغفار باشا دخل الوزارة خلفا لمحفوظ باشا وقد أصبح وزيراً للزراعة بل أصبح وزيرها التقليدي، إذ تقلدها سبع مرات على حين أن إبراهيم الدسوقي أباظة لم يتول وزارة الزراعة التي كان مرشحاً لها في البداية، وهذا أيضا من طبيعة تداول الوزراء السياسيين للسلطة.

«كان طبيعياً أن يحل حر دستوري في وزارة الزراعة مكان رشوان محفوظ (باشا) الحر الدستوري. ولذا اقترح محمد محمود (باشا) يوماً على مجلس الوزراء أن يعين إبراهيم دسوقي أباظة (بك) وزيراً للزراعة. ومثل هذا الاقتراح يذكر عادة أمام المجلس للعلم. لكن الأمر في هذه المرة اختلف عما جرت به العادة. فقد اعترض حسن (باشا) صبري على تعيين دسوقي (بك) أباظة وزيراً، وهدد بالاستقالة من الوزارة إذا تم هذا التعيين قائلاً: إذا دخل دسوقي (بك) من هذا الباب فأنا أخرج من الباب الآخر. وسُئل عن سبب اعتراضه فلم يذكر إلا أن دسوقي (بك) كان يدفع للمرشحين في الانتخابات من الأحرار الدستوريين مالاً. ولما قيل له إن دسوقي (بك) سكرتير الحزب، وإنه كان يشرف على عملية الانتخاب لحساب الحزب لم يغير موقفه، بل أصر عليه. وتولتنا الدهشة لهذا الإصرار بخاصة لأننا كنا مقتنعين بأن محمد (باشا) لم يعرض اسم دسوقي (بك) على مجلس الوزراء إلا بعد أن اتفق عليه مع القصر، على أن محمد (باشا) آثر أن يرجئ تعيين وزير الزراعة على أن تحدث في الوزارة ثغرة باستقالة حسن صبري (باشا)، وقد تكون لهذه الثغرة من بعد نتائج غير محمودة. وظل منصب وزير الزراعة بعد ذلك شاغراً زمناً غير قليل، ثم عين فيه محمد (بك) رياض».


عاش إبراهيم الدسوقي أباظة باشا الشهور الأولى من عمر ثورة 1952 في ضنك وضيق وتعرّض لمضايقات عديدة، وتجاوزات في حقه، مع أنه كان من الساسة الشجعان الذين وقّعوا عريضة المعارضة ضد الملك فاروق في 1951 مع هيكل باشا وإبراهيم عبد الهادي.. لكنه كان محل هجوم من صحفيي العهد الجديد الذين كانوا لا يصلون إلى بابه في العهد القديم. وسرعان ما توفى فكان أول الساسة الذين توفوا بعد قيام ثورة يوليو 1952 إذ توفي في يناير 1953 وبهذا لم يكن من الذين شملتهم المحاكمات والحراسات والتعسفات على نحو ما حدث مع إبراهيم عبد الهادي والدكتور هيكل باشا وفؤاد سراج الدين باشا وأحمد عبد الغفار باشا وعثمان محرم باشا ومحمد صلاح الدين باشا وغيرهم.  وقد كان الجو السياسي لا يزال رحبا فأقيم له حفل تأبين شارك فيه صديقاه نجما الأدب الدكتور محمد حسين هيكل والدكتور طه حسين وغيرهما من الأعلام لكن هذا كله لم يشفع له في عهد الثورة، ولم يجد شارعا يحمل اسمه كما وجد سليمان أباظة وإسماعيل أباظة وعزيز أباظة.
وتصادف في عصر الرئيس مبارك أن تجاوزت جريدة الأهالي في حقه (بالباطل) فقاضاها ابنه ثروت في المحاكم وكسب القضية بالتعويض الذي لم تكن الجريدة بحُكم محدودية مواردها قادرة على أن تؤديه.

توفي إبراهيم الدسوقي أباظة باشا في 22 يناير عام 1953

ننقل للقارئ الآن من نظم الشاعر الدكتور إبراهيم ناجي هذه القصيدة الجميلة التي تشير إلى الوزارات التي تولاها الدسوقي أباظة باشا حتى وقت نظم القصيدة:

ما كتبه إبراهيم ناجي

أنت فوق التكريم فوق الثناء/ جلّ ما قد أسديت عن إطراء

يا عظيم الشؤون جلّت شؤون/ أنت منها في الذروة الشماء

يا عظيم الأوقاف جلت أمور/ عرّفتنا مواقف العظماء

لم نكرمك للوزارة والمنصب / والمجد والسنا والرواء

ويصل الشاعر إبراهيم ناجي إلى وصف ممدوحه بأنه الرجل الكامل ساردا مبرراته في هذا الوصف بطريقة جميلة ومعبرة:

نحن قوم نهيم بالرجل الكامل / يمضي للأمر دون التواء

الرحيب الصدر القوي على / الخطب السريع الهدم السريع البناء

قد رأيناك كالمنار المعلى/ مثلاً للقوي في الأقوياء

ورأيناك في الرجال فريداً/ فاقتفينا خطاك أي اقتفاء

وحببناك ما بنا من نفاق/ لا ولا في قلوبنا من رياء

وهو أي الشاعر الدكتور إبراهيم ناجي يرى الباشا الأباظي مجددا لأمجاد الماضي والوادي والصعيد:

أي وربي لأنتَ من صور /الماضي ومجد الجدود والآباء

وجلال الصعيد والملك في/ الوادي عزيز البنود ضافي اللواء 

بل إن الشاعر الدكتور إبراهيم ناجي يعتقد أنه بعث من الماضي بعد فترة من السكون:

قد ينام التراث جيلاً فجيلا/ غافياً في مجاهلٍ خرساء

وتنام الروح العريقة في /المجد لتبدو في طلعة سمراء

فتراها مصرية السمت والقوة /والعزم والحجى والمضاء

قسماً قد غفا الجلال ليصحو/ من جديد في وجهك الوضاء

أيها الكوكب الدؤوب على /الدهر بلا فترة ولا إبطاء

تصنع الخير واضحاً شبه نجم/ ساكب نوره بعرض الفضاء

وتؤديه خافياً مثل نجم/ مستسر خافٍ خلال السماء

غير أن النفوس تعلم مسراه /وإن كان ممعنا في الخفاء

وعظيم الفعال يجمل بالإفصاح/ عنه كالسيف غب الجلاء

وينتهز الشاعر الدكتور إبراهيم ناجي الفرصة ليتحدث عن ضرورة الفن في مثل هذه المناسبة التكريمية بطريقة تقليدية لكنها آسرة في معناها :

ما جمال الربيع في الروض إن لم/ يشد طير في الروضة الغناء

ما جمال السماء والبدر إن لم/ يشدُ سار في الليلة القمراء

 وفي قصيدة أخرى تفيض بالرقة والعذوبة يخاطب الشاعر الدكتور إبراهيم ناجي الباشا الأباظي مهنئا له بما ناله من متاع المجد الدنيوي ومعبرا عن فرحة مصر  كلها له ، وهو يصل في تكريمه والإعجاب به إلى أن يستعير له صفات البدر المنير و الربيع ذي الروض :

متى نلتَها كانت   لأنفسنا      منَى/ تلفتْ تجد   مصراً بأجمعها   هنا        

وما بعجيب موطن البدر في العلا/ وما بجديد أن يرى الأفق مسكنا

ولكنَّ قلب الحر تعروه نشوةٌ/ فيثني على الآلاء وضاحة    السنا      

إذا أخذ      البدرُ المنير مكانه/ ومُلِّكَ آفاقَ السما وتمكنا    

فذلك تكريم الربيع      لروضِهِ/ جلاها   الأباظيون وارفة الجنى      

أجلْ روضة صارت لكل     عظيمة/ وللفضل والآداب والعلم   موطنا           

وميدان     سباقين      للمجدِ والعلى/ إذا اشتجرت أخرى الميادين بالقنا     

من الأدب العالي إذا راح     سيد/ غدا آخر نحو اللواءِ فما ونا

ويصل الشاعر الدكتور إبراهيم ناجي  إلى القول بأن الشعر نفسه يشاركه فرحته بالباشا حتى إن القوافي العصية أو الصعبة تسرع إلى مدحه محاولة أن ترد له جميله على الشعراء :

عصيُّ القوافي سار نحوك مسرعاً/ ولبَّاك من أقصى الفؤاد وأذعنا     

وأنت الذي فك القيودَ جميعَها/ عن الشعر تأبي أن     يهان فيسجنا     

إذا المعدن الصافي دعا الشعرَ مرةً/ بذلنا  له من أجود الشعرِ معدنا    

دسوقي     إذا أقللتُ فاقبل تحيتي/ فما أنا شاديهم ولا خيرهم أنا

 ثم يقدم الشاعر الدكتور إبراهيم ناجي نفسه بوصفه مندوبا عن إخوانه المحبين للباشا وأسرته :

ولكنني     صوت      المحبين    كلهم/ ومن روضك الغالي وبستانهم جَنَى      

فراش على مصباح مجدِكَ حائم/ وأي فراش من جلالك ما دنا   

وإني صدى الهمس الذي في قلوبهم/ فدعني أقم عما يكنون معلنا

وفي موضع آخر يعتبر الشاعر الدكتور إبراهيم ناجي أن واجبه يحتم عليه أن يوظف شعره في وظائفه الكفيلة بالحفاظ للنبوغ على حقه  في المديح الواجب  وهو يقول :

 واضياع النبوغ في مصر إن لم/ تتحدث منابر الخطباء

واضياع النبوغ في مصر إن لم/ يَك تخليده على الشعراء

طاقة الشعر طاقة الورد معنى/ جلَّ قصداً وقلَّ في الإهداء

لست تجزى به أقل الجزاء/ فتقبله آية من وفاء

كيف ننساك والعفاة على/ بابك حشد يموج بالبأساء

الشريد الطريد والعامل /المرهق يشقى من صبحه للمساء

وبيوت هي العريقة في /الأمجاد صارت عريقة في الشقاء

لم تطق أن ترى دموع /اليتامى تترامى على أكف السخاء

والأيامى كالكأس بعد الندامى/ ذكرت حظها من الصهباء

وقف الدهر دونهم كل باب/ طرقوا صم عن ذليل النداء

غير باب من المروءات سمح/ لك ما ردّ مرة عن نداء

انظر الحفل داوياً بالدعاء/ وانظر البحر زاخراً بالنداء

و هاهو الشاعر الدكتور إبراهيم ناجي يخاطب ممدوحه خطابا مباشرا حافلا بكل الإخلاص في المديح و مطرزا بالتقدير العميق لمكانة الرجل في حياة قومه :

أنت ورد النبوغ جادت به/ الدنيا لقوم إلى المعالي ظماء

كلما أطلعت لهم عبقرياً /جعلوا منه معقداً للرجاء

حمدوا فيك يومهم واطمأنوا/ مشرئبين للغد المترائي

كيف ننساك في المحاماة حراً/ طاهراً ذيله عفيف الرداء

وقف المجلس المحير يوما/ مرهف المسمعين بالإصغاء

إذ يرى فيك نائباً وخطيباً/ دامغاً بالحقيقة البيضاء

مفعماً مقحماً قوياً جريئاً/ ماحقاً للخصوم والأعداء

وهذه قصيدة أخرى  للشاعر الدكتور إبراهيم ناجي  يعزي فيها الأباظيين لكنه لا يقف فيها عند مديحه لصديقه الوزير ولكنه يمدح العائلة الأباظية إكراما له وهو يتمنى لهذه العائلة الحفظ من نوائب الدهر ولو كان هذا الحفظ بالرقى  :

 إن السراة الأباظيين قد عظموا/ عن طوق ند وعن تحليق أضداد

تخطف القدر الجاري أحاسنهم/ بصيرفي المنايا أو بنقاد

كم صحت والعين تذري الدمع في أسف/ على الجواهر في كف الردى العادي

ألا رقىً للأباظيين تحفظهم/ على الحوادث من أنظار حساد

تم النشر نقلا عن موقع الجزيرة مباشر

لقراءة المقال من موقع الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا






شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com