نبدأ بالقول بأن الشيخ الرئيس تاج الدين الحسني (1885 ـ 1943) كان رجل دولة من الطراز الأول كما كان زعيما حقيقيا جادا قادرا على الوصول إلى ما لم يصل إليه غيره، وكان مُخلصا من دون الإكثار من الشعارات والضجيج، كما كان نموذجا مُبكٌرا لرجل الدولة العاقل المُتزن المُنجز. وكما شهد له الرئيس فارس الخوري فإنه كان يتظاهر بالصداقة للفرنسيين لجلب أكبر نفع للبلاد، ودرء ما يُمكنُه درؤه من الضرر.
كان الشيخ الرئيس تاج الدين الحسني السياسي السوري الوحيد الذي استطاع أن يحصل من فرنسا على ضم جبل الدروز ودولة جبل العلويين إلى الدولة السورية بعدما كانت فرنسا تميل إلى خلق نزاعات انفصالية مُقلقة في هذه المنطقة.
بالإضافة لهذا فقد كان الشيخ تاج الدين رجل مؤسٌسات ورجل عمران وحضارة بل كان دليلا ذكيا على أن القُضاة الشرعيين هم أنسبُ الناس لقيادة الدولة في عهود الانتقال والاستقلال. وهي التجربة التي أفادت اليمن بعد ذلك.
صديقا لديجول
وقد بدأ الشيخ تاج الدين حياته قاضيا شرعيا، وورث والده في مجده العلمي على نحو ما كان العلماء الصالحون البارزون يرثون آباءهم في العصور الوسطى التي عرفت توارث العمل بالعلم المُمْتد عبر الأجيال.
نُثني بالقول بأن هذا الرجل كان صديقا للزعيم الفرنسي ديجول (1890 ـ 1970) وكان مبعث الصداقة بالطبع هو معرفة القادة الأذكياء بالقادة الحكماء، ونُشير إلى أن الشيخ الرئيس تاج الدين الحسني كان (فيما قبل الرئيس الأسد) هو رئيس الدولة السوري الوحيد الذي توفي وهو يشغل منصبه على رأس الدولة فقد توفي قبل أن يبلغ الثامنة والخمسين من عمره، وقد قُدر لأحد رؤساء الوزارة في عهد رياسته للوزارة وهو الرئيس حسن الحكيم الذي ولد في السنة التالية لميلاده أن يعيش 96 عاما حتى 1982.
درس الشيخ الرئيس تاج الدين الحسني الفقه الإسلامي على يد والده، وأصبح وهو في العشرين من عمره مساعدا شخصيا لوالده (1905) وعُين (1912) مدرسا في المدرسة السلطانية بدمشق، وعضوا في لجنة إصلاح المدارس، وفي 1916 أُسندت إليه رئاسة تحرير صحيفة الشرق التي كان يُصدرها حاكم سوريا جمال باشا السفاح وهكذا فإنه بسبب تولي هذه الوظيفة في عهد السفاح كان من القلائل الذين نجوا من إعدام جمال باشا لهم أو الحكم عليهم بالإعدام.
وعرفه الملك فيصل
بعد نهاية الدولة العثمانية أصبح الشيخ الرئيس تاج الدين الحسني عضوا في المؤتمر السوري العام، وعرفه الملك فيصل الأول في ذلك الوقت المبكٌر فعيٌنه مديرا للقصر الملكي وعضوا في محكمة التميز وعضوا في مجلس الشورى. فلمٌا انتهى عهد المملكة السورية آثر الشيخ تاج الدين أن ينتقل إلى باريس، حيث عايش الفرنسيين وعايش الحياة السياسية الفرنسية وعرف كثيرا من رجالها.
بدأ الشيخ الرئيس تاج الدين الحسني عهده بالسلطة حين طلب منه المفوض الفرنسي موريس ساراي تشكيل الحكومة ورئاسة الدولة (1925) لكنه فشل في تشكيل تلك الحكومة بسبب قوة الثورة السورية الكبرى المُندلعة والمندفعة في ذلك الوقت فاعتذر بعد أسبوع من إسناد المهمة إليه ما بين 29 ديسمبر 1925 و6 يناير 1926 ، وقد أعقب ذلك حكم فرنسي مُباشر تولاه الجنرال فرنسوا أليب (1886 ـ 1965) حتى مايو 1926 حيث كلٌف الرئيس أحمد نامي (1878 ـ 1963) برئاسة الدولة وبقي رئيسا حتى فبراير 1928 حيث عاد الرئيس تاج الدين الحسني فخلفه رئيسا للدولة والحكومة معا.
وقد ضمٌت وزارة الرئيس تاج الدين الحسني ضمن من ضمٌت العلامة الأستاذ محمد كرد علي رئيس المجمع اللغوي السوري وزير المعارف، كما دخلها رئيس وزراء سابق هو الرئيس جميل الألشي، لكن المعارضة لها كانت أقوى منها فقد كان كل من حزب الشعب والكتلة الوطنية من معارضيها.
تمكَّن الشيخ الرئيس تاج الدين الحسني رغم هذه المعارضة من إجراء الانتخابات (10 و25 أبريل 1928) للجمعية التأسيسية لوضع دستور 1928. وتشكلت هذه الجمعية التأسيسية من 68 عضوا وعقدت 15 اجتماعا برئاسة الرئيس هاشم الأتاسي أبو الجمهورية فوضعت ما عرف بدستور 1928 وهو الدستور الذي لم ينشر إلا في 16 نوفمبر 1931 وحاز رضا أقطاب الكتلة الوطنية، والمعتدلين معا، وبهذا أثبت الشيخ تاج الدين الحسني صلاحيته لأن يظل رئيسا حائزا على رضا السياسيين حتى مع معارضتهم له.
هكذا فإنه على يد الشيخ الحسني تحقق أول عهد استقرار للدولة السورية لم يُسبق إليه (فبراير 1928 ـ نوفمبر 1931)، وقد تمكَّن الشيخ الرئيس تاج الدين الحسني في عهده هذا أن يستصدر عفوا عاما عن جميع من شملتهم الأحكام الفرنسية مما عرف بالثورة السورية الكبرى (1925 ـ 1927) لكن فرنسا استثنت من هذا العفو سبعين شخصية وطنية بارزة كان في مقدمتهم سلطان باشا الأطرش (1891 ـ 1982) و تمكَّنالشيخ الحسني أيضا من إلغاء الرقابة عن الصحف.
وبناء على دستور 1928 الذي لم يعلن إلا في 1931 أجريت انتخابات 1932 التي اتهمها الوطنيون بالتلاعب من أجل الوصول إلى صيغة لا ينفرد فيها الوطنيون بالقرار.
عاد الشيخ الرئيس تاج الدين الحسني إلى رئاسة الوزارة في ظل المظاهرات التي اندلعت نتيجة رفض البرلمان لمعاهدة الصداقة والسلم مع فرنسا وهو ما تذرَّعت به فرنسا لتُنهي دورة مجلس النواب. وفي ذكرى أربعين الزعيم إبراهيم هنانو قرأ الرئيس فارس الخوري ما سُمي بالميثاق الوطني من مُدرَّج الجامعة السورية فأغلقت المحكمة مكاتب الكتلة الوطنية واعتقلت عددا من القادة كان منهم الزعيم سعد الله الجابري ووضعت شكري القوتلي وآخرين رهن الإقامة الجبرية ، وبدأ الإضراب الستيني المشهور الذي واجه حكومة الرئيس الحسني وامتد من سوريا إلى لبنان ، واعتزمت فرنسا قصف دمشق على نحو ما حدث في 1925 لكن التدخل البريطاني انتهى إلى لقاء بين الرئيس هاشم الأتاسي والمفوض الفرنسي في فبراير 1936، والاتفاق على تشكيل وزارة جديدة تتولى العمل لإبرام معاهدة جديدة مع فرنسا (فبراير 1936) فتشكَّلت وزارة عطا الأيوبي بينما آثر الرئيس الحسني الانتقال إلى فرنسا حيث بقي فيها إلى بداية الحرب العالمية الثانية (1939)
الرئاسة مرة أخرى
وفي 16 سبتمبر 1941 تولى الشيخ الرئيس تاج الدين الحسني رئاسة الجمهورية مرة أخرى وظل يشغل هذا المنصب حتى يناير 1943 حين أدركته الوفاة وهو رئيس للجمهورية. وقد عمل معه كرئيس للوزراء في هذه الفترة كل من الرئيس خالد العظم الذي كان يتولى رئاسة الوزارة ورئاسة الجمهورية بالنيابة منذ أبريل 1941 حتى تسلم الرئيس الحسني رئاسة الدولة منه، وسرعان ما ترك الرئيس خالد العظم رئاسة الوزارة أيضا (وكانت هذه هي أول مرة يتولى فيها العظم رئاسة الوزارة) فخلفه الرئيس حسن الحكيم سبتمبر 1941 ـ 1942 وكانت هذه أيضا أول مرة يتولى فيها الرئيس الحكيم رئاسة الوزارة وحسني البرازي أبريل 1942 ـ يناير 1943 وكانت هذه هي أول مرة أيضا يتولى فيها البرازي رئاسة الوزارة. ويدلنا هذا على ذكاء الرئيس الحسني في اختيار الساسة الذين لمعوا بعد ذلك بخبراتهم وقدراتهم.
وقد عانت فترة رئاسة الشيخ الرئيس تاج الدين الحسني من ظروف الحرب وقسوتها التي اضطرت حكومته إلى كل الإجراءات التي يكرهها أي شعب من رفع الضرائب ورفع سعر الخبز.
هل مات مسموما؟
تختلف الأقوال في سبب وفاة الشيخ الحسني ما بين أزمة قلبية أو السم أو مسؤولية بريطانيا عن هذا الاغتيال.
هكذا يمكن تلخيص علاقة الشيخ الرئيس تاج الحسني بالمناصب على النحو التالي:
تولى رئاسة الدولة السورية ثلاث مرات: كانت الأولى والثانية متصلتين، الأولى تحت الانتداب منذ 15 فبراير 1928 وحتى 14 مايو 1930 فلما أُعلنت الجمهورية الأولى في 15 مايو 1930 أصبح أول رؤساء الجمهورية تحت الانتداب الفرنسي 15/5/1930 – 19/11/ 1931 ثم تولى رئاسة الجمهورية مرة ثالثة في عهد الجمهورية السورية الأولي أي التي أعقبت معاهدة 1936 وكان هذا في 16 سبتمبر 1941 وحتى 17 يناير 1943 خلفا لخالد العظم. وقد تولى رئاسة الوزارة ثلاث مرات كانت أولاها لفترة قصيرة لكن الأخريين كانتا لفترات طويلة:
- 29/12/1925- 6/1/1926 أي لمدة أسبوع لكنه لم يشكلها
- 15/4/1928- 19/11/1931 (أي لمدة 43 شهرا)
- 16/3/1934- 22/2/1936 (أي لمدة 24شهرا)
تم النشر نقلا عن موقع الجزيرة مباشر
لقراءة المقال من موقع الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا