تذهب بعض الروايات إلى أن الرئيس رياض الصلح وهو زعيم السنة في لبنان قبل ببعض التنازلات غير المعهودة في أُخريات حياته
أحيانا ما يكون استقلال الدول تحصيل حاصل، لا أحد يعترض عليه ولا أحد يُعطله، وأحيانا ما يكون مخاض الاستقلال صعبا حرجا أقرب إلى المستحيل منه إلى التحقق، وقد كان استقلال لبنان من هذا النوع بل إن هذا الاستقلال بعدما تحقق وجد تعسٌفا وتعنٌتا من القوات الفرنسية الموجودة على أرض لبنان مما جعل اللبنانيين يستأنفون الجهاد على منابر الأمم المتحدة ..
وفي المجتمع المدني فلما قيض لهم أن ينجحوا ويفوزوا احتفلوا بما يسمى الجلاء بعد الاستقلال.
كانت شخصية الرئيس رياض الصلح بمثابة المفتاح السحري الذي مكٌن الأمل اللبناني من أن يتحقق، جاهد واجتهد وفاوض وقايض وصبر واصطبر ثم مات من دون أن يأتي (حتى الآن) الوقت الذي يُسجل فيه التاريخ الصعوبات التي اجتازها ..
والتحديات التي فُرضت عليه والمقايضات التي قبل بها حتى تكون لبنان هي لبنان بدلا من أن تكون مجموعة من الكيانات الصغيرة التي ترعاها دولة كبيرة تبعد عنها آلاف الأميال أو تتصارع عليها مع دولة أخرى على بعد آلاف الأميال الأخرى.
ومن الإنصاف هنا أن نشير إلى الكتاب الجميل الذي كتبه باتريك سيل بعنوان “الرئيس رياض الصلح والنضال من أجل الاستقلال العربي”، وقد أنجز ترجمته للغة العربية الأستاذ عمر سعيد الأيوبي، وصدر منذ عهد قريب عن الدار العربية للعلوم.
مولد زعيم
كان من حظ الرئيس رياض الصلح أنه وجد رفيقه في الاستقلال اللبناني الرئيس بشارة الخوري المحامي ونقيب المحامين الطموح إلى خدمة وطنه بعيدا عن المزايدات وعن الارتباطات الإقليمية والدولية ..
وكان من حسن حظ الرئيس رياض الصلح أنه كان قد لحق بموجة تأسيس الجامعة العربية وعرف النحاس باشا ووثق علاقته به، وأصبح يزور مصر كزعيم، كما عرف سعد الله الجابري رئيس وزراء سوريا وتعاون معه إلى أقصى حد، وعرف هاشم الأتاسي وشكري القوتلي وخالد العظم و فارس الخوري وبنى علاقته بكل منهم علاقة شقيق بشقيق بعيدا عن مناوشات الانشقاق والانفصال وعداوات الأشقاء والجيران.
بعود الفضل إلى الرئيس رياض الصلح في تهيئة السبيل إلى وجود لبنان على النحو الموجود عليه، فقد اجتمع الزعماء على قلب رجل واحد هو الرئيس رياض الصلح فأصبح زعيما ..
فكأن زعامته ولدت من خلال ممارساته الاستيعابية الذكية وذلك بأكثر من أن يكون قد بدأ بالزعامة ثم دعمها، وإنما كان يتصرف تصرف الزعيم فأصبح زعيما، وفي هذا السبيل فإنه خاض التحالفات والمناقشات والمعارك بروح ساعية إلى الائتلاف والتعاون والاستيعاب فكان له ما أراد.
وقد ضم لبنان متصرفية جبل لبنان وبيروت وطرابلس وأقضية بعلبك والبقاع وحاصبيا وراشيا، والأراضي الداخلية لصيدا في جبل عامل وأراضي طرابلس في عكار وسهل البقاع الغني في الشرق ولنذكر على سبيل المثال أن مدينة بيروت نفسها لم تكن ضمن متصرفية جبل لبنان العثمانية التي صدر بها القانون العثماني في 1864، وكذلك لم تكن أقضية بعلبك وصور وصيدا وطرابلس من تلك المتصرفية.
كان الرئيس رياض الصلح يحارب في جبهات القومية العربية متعاونا بدأب وإخلاص مع من نعرفهم الآن على أنهم من السوريين والفلسطينيين والقوميين اللبنانيين و متعاونا مع من نعرفهم الآن على أنهم من اللبنانيين الأقحاح ..
لكنه في الوقت ذاته لم يكن يتقبٌل التعلق بفكرة من قبيل الاتحاد الهاشمي أو سوريا الكبرى ولا فكرة أنطون سعادة في القومية السورية التي تشمل سوريا ولبنان وتستبعد القومية العربية والقومية اللبنانية ..
وهكذا فإن الرئيس رياض الصلح كان يسير على حبل مشدود ويستند في سيره عليه إلى الأمر الواقع من ناحية وإلى معطيات ومردودات الصراع الاجتماعي والاقتصادي المساعدة على بلورة الكيان الجديد من ناحية أخرى.
بداية النضال
بدأ الرئيس رياض الصلح جهاده مع الشيخ أمين الحسيني والزعيم إحسان الجابري والأمير شكيب أرسلان متخذين من مكتب جنيف قاعدة لتحركاتهم من أجل المطالبة باستقلال بلاد الشام سواء في ذلك سوريا ولبنان وفلسطين ..
وتردد الرئيس رياض الصلح على كثير من العواصم الغربية من أجل هذا الهدف، وكان يكثر من زيارة الجمعية الوطنية الفرنسية ومكاتب الصحافة في العواصم الغربية، وأهله هذا كله لأن يُصبح شخصية معروفة في المجتمع الأوربي على نحو ما كان الزعماء الوطنيون يُعرفون ويتعارفون بالاتصال المباشر في ذلك العصر
تذهب بعض الروايات إلى أن الرئيس رياض الصلح وهو زعيم السنة في لبنان قبل ببعض التنازلات غير المعهودة في أُخريات حياته، ومع أننا لا نملك حقيقة فيما يتعلق بهذه الجزئية فإننا نفهم أن الرئيس رياض الصلح كان مستعدا لأي توافق معلن أو خفي من أجل شراء لبنان من الفتنة ..
بالطبع فإنني بهذا القول لا أُزكي التحول من مذهب إلى مذهب، لكني أريد بهذا الإشارة إلى أن ألفت النظر إلى حجم الضغوط غير المعقولة التي واجهت هذا الرجل في حياته وتحملها على طريقته كي يُنقذ مستقبل لبنان ومستقبل أهل لبنان ..
وكلنا يعرف أنه قبل بدعاوى الغربيين فيما يتعلق بعدد السكان من الطوائف المختلفة فقبل هذه الدعاوى على الرغم من أنه يعرف الحقيقة، لكنه كان يعرف أيضا أن تمسكه بالحقيقة لن يمكنه من أن يحافظ على لبنان، ولهذا فإنه حافظ على لبنان على حساب الحقيقة التي لا تغيب بالطبع.
ولد الرئيس رياض الصلح في 1894 في مدينة صيدا اللبنانية وتوفي في عمان عاصمة الأردن في 17 يوليو 1951 توفي اغتيالا قبل أن يُغتال الملك عبد الله ملك الأردن نفسه بخمسة أيام ..
لا أحد يعلم حتى الآن علاقة اغتيال هذا الزعيم باغتيال ذلك الملك، ولا أحد يعلم حتى الآن حجم التورط الخارجي في الاغتيالين، فقد كان الاغتيال قد نُفذ بالطريقة الشيطانية التي صادفها الأمريكيون أنفسهم بعد 12 عاما في اغتيال الرئيس جون كينيدي، وهي أن يتم قتل القاتل قبل أن يبوح بكل الأسرار ودون أن يعرف أو يشك في أنه نفسُه سيُقتل.
كان جد الرئيس رياض الصلح متزوجا من ابنة مفتي دمشق، أما والده رضا بك الصلح فكان حاكما للنبطية ثم متصرفا (قائم مقام صيدا) كما كان عضوا في مجلس المبعوثين العثماني عن بيروت ثم وزيرا للداخلية في حكومة الأمير فيصل في دمشق. وكانت عائلة الصلح قد انتقلت لبيروت في أواخر القرن التاسع عشر.
أما الرئيس رياض الصلح نفسه فقد تزوج من عائلة الجابري الحلبية الشهيرة التي ينتمي إليها سعد الله الجابري الزعيم السوري العظيم وشقيقه الأكبر إحسان بك الجابري.
التعسف الفرنسي
تلقى الرئيس رياض الصلح تعليما متميٌزا ونال إجازة الحقوق من جامعة باريس وحضر في صباه وفتوته مظاهر السياسة والحزبية في أخريات العهد العثماني، وقُدٌر له أن ينضم وهو صغير إلى والده رضا بك الصلح في مناوءة حزب الاتحاد والترقي الذي كان إيذانا بتمزيق الدولة العثمانية ..
لكن رضا بك الصلح لم ينخدع في ذلك الحزب، وأنار عقلية ابنه الرئيس رياض الصلح بهذا الفهم الذكي الذي لم يكن العرب قد وصلوا إليه في ذلك الوقت، وكان من الطبيعي أن يعاقب الاتحاديون رضا بك وابنه رياض وهكذا تقرٌر نفيهما إلى الأناضول حيث قضيا الفترة من 1916 وحتى 1918 ..
فلما انتهت الحرب العالمية الأولى انتقل إلى دمشق وانضم إلى جمعية العربية الفتاة، وكانت كما نعرف جمعية سرية، ولما تأسست المملكة السورية كان سعيدا بها فلما انتهى عهدها 1920على يد الانتداب الفرنسي الظالم انتقل مضطرا إلى القاهرة وانضم إلى التنظيمات التي حاولت إنقاذ أقطار الشام من تعسٌف الفرنسيين الذين رأوا نهاية الدولة العثمانية فرصة لهم كي يحتلوا بلادا تاقوا إلى احتلالها كثيرا من دون أن يتحقق لهم حُلمهم، ولهذا السبب فقد كان جُورهم وعسفهم بأهل الشام مضاعفا.
عندما دخل الفرنسيون دمشق كان الرئيس رياض الصلح في السادسة والعشرين من عمره فركب القطار مع السياسيين العرب الأصلاء تحسبا من مصيرهم المتوقع حين يتعرٌف عليهم الفرنسيون ويعتقلونهم ..
وفي بيروت بقي أسبوعا في بيت سامي الصلح زوج شقيقته، علم في نهايته أن محكمة فرنسية حكمت عليه بالإعدام في 9 أغسطس.
ارتحل الرئيس رياض الصلح إلى فلسطين في قارب صيد صغير ومنها للقاهرة، وبعد أن قضى أسابيع في القاهرة سافر إلى روما فأقام مع بعض أصدقاء طفولته، وتصادف أن تعرٌف على الكونت شيانو الذي أصبح بعد هذا زوجا لابنة للدوتشي موسوليني ووزيرا لخارجيته.
وفي صيف 1921 حضر الرئيس رياض الصلح المؤتمر السوري الفلسطيني في جنيف ثم سافر إلى لندن للقاء الزعيم الصهيوني وايزمان والسير هيربرت صموئيل المندوب السامي البريطاني في فلسطين كما التقى في عمان بالأمير عبد الله (الملك عبد الله بعد ذلك) والتقى قي برلين وباريس بعدد من الساسة والصحفيين من جميع الدول والاتجاهات.
في نهاية 1923 اتجه إلى حيفا وتمكن من الحصول على العفو من السلطات الفرنسية بشهادة وقعها الجنرال ويغان نفسه وعاد من المنفى إلى بيروت في أوائل 1924 بعد ثلاث سنوات ونصف.
بفضل النشاط الذئوب والاتصال بالطبقات المختلفة أصبح الرئيس رياض الصلح متمتٌعا بثقة الزعيم النحاس باشا في القاهرة وبالمعرفة الوثيقة بزعماء المغرب العربي الذين كانوا يلجؤون إلى القاهرة بل إنه اتصل بالطبقة العاملة والحركيات النقابية الناشئة في ذلك الوقت ..
لكن الرئيس رياض الصلح بدأ يوجٌه جهوده إلى فرنسا من أجل التباحث مع الفرنسيين مقتديا في هذا السلوك بما رآه من نجاح الزعيم اليهودي وايزمان في لندن لا في فلسطين نفسها.
الجهاد في المحافل الدولية
ظل الرئيس رياض الصلح يجاهد في المحافل الدولية منحازا إلى قضية حرية بلاده حتى أمكن له أن يعود إلى لبنان حين خفت قبضة فرنسا عليها مع الثورة السورية في 1935 ومعاهدة 1936 ووجود اليسار الفرنسي في حكم فرنسا.
في يناير 1936 أصبح إيميل إده رئيسا للبنان بانتخابات فاز فيها على منافسه الرئيس بشارة الخوري، ومع أن الرئيس إيميل إده كان صديقا للرئيس رياض الصلح فإن الرئيس رياض الصلح كان منحازا إلى الرئيس بشارة الخوري الذي كان مع فكرة لبنان كما يراها الرئيس رياض الصلح بعيدة عن الارتباط العضوي بفرنسا على نحو ما كان الرئيس إيميل إده يريد.
كان فوز الرئيس إيميل إده في يناير 1936 على الرئيس بشارة الخوري قد تحقق من الجولة الثانية بخمسة عشر صوتا مقابل 10 (الأكثرية المطلقة) بعد ما فشل كلاهما في تحقيق أغلبيه الثلثين في الاقتراع الأول (حصل الرئيس إيميل إده على 14 وبشارة على10) وربما أن هذه النتيجة كانت هي الدافع للرئيس رياض الصلح أن يبدأ تحالفات جديدة تساعده على تحقيق هدف اللبنانيين في وجود لبنان على الصورة التي وجد عليها عند إعلان استقلاله.
في مارس 1936 وعقب هذه الانتخابات مباشرة انعقد مؤتمر الساحل الذي سبق له الانعقاد في 1928 و1933 وقد أبرمت المعاهدة الفرنسية اللبنانية بالأحرف الأولى في 13 نوفمبر 1936، بناء على مباحثات الرئيس إيميل إده مع الفرنسيين في بيروت (أكتوبر 1936) بالمواكبة مع مباحثات السوريين وإبرام المعاهدة السورية الفرنسية، واقتداء بما فعله النحاس باشا مع البريطانيين. وهكذا استطاع الوطنيون السوريون والوطنيون اللبنانيون أن يقفزوا على فكرة الصراع بين الوطنين السوري واللبناني من أجل أن يحصلوا للوطنين السوري واللبناني معا على الاستقلال، وكانت فكرة ذكية على الرغم مما يبدو من تعارُضها مع فكرة الوحدة العربية ووحدة الشام الكبير.
وبفضل جهد الرئيس رياض الصلح وإخلاصه انصهرت الروح السياسية اللبنانية بعيدا عن عصبية الطوائف واستنادا إلى تعاون اقتصادي وحضاري قائم بالفعل، ومع هذا فإن الفرنسيين كانوا يتربصون بالرئيس رياض الصلح إلى الدرجة التي دفعته للانسحاب من انتخابات 1937 حين أدرك أن التزوير سيكون سيد الموقف من أجل استبعاد وجوده.
تصاعدت محاولات الزعيم ديغول واللجنة الوطنية الفرنسية في الجزائر التي كانت تدير أمور لبنان وسوريا لإجهاض استقلال لبنان، وبدأ الرئيس رياض الصلح وزملاؤه يعانون في تعاملهم مع الجنرال الفرنسي كاترو ..
ذلك أن الفرنسيين لم يكونوا على استعداد لتنفيذ كل ما تعهدوا به، فقد كانوا لا يزالون متشبثين بالفكرة الاستعمارية وضرورة بقائهم في لبنان ولو تحت شعار وجودهم الثقافي ..
وهنا جاء دور الشارع اللبناني بمظاهراته وتعبيره الحي عن الغضب من المماطلة الفرنسية، وتدخلت بريطانيا من خلال إطار ذي وجهين يتمثل قي تحالفها و تنافسها في الوقت ذاته مع فرنسا ..
وتدخل الزعيم مصطفى النحاس باشا بمقترحاته الذكية المتعلقة بتوزيع المقاعد بين المسلمين والمسيحيين في لبنان تبعا لنسبة محددة هي 5:6 (30 مقعدا للمسيحيين و 25 مقعدا للمسلمين)..
قد تمثل ذكاء الرئيس رياض الصلح في قبوله بالتنازل لمصلحة بعض الطوائف من أجل أن يمرر الغرب هذه الصيغة الكفيلة بخروج فكرة لبنان المستقلة إلى الوجود دون تأجيل.
استعدادا للانتخابات البرلمانية التأسيسية تحالف الرئيس رياض الصلح مع الرئيس أحمد الأسعد وترك ما كان متوقعا من التحالف مع الرئيس عادل عسيران فإذا بالرئيس عادل عسيران نفسه ينضم إلى تحالف الرئيس الصلح مع الرئيس أحمد الأسعد ..
وإذا بهذه القائمة تحقق أكثر من (75% من الأصوات) وهكذا جاء الرئيس رياض الصلح إلى واجهة الحياة السياسية اللبنانية بأصوات اللبنانيين لا بنفوذ الفرنسيين ولا بتجهيزهم له..
وقد برزت معه زعامات ظلت لوقت طويل محور الحياة السياسية في لبنان سواء في ذلك المارونيون: الرئيس بشارة الخوري والرئيس إيميل إده والرئيس كميل شمعون، كما برز على صعيد آخر هنري فرعون ابن عمة الرئيس بشارة الخوري، والكاثوليكي الوزير سليم تقلا والأرثوذوكسي الوزير حبيب أبي شملا والبروتستانتي الرئيس أيوب ثابت الذي كان رئيسا سابقا للجمهورية..
ومن بين المسلمين السنة برز الرؤساء صائب سلام وعبد الله اليافي في بيروت، والرئيس عبد الحميد كرامي (والد الرئيسين رشيد وعمر) في الشمال ومن بين الشيعة برز الرؤساء صبري حمادة وعادل عسيران وأحمد الأسعد في الجنوب، ومن بين الدروز برز الزعيم كمال جنبلاط في جبل لبنان.
الطريق للحكومة
فاز الرئيس رياض الصلح بعضوية البرلمان، وعرف طريقه إلى المناصب التنفيذية في الحكومة اللبنانية حتى أصبح رئيسا للوزراء 1943 ولجأ هو ورئيس الجمهورية الرئيس بشارة الخوري ومعهما الرئيس صبري حمادة (1902 ـ 1976) رئيس البرلمان إلى تكنيك سياسي ذكي اعتمد على تعديل نصوص الدستور القائم ليتمكٌنوا من تحرير الإدارة اللبنانية من سطوة الحكومة الفرنسية وعرضت هذه التعديلات على البرلمان فأقرٌها أعضاء البرلمان.
وقد شملت هذه التعديلات التي قدٌمها رئيسا الجمهورية والوزراء معا وأقرها مجلس النواب كل النصوص المقيدة للاستقلال اللبناني وسمٌيت هذه التعديلات بالميثاق الوطني وواكبت تنظيم تركيبة الحكم الطائفي في لبنان وهي التي بمقتضاها يُصبح رئيس الجمهورية من الطائفة المارونية ورئيس الوزراء من أهل السنة، ورئيس مجلس النواب من الشيعة.
هكذا نجح تحالف الرئيس رياض الصلح والرئيس بشارة الخوري في توكيد استقلال لبنان من خلال ما سمي بالميثاق الذي لجأ فيه الرجلان كما أشرنا إلى تعديل مواد الدستور القائم بالفعل من أجل استكمال مقومات الاستقلال، ووصل الأمر بالرئيس رياض الصلح أن كرر كلمة الاستقلال ثلاثين مرة في خطابه في البرلمان اللبناني الذي ألقاه على هيئة شبيهة بخطاب العرش الذي كان يلقيه الزعماء المصريون في افتتاح كل دورة برلمانية.
ومع أن فرنسا رفضت وعارضت وهدٌدت بل واتٌخذت القرارات العنيفة التي استندت فيها إلى قوٌتها العسكرية الغاشمة فإن الرئيس رياض الصلح وقف بذكاء بالغ ضد هجمة فرنسا. وقد وصل به الأمر أن طلب من نائب المندوب العام الفرنسي أن يسحب المندوب رسالته التهديدية وسلمه رسالة واضحة بضرورة أن تتحول المندوبية الفرنسية إلى بعثة دبلوماسية فحسب وأن تنتقل كل مظاهر السيادة على الأرض اللبنانية إلى السلطة الدستورية وأن تتولى الحكومة كل المسئوليات والمؤسسات التي تتعلق بلبنان، واجتمع مجلس النواب فأيٌد الرئيس رياض الصلح بما يُشبه الإجماع.
أقر البرلمان تعديلات الدستور اللبناني في 8 نوفمبر 1943 فما كان من المفوض الفرنسي إلا أن أصدر تعليماته بحل مجلس النواب وتعليق العمل بالدستور واعتقال رئيس الجمهورية الرئيس بشارة الخوري ورئيس الوزراء الرئيس رياض الصلح كما قرر اعتقال الوزراء الرئيس كميل شمعون والرئيس عادل عسيران وسليم تقلا. وقد داهمت القوة الفرنسية منازل الرئيس بشارة الخوري ورئيس الوزراء الرئيس رياض الصلح ووزيري الداخلية والخارجية الرئيس كميل شمعون وسليم تقلا واعتقلتهم على الفور كما اعتقلت الوزير عادل عسيران في اليوم ذاته.
هكذا نرى الفرنسيين بروح لا تخلو من غطرسة القوة وقد اعتقلوا رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزراء وأعضاء برلمان، ووصل التعسف الفرنسي إلى أنهم حاولوا أن يعودوا إلى نهجهم القديم في تعيين المسؤولين بمعرفتهم على نحو ما كانوا يفعلون قبل توقيع معاهدة الاستقلال
واندلع الغضب الشعبي لا في بيروت وحدها وإنما في الوطن العربي كله، فقد كان الشارع العربي قد وصل إلى درجة عالية من الوعي جعلته ينتفض بالمظاهرات الصاخبة المؤثرة في كل المدن العربية مؤيدا لحق لبنان واللبنانيين، ولم يكن الجو الدولي في ذلك الحين يسمح باستمرار التعنٌت الاستعماري على الرغم من إرادة الشعوب على النحو المتسم بالتبجح بالمصالح الذي نعرفه الآن.
في بيت الرئيس
جمع النائب البرلماني المُخضرم الرئيس صبري حمادة النواب والوزراء صباح 11 نوفمبر وطالب بإلغاء الإجراءات التعسٌفية التي مارسها المفوض السياسي الفرنسي وأحاطت جماهير الشعب بمجلس النواب وتعالت الصيحات بشعارات وشارات الحرية والاستقلال، ووصل الذكاء بالرئيس صبري حمادة أن رفع علما لبنانيا جديدا مؤلٌفا من الأحمر والأبيض والأحمر في وسطه أرزة خضراء على اللون الأبيض واستعان هؤلاء الزعماء المستنيرون بحكومتي مصر والعراق وبالسفيرين البريطاني والأمريكي … وتواصلت الاحتجاجات والتظاهرات في لبنان كلها.
وفي اليوم التالي 12 نوفمبر اجتمع النواب في بيت الرئيس صائب سلام وقرٌروا منح الثقة للحكومة المؤقتة في بشامون التي تحولٌت إلى قبلة للبنانيين توافدوا إليها بالآلاف.
وفي صباح 15 نوفمبر عزز الفرنسيون وجودهم في العاصمة بعربات مصفٌحة وجنود سنغاليين لكن الحرس الوطني تصدى لهذه المصفٌحات.
ولم يمض أسبوع إلا وكانت فرنسا تتراجع وتُفرج عن الزعماء والمعتقلين، و هكذا اضطرت فرنسا إلى الإفراج عن الزعماء الذين استقبلهم الشعب اللبناني بمبايعة جديدة رسمت إطارا جميلا و رومانسيا لاستقلال لبنان. ومنذ ذلك الحين اعتُبر22 نوفمبر بمثابة يوم الاستقلال اللبناني وعيده.
لا يزال اللبنانيون يعتزون بما يسمٌونه وزارة الاستقلال الأولى التي تشكٌلت برئاسة الرئيس رياض الصلح وضمت خمسة وزراء بالإضافة إلى الرئيس رياض الصلح نفسه الذي جمع مع رئاسة الوزراء وزارة المالية أما الوزراء الخمسة فكانوا:
- سليم تقلا (1895 ـ 1945) وهو من الأرثوذكس، وقد عيٌن وزيرا للخارجية وللأشغال العامة وقد توفي بعد يومين من تشكيل وزارة عبد الحميد كرامي التي خلفت وزارة الرئيس رياض الصلح (يناير 1945).
- عادل عسيران (1895 ـ 1988) وهو من الشيعة، وزير الإعاشة والتجارة الصناعية، وقد عمل وزيرا لوزارات عدة ورأس البرلمان لسبع دورات نيابية. وقد لمع من عائلته لبنانيون وعراقيون وإيرانيون كما أن السياسي العراقي أحمد الجلبي هو زوج ابنته.
- الرئيس كميل شمعون (1900 ـ 1987) وهومن المارون وهو الرئيس الثاني للجمهورية، وكان في هذه الوزارة وزيرا للداخلية والبريد والبرق.
- حبيب أبو شملا (1902 ـ 1957) وهو من الأرثوذكس، وقد عُيٌن نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للتربية الوطنية ووزيرا للعدل وقد عاش بلا زواج ونال الدكتوراه من السوربون بعد أن كان قد تخرج في الجامعة الأمريكية ببيروت.
- مجيد أرسلان (1908 ـ 1983) الزعيم الدرزي كان وزيرا للدفاع الوطني ووزيرا للزراعة ووزيرا للصحة والإسعاف العام وقد ظل رئيسا للكتلة البرلمانية الدرزية من 1931 وحتى 1972
الأكبر سنا
ونلاحظ أن الرئيس رياض الصلح كان أكبر وزرائه سنا (1894) يليه وزيران ولدا بعده بعام واحد وهما سليم تقلا (1895) الذي توفي قبله وهو في الخمسين من عمره وعادل عسيران (1895) الذي عاش 93 عاما ثم الرئيس كميل شمعون الذي عاش حتى 1987، وحبيب أبو شملا الذي عاش حتى 1957 فقط (55 عاما فقط)، ثم أصغرهم و هو مجيد أرسلان الذي توفي عن 75 عاما.
وقد أردتُ بهذا التصوير أن أدل على هذا التجانس الذي كان طابع الفترة الأولى من حكومة لبنان قبل أن تتعدٌد الأجيال الموجودة على الساحة على نحو ما هو موجود الآن فكما نرى فإن الفارق بين أكبر الوزراء وأصغرهم سنا لم يتعد خمسة عشر عاما وهو ما مكٌن هذه الحكومة الفتية يومها (1946) من أن تصمد في مواجهة التعنت الفرنسي، وتحافظ على الاستقلال.
كما أن الطائفية التي كانت تبدو في جوهرها ومظهرها مزعجة كان من الممكن أن توجه توجيها يجعل منها أداة للالتئام والاصطفاف الوطني وليس أدلٌ على هذا من أن معظم أفراد هذه الوزارة لا يزالون كما نعلم موجودين من خلال ذريتهم في الحياة السياسية اللبنانية.
بقي الرئيس رياض الصلح رئيسا للوزراء حتى 10 يناير 1945 حيث خلفه الرئيس عبد الحميد كرامي ثم الرئيس سامي الصلح ثم الرئيس سعدي الملا ولكنه عاد إلى تولي رئاسة الوزارة في 14 ديسمبر 1946 واستمر في ذلك المنصب لفترة طويلة بمقياس لبنان ومقاييس ذلك الزمن حتى تم اغتياله في 17 يوليو 1951.
كان الرئيس رياض الصلح نائبا في البرلمان من 1943 ـ 1947 ومن 1947 ـ 1951 ومن 1951 حتى وفاته في نفس السنة.
يُحسب للرئيس رياض الصلح أنه كان قادرا على إدراك الحقيقة المنتبهة إلى ضرورة تشكيل سيادة لبنان قبل أن تجور عليها مطامع الإسرائيليين الصهاينة، وقد تحول مع الزمن من سياسي ذي آفاق عروبية وحْدوية إلى مسئول تنفيذي إقليمي ناط بنفسه قبل غيره المسئولية عن كيان لبنان الممكن قبل أن ينشغل عن نفسه بالكيان العربي الذي كله يعاني الصعوبات من أجل الوجود الفاعل والحي على النحو التاريخي المفترض.
كانت علاقة الرئيس رياض الصلح بفلسطين وبالزعماء الفلسطينيين وثيقة إلى أبعد مدى، وقد ارتبط بالصداقة وزمالة الكفاح مع الشيخ أمين الحسيني مفتي القدس، وبما أن أمين الحسيني كان أكثر نشاطا من الرئيس رياض الصلح وأكثر منه اندفاعا إلى الارتباط بمجتمع فائق النمو والحركة وقتها وهو مجتمع الألمانيين الصاعد في عهد هتلر، وقبل أن تكون هناك حروب مثل حرب 1948 كان بإمكان الرئيس رياض الصلح أن يجلس مع اليهود ويناقشهم على نحو ما كان صديقه الشيخ أمين الحسيني يفعل.
كان رضا بك الصلح والد الرئيس رياض الصلح قد نبه حين كان عضوا في البرلمان العثماني إلى خطورة الاستيطان اليهودي المتسارع المدعوم من الغرب، وكان الرئيس رياض الصلح منذ العشرينيات يبذل مساعيه ومساعدته للفلسطينيين الذين كانوا يتفاوضون مع اليهود الذين قدموا إلى فلسطين وبدأوا في البحث عن مشروعيته من خلال تفعيل وعد بلفور، وانضم الرئيس رياض الصلح إلى كثير من التجمعات العربية التي كانت تفاوض اليهود في مسألة طموحاتهم وعلى سبيل المثال فإنه كما يذكر باتريك سيل في كتابه عن قصة حياته انضم إلى ما كان يسمى اللجنة التنفيذية لحزب الاتحاد السوري التي فاوضت الصهاينة في القاهرة في مارس 1922 وكانت تضم العلاٌمة الأستاذ محمد رشيد رضا وكامل القصاب وإيميل خوري.
ونحن نفهم من كل هذه الأنشطة التي شارك فيها الرئيس رياض الصلح أن مهاراته السياسية تدربت على فهم تفصيلات كل ما هو ممكن وما هو مستحيل من هذه الأطراف الدخيلة على بلاد الشام والمدعومة بدعم غربي لا نهاية له من أجل الحيلولة دون وحدة بلاد الشام، والعمل على توطين اليهود بالطريقة التي تبلورت بعد ذلك، وهكذا فإن الرئيس رياض الصلح كان قد توصٌل إلى إعلان معارضته التامة لفكرة “وطن قومي لليهود” في الوقت الذي كان يرى الدأب الغربي في العمل من أجل هذه الفكرة بالتآمر والتفاوض معا وبالقوة والحيلة معا.
وقد انتبه الرئيس رياض الصلح مبكرا إلى ما كان يطمح إليه الزعيم الصهيوني وايزمان من إقامة مستوطنات في الجولان وحوران ولبنان! وهكذا كان وعي الصلح العميق لخطط الصهيونية عاملا محفزا له للحفاظ المبكر على لبنان من هذا التآمر الصهيوني الغربي على كل ما هو عربي.
الانقلابات
جاءت المرحلة الأخطر التي دفع الرئيس رياض الصلح ثمنا لها حينما بدأت موجة الانقلابات العسكرية تجتاح الوطن العربي فإذا لبنان الرسمية تواجه على أرضها واحدا من الطموحين إلى تكرار هذه الانقلابات كان يتميز عن المنقلبين العرب بخلفية أيديولوجية جذابة كانت كفيلة بتحويل الانقلاب إلى نواة حرب أهلية، كان هذا هو أنطون سعادة زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي انتبه الرئيس رياض الصلح ورفاقه (بمن فيهم الرئيس بشارة الخوري ) مبكرا إلى ضرورة وقفه عند حدٌه قبل أن تضيع دولة لبنان الوليدة في غمار الانقلابات العسكرية.
وهكذا كان الرئيس رياض الصلح ومن حوله زعماء لبنان الآخرين من كل الطوائف منتبهين إلى ضرورة التصدي لأنطون سعادة مبكٌرا قبل أن يستفحل أمره، وهكذا كان قرار الرئيس رياض الصلح واضحا استراتيجيا وتكتيكيا في الوقت نفسه، فلما تلقى أنطون سعادة دعوة الزعيم حسني الزعيم إلى الإقامة في سوريا وإلى اللقاء به (بعد سلسلة الاضطرابات التي اشتركت فيها جماعته في بيروت في مواجهة الكتائب اللبنانية) كان الساسة اللبنانيون بما عرف عنهم من قدرات التفاوض أسرع إلى الإحاطة بأنطون سعادة مستغلين أوراق الضغط بدلا من المواجهة المباشرة.
وهكذا نجح الضغط في أن يجعل الزعيم حسني الزعيم المندفع دائما بل السابق لغيره من الضباط الانقلابيين بخطوات يعيد تقييم موقفه من أنطون سعادة فإذا به يوافق على تسليمه للبنان بدلا من أن يرحب به، ولم يلجأ الزعيم حسني الزعيم إلى حل وسط من قبيل الإيعاز لأنطون سعادة بالهرب من سوريا بل إنه حسب الرواية وضع خطة جعلته هو نفسه يشارك بنفسه في خداع أنطون سعادة بأن دعاه إلى اللقاء به وإذا بأنطون سعادة الذي ذهب للقاء رئيس الجمهورية السورية يجد في انتظاره مدير الأمن العام اللبناني الذي قدم خصيصا للقبض عليه واصطحابه إلى بيروت أسيرا مقيٌدا، وكان هذا التصرف من الرئيس الزعيم حسني الزعيم تصرفا معيبا بكل المقاييس الأخلاقية والسياسية لكنه لا يُستغرب من رجال الانقلابات العسكرية.
وكانت خطة الزعيم حسني الزعيم أكثر سوءا من مجرٌد التسليم فقد كانت الخطة أن يتم قتل أنطون سعادة وهو في الطريق فيظهر للناس أن جماعة مارقة هي التي قتلته وهو يحاول الهرب!
لكن مدير الأمن العام اللبناني كان من اليقظة بحيث لم يمكن لهذا السيناريو من الحدوث، وذهب أنطون سعادة إلى بيروت مقيدا فحوكم في صباح اليوم التالي وحكم عليه بالإعدام وبقي التصديق على الحكم ولهذا التصْديق قصة عُرفت فيما بعد وسنرويها بعد أن نذكر أن التصديق تم وأن الإعدام تم وأن الثأر لأنطون سعادة من الرئيس رياض الصلح نفسه قد تم أيضا حين تم اغتيال الرئيس رياض الصلح في عمان عاصمة الأردن واستقر في ضمير التاريخ أن السبب الأرجح لاغتيال الرئيس رياض الصلح كان الثأر لأنطون سعادة ، وإن كان هذا لا ينفي الأسباب الأخرى وراء اغتيال الصلح التي ربما استطاع أصحابها أن يوظفوا جماعة أنطون سعادة (حتى من دون أن تدري ) في تحقيق غرض تقاطعت المصالح من أجله ، نقصد بهذا مصالح من أرادوا الثأر من الرئيس رياض الصلح لأنطون سعادة ومصالح من أرادوا اختفاء الرئيس رياض الصلح كي تضعف لبنان لمصلحة الجار الجديد.
أما ما كشفت عنه وثائق الدولة اللبنانية فيما بعد، وتبعا لما نشرته جريدة الحياة من ترجمة لكتاب باتريك سيل وما أشار إليه باتريك سيل من أوراق الأمير فريد شهاب التي نشرت سنة 2006 فإنه ” عند الساعة الثامنة مساءً في 7 يوليو، أصدرت المحكمة العسكرية حكم الإعدام على سعادة بموجب المادة 79 من قانون القضاء العسكري. وأرسل الملف إلى لجنة العفو التي أكّدت الحكم. بعد سماع دفاع المُدان، وقبل اتخاذ قرار في شأن مصير سعادة، دعا الرئيس بشارة الخوري إلى اجتماع حضره الرئيس رياض الصلح والأمير فريد شهاب، إضافة إلى حبيب أبي شهلا وغبريال المر، وهما مسؤولان بارزان من الطائفة الأرثوذكسية نفسها التي ينتمي إليها سعادة. وفقاً لملاحظة دوّنها الأمير فريد شهاب، قال الرئيس رياض الصلح: إنه لا يحب الإعدام. ولاذ الرئيس الخوري بالصمت، لكن أبي شهلا والمر أيّدا إعدامه”
يعقب باتريك سيل فيقول:
“لا شك في أنهما اعتبرا أن سعادة يشكّل خطراً على موقعهما المسيطر في طائفتهما. ظلّ هذا الجانب من ظروف إعدام سعادة مجهولاً لمدة تزيد على نصف قرن، ولم يكشف عنه إلا بعد نشر أوراق الأمير فريد شهاب في 2006”
الجدير بالذكر أن اعتقال أنطوان سعادة بطريقة الخداع من الزعيم حسني الزعيم تم ليلة 6ـ7 يوليو 1949 وأن محاكمته تمت طبقا لقانون الطوارئ الذي فرض في 14 مايو 1948 عند بداية حرب فلسطين وأن حكم إعدامه صدر طبقا للمادة 79 من قانون القضاء العسكري وأن لجنة العفو أكدت الحكم في نفس اليوم وبعد سماع دفاع أنطون سعادة.
أما بدايات الأزمة فقد حدثت مع إعلان الزعيم حسني الزعيم عن انقلابه فقد اجتمعت عقيدة الرئيس رياض الصلح وفارس الخوري على النفور من الزعيم حسنى الزعيم كديكتاتور بازغ على حدود دولتهم ولهذا فإن لبنان كان آخر من اعترف بحكومة الزعيم حسني الزعيم من جيرانه، وإذا بالزعيم حسني الزعيم نفسه يستقبل أعضاء المعارضة اللبنانية وكأنه يُكررُ في لبنان ما كان فعله في سوريا من تحت ذقن الرئيس شكري القوتلي.
وإذا بالأيام تكشف عما تحت الرماد إذ يتصاعد التراشق بين حركتين شبه عسكريتين وهما: الكتائب والحزب القومي السوري بل إن القوميين بدأوا الهجوم على مراكز الدرك اللبناني قرب الحدود السورية وفي الجبل وتجمع مؤيدون حزبيون لأنطون سعادة، والتقوا به حيث وزع عليهم الأسلحة والذخيرة بعد خطاب حماسي بالغ الحدة. وقد عالج الجيش اللبناني الأمر بحسم وجدية حتى بلغ عدد المعتقلين من أعضاء حزب أنطون سعادة والمتعاطفين معه 900 عضو.
الاغتيال
أما اغتيال الرئيس رياض الصلح ثأرا لأنطون سعادة فتم كما ذكرنا في 16 يوليو 1951 في عمان لكن محاولة سابقة كانت قد حدثت في 9 مارس 1950 وقد أصيب ثلاثة أطفال في هذه المحاولة الفاشلة وتوفي اثنان منهما في الطريق إلى المستشفى، وقُتل رجل كان يقف قريبا من الحادث بينما اخترق الرصاص كم جاكت الرئيس رياض الصلح دون أن يصيبه بالجروح.
نقل جثمان الرئيس رياض الصلح إلى بيروت ودُفن إلى جوار مقام الأوزاعي، وأُطلق اسمه على ما يعرف الآن بساحة (ميدان) الرئيس رياض الصلح بالقرب من ضريحه.
على كل الأحوال فإن الزعيم حسني الزعيم قتل أيضا، ومحسن البرازي قتل أيضا، والعميد سامي الحناوي اغتيل أيضا، وكأن فارس الخوري وأقرانه كانوا على حق في قرارهم الذي كان الرئيس رياض الصلح نفسه يريد أن يثنيهم عنه وهذه هي حال الدنيا ومفارقاتها.
بقي أن نميز بين بنات الرئيس رياض الصلح الخمس حيث تبدو المراجع حريصة على عدم التمييز بينهن، ونذكر أولا أن الرئيس رياض الصلح أنجب ابنا اسماه باسم أبيه رضا لكنه توفي رضيعا أما السيدات الخمسة فهن:
ــ السيدة علياء (1935 ـ 2000) التي تزوجها الكاتب الصحفي ناصر الدين النشاشيبي ثم اختلفا وقد أنجبا ولدين وقد عُنيت هذه السيدة بالتراث اللبناني.
ــ السيدة لمياء التي تزوجت الأمير مولاي عبد الله شقيق الملك الحسن الثاني وأنجبا مولاي هشام ومولاي إسماعيل ولالا زينب، وقد تعرٌفت على زوجها حين كانا يدرٌسان في السوربون.
ــ السيدة منى الصلح وكانت قد تزوجت الأمير طلال بن عبد العزيز 1933- 2018 وهي والدة الأمير الوليد والأمير خالد والسيدة ريما وقد انفصلت عن الأمير طلال في 1962
ـ السيدة بهيجة التي تزوجت السفير سعيد الأسعد الذي كان سفيرا للبنان في سويسرا وقد أنجبت منه ولدين وابنة.
ــ السيدة ليلى الصلح وهي صغرى بناته وكانت واحدة من أول وزيرتين في لبنان في وزارة عمر كرامي، وقد تزوجت الوزير مروان حمادة ابن الرئيس صبري حمادة رئيس مجلس النواب الأشهر.
تم النشر نقلا عن موقع الجزيرة مباشر
لقراءة المقال من موقع الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا