الرئيسية / المكتبة الصحفية / موقف اليسـار من الانفتاح والسياسة الاقتصادية في 1977

موقف اليسـار من الانفتاح والسياسة الاقتصادية في 1977

منذ أربعين عاما كنت ولا أزال أبحث عن موقف عملي أو عملياتي واضح لأقطاب اليسار المصري من الأزمة الاقتصادية التي عبرت عنها قرارات ومظاهرات 1977 فلا أجد. وكنت أتعجب من أن أجهزة الأمن والأقلام المرتبطة بها تلقي بالعبء على اليسار بينما اليسار نفسه يساعد أجهزة الأمن بسلبيته النظرية حيث يتقاعس عن تقديم رؤية واضحة لطلباته أو مقترحاته أو سياساته البديلة على نحو ما يحدث في الغرب.

ومع الأيام كنت أتابع النصوص اليسارية المتاحة فلا أجد وضوحا في الفكرة إلا عند واحد فقط هو أستاذنا الدكتور إسماعيل صبري عبد الله، ولا أجد عناية بالأرقام ولا المقارنات ولا المعدلات ولا التناسبات والنسب إلا في بعض أعمال منها أعمال صديق هو الدكتور رمزي زكي وفيما عدا ذلك فقد كان أستاذنا الدكتور محمد حامد دويدار محاضرا، وأستاذنا الدكتور فؤاد مرسي رمزا… وهكذا

في محاضر أول مناقشة برلمانية عقب مظاهرات يناير 1977 وجدت أن اليساري الأول خالد محي الدين أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة والذي حصل على بكالوريوس التجارة كان عاجزا بوضوح عن تقديم خطة أو تصور مكتفيا بما يفعله الصحفي الشاب حين يكرر الحديث بما أحبه من نصوص متداولة. وها هو خالد محي الدين يتكلم بنفسه في البرلمان المصري صبيحة المظاهرات (مجلس الشعب 20 يناير 1977) وقد كان هو نفسه عضوا في البرلمان، ويتناول بعض المسائل العمومية فيقول:

• ما حدث كان نتيجة لصدور قرار سياسي لم يعد له سياسياً وإعلامياً بطريقة جيدة، فكان رد الفعل، وكان الانفجار لا سيما أن الأرضية في مصر مهيأة لمثل هذا العمل من مدة طويلة، لوجود فوارق طبقية ومظاهر ثراء بجانب مظاهر الفقر.

• القرارات الخاصة برفع الأسعار ألغيت، ولكن المشكلة لا زالت موجودة، وستظهر موجة من ارتفاع الأسعار بعد ستة شهور، عندما تظهر نتائج السعر التشجيعي للدولار.

• ما دامت القضية قومية، يجب على اللجنة الفنية المشكلة لدراسة الوضع الاقتصادي، واقتراح البدائل، أن تستمع لجميع الاقتصاديين من مختلف الاتجاهات، حتى لا نكون أسري لاتجاه اقتصادي واحد.

• مشكلة مصر أنه لا توجد بها تنمية منذ عام (1967)، نظراً للإنفاق العسكري، وأن مصر تنفق أكثر مما تنتج. على هذا النحو فإننا نكاد نرى أن سمة العمومية والتنظير العمومي تمثلان الطابع الذي يفرض نفسه على الآراء الاقتصادية والتنموية لخالد محيي الدين وبل إن هذه السمة تظهر في ثوابت اليسار المصري التي وردت بأفضل صورة تحريرية في كتاب “ملف الرئيس عبد الناصر: حوار اليسار المصري مع توفيق الحكيم”.

وعن هذا الكتاب ننقل هذه الفقرات الموحية والدالة:

” فيما يتعلق بمسألة الانفتاح الاقتصادي: فاعتقادي أن اليسار قدم، في خلال الشهور الأربعة أو الخمسة الماضية، آراء عن السياسة الاقتصادية. وقد تم تقديمها في عهد وزارة د. عبد العزيز حجازي”. “وكان لليسار تحفظاته على ما قامت به حكومة د. حجازي من إجراءات تتعلق بالانفتاح. وذلك على الرغم من أن سياسة د. حجازي في الانفتاح لم تعد هي نفسها مقبولة الآن”.

لكن الخطاب اليساري ظل يتحدث عما يقول إنه قدمه بما لم يقدمه في الواقع إذ انه قدم علما ولم يصف دواء محددا كما نقول في الطب: “اليسار قدم وجهة نظر مقابلة، وأضرب مثلا لذلك ما كتب في ” الطليعة ” طوال الخمسة شهور الماضية، سواء عندما ناقشت السياسة الاقتصادية لوزارة د. حجازي أو عندما ناقشت السياسة الاقتصادية لوزارة ممدوح سالم. فهناك بديل لهذه السياسة. ونحن – كما قلت أكثر من مرة – لا نرفض الانفتاح، ولا نرفض رأس المال الأجنبي، لأننا نعلم أن مصر تواجه أزمه. ولكننا نقدم حلولا تحافظ على الهياكل الرئيسية للاقتصاد الوطني”.

“.. إن ما نقدمه، وما هو مطلوب هنا ليس برنامجا بالمعني الدقيق، بل، على الأصح، سياسة اقتصادية بديلة تؤدي إلى إخراج مصر من الأزمة. وفي هذه الحالة، فاني أري فيما كتبته ” الطليعة “، وما قلناه، نحن في جلسات هذه الندوة، يمكن أن يوصلنا إلى هذا. ثم يضع مفكرو اليسار العقدة في المنشار بذكاء وتعالٍ وكأنه ليس حزبا ولا تنظيما:

” وأوضح اليسار، أن الانفتاح يتطلب استعدادات خاصة – لابد من توافرها – لحماية الاقتصاد القومي”. “… قال اليسار رأيه في رأس المال الأجنبي. وأثبت تطور الأحداث وأثبتت التجربة صحة رأي اليسار بدليل ان الحكومة تسعي منذ سنة – مثلا – إلى تخفيض الأسعار والي تقليل الفروق بين الدخول”. ثم يكرر الخطاب اليساري ذكر بديهيات سريعة تتعلق بالآثار الاجتماعية للسياسات الاقتصادية:

“.. إن السياسة الاقتصادية التي تصر عليها الحكومة تعود، مرة أخري لتعميق الفروق، وترفع الأسعار، أكثر فأكثر. والسبب، هو أن سياستها الاقتصادية تؤدي إلي فتح الباب أمام شرائح من القطاع الخاص هي تضخمية بطبيعتها، لأنها تعمل في الخدمات والسياحة والوكالات التجارية.. الخ. وهذا كله يخلق قوي شرائية لا يقابلها إنتاج: هي حالة من التضخم المستمر، والنمو في الثروات لا يقابلها إنتاج. “

تم النشر نقلا عن مدونات الجزيرة

لقراءة التدوينة من موقع الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية التدوينة إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com