الرئيسية / المكتبة الصحفية / الشيخ حافظ وهبة.. السياسي المصري الكويتي السعودي

الشيخ حافظ وهبة.. السياسي المصري الكويتي السعودي

كان تأسيس المملكة العربية السعودية نموذجا بارزا لتأسيس دولة تعتمد على الخبرات العابرة للوطنية فلم يقتصر الفريق العامل مع الملك المُؤسس عبد العزيز آل سعود على مواليد جزيرة العرب وإنما انفتح المجال واسعا أمام المُشاركات من دول إسلامية عديدة، وعلى الرغم ممّا هو معروف الآن في كتابة التاريخ السعودي عن الانحياز غير المبرر المُبالغ لفكرة السّعْوَدة ونفي الفضل عن غير السعوديين فإن الفترة الأولى من عُمر المملكة التي تأسّست 1932 والفترة التي سبقتها منذ بدأ سُلطان عبد العزيز آل سعود يتّسع شهدت اعترافا بل اعتزازا علنيا وواضحا وفخورا بكثير من الرجال الذين ظهروا على المسرح مع الملك عبد العزيز آل سعود بلا أيّة حساسية أو تأفّفٍ على النحو الذي أصبح سمةً بارزة في العصر الحاضر الذي نعيشه.

 

تبقى للتاريخ كلمته في قيمة كل رجل من هؤلاء الرجال وإسهاماته في تأسيس المملكة ثم في ممارساتها لوجودها وحضورها في الإقليم والعالم، مع احترام ما للسعوديين من حق أو مبرر لطريقتهم في تسجيل هذا التاريخ على نحو يحتكر العبقرية والمبادرة والفهم للملك المُؤسس، ولا يترك لهؤلاء المُستشارين أو المُعاونين أو المُساعدين إلا هوامش ضئيلة من التفوّق العقلي والمعرفي على الرغم من أنهم كانوا عباقرة بالفعل.

 

نتحدث عن الشيخ حافظ وهبة بما تُفضّلُ المصادر السعودية الحديث عنه، ونبدأ بأن نُذكر أنداده المصريين الذين وصلوا من المكانة العلمية إلى ما لم يصل إليه مع أنه ابتدأ الدراسة في السلك الذي درسوا فيه، وهو مدرسة القضاء الشرعي وهي لمن يعلم مدرسة عُليا أسّسها سعد زغلول في الفترة التي كان له نفوذ في المعارف، وانتهج في تنشئتها نهجا قريبا من نهج علي مبارك باشا في إنشاء دار العلوم.. وببساطة شديدة فقد كانت الفكرة في هاتين المدرستين رغم اختلاف عصر نشأتهما ومجال عملهما هي أن تكون المدرسة بمثابة جامعة صغيرة وليست بمثابة مدرسة عليا أي أن تتوافر فيها دراسات عابرة للمهنة المُحدّدة بحيث يُصبح الخرّيج من هذه المدرسة أو تلك صالحا كالخرّيج الجامعي والأزهري للعمل في أكثر من ميدان.

ببساطة شديدة فإن القضاء الشرعي ودار العلوم كانتا تُعدّان خريجا جامعيا وليس خريجا مهنيا مثل مدرسة المعلمين العليا أو مدرسة الطب أو مدرسة الهندسة.. كانت هاتان المدرستان قريبتين تماماً من الأزهر مع الإفادة من المنهج الفرنسي في الدراسات العرضية المتوازية، وهو منهج كان يحظى ببريق عقلي في ذلك العصر حتى إن الجامعة المصرية الرسمية في أول عهدها (1925) أخذت بنظام يمنح درجة مشتركة بين الحقوق والآداب وكان أبرز خِرّيجيها الدكتور محمد مندور.

 

كان الشيخ حافظ وهبة من هؤلاء الذين درسوا في مدرسة القضاء الشرعي التي خرّجت في ذلك الجيل رجالا من طراز أحمد أمين القاضي الشرعي الذي أصبح أيضا أستاذا للأدب العربي وعميدا لكلية الآداب وعضوا في مجمع اللغة العربية ورئيسا لتحرير مجلة الثقافة وخرّجت أيضا عبد الوهاب عزّام الذي أصبح أيضا أستاذا وعميدا لكلية الأدب وعضوا في مجمع اللغة العربية ومديرا مُؤسّسا لجامعة الرياض.

 

إلى هذا الجيل ينتمي الشيخ حافظ وهبة الذي ولد في عام 1889 وهو العام الذي ولد فيه العقاد وطه حسين ومارس العمل الوطني مُبكراً فاضطرّه الاحتلال الإنجليزي إلى الهروب خارج مصر، فاختار الكويت، وفي الكويت بنى مجده الأول مُعلما وناصحا ومستشارا للبيت الحاكم ومن خلال المفاوضات مع حكام الكويت عرفه السلطان عبد العزيز آل سعود (قبل أن يُصبح ملكا) ورأى أنه أولى به وبخبراته من الكويت، وهكذا أصبح الشيخ حافظ وهبة هو العقل البارز في البلاط السعودي حتى من قبل نشأته، وهو الذي تولى تنظيم العلاقة بين السعوديين وبريطانيا (في عهد الملك جورج الخامس) حيث كان هو مستشار الأمير فيصل حين كان لا يزال في الحادية والعشرين من عمره حين وقّع المعاهدة مع بريطانيا، ثم كان الشيخ حافظ وهبة هو مهندس العلاقات السعودية العربية بدءاً بمصر، ثم كان هو السفير السعودي في لندن حين كان السفير لا يزال يُسمّى بالوزير المفوض فحسب.

 

هكذا كان من حُسن حظ السعودية أن يُسهم هذا العقل الذكي في وضع كثير من صيغ تعبيرها عن توجّهاتها بما في ذلك العلم السعودي الشهير، وبما في ذلك أيقونات التعبير المشهورة عن السياسة السعودية عربيا وإسلاميا في عصر كانت هذه السياسة تحظى بالقبول وتسعى لهذا القبول. من الجدير بالذكر أن أسرة الشيخ حافظ وهبة عاشت في مصر حتى وهو مستشار للملك عبد العزيز آل سعود وسفير للسعودية في لندن، وليس أدّل على بقائهم في مصر من زيجات بناته:

 

– فابنته آمال الشهيرة بعزة تزوجّت المحامي المصري عبد المنعم الجمال وكان هذا المحامي المصري ابنا لمحافظ السويس، أما والدته فكانت ابنة النائب العام المصري طاهر باشا أنور.

– وابنته بثينة حافظ وهبة كانت زوجا لرئيس مجلس إدارة شركة الحديد الصلب المهندس سمير طاهر

– وابنته ثريا كانت متزوجة من السفير محمد عبد الوهاب

– ابنته ليلى حافظ وهبة كانت متزوجة من المهندس عادل حسن الذي عمل رئيسا للجهاز المركزي للمحاسبات.

  

أما الشيخ حافظ وهبة نفسه فكان زوجا للسيدة اعتدال يوسف زادة وهي من عائلة تضم عددا من الضباط العسكريين الذين ارتبطوا بثورة يوليو 1952 وأنظمة الحكم المُتعاقبة فيها وكان منهم بعض السفراء كما كان منهم سعيد زادة الذي عمل كبيرا للأُمناء برئاسة الجمهورية لفترة طويلة.

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة

لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com