الرئيسية / المكتبة الصحفية / مقالات الجزيرة / الجزيرة مباشر / يحيي إبراهيم باشا عنوان النزاهة

يحيي إبراهيم باشا عنوان النزاهة

فهو رئيس الوزراء الوحيد الذي لم ينجح في انتخابات أجرتها وزارته، ولم يتكرر ما حدث معه بعد هذا أبدا على الرغم من كل الثناء الذي يحظى به في كتابات المفكرين والمؤرخين

ترسخت شهرة يحيي إبراهيم باشا (1860 ـ 1936) في الوجدان المصري بفضل لمحة نزاهة نادرة، فهو رئيس الوزراء الوحيد الذي لم ينجح في انتخابات أجرتها وزارته، ولم يتكرر ما حدث معه بعد هذا أبدا على الرغم من كل الثناء الذي يحظى به في كتابات المفكرين والمؤرخين بسبب هذا الموقف، وهو ثناء مستطاب يغري بتقليد الرجل للحصول عليه، لكن الحقيقة السياسية أن الثناء ليس كافيا لأن يجعل أياً من السياسيين يتنازل عن القبض على السلطة في

رئاسته للوزارة

يحيي إبراهيم باشا نموذج نادر بين وزراء ما قبل الثورة في علاقتهم بالمنصب الوزاري فقد وصل إلى رئاسة الوزارة قبل أن تنقضي أربع سنوات على توليه المنصب الوزاري لأول مرة، ولم يكن قد تولي غير وزارة المعارف في وزارتين، ومع هذا فقد قبل ـ بعد أن كان قد تولي رئاسة الوزارة ـ العمل وزيراً تحت رئاسة رئيس وزراء آخر هو أحمد زيو

بين حظه وحقه

شاء حظي ذات مرة أن أستمع من أستاذين للتاريخ إلى تعليقين متناقضين يتعلقان بشخصية يحيي إبراهيم. قال الأول إنه أعظم رجل في تاريخ مصر لأنه سمح لخصمه أن يفوز عليه في الانتخابات التي أجراها في نهاية 1923 وبداية سنة 1924. وقال الأستاذ الثاني من دون أن يكون حديثه تعقيبا على حديث الأول ولا مناقضا له: إن يحيي باشا إبراهيم لم يكن يستحق أن يكون رئيسا للوزراء، ولهذا فإنه فقد المنصب بسهولة (!!) بل إنه خسر الانتخابات لأنه لم يكن قادرا على الفوز، وإنه جاء بالمصادفة البحتة.

حدثت الحاضرين بمجموعة من المعلومات عن الرجل فإذا هم يتساءلون: وكيف لم يأخذ هذا الرجل حقه بأكثر من حظه؟ والجواب بسيط، وهو أنه كان في نفسه أكبر منه عند ال

مولده

ولد يحيي إبراهيم باشا في قرية بهبشين وهي من قرى مديرية بني سويف ، وتلقي تعليمه العام في مدرسة الأقباط الكبرى بالقاهرة، تخرج في مدرسة الحقوق، وحقق منذ بداياته تفوقا واضحا فقد كان الأول علي الدفعة التي تخرجت من مدرسة الحقوق الخديوية سنة 1880، وهي من أوليات دفعات هذه المدرسة، وربما تحسب على أنها الأولى تبعا لتأريخ الكلية لنفسها ، وقبلها كانت المدرسة بمثابة مدرسة للألسن والإدارة، كما كان المحامون من ناحية أخري يكتسبون وظائفهم ومهنتهم بالخبرة والممارسة فحسب، وإن كان هذا لا يمنع أنه كان هناك مَنْ تخرجوا في مدارس الحقوق الأوروبية في الخارج ممن هم تالون له في السن والأقدمية كحسين رشدي باشا المولود 1863 وأحمد زيور باشا المولود 1864.

 

 وبتأسيس مدرسة الحقوق أصبح هناك ” منبع ” متجدد لوكلاء النيابة وللقضاة والمحامين، ومع الوقت أصبحت ممارسة المهنة مقتصرة على الذين تلقوا هذا التعليم المؤهل لممارسة المهنة في هذه المدرسة وتخرجوا فيها.. وربما أصبح هذا الأمر الآن بمثابة حقيقة واقعة، هكذا فإن يحيي إبراهيم باشا كان بمنزلة أول مَنْ تأهلوا في بلادهم بالعلم والتخرج بين الذين يمارسون المهنة في بلاده.

 

ولنا أن نتصور بعد هذا يحيي إبراهيم باشا من حيث مكانته المتقدمة في كشف القضاء الذي يضم أيضا أعضاء النيابة، وإذا أردنا مقارنته بأقطاب الحياة السياسية المعاصرين له فإنه يمكن لنا على سبيل المثال أن نذكر أن النحاس باشا كان أول الدفعة التالية لدفعة يحيي إبراهيم بعشرين دفعة (1900)، وأن عبد العزيز فهمي قاضي القضاة كان متوسطا ب

رئاسته لمحكمة الاستئناف

وقد عمل يحيي إبراهيم بالقضاء فترة طويلة فأثبت تفوقا ونزاهة وقدرة ووصل مبكرا إلي أكبر منصب قضائي في ذلك العصر وهو رئاسة محكمة الاستئناف، وكان شاغل هذا المنصب فيما قبل إنشاء محكمة النقض يعد بمثابة قاضي القضاة لأنه صاحب أكبر منصب قضائي في مصر، ومن النادر أن يبدأ القاضي حياته السياسية بعد أن يكون قد وصل إلى هذا المنصب.. ولكن يحيي باشا إبراهيم بدأ حياته السياسية بعد توليه هذا المنصب، وقد بدأ حياته السياسية وزيرا في إحدى الوزارات الإدارية في أثناء ثورة 1919، وهي وزارة يوسف وهبة ولم يختر يوسف وهبة لمنصب الوزارة في وزارته إلا اثنين كان يحيي إبراهيم أحدهما.

 

وفي وسعنا أن نقتبس من مذكرات صليب سامي ثناءه على يحيي إبراهيم حين عمل رئيسا لمحكمة الاستئناف حيث يقول: «عمل رئيساً لمحكمة الاستئناف، مشرفاً على توزيع العدالة فيها. وكان مؤمناً بحقوق وظيفته وواجباتها. كان يستمع إلى شكوى المتقاضين في روية وحلم، ويحققها في أناة وحزم، ثم يصدر كلمته فيها بالعدل غير متأثر بغير الحق». وعلى النقيض من هذا فإن الدكتور محمد حسين هيكل بحكم الخصومة الحزبية بين حزبه ويحي إبراهيم كان حريصا حين يتحدث عن يحيي إبراهيم باشا أن يذكر أنه كان رئيسا لمحكمة الاستئناف على حين وكيلها الإنجليزي ممسكا بكل الأمور.

 

على أية حال فقد بدأ يحيي إبراهيم مناصبه الوزارية في وزارة يوسف وهبة باشا وزيراً للمعارف لمدة ستة شهور هي عهد هذه الوزارة (21 نوفمبر   1919 ـ 21 مايو 1920)، ولم يشترك يحيي إبراهيم بعد هذا في وزارة نسيم الأولي ولا في وزارتي عدلي وثروت الأوليين، ولكنه عاد إلي تولي ذات الوزارة وهي وزارة المعارف في وزارة نسيم باشا الثانية (30 نوفمبر 1922 ـ 21 مايو 1923).

 

ومن هذا المنصب صعد يحيي إبراهيم مباشرة إلى رئاسة الوزارة التي شكلها بعد أسابيع من الفراغ الوزاري، وقد استمرت وزارته أكثر من عشرة شهور (15 مارس 1923 ـ 27 يناير 1924)، أنجز فيها أول انتخابات في عهد الملكية. ولا يزال من حق يحيي إبراهيم أن يحتكر لنفسه الثناء على نزاهة الانتخابات التي أجراها، فقد جمع مع رئاسته للوزارة منصب وزير الداخلية، وكان هذا أول وآخر عهده به.

بداياته

بدأ يحيي إبراهيم باشا مناصبه الوزارية كما ذكرنا بالمعارف، وهو واحد من ستة رؤساء وزراء بدأوا مناصبهم الوزارية بالمعارف، وربما كان هو أقلهم علاقة بالمعارف بالمعني المتداول، ذلك أن الخمسة الآخرين يضمون الشاعر الكبير البارودي، والخطيب العظيم سعد زغلول، وعلي ماهر، و أحمد ماهر، وأحمد نجيب الهلالي، ولم يعرف عن يحيي إبراهيم باشا اهتمام  مواز بصورة علاقته هو نفسه بالأدب و الثقافة على نحو ما كان هؤلاء  مولعون بهذه الصورة ، لكن الحقيقة أنه كانت له اهتمامات الأدبية، و أنه وضع كتاباً عللي غرار المختارات وكان كتابه بعنوان «القطع المنتخبة». كما أنه عمل بالأستاذية في مدرسة الحقوق وترجم كتابا فرنسيا في مجال الإدارة في 1885، ومن الإنصاف أن نشير إلى أنه نجح في إنشاء المدارس الليلية في عهد وزارته للمعارف فقد كان حفيا بجهود محو الأمية.

ولهذا فلا يعجبن قارئ من أن يحيي إبراهيم كان هو الوزير الوحيد الذي صعد من وزارة المعارف مباشرة إلى رئاسة الوزارة، وهو الوحيد أيضاً الذي لم يتول من الوزارات غير المعارف قبل رئاسة الوزراء.

صاحب الفضل

نستأذن القارئ أن نستبق توالي الأحداث لننتقل إلى ما تكرره أدبياتنا الثقافية كثيرا من الحديث عن اسمه في الأزمة الوزارية التي تسببت عن كتاب الشيخ علي عبد الرازق «الإسلام وأصول الحكم» وهي الأزمة التي وصلت إلي استقالة الوزراء الدستوريين تضامنا مع زميلهم الذي أقيل، ربما لا يعرف القراء أسماء هؤلاء الوزراء وحقيقة الإقالة وقصة الاستقالة، وفي اختصار شديد نقول إن الوزير الذي أقيل كان هو رئيس حزب الأحرار الدستوريين نفسه عبدالعزيز فهمي باشا، وكان وزيرا للحقانية (أي العدل)، أما الذي أقاله أو طلب إقالته فهو يحيي إبراهيم باشا رئيس الوزراء بالنيابة، وذلك لأن عبد العزيز فهمي باشا (كوزير للعدل) تباطأ في تنفيذ القانون وإخراج الشيخ علي عبد الرازق من وظيفته كقاض شرعي بعدما أخرجته هيئة كبار العلماء من زمرة العلماء، وكان عبد العزيز فهمي باشا يريد أن يكسب الوقت فحسب لأن القانون كان في صف وجهة النظر التي كان رئيس الوزراء بالنيابة (يحيي إبراهيم باشا)  يطالب بإمضائها. وبالطبع فإن عبد العزيز فهمي باشا بمكانته القانونية والفقهية لم يكن يجهل هذا، وربما يتعجب القراء أن يأتي كائن مَنْ كان ليطلب من الرجل الذي عُرف بأنه شيخ القضاة (عبد العزيز فهمي باشا) أن يطبق القانون على نحو معين.

 

لكن القارئ يدرك بوضوح أن هذا لم يكن بالأمر الصعب ولا الغريب علي يحيي إبراهيم باشا، فهو يسبق عبد العزيز فهمي باشا في التخرج بعشر سنوات كما ذكرنا. وكان كلاهما بمثابة الأول علي دفعته، وفضلا عن هذا فإن يحي باشا قد وصل بالفعل إلى مكانة قاضي القضاة حين تولي رئاسة محكمة الاستئناف، ولم يكن عبد العزيز فهمي حتى ذلك الوقت وهو وزير قد وصل بعد إلى تلك المكانة بين القضاة وإن كان قد وصل إليها فيما بعد كما نعرف. وهكذا كان من الطبيعي جدا والمنطقي جدا في فكر يحيي إبراهيم وتصوره أن يقيل عبد العزيز فهمي باشا لأنه لم ينفذ ما كان يقضي به القانون. وإذاً فإن الذي أقال عبد العزيز فهمي لم يكن رئيس الوزراء زيور، وإنما كان قاضي القضاة ورئيس الوزراء بالنيابة أو رئيس الوزراء الأسبق يحيي باشا إبراهيم.

 

ومن الطريف أن وزيري الأحرار الدستوريين لم يكونا عازمين على الاستقالة تضامنا مع رئيسهم، لكن موجة الانتصار للحزب وللرئيس كانت قوية وعارمة واضطرتهما إلى الاستقالة على نحو ما نفهم من روايات كثيرة وفي مقدمتها مذكرات الدكتور هيكل.. وكانت الحجة قوية وقوية جدا (وإن كان هذا غريبا على أسماعنا الآن) وهي الالتزام الحزبي.

 

وربما يدلنا على مكانة يحيي إبراهيم باشا في ذلك الوقت ما روته بعض الروايات من اقتراحات كانت تطالب بأن يخرج يحيي إبراهيم من الوزارة كما خرج عبد العزيز فهمي ليكون هناك توازن بخروج رئيس حزب الاتحاد في مقابل رئيس حزب الأحرار الدستوريين. لكن الأمور لم تمض في هذا الاتجاه، وإنما مضت في الاتجاه الآخر الذي خرج به وزراء الأحرار الدستوريون الثلاثة من الائتلاف الحاكم ليأتلفوا مع الوفد مكونين الائتلاف الوطني الشهير في 1926 الذي كان من نتيجته إجراء الانتخابات وعودة الوفد بأغلبية كبيرة بعدما تم الائتلاف بين الوفد وحزب الأحرار الدستوريين والحزب الوطني.

 

وهكذا يمكن القول بأن يحيي إبراهيم باشا هو صاحب الفضل في الإتيان بالوفد إلى مقاعد السلطة في المرتين الأوليين 1924 و1926 حتى وإن لم يكن ـ على سبيل القطع ـ صاحب النية في المرة الثانية.

الدينامية

ونعود إلى التسلسل التاريخي للأحداث فنذكر أن اختيار يحيي إبراهيم لرئاسة الوزارة كان مفاجئا لبعض الأوساط السياسية، لكن يحيي إبراهيم سرعان ما أثبت نفسه كرئيس للوزراء، وحتى من قبل إجرائه الانتخاب فإنه هو الرجل الذي قُدر له أن يصدر الدستور في عهده، وكان الدستور جاهزا بعد ما أعدته لجنة الثلاثين كما كانت تعديلات الملك عليه جاهز ة أيضا. لكن يحيي إبراهيم بحسه القانوني المتفوق استطاع أن يبلور الأمور وأن يصدر الدستور بالفعل، وبناء على صدور الدستور أجريت الانتخابات. وشهدت فترة حكمه عودة الزعيم سعد زغلول باشا ورفاقه من منفاهم. وتميز عهده كرئيس للوزراء بالإنجازات القانونية، ومنها صدور القانون الخاص بالانتخابات، وقانون الأحكام العرفية، وقانون شركات التعاون المصرية الزراعية، وشهد عهده بدء الاتجاه إلى تمصير الإدارة.

 

ومن الجدير بالذكر أن وزارة يحيي إبراهيم كانت حافلة بالدينامية، وربما لم يحدث في أية وزارة (حتى ذلك العهد) ما حدث في هذه الوزارة فقد شكلها يحيي إبراهيم من مجموعة مختلفة الأقدمية من الوزراء، فقد كان فيها أربعة وزراء كانوا قد تولوا الوزارة قبله، وثلاثة وزراء تولوا الوزارة بعده، واثنان جديدان.

 

فأما القدامى فكانوا:

 

أحمد حشمت باشا، وقد كان عمل وزيرا منذ 1908 وحتى 1914 في وزارتي بطرس غالي ومحمد سعيد الأولي.

محمد محب باشا، وكان قد عمل وزيرا منذ نهاية وزارة محمد سعيد الأولي.

أحمد زيور، وكان قد عمل وزيرا منذ 1915 في وزارة رشدي الثانية.

أحمد ذو الفقار وكان قد عمل وزيرا في وزارة محمد سعيد الثانية.

وهؤلاء الأربعة سبقوا يحيي إبراهيم إلي منصب الوزارة لكنه سبقهم إلى رئاسة الوزارة وترأسهم في مجلس الوزراء.

 

أما الوزراء الثلاثة القدامي الذين يلونه في الوصول إلى منصب الوزير، وضمتهم وزارته فكانوا:

 

محمد توفيق رفعت باشا، وكان قد عمل وزيرا منذ وزارة نسيم الأولي 1920.

أحمد علي باشا.

محمود عزمي باشا وكان قد عمل أيضا وزيرا في وزارة نسيم الثانية.

أما الوزيران الجديدان اللذان استوزرهما يحيي إبراهيم عند تشكيله لوزارته الوحيدة فهما:

 

حافظ حسن باشا

فوزي جورجي المطيعي

وقبل أن تنقضي ثلاثة شهور على تشكيل وزارة يحيي إبراهيم استقال أحمد علي من وزارة الأوقاف وخلفه وزير الأشغال حافظ حسن، وعين وكيل وزارة الأشغال عبد الحميد سليمان باشا وزيرا للأشغال.

 

وبعد شهرين آخرين أجري تعديل في المواقع الوزارية فعين وزير الخارجية أحمد حشمت وزيرا للمالية (وكان أول عهده بالوزارة 1908 أن عمل وزيرا للمالية). ومن الطريف أنه لم يتول بعد وزارة يحيي إبراهيم مناصب وزارية أخري فكأنه انتهي بالمالية على نحو ما بدأ بها، وعين وزير المالية محمد محب باشا وزيرا للمعارف، على حين عين وزير المعارف محمد توفيق رفعت وزيرا للخارجية.

 

وبعد يومين من هذا التعديل المحدود استقال محمد محب باشا من منصبه كوزير للمعارف، وكان يحيي إبراهيم حصيفا فعهد بالمعارف إلي محمد توفيق رفعت باشا علي سبيل النيابة بالإضافة إلي الخارجية، وبعد أربعة أيام فقط عُين وزير جديد للمعارف هو أحمد زكي أبو السعود باشا وكيل وزارة الحقانية.

 

وفي 18 سبتمبر خرج أحمد زيور باشا من الوزارة ليعين في منصب رئيس الديوان، واقتضي هذا أن يعين وزير جديد للمواصلات كان هو محمود شكري باشا ناظر الخاصة الملكية، فكأنما ذهب أحمد زيور للديوان وجاء بديل عنه في الديوان.

 

بهذا اختار يحيي إبراهيم خمسة وزراء جدد في وزارته الوحيدة: اثنان في بدايتها (حافظ حسن، وفوزي المطيعي)، وثلاثة في أثنائها كانوا على التوالي: وكيل وزارة الأشغال (عبد الحميد سليمان) الذي أصبح وزيرا لها، ووكيل الحقانية (أحمد زكي أبو السعود) الذي أصبح وزيرا للمعارف، وناظر الخاصة الملكية (محمود شكري) الذي أصبح وزيرا للمواصلات.

 

أما علاقة يحيي إبراهيم بالوزارة السابقة عليه وهي وزارة نسيم باشا، فتتمثل في بقائه هو، لكنه أصبح رئيسا للوزراء ووزيرا للداخلية، علي حين كان وزيرا للمعارف في وزارة نسيم، كما أنه استبقي من وزارة نسيم أربعة وزراء غيره هم: أحمد ذو الفقار للحقانية، ومحمود عزمي للحربية أي في نفس موقعيهما، وأحمد علي وقد اختاره وزيرا للأوقاف (وكان وزيرا للزراعة) ومحمد توفيق رفعت وقد اختاره وزيرا للمعارف خلفا له (وكان وزيرا للمواصلات)، وقد رأينا لتونا أنه أسند إليه الخارجية فيما بعد ، وهكذا تنقل محمد توفيق رفعت علي يد يحيي إبراهيم من المواصلات إلي المعارف إلي الخارجية في شهور قليلة، وجدير بالذكر أن محمد توفيق رفعت (1865-1944) عمل مع  يحيي إبراهيم في محكمة الاستئناف  .

 

كذلك يمكن القول إن الذين بقوا في وزارة يحيي إبراهيم من أولها لآخرها في نفس المنصب ثلاثة فقط وهم :  أحمد ذو الفقار (الحقانية)، ومحمود عزمي (الحربية)، وكان هذان يشغلان نفس هذه المناصب منذ وزارة نسيم الثانية وفوزي المطيعي وزير الزراعة الجديد.

 

ومن الطريف أن أحدا من وزراء يحيي إبراهيم جميعا لم يواصل العمل في الوزارة التالية وهي وزارة سعد باشا زغلول، اللهم إلا زيور باشا الذي كان قد خرج من وزارة يحيي إبراهيم ليعين رئيسا للديوان، وقد عاد إلي مجلس الوزراء في أثناء وزارة سعد وزيرا بلا وزارة، ثم أصبح هو رئيس الوزراء الذي خلف سعد زغلول  وشكل وزارتين متعاقبتين ، وأصبح يحيي إبراهيم نفسه بمثابة رئيس الوزراء بالنيابة عنه في أثناء غيابه في وزارته الثانية .

 

المناصب

هل انتهي دور يحيي إبراهيم السياسي عندما صدرت نتيجة الانتخابات فلم يفز هو فيها وجاء الوفد على الحكم؟ هل تواري في الظل كما ظن من قال إن يحيي إبراهيم جاء مصادقة وذهب بسرعة.. الحقيقة تقول عكس هذا.

 

فقد كانت هناك حياة حزبية  حقيقية لم تقبل  بسلطة القصر المطلقة، وحين خرج الوفد من الحكم في نوفمبر 1924 لم يعهد الملك إلي زعيم حزب الأحرار الدستوريين (عدلي يكن باشا) بتشكيل الوزارة، لكنه عهد بها إلي أحمد زيور باشا، وقد شكل زيور وزارته من وزراء لم يدخلوا أية وزارة من قبل، لكن كان منهم مَنْ له ميول وفدية واضحة، وسرعان ما استقال اثنان من الوزراء حين بدا لهم أن الوزارة تمضي في خط مناهض للفكر الوفدي (وهما عثمان محرم وأحمد خشبة) وهكذا كان لابد لوزارة زيور باشا من حزب مصطنع تستند إليه في بقائها بعد قيامها بالانقلاب الدستوري الأول، وهكذا فكر رجال الملك  في تأسيس حزب الاتحاد، وتولي كبر هذا الحزب (علي حد التعبير القرآني الجميل) حسن نشأت باشا، ووقع الاختيار علي يحيي باشا إبراهيم ليكون رئيسا لهذا الحزب، وعلي  علي ماهر باشا ليكون وكيلا لهذا الحزب.

 

وهكذا تشكلت وزارة زيور الثانية في مارس 1925 مستندة إلى وجود حزبين يؤيدانها هما حزب الأحرار الدستوريين والاتحاد، وبهذه الصفة عاد يحيي إبراهيم وعمل وزيرا في وزارة زيور باشا الثانية في مارس 1925، مع أن زيور باشا نفسه كان قد عمل وزيرا في وزارة يحيي إبراهيم.

 

كان من نصيب يحيي إبراهيم باشا أن يعمل كوزير للمالية طيلة وزارة زيور الثانية (مارس 1925 ـ يونيو 1926) وأن ينوب عن رئيس الوزراء عند غيابه، وبهذا وصل عدد الوزارات التي تولاها إلي ثلاث وزارات، وعدد الوزارات التي شارك فيها أربع، منها واحدة برئاسته، وأصبح عدد الرؤساء الذين عمل معهم ثلاثة (يوسف وهبة ونسيم وزيور) .

 

وقد اشترك حزب الأحرار الدستوريين كما أشرنا في هذه الوزارة وقبل الرئيس الثاني لهذا الحزب (وهو عبد العزيز فهمي باشا) أن يعمل هو الآخر وزيرا تحت رئاسة أحمد زيور باشا الذي لم يكن له حزب لا من قبل ولا من بعد. وكان هذا أول عهد عبد العزيز فهمي بتولي الوزارة وكان زيور باشا علي حد تعبير معاصريه رجلا مستمتعا بالمنصب واللقب، وكان قد تعود قضاء الصيف في أوروبا، وهكذا فإنه أناب يحيي إبراهيم في رئاسة الوزارة أو قل إن القصر أناب له يحيي إبراهيم في رئاسة الوزارة وأصبح يحيي إبراهيم بمثابة رئيس الوزراء بالنيابة.

 

بعد أن تحقق الائتلاف في 1926 ظل يحيي إبراهيم باشا موجودا في الحياة السياسية وإن لم يصل إلى درجة النجومية الساطعة، ولم يتمتع باللمعان الذي يتناسب مع مناصبه الرفيعة كرئيس حزب ملكي وكرئيس للوزراء وكرئيس للشيوخ وكقاض للقضاة (!!)

 

وكان ختام ما تولاه يحيي إبراهيم باشا من مناصب أن توج حياته برئاسة مجلس الشيوخ في عهد إسماعيل صدقي باشا في بداية الثلاثينيات. وربما كان هذا اختيارا موفقا من صدقي باشا الذي كان قد سيطر بالقوة على كل شيء، وكان وجود رئيس وزراء سابق في مقعد رئيس مجلس الشيوخ من أبرز ما يتوافق مع الديكورات الكثيرة التي اصطنعها لعهده، ومنها دستور 1930، وحزب الشعب، وبرلمان الشعب.

 

وقد اختير يحيي إبراهيم باشا لرئاسة الشيوخ خمس مرات وهو رقم كبير في ذلك الوقت، وهو واحد من أربعة رؤساء وزراء تولوا الشيوخ بعد رئاسة الوزراء و الآخرون هم  :  حسين رشدي باشا و عدلي يكن باشا و محمد توفيق نسيم باشا.

تم النشر نقلا عن موقع الجزيرة مباشر

لقراءة المقال من موقع الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com