لم يعرف التاريخ المصري الحديث شخصية ساء حظها في نهاية العمر على نحو ما حدث لهذا الرجل.. وسأبدأ بأن أشير من بعيد إلى أن السبب في هذا أنه فقد خطيبته في شبابه قبيل عقد قرانهما بقليل فعاش بهذا الألم فترة طويلة، وعلى نحو ما هو معروف في بعض هذه الحالات فإن محمد توفيق نسيم باشا عطف على الجنس الآخر بما يتناسب مع ثروته وإمكاناته وجاهه وتبني ابنتين ورباهما وزوجهما، لكن المأساة حدثت في أخريات حياته حين رُفعت عليه قضية حجر، بما يقتضي أن تقرر المحكمة عدم قدرته على اتخاذ القرارات، بينما كان الرجل قبل رفع القضية بفترة قصيرة جدا يمارس مهمة الرجل التنفيذي الأول في الوطن، فقد كان رئيس الوزراء (1934 ـ 1936)، وكان في هذا الموقع كرئيس للوزراء لثالث مرة، فقد تولى رئاسة الوزارة مرتين قبل هذا، بل كان أقدم رؤساء الوزراء الذين على قيد الحياة. وفضلا عن هذا فإنه كان قد تولى رئاسة الديوان الملكي ثلاث مرات أيضا، واختير رئيسا لمجلس الشيوخ. مع كل هذا الجاه والنفوذ كانت هناك قضية حجر أمام المحكمة لتحول بين محمد توفيق نسيم باشا وبين التصرف في أمواله وممتلكاته، وكانت هناك شهادات طبية من أطباء مصريين تقول بأن ذاكرته مضطربة، وبأن أحكامه ينقصها بعض التعقل، وكان السبب الظاهر لرفع هذه القضية أنه شرع في حب فتاة نمساوية، وكانت ممرضة صغيرة السن، وهكذا استنكف الشعور “الشوفوني” المصري أن تأتي فتاة أجنبية لتستحوذ على ثروة الرجل الموسر في آخر أيام حياته.. ولكن أقسى ما في موضوع قضية الحجر لم يكن دوافعها ولا توقيتها ولا ملابساتها ولا موقف الناس جميعا من نسيم، وإنما كانت القسوة البالغة من أن اللتين حركتا القضية هما من تبناهما محمد توفيق نسيم وأنفق عليهما.
ومن حسن الحظ أن المحكمة لم تقض بالحجر على محمد توفيق نسيم باشا، ومن حسن الحظ أيضا أن محمد توفيق نسيم باشا صرف نظره عن موضوع الاقتران بالفتاة النمساوية التي لا نعرف أين ذهب بها الزمان. ومن حسن الحظ مرة ثالثة أنه بعد نجاته من الحكم بالحجر عليه أوقف أملاكه على الخير ولم يلبث أن توفي.
باسم الخديوي
من الواضح أن محمد توفيق نسيم باشا سمي باسم الخديو محمد توفيق الذي ولد في عهده، وكذلك سمي زميله النائب العام الذي عمل وزيرا معه وهو محمد توفيق رفعت باشا، و من المهم أيضا أن نشير إلى صلتي نسب مهمتين في حياة محمد توفيق نسيم باشا، فجده الثاني مباشرة هو لاظ أوغلي باشا وزير المالية في عهد محمد علي أو رئيس ديوان المالية في ذلك العهد حسب تعبيرات ذلك الزمان، أما جده لأمه فهو محمد شريف باشا رئيس الوزراء العظيم الذي يكني باللقب الرائع “أبو الدستور”، وهو الرجل الذي قال إن السودان ألزم لمصر من الإسكندرية. وعلى نحو ما كانت لمحمد توفيق نسيم باشا علاقة قربى بهاتين العائلتين فقد كانت له مع سعد زغلول باشا مصاهرة، فقد كان شقيق سعد زغلول متزوجا من شقيقة نسيم باشا، وهكذا فإنه لو كان لأحمد فتحي زغلول ابن فإنه يقول لسعد زغلول باشا يا عمي، ويقول لنسيم باشا يا خالي.
تلقى محمد توفيق نسيم باشا تعليمه بالقاهرة في مدارس الجزويت (شأنه شأن زيور باشا وصدقي باشا)، وتخرج في مدرسة الحقوق وانتظم في المناصب القضائية.
من حيث صفات البورتريه كان محمد توفيق نسيم باشا كما تصوره النظرة الفنية فقد كان لهذا الرجل من اسمه نصيب كبير، كان هادئ الطبع والنفس، وكان بالفعل كالنسيم في تصرفاته وسلوكه، وكان له كما قال بعض أسلافنا توفيق كبير في معظم المناصب التي تولاها.
نبدأ بالحديث عن موقف محمد توفيق نسيم باشا من الحركة الوطنية، فلربما كان هذا الجانب شأنه شأن قصته مع قضية الحجر بحاجة إلى مؤلف مسرحي قدير يمكن له أن يتعمق في النفس البشرية من زوايا مختلفة، ذلك أن قيادة الوفد كانت ترى أن وزارته الثالثة (نوفمبر 1934- يناير 1936) تمثل الحل الأقل سوءا في نظر تلك القيادة في صراعها مع ديكتاتورية الملك والاحتلال، بعد أن نجحت الحركة الوطنية بزخمها وصمودها في إنهاء عهد صدقي وعبد الفتاح يحيى ، ولم تكن قيادة الوفد وراء تشكيل وزارة نسيم باشا لكنها اعتبرتها وزيرة صديقة أو كالصديقة ويبدو أنها كانت محقة في هذا الشعور إذ يرجع كثير من المؤرخين إلي هذه الوزارة الفضل في إلغاء دستور 1930 وإعادة دستور 1923. ومن ناحية أخرى فإن نسيم باشا وسياسات وزارة نسيم باشا الثالثة كانا محور الخلاف الذي اندلع بين النحاس باشا والأستاذ العقاد، ومن الثابت أنه بسبب سياسة نسيم باشا وسياسة أحمد نجيب الهلالي باشا وزير المعارف في وزارته انشق الأستاذ العقاد ومجلة روز اليوسف عن الوفد، وكان جوهر الخلاف تراكم خلافات صغيرة عدها الأستاذ العقاد ماسة بكرامته فضلا بالطبع عن توجهات الوزارة فيما يتعلق بالسياسات العامة.
ومن العجيب أنه قبل هذا الموقف بخمسة عشر عاما أي في أثناء ثورة 1919 كان محمد توفيق نسيم باشا عضوا دائما ومستمرا في الوزارات الإدارية الثلاث حتى إنه رأس بنفسه الوزارة الإدارية الثالثة والأخيرة، وأكثر من هذا فإنه على ما يرويه هيكل باشا في مذكراته كان يقول بل ويفخر بأنه لم يصب بداء الوطنية. وبينما كان عدلي باشا وثروت باشا وصدقي باشا ومحمد محمود باشا مع الوفد ومع الحركة الوطنية لفترات من حياتهم فيما قبل انتخابات 1923 /1924، فقد كان نسيم باشا بعيدا عن الوفد وعن الحركة الوطنية، وكان كما أشرنا فيما روينا يجاهر بأنه لم يصب بهذا الداء.. ومع هذا (ومع هذا، ومع هذا، وليس هذا خطأ مطبعيا بتكرار مع هذا) فإن محمد توفيق نسيم باشا كان أحد أعضاء وزارة الشعب التي شكلها سعد زغلول باشا بعد فوز الوفد في الانتخابات الدستورية الأولى، وقد أسند إليه سعد باشا وزارة المالية، في إشارة واضحة إلى حرص سعد باشا على أن تكون المالية بمثابة وزارة فنية بعيدة عن أصحاب الحق السياسي فيها، وقد ظل محمد توفيق نسيم باشا عضوا في وزارة سعد زغلول باشا حتى ما قبل نهايتها بشهر واحد بل إنه حضر جلسات البرلمان بهذه الصفة، وسأله النواب الوفديون أو ساءلوه، وكذلك دافعوا عنه بهذه الصفة.
محل ثقة سعد زغلول
ويبدو أن دور محمد توفيق نسيم باشا في التمهيد لتولي سعد زغلول الوزارة وتشكيلها كان من وراء هذا الاختيار، من المؤكد بالطبع أن الرجلين كانا محل ثقة بعضهما بعضا، ولم يكن هذا أو ذاك هو السبب الوحيد في اختيار هذا لذاك، لأنه لو كان الأمر كذلك لانضم نسيم باشا إلى سعد باشا منذ البداية، لكن طبيعة شخصية نسيم باشا كانت تختلف عن طبيعة الذين يقبلون بالانضمام للحركة الوطنية.
ننتقل إلى استعراض مجمل تاريخ نسيم السياسي فنقول إن محمد توفيق نسيم باشا واحد من اثنين فقط من رؤساء الوزارات توليا رئاسة الوزارة 3 مرات في عهد الملك فؤاد، أما الثاني فهو عدلي يكن باشا، ولا يفوق هذين الرجلين في عهد الملك فؤاد أحد آخر. فالنحاس باشا نفسه الذي تولى الوزارة سبع مرات لم يرأس إلا وزارتين في عهد الملك فؤاد، وحسين سري باشا الذي رأسها خمس مرات كانت كلها في عهد الملك فاروق، وظني أن الملك فؤاد كان يقدر محمد توفيق نسيم باشا ويرتاح له بأكثر من عدلي باشا يكن أو أي سياسي آخر من تلك الطبقة، وقد كانت الأسباب والمظاهر الدالة على هذا واضحة، ذلك أن عدلي باشا يكن على سبيل المثال وصل إلي رئاسة الوزارة بناء علي رغبة أو تأكيد قاعدة سياسية، فقد شكل وزارته الأولى في 1920 بناء على توافق أو اتفاق مع الوفد، ولهذا سميت هذه الوزارة بوزارة الثقة، وحين شكل وزارته الثانية فقد كانت وزارة ائتلاف مع الوفد بزعامة سعد باشا زغلول، وحين شكل وزارته الثالثة فقد كانت وزارة محايدة لإجراء الانتخابات لكي يعود الوفد. وهكذا يتبين لنا أن عدلي لم يصل إلى رئاسة الوزارة (وربما لم يقبلها كذلك) إلا باتفاق مع الوفد أو بموافقته، ولم يصل إليها من أجل تحطيم الوفد أو معاداته أو القضاء عليه على نحو ما كان الهدف المعلن في وزارات إسماعيل صدقي باشا، ومحمد محمود باشا، وأحمد ماهر باشا.
أما محمد توفيق نسيم باشا فقد شكل وزارته الأولي لتكون ثالث الوزارات الإدارية التي لم تكن في جوهرها أو حتى في مجرد تشكيلها إلا بمثابة تعبير بدرجة ما عن عداوة للوفد وللحركة الوطنية. أما وزارتاه الثانية والثالثة فكانتا أو كانت إحداهما على الأقل محاولة يائسة لإنقاذ ماء الوجه من قبل سلطة الملك.
أما المظهر الثاني لصعود محمد توفيق نسيم باشا فهو أنه كان أسرع من وصل من الوزراء إلى رئاسة الوزارة فيما قبل الثورة وبعدها كذلك، فقد وصل إليها بعد عام واحد فقط بالضبط من دخوله الوزارة، فهو نفسه لم يصبح وزيرا إلا في أولى الوزارات الإدارية التي تشكلت برئاسة محمد سعيد باشا، ثم اشترك في الوزارة الإدارية الثانية برئاسة يوسف وهبة باشا وأصبح وزيرا للداخلية، وسرعان ما أزاح هو نفسه رئيس الوزارة، ليحل محله بعد عام بالضبط من دخوله الوزارة، وكان هذا أسرع معدل للوصول من منصب الوزير إلى منصب رئيس الوزارة حتى ذلك الوقت، بل إنه ظل محتفظا بهذا المعدل القياسي طيلة عهد الملكية.
فضلا عن هذا فإنه فيما بين كبار رجال الدولة لم يكن أحد من الوزراء أو رؤسائهم قد حصل على الرقم القياسي من الأوسمة والنياشين التي حصل عليها محمد توفيق نسيم، وقد سجل الدكتور عادل إبراهيم الطويل هذه الحقيقة في رسالته المنشورة عن محمد توفيق نسيم باشا ودوره في السياسة المصرية.
في مذكرات صدقي باشا
وإلي حين تولى محمد توفيق نسيم باشا رئاسة الوزارة لم يكن أحد من المتخرجين بعده في كلية الحقوق قد وصل قبله إلى هذه الرئاسة، ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن الشائع أن عبد الخالق ثروت كان أصغر مَنْ وصل إلى رئاسة الوزارة، لكن الحقيقة هي أن محمد توفيق نسيم باشا كان هو أصغر مَنْ وصل إلى رئاسة الوزارة ، فقد رأس الوزارة قبل عبد الخالق ثروت باشا الذي يسبق نسيم باشا في التخرج، وتشيع في بعض الكتابات أنهما كانا من دفعة واحدة ، لكن الحقيقة أنهما من دفعتين متتاليتين، أما زميل دفعة محمد توفيق نسيم باشا فهو السياسي المحنك إسماعيل باشا صدقي، وقد وصل قبله إلى الوزارة، لكن نسيم باشا سبق صدقي باشا وثروت باشا إلى الرئاسة، وقد ذكر صدقي باشا نفسه في مذكراته أنه كان يتبادل الأولية مع نسيم باشا طوال سنوات الدراسة، فلما تخرجا كان هو الأول بينما كان نسيم الثاني، ويتناقض هذا مع ما كان شائعا في كثير من الكتابات من أن نسيم هو الأول وإسماعيل صدقي الثاني، وكان مصدر هذه المعلومة هو الكتاب التذكاري الذي أصدرته كلية الحقوق في عيدها الخمسين، وممن نقلوا عنه هذه المعلومة الأستاذ محمود كامل المحامي في كتابه “يوميات محام”. أما الكتاب الذي صدر في العيد المئوي لكلية الحقوق فيثبت أن إسماعيل صدقي كان الأول.
وعلى كل حال فمن الإنصاف أن نشير إلى أن مكانة نسيم باشا في التاريخ لا تقارن أبدا بمكانة صدقي باشا الرجل القوي على الرغم مما هو مأخوذ عليه من أنه عدو الشعب في فترة انقلابه في الثلاثينيات لكن صدقي بكل عيوبه ظل لامعا ومنتجا ومؤثرا في الحياة السياسية المصرية لأكثر من نصف قرن.
ومن الطريف ـ وهو متوقع ـ أن صدقي ونسيم لم يتعاونا أبدا في وزارة واحدة، فلا هذا عمل تحت رئاسة ذلك، ولا ذلك عمل تحت رئاسة هذا، ولا عمل الاثنان معاً تحت رئاسة ثالث.
محمد توفيق نسيم باشا إذاً هو أول خريج لكلية الحقوق المصرية ( بعدما تسمت المدرسة بهذا الاسم الصريح بعد اسمها السابق ) يصل إلى رئاسة مجلس الوزراء وإلى رئاسة مجلس الشيوخ، وقد وصل إلي رئاسة الوزراء قبل خمسة من رؤساء الوزارة البارزين الذين كانوا قد تولوا مناصبهم الوزارية قبله وهم: سعد زغلول باشا، وعدلي يكن باشا، وعبدالخالق ثروت باشا، وإسماعيل صدقي باشا، وأحمد زيور باشا، ذلك أنه يليهم في تولي الوزارة لكنه يسبقهم في تولي رئاسة الوزارة ، كما أنه أول من تولى رئاسة الشيوخ من خريجي كلية الحقوق ، وقد تولاها عام 1925 في عهد حكومة أحمد زيور، ومن الطريف أن زيور كان هو رئيس الشيوخ السابق عليه، فلما أصبح زيور رئيسا للوزراء اختير محمد توفيق نسيم باشا رئيسا لمجلس الشيوخ.
وهو واحد من تسعة رؤساء وزارة قبل الثورة عملوا وزراء بعد توليهم الرئاسة.، حيث اشترك في وزارة سعد زغلول باشا كوزير للمالية.
ثلاث وزارات
تمـتد الفترة الـتي تولى فيها محمد توفيق نسيم باشا مناصـب وزاريـة قـرابة 17 عـاماً، تولى فيـها ثلاث وزارات فقـط هي: الأوقاف، والداخلـية (4 مرات)، والمالية. وقد اشترك محمد توفيق نسيم باشا في 3 وزارات فقط غير وزاراته الثلاث التي رأسها، وعمل مع ثلاثة رؤساء للوزارة. ويمكن القول بأنه محمد توفيق نسيم باشا كان أبرز نجوم الوزارات الإدارية التي حكمت في أثناء ثورة 1919، فقد بدأ مناصبه كوزير للأوقاف طيلة وزارة محمد سعيد باشا الثانية التي استمرت 6 أشهر، وهي أولى هذه الوزارات. فلما تغير رئيس الوزراء ليخلفه يوسف وهبة لستة أشهر أخرى (نوفمبر 1919 ـ مايو 1920) أصبح محمد توفيق نسيم باشا وزيراً للداخلية واستطاع أن يقدم نفسه للقصر بحيث أصبح هو رئيس الوزراء التالي، وقد استمرت وزارته عشرة أشهر وهي أطول الوزارات الإدارية عمراً، وجمع فيها الداخلية مع رئاسة الوزارة، وكذلك فعل في وزارتيه التاليين لأنه لم يكن علي استعداد أن يضحي بنفسه على يد وزير داخلية آخر على نحو ما فعل هو نفسه في يوسف وهبة. وقد استمرت وزارته الثانية سبعين يوماً فقط (30 نوفمبر 1922 ـ 9 فبراير 1923)، ووضح للناس عجزها عن مواجهة الموقف. أما وزارته الثالثة فهي أطول وزاراته عمراً وقد استمرت 14 شهراً ونصف الشهر (14 نوفمبر 1934 ـ 30 يناير 1936).
يقال إن نسيم باشا رأس وزارته على نحو ما انتهت إليه الوزارة السابقة تقريبا، لأنه لم يترك من الوزارة عند تشكيلها إلا وزيرا واحدا فقط هو يحيى إبراهيم باشا الذي لم يشأ فيما يبدو الاستمرار تحت رئاسة محمد توفيق نسيم، وفي الحقيقة فإن في هذا القول قدر كبير من التجاوز ذلك أن محمد توفيق نسيم باشا اختار ثلاثة وزراء جدد في وزارته الأولي وهم: سميه محمد توفيق رفعت وكان نائباً عمومياً فعين وزيراً للمعارف العمومية (ليخلف يحيى إبراهيم باشا الذي كان رئيساً لمحكمة الاستئناف قبل توليه وزارة المعارف)، ومحمود فخري باشا، وهو ابن حسين فخري رئيس الوزراء السابق، وقد عين وزيراً للمالية ليحل محل رئيس الوزراء السابق في هذه الوزارة، ويوسف سليمان بك (وهو الوحيد الذي لم يكن حائزاً لرتبة الباشوية في هذه الوزارة)، وقد أسندت إليه وزارة الزراعة التي كان يتولاها محمد شفيق باشا علي سبيل النيابة في نهاية الوزارة السابقة.
وعلى خلاف موقف يحيى إبراهيم باشا فقد قبل أحمد زيور باشا أن يعمل تحت رئاسة محمد توفيق نسيم مع أنه كان أسبق منه إلى تولي الوزارة، ومن المصادفات الطريفة والجديرة بالذكر أن هذين المستشارين (من رفض، ومن قبل أصبحا رئيسين للوزارة بعد ذلك ) وقد احتفظ زيور باشا بوزارة المواصلات التي كان يتولاها في الوزارة السابقة، كذلك قبل أحمد ذو الفقار باشا أن يعمل تحت رئاسة محمد توفيق نسيم مع أنه كان قد دخل الوزارة مع نسيم في نفس اليوم وكان اسمه في كشف الوزارة سابقاً على اسم محمد توفيق نسيم باشا ، وقد احتفظ ذو الفقار بالحقانية.
كما احتفظت الوزارة باثنين من الوزراء الذين لم يدخلوها إلا في الوزارة السابقة مباشرة وهي وزارة يوسف وهبة، وهما: محمد شفيق وزير الأشغال العمومية والحربية والبحرية، وحسين درويش باشا وزير الأوقاف.
وقد ظلت وزارة محمد توفيق نسيم باشا الأولى على ما كانت عليه عند تشكيلها وحتى استقالتها ولم يشملها أي تغيير.
أما وزارته الثانية فقد ضمت كما وصفها المؤرخون مجموعة من كبار الموظفين لكنهم كانوا إداريين أكفاء.
اسهامات في العمل التنفيذي والتشريعي
نأتي إلى إسهامات محمد توفيق نسيم باشا في العمل التنفيذي والتشريعي ففي وزارته الأولى تمت مجموعة إنجازات مهمة في مجال التعليم يتقاسم فضلها مع زميله وزير المعارف في تلك الوزارة وهو محمد توفيق رفعت. فافتتحت مدرسة راقية للبنات في القاهرة. وبدأ استخدام اللغة العربية في تدريس التاريخ والجغرافيا بمدرسة المعلمات السنية بالقاهرة ابتداء من العام الدراسي الذي يبدأ من أول يناير 1921. وتمت الموافقة على إنشاء مدارس صناعية للأحداث المتشردين على مساحة 20 فدانا بالجبل الأصفر.
وتمت أيضاً الموافقة على مقترحات وزارة المعارف بأن يلتحق التلاميذ الحاصلون على مجانية التعليم في التعليم الثانوي بمدرسة المعلمين السلطانية، وذلك في مقابل تعهدهم بالعمل بمهنة التدريس بعد تخرجهم. وتم الترخيص لوزارة الأشغال بإيفاد بعض المهندسين إلى إنجلترا لتلقي الدروس العالية.
وفي المجال الاقتصادي استصدر مرسوماً بتقليل المساحات المخصصة لزراعة القطن، وأوقف تحصيل الرسوم الجمركية على واردات القمح والدقيق لمدة عام، وأصدر أوامر بعدم تقييد زراعة أي صنف إلا باستثناءات قليلة.. ومنع تصدير وإعادة تصدير بعض المحاصيل الزراعية إلا بترخيص. كما أنه انتبه إلى تشكيل مجلس لبحوث القطن لتحسين أصنافه. وكان أول من أصدر تشريعات بتقييد إيجار المساكن (للسكن ولغير السكن). وبدأت في عهده دراسات توليد الكهرباء من خزان أسوان.
وفي وزارته الثانية تعدل النظام المالي بحيث تجري المناقصات في جميع المشتريات التي تزيد قيمتها على مائة جنيه، كما صدر قانون تنظيم أعمال قضايا الحكومة، وبدأ تصاعد موجة التخلص من الموظفين الأجانب العاملين في البلاد،
وفي وزارته الثالثة أعاد محمد توفيق نسيم باشا إلى الخدمة كلا من الدكتور عبد الرزاق السنهوري والدكتور طه حسين ضمن الموظفين الذين كانوا مفصولين خلال عهد صدقي باشا.
محاولات لاغتياله
عانى نسيم باشا من محاولات كثيرة لاغتياله واغتيال وزارته في أثناء رئاسته المبكرة للوزارة، ومن الأفضل أن ننقل ما لخص به أستاذنا عبد الرحمن الرافعي هذه المحاولة:
« في نحو الساعة التاسعة من صباح يوم 12 يونية سنة 1920، وقع اعتداء علي محمد توفيق نسيم باشا رئيس الوزراء بإلقاء قنبلة عليه، أخطأته ولم تصبه، وبيان ذلك أنه بينما كان قاصدا إلى مقره بوزارة الداخلية، ألقى شاب علي سيارته قنبلة في شارع الشيخ ريحان (الذي يسمى أيضا باسم السلطان حسين) عند اتصاله بشارع الشيخ عبدالله (شارع مصطفي كامل الآن)، فانفجرت القنبلة على الأرض إلى يمين السيارة وحطمت زجاجها، لكنها لم تصب رئيس الوزارة، وأصابت سائق سيارته بجرح بليغ، وكان للانفجار دوي شديد، سمعه سكان عابدين والأحياء المجاورة له كالحلمية والسيدة زينب حتى الدرب الأحمر والموسكي، وكان شبيها بصوت مدفع الظهر، وتبين أن المعتدي شاب يدعي إبراهيم حسن مسعود من موظفي حسابات مصلحة الصحة، وقد حاول الهرب بعد الحادث، لكن الجاويش خليفة يوسف لحق به، فأطلق عليه الشاب رصاصة من مسدس كان معه فأصابه إصابة خفيفة، وظل الجاويش يتبعه غير مكترث بإصاباته حتى تعب، ودخل المعتدي حارة واختفي بأحد منازلها، وفي هذا الوقت وصل رجال البوليس السلطاني وبوليس قسم عابدين وطوقوا الحي من جميع جهاته حتى قبضوا علي أربعة من الشبان وساقوهم إلى قسم عابدين».
«ولما بلغ السلطان (الملك فؤاد) نبأ الحادث أوفد كبير الأمناء إلى نسيم باشا لتهنئته بنجاته، وعلى أثر ذلك حضر نسيم باشا إلى سراي عابدين ليقدم واجب الشكر إلى عظمة السلطان، ثم زاره السلطان في منزله في منتصف الساعة الرابعة بعد الظهر، تقديرا له وتكريما، وعقب هذه الزيارة حضر نسيم باشا إلى السراي لتقديم فرائض الشكر مرة ثانية فأنعم عليه السلطان بالوشاح الأكبر من نيشان محمد علي، وقلده إياه بيده.
وقد حوكم المتهم أمام محكمة عسكرية بريطانية، وحكم عليه بالإعدام، ونفذ فيه الحكم».
تم النشر نقلا عن موقع الجزيرة مباشر
لقراءة المقال من موقع الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا